بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 17 أغسطس 2013

                           جبل الثلج -6                                    9/8/2010
                              ــــــــــ

 مفتاح بوعجاج
         
 ــــــــــــــــ

      ما يميز ألصحافه الالكترونية هو أنها أوجدت هذه الجدلية (إن احسن استخدامها) بين الكاتب والقراء ،الكاتب من خلال كتاباته والقراء من خلال تعليقاتهم (اقصد التعليقات الموضوعية) ومن ثم تواجدت هذه (الديالكتيكيه) ان صح التعبير والتي تأتى بالفكرة ونقيضها لتولد فكرة أخرى جديدة وعليه حتى وان أردنا إنهاء الموضوع فأنه طبيعيا لن ينتهي بل تتوالد الكثير من الأفكار والرؤى وخاصة في جو من الحرية والاطمئنان والتشجيع ... ويبدوا ان مؤسسّي ومثقفو الحضارة الغربية قد تفطنوا باكرا لهذا الأمر ففرقوا بين الأفكار والفلسفات التي تبنى الأوطان والأمم وتلم الشمل وتجبر العقل وتفتح معاقله واختصروها وحددوها واتفقوا عليها، وبين الايديالوجيا النظرية التي تحتاج لزمن ومناظرات وصراعات فكرية لتطويعها على الواقع.. وأنا هنا لست من مؤيدي الكلام الفلسفي الانشائى اللغوي الغير هادف إلى حرية الإنسان مباشرة والهادف فى النهاية الى إرساء المجتمع الديموقراطى بالمعايير الحديثة، بسبب قناعتي بأنه لو كان تقدم الأمم يقاس بما أنتجت من هذا الجانب اللغوي والكلامي  ، لكانت الأمة العربية والإسلامية اقوي وأفضل الأمم لما تملكه منها ، وقد يقول قائل ان الأمم الغربية (وأنا هنا اقصد أوروبا وأمريكا الشمالية وتوابعها تحديدا) لديها أيضا هذه الكم الهائل من الحضارة الفكرية والفلسفية ومع ذلك لم يلهيها ذلك عن التقدم والنماء والبناء المادي ،لهذا أقول ردا على ذلك ، ان تلك الفلسفة وتلك الحضارة الفكرية الغربية كانت  منصبة تماما على بناء القاعدة البشرية وتنميتها بشكل صحيح وهدفها الواضح والكبير والمحدد كان حرية الفرد وبناء المجتمع وشاركت في حركة التنوير الحقيقية المباشرة بحيث أوجدت هذا الإنسان الحر السعيد حتى بفقره في فترة زمنية ما ، ليقوم بدوره ببناء هذه الحضارة المادية التي نعجب بها ونأكل ونلبس من إنتاجها حتى وان أنكرنا ذلك لينطبق علينا قول (يأكلون الغلة ويسبون الملة).
..أما حضارتنا الفكرية والإنشائية والفلسفية والكلامية واللغوية رغم جمالها  أنتجت لنا للأسف هذا الاختلاف  والانشطار والتناقض والتقليد الأجوف وحياة الاتكال والاختلاف والاستهلاك رغم دقه وحكمة وجمال تلك الكتابات والفلسفات من حيث اللغة والمعنى...بل يبدو أنها لسبب ما قد فأقمت المشكلة وزادتها سوءا، فكل مواطن وكل مفكر وكل مثقف وكل مسئول لديه رؤيته الخاصة عن معنى الديمقراطية وعن الاقتصاد وعن الحرية وعن الجمال وعن الموسيقى وحتى عن معنى الهزيمة ومعنى الانتكاسة ومعنى النصر بل لا زلنا نختلف في كيفيه حل قضية العرب المركزية فلسطين كما يقال (ونحن بالطبع فطاحل فى اللغويات) بل حتى أصحاب الشأن وهم إخواننا الفلسطينيين اختلفوا اختلافا جذريا وتم الانفصال على الأرض بل وصل الانقسام داخل البيت الفلسطيني الواحد..فأحدهم فتحاوى والأخر حمساوى ويبدو حتى ان الفتحاويين انقسموا فيما بينهم وكذلك الحمساويين.. ولا نزال كمزيد من الأمثلة حتى فى القرن الواحد العشرون نتناقش ونتهارج ونتعارك عن أشياء تجاوزها العالم الأخر سواء الغربي وحتى الأمم الشرقية المتقدمة كمثل هل الاختلاط الجنسين في التعليم جائز ام غير جائز فى مجتمعاتنا ؟ وهل الصور والتماثيل والصور التشكيلية حرام أم حلال وفوجئت بسؤال احدهم  عن هل الاستماع إلى الموسيقى جائز أم لا ؟.. بل قرأت جدالا غير ذات جدوى وبدون نتيجة عن هذا الموضوع على احد المواقع؟؟ ولو طرحت هذا السؤال ألان على قراء هذا المقال لجاوبنى المئات إجابات مختلفة وكل لديه ما يؤيد قوله ورأيه !!
   لا يقل لى احد أن الحل بالعودة إلى الأصول !،،اى أصول  وقد اختلفنا عليها بل أن الأصول نفسها وفى عقر دارها وفى وقتها كان الاختلاف وكان الجدال وكان القتال وان أردنا استدعائها فأي منها يصلح لظروفنا وهل نصل إلى اتفاق عليها؟؟

وهذا لا يعنى ان كل ثروتنا الفكرية التى أورثتنا هذه الثقافة هى غير مفيدة ولكن  يبدو ان أصحاب الكلمة الحقيقية التى تصب فى بناء الإنسان والمجتمع عموما قد سادهم الصمت او واروا أسفارهم او هاجروا لأسباب  كثيرة لتحل محلهم أبواق الرجال والنساء الجوف وحملة الدفوف والبناديرالذين لن يستطيعوا ان يعيشوا  إلا في هذا السوق العكاظي ،، وتحل محلهم الفكرة الوحيدة والرأي الوحيد والذي ينطبق عليه القول( If you are all thinking the same,  you are not thinking at all) (ان انتم تفكرون بنفس الفكرة ونفس الرأي، فهذا يعنى أنكم لا تفكرون على الإطلاق!) .. ..رغم انه في حقب كثيرة من تاريخ الشعوب تنحسر الكلمات الحقة الشجاعة ولا تظهر ولا يبقى على السطح الا  ألفاظ وكلمات التأييد والنفاق والموافقة وهز الرؤوس ...ولكن هذا لا يعنى عدم وجود الكلمات الصادقة التي تتسلل بهدوء الى ضمائر الشعوب عن طريق أدوات أخرى  كالأدب والموسيقى الشعبية والفن عموما وبهذا نعرف مدى ما يصيب تقدم الشعوب وحضارتها ان نحن أسكتنا الفن والموسيقى والأدب ومنعناه او حتى حرّمناه ؟ ومن ينادى بذلك فقد شارك فى التخلف والتقهقر سواء يدرى او لا يدرى؟
  أنها أسئلة وأحجية واستفسارات سنظل ندور حولها وسيظل جبل الثلج يزداد اتساعا طالما لم يقم أهل الحل والربط والوطن بمواجهتها وخلق ثقافة جديدة وخطاب حضاري جديد تجعل من الإنسان العربي والمسلم غير الذي نراه (فالكرب بخت الرجال) كما يقال.
مفتاح بوعجاج       9/8/2010
 

  
                                      جبل الثلج -5
                                    ----------

الكاتب : مفتاح بوعجاج




   لقد وردتني رسائل كثيرة وتعليقات تخص مقالات (جبل الثلج) والتي نشرتها على صفحات جيل –ليبيا الالكترونية  ابتداء من 03/11/2009 (الحلقة الأولى) وحتى 11/05/2010(الحلقة -4) وقد استقر فى ذهني وخاطري أن أقوم بالرد الموضوعي وليس الشخصي على تلك الرسائل والتعليقات في مقال مكمل ,,ولا أنفى اننى قد استفدت كثيرا من تلك الرسائل والتعليقات بل هناك من كانت لديه أفكار وأراء مكملة وكان مبعث سروري هو هذا الحراك الثقافي والذي يظنه الكثير وأنا كنت منهم انه هامدا صامتا جامدا إلا أن ماحدث كان العكس تماما وهو شيء مفرح وسار ويبدو من خلال تلك الردود والتعليقات أن الجميع يبحث عن اجابةلاسئلة كثيرة أصبح كثيرا منها تاريخية مثل :لماذا تقدموا هم وتأخرنا نحن؟.. وهل تدور الأفكار والندوات والكتابات والبحوث والمؤتمرات عندنا فى حلقات مفرغة ؟ وكيف يتم التعايش بين الرؤى والأفكار بدل المواجهة؟،،،ومما لاشك فيه ان هذاالامر تحول إلى همّ على القلوب وفى النفوس "" كما تحول على الأرض الى تعصب وانقسام وانشطار وصل حتى الى الانقسام الاجتماعي بين مؤيد للحياة الغربية والى عائد للماضي والسلف وبين هذا وذاك محتار يأخذ من هذا وذاك وفى جميع الأحوال ضاعت الأصالة وضاعت المعاصرة واختلط الزبد بالطحين كما يقولون فلم نصل حتى ألان إلى مجتمع راضى عن نفسه حتى فى نشاطه ومناسباته الاجتماعية اليومية   وانعكس   ذلك على الأرض فى ندوات ومباريات كلامية ونقد لسياسات الدول العظمى ولطريقة لعب البرازيل فى كأس العالم وكذلك نقد لموتور سيارات الهمر الأمريكية ويدور هذا النقاش والنقد على فراش صيني في خيمة   احتلت الشارع الرئيسي الحديث وكأنه أصبح نجعا مصغرا وسط أقواس اللوح المزدانة بأضواء الكهرباء المسروقة ومنعت الناس والسيارات من المرور فيه .كما اختلطت مناسبات الأفراح عندنا بالعادات والممارسات الغربية والعادات والممارسات المحلية فتحولت سياراتنا إلى خيول وأحصنة تتسابق وتلهد في الشوارع على أساس أن(الميز طرب) وترى سيارات ألفجعه(تسمية ليبية شعبيه لسيارات تويوتا خيمة) حاملة لتلك الخرفان متجهة بها إلى حيث حتفها ولكن فى موكب يصم الأذان زئيرا فى موكب يحتل الشارع وما عليك الا الانتظار حتى وان كنت مسعفا لمريض او متجها الى ميعاد عمل ، كما تأتى الهدايا فى مناسباتنا مغلفة بأوراق الهدايا الحديثة على ان يتبعها خروف يذبح على الطريقة الليبية ..وهكذا
    كل ما يطلبه الكتاب و المثقفون في بلادي للإجابة عن مثل هذه الأسئلة والمشاركة في إثراء الموضوع وفك هذا الاشتباك او خلطه بطريقة صحيحة، هو الحرية في إبداء الرأي بشكل متحضر ومؤدب مع ضرورة التزامهم بوحدة من نتكلم ونتحدث من اجله الا هو الوطن والأمة  واحترام رموزه التاريخية والوطنية ليظهر هذا الحراك فى اتجاه واحد ومثمر وبناء، ولكن بآراء متعددة حيث ان الاختلاف لا يفسد للود قضية طالما اتفقنا على الأصول ومن ضمنها احترام الحريات الشخصية واحترام المعتقدات الدينية للجميع وعدم فرض المعتقدات على الآخرين(تطبيقا لنص انه قد اختلف معك فى الرأي ولكنى سأدافع عنك حتى الموت لتقول رأيك) ويأتي تقييم المواطن بمدى تقبله للراى الأخر فى ظل ثوابت وطنيه أدبيه إنسانية تمثل الأرضية المشتركة ابتعادا عن عن تلك الدكتاتورية الاجتماعية التي أفرزت وجهات نظر قطعية لا حوار معها كأننا مجموعة من الصم والبكم تتحاور مع بعضها بدون نتيجة  .
  يمكن لي هنا الإشارة الى بعض الآراء (ليس كلها) التي وردتني فى بعض النقاط هي:
*كثير من القراء يتفقون على ان هناك تخلف فكرى ثقافي مادي انسانى حضاري تنموي فى مجتمعاتنا وهو الأمر الذي جعلنا نضل الطريق والوسيلة والرؤية..ولكنهم يختلفون فى الأسباب ويختلفون كذلك فى طرح الحلول ..وهذا الاختلاف في الأسباب والحلول كان متباعدا جدا ومفجعا فكان مشطورا انشطارا لا يمكن تجميعه(وهذا دليل على احتياجنا الى قاعدة فكرية تستوعب التناقضات الفكرية وجعل الاختلاف ليس غاية فى حد ذاته وإنما وسيلة للبحث وإيجاد الحقيقة)..هناك من طرح التطرف و وهناك من طرح الاعتدال ..وهناك من طرح العلمانية ومن طرح السلفية  وهناك من طرح القومية ومن طرح الأممية ..وهناك من طرح الديمقراطية ومن طرح الدكتاتورية ..ومن طرح الغرب ومن طرح الشرق وهكذا كان الشيء ونقيضه.
* ان هذا الاستقطاب الحاد يوصلنا بلا شك اذا استمر الى الإرهاب الفكري والذي نلاحظه في طريقة وأسلوب نقاشنا وحياتنا وطرح أرائنا بحيث جعلت الكثير منا لا يريد ان يرى الا نموذجا فكريا واحدا ويرفض كل الأفكار الأخرى فمثلا الاصاله عند البعض هى ان ننقطع تماما عن العصر.. والمعاصرة تعنى عند البعض ان ننقطع تماما عن تراثنا وهكذا، ،ولهذا يجب التأكيد والاعتراف والإذعان على ان الاتفاق على فكر واحد جامع شامل لهو ضد منطق الأشياء والتاريخ بل على العكس من ذلك قد يكون الاختلاف فى الفروع بشرط الاتفاق على الأصول والبديهيات ، هو ظاهرة قوة لا ظاهرة ضعف ,,وهذا الإرهاب الفكري مر بتاريخنا الاسلامى والعربي كثيرا ولا يزال، وفى اعتقادي جازما انه كان ولا يزال احد أسباب التخلف المادي والفكري والتنموي الذي ساد ويسود منطقتنا ،حيث لا مناص في ان العقل المتفتح والمتنور والقابل للمناقشة، هو الذي سيقود التنمية الصحيحة بجزأيها المادي والفكري فمن خلال الحقيقة التاريخية يتضح انه لم تبنى حضارة على عقل أهبل متخلف متعصب.
   وأرجو ان لا يتهمني احد بأنني قد حدت عن مواجع ومعاناة وهموم  اهلى وقومي على الأرض وهى كثيرة لا تعد وبدأت اهذى عن النجوم والاستشعار عن بعد كما ذكرت فى نقدي لبعض شرائح المجتمع فى مقالات جبل الثلج ,,الا اننى وجدت ان الحلول الأساسية لمشاكلنا حتى اليومية لن تأتى الابعقل مستنير مضاء وطني متحضر قابلا وشاملا لكل الآراء وبإستراتيجية كاملة يضعها هذا العقل بعيدا عن التعصب فى الفكر والرأي وصدقوني  لن يستطيع عقل مكبل بقيود مهما كان شكلها ان يبدع او ان يشارك فى وضع هذه ألاستراتيجيه التنموية الشاملة.
   لم تتقدم امم الغرب الا بتخلصهم من الإرهاب الفكري   بأشكاله المختلفة الذي ساد منطقتهم أيضا بحيث نكون منصفين، الا ان محنتنا العقلية قد تكون اكبر لكوننا لا نزال مصرين على تخلفنا رغم ورود الدلائل التاريخية والمادية والتى مرت بشعوب وامم قبلنا والتي ندرس تجاربها ونحفظ دروسها ونستذكرها لكى ننجح فى الامتحانات الورقية فقط.. لا لكى ننجح فى الحياة ...فعندهم مثلا قال العالم (دى روفيس) ردا على ماكانوا يعتقدونه فى الغرب فترة من الزمن :ان قوس قزح ليس قوسا حربيا بيد الله ، بل هو انعكاس أشعة الشمس على نقاط من المياه والتى تفتت الى الوان الطيف المختلفة والتي ثبت صحتها علميا فيما بعد،،،فتم حبسه حتى مات وتمت محاكمة جثته وكتاباته والكل يعلم محنة من قال بكروية الارض ودورانها حول الشمس عندهم والتى تبارى الكثيرون عندنا فى ملائمة هذه الحقائق العلمية مع ما يحملونه من فكر ولولا وجود تلك الحقائق العلمية على الأرض وأمام أنوفهم لكان لهم رأى اخر حيث ان ارائهم كثيرا ما تسبق الاراء العلمية ،،والتاريخ شاهد على ما محنة العالم والفيلسوف الاسلامى العربى ابن رشد من محاكمات وحرق لكتبه وأوراقه ايام كانت الفلسفة ام كل العلوم ,,, ورغم ذلك أصبحت فلسفة وتراجم وكتب ابن رشد قاطرة شاركت فى تقدم أوروبا وعصر التنوير؟ الفرق بيننا وبينهم هى انهم تجاوزو هذا الإرهاب الفكري وامنوا بأن العقل والعلم والمنطق هو الأساس لتقييم الأشياء وانه ليست هناك حقيقة كاملة وان الحقيقة تأتى بالحوار والنقاش الحر الهادف و قد يزدرون و يحاكمون من لا يحكم العقل بل ويكرمون علماؤهم بدل ما كانوا يحاكمونهم ..ولحديثي بقية.
   
 



                                 

   جبل الثلج- 4                                                     

مفتاح بوعجاج    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عندما حاولت الانفكاك من هذا الموضوع الذي تم إثارته على صفحات جيل الالكترونية خلال الفترة الماضية تحت عنوان جبل الثلج بحلقاته الثلاث( واعتقد جازما بأن هذه الحلقة هي امتداد لتلك الحلقات لن يستقيم فهم ما ذكرته هنا بدون الرجوع لتلك الحلقات حتى لا اتهم بالتقصير فى القفز على المواضيع في مقالي هذا) ..ما انفك هذا الموضوع يعود إلى خاطري بشكل يومي ومتكرر لكونه أصبح هو الاجابه الوحيدة على تساؤلاتي المتعددة عن ما أراه من مظاهر الحياة أليوميه على مستوى الأفراد أو حتى على مستوى مؤسسات الدولة من انعكاس للعلاقات التي تم بناءها بناءا على تلك الزاوية المغلوطة التي نظرنا  من خلالها إلى  الحضارة الغربية والتي لم يوافقني البعض على تسميتها بالحضارة رغم استمتاعهم واستخدامهم لمنتجات تلك الحضارة ابتداء من البذلة وربطة العنق وانتهاء بالمحمول والموضوع جانب ذلك الشخص على الطاولة أمامه و الذي يتحدث  بصوت عالي ومتهدج عن تخلف الغرب ومحاولات الغرب التدخل في المجتمعات العربية بوسائلهم(الخبيثة !!) لفك اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي المتين الذي يربط المجتمعات العربية والمسلمة  وضرب هذا الإنتاج الوفير والمتكدس للوطن العربي والاسلامى حتى نصبح (لا قدر الله) مستوردين لإنتاجهم وأدواتهم وأدويتهم وسياراتهم ومناهجهم ومصانعهم وحتى أحذيتهم  !! ..  

     لقد أثيرت فى الفترة الأخيرة الكثير من التساؤلات البريئة عن أسباب الانحدار الاخلاقى في ملاعب كرة القدم التي أصبح الليبيون صغارا وكبار يعشقونها(بعد أن غابت عنهم سنينا) بشكل تجاوز محبة الوطن وأصبح ولاء الليبيين مشتتا بين حب هذا الفريق أو ذاك وطالب الكثيرون كتسطيح للمشكلة كما عودنا أنفسنا  ..باقتراح وضع حلول سريعة منها الامنى ومنها القانوني  وتناسينا أننا قفزنا كمحاوله لتقليد الغرب في بناء الفرق والأندية  والملاعب (وهى لا شك اختراع غربي بحت يظهر في الجانب الظاهر من جبل الثلج) وأهملنا بناء المجتمع السوي تربويا وعلميا وأخلاقيا وقانونيا ومدنيا أولا من خلال مؤسسات التعليم والتربية الوطنية(الجانب المغمور من جبل الثلج) ولذلك جاءت النتيجة الطبيعية لما نراه من سلوك إنسان انتقل فجأة من مكان به معارك على الأرض بالأمواس والسواطير والهراوات والعصي بعيدا عن العقل والتعقل والمدنية إلى ملعب معشب على كراسي حديثة فأستعمل نفس الأدوات والأسلوب وزاد عليه من عنده كما رأينا . وهذا ينطبق على  اى ظاهرة مستهجنة فى مجتمعاتنا حيث تسبب الانتقال المفاجئ وحرق المراحل الطبيعية وعدم رؤيتنا لجبل الثلج القابع تحت المياه والذي به أسس الحضارة والتقدم ..تسبب في  إظهار كل هذا السلوك الملتوي والمشين  والذي يراه كل من به بصيرة....

   ان التجزيئيه فى التفكير(والذي نتج عن عدم رؤية جبل الثلج كاملا) وعدم الشمولية  هي التي تجعل من تفكيرنا ينصب  دائما على جزءا من المشكلة وليس المشكلة ككل وبالتالي يأتي الحل دائما مبتورا وناقصا وتكون النتيجة عدم الوصول الى حل جذري كما تأتى حلولنا ..ان أصبنا.. لمعالجة الإعراض وليس المرض الاصلى..كثيرون من المرضى الليبيين الذين غادروا بلادنا الى تونس بحثا عن علاج يأتون مذهولين ومعجبين بذلك الدكتور التونسي الذى أعطاه علاجا ابراه من سقمه بعد ان شخص مرضه تشخيصا دقيقا الامر الذى لم يجده فى بلاده التى يصرف فيها على قطاع الصحة مئات الملايين  ..احدهم قال لى ان والدته المسنة تم تشخيصها فى مستشفيات بلادنا على ان نبض قلبها غير مستقر ومتذبذب وبالتالي تم صرف دواء على اساس هذا التشخيص وهو دواء لتنظيم دقات القلب ..واستمر الحال هكذا الى ان ذهبت الى تونس وبعد التحاليل والمراقبة اتضح ان التشخيص فى ليبيا كان صحيحا  وهى ان نبضات القلب غير منتظمة ولكن السبب لم يكن من القلب مباشرة بل كان السبب  هو نزول صديد من اللوز الملتهبة فى الحلق والتى تؤثر على القلب فتم صرف علاج لهذه الالتهابات فى الحلق واوقف علاج نبضات القلب .وانا هنا لا اقلل من اجتهادات وجهود اطبائنا ويجوز ان يكون التقصير هو من عدم توفر اجهزة التحاليل والمعدات والبيئة المناسبة للوصول الى نتائج افضل مما جعل اجتهاد أطبائنا بشريا يمكن ان بصيب او ممكن ان يخطىء فى هذا القطاع الذى نصب فيه جام غضبنا على  العاملين به عند مرض احبائنا وننسى ان صحة المواطن هى نتاج بيئة متكاملة ومنظومة ثقافيه وطنية تعليمية اجتماعية اكبر حتى من امانة الصحة  وليست قصرا على طبيب يلتجئ اليه المواطن  فى اخر المشوار.

     لقد تم تجاوز تفكيرنا عند إخواننا فى تونس فى المدرسة الطبية, حيث أصبح تفكيرهم وبحثهم منصبا على الأسباب بينما لا زلنا فى مرحلة النتائج  حيث نعالج النتائج بينما الأسباب لا تزال موجودة  التى تستمر فى فرز المزيد من الأعراض وبدون توقف...ويبدو ان الطبيب التونسي يعمل من خلال منظومة صحية قانونية اجتماعية متكاملة تم فيها الاستعانة بما هو موجود بأسفل جبل الثلج.

   كما أننا لا نستغرب هذا الكم الهائل من الحفريات فى شوارع بلادنا طالما تفكيرنا تجزيئيا وليس شموليا ..فالكهرباء تفكر وتخطط لوحدها والبريد كذلك وشركة المياه و سيأتي الغاز لاحقا..  ايضا وأحيانا  تلتقي كل هذه الجهات مع حفر المواطن بحثا عن خط مياه او كهرباء ،تلتقي فى نقطة واحدة فى شارع ما يسألون بعضهم بعد التعارف ويتفقون ميدانيا على تنسيق نقطة التقاطع.. وليس مستغربا ان يأتى بعده طريق للمواصلات يحفر الجميع ,,بينما لو نغوص فى جبل الثلج لنجد انه منذ أكثر من مائتي عام تم حفر خنادق أسمنتية تحت الأرض بطول وعرض مناسب تحت شوارع باريس لاستعمالها لكافه الأغراض والتمديدات لا تزال تستعمل حتى اليوم ومن منكم شاهد فيلم (البؤساء) لرواية  فيكتور هوجو (اعتقد تم أنتاجه فى عام 1947)   سيرى  ان جزءا كبيرا من المطاردات فى ذلك الفلم جرت فى تلك الخنادق تحت الأرض .

   كثير من المفكرين والفلاسفة العرب والمسلمون يتهمون منظومة العقل العربي والبيئة العربية بعدم العلمية والتفكير المنطقي  مما انعكس على عدم قدرته على التواصل والبناء وحتى إدارة وجهات نظر الاختلاف ومجارات الحضارة المادية رغم احتياجه لها مما خلق معادلة غريبة لا توجد الا فى هذا المحيط الا وهى ان المصلحون فى كثير من البلدان  الأخرى كانوا قد دخلوا فى معارك اكثرها سياسيه مع الحكام سواءا كانو سياسيين او رجال دين اما عندنا فأن المصلح يدخل فى معركة حتى مع الجمهور الذى من اجله اريد الإصلاح ولهذا كانت المعارك الفكرية دائما بين الماضي والحاضر والتجديدية والسلفية والغرب والشرق والديمقراطية والدكتاتورية واعلي جبل الثلج واسفله ولهذا لم يكن هناك من تراكم خبرة وعلم وفلسفه التى هى ام الحكمة، واسوأ من ذلك اننا لا نزال ننظر لذلك الجبل الذى نستفيد من إنتاجه المادي والمعنوي ونقلد أعلاه فقط ولم نعرف اننا بحاجه الى تعديل الرؤية لتكون فى الزاوية الصحيحة ولهذا لا تستغربوا مزيدا من الظواهر التى يستغربها من به عقل يقول:يا سبحان الله أليس معكم رجل رشيد؟  ..  


 




   

    
    
       جبل الثلج-3    
                                            
     مفتاح بوعجاج                                    _________

 انعكاس وتأثير الحضارة الغربية على حياتنا وبسبب تلك الزاوية المغلوطة التي نظرنا إليها من خلالها ومن ثم محاولة الاستعانة بمفرزات وأدوات تلك الحضارة فى التنمية فى بلداننا عن طريق تلك الزاوية المغلوطة (سبق تعريف ما اقصد بالحضارة الغربية في الجزء الثاني من جبل الثلج)سبًب لنا الكثير من الإعراض المرضية الاجتماعية والتنموية والسياسية وحتى الاخلاقيه من ضمنها النفاق الاجتماعي  والكبر والتجزيئية فى التفكير والانحراف فى السلوك والذي أدى فى النهاية إلى الانفصام والبعد عن الواقع  وأكبرها هو هذا التشوًه الكبير في التنمية ..وهذا ما تراه مجسما في  فى معظم الأجسام والمؤسسات  والتي لها أصلا فى الغرب ومثيلا باهتا لها عندنا خاليا من الجوهر وكلها تقليدا شكليا لم تثمر عن اى  تنميه ماديه او إنسانيه حقيقية ..نحن بهذا لا نؤًله  تلك الحضارة او نعصمها من الأخطاء ولكن هذا شأن أخر يستحق دراسة أخرى,ونحن هنا أيضا لانستهين بالجانب الايجابي من حضارتنا الاسلاميه العربية التي يعتبرها الكثيرون حتى من المثقفون الغربيين كانت مشاركة في تقدمهم وبناء اللبنات الأولى من الحضارة الغربية وفلسفة ابن رشد العربي العقلانية التي تبناها الغرب في بدايات عصر النهضة كانت أحداها ،بل الكثيرين منهم اعتبر أن تراجم العرب والمسلمون لإعمال الحضارة اليونانية القديمة كانت هي الأساس لانتقال أسس تلك الحضارة إلى الثقافة الغربية بالإضافة إلى إعمال العلماء العرب والمسلمون فى علوم الفلك والطب والرياضيات وغيرها من العلوم من أمثال ابن سينا والفارابي والكثير من المصطلحات العلمية ذات الأصول العربية اكبر دليل على ذلك.
 ومدخلنا بكل بساطة هو انه طالما نحن نحاول ان نتقدم بتلمس الطريق الذي سلكه الغرب من اجل التقدم والتنمية وذلك باستحضار تلك الوسائل ,إذا فالأحرى ان ننظر إليها من الزاوية الصحيحة والمنطقية بدل استيراد القشور وترك اللب والأصلستحضار الوسائل التى أأأأااأ.... وقبل كل ذلك نحن بأشد الحاجة الى دراسة أنفسنا والالتفات الى حالنا لننقد بكل موضوعية ووطنية ما نحن فيه وقبل هذا وذاك يجب ان يكون هناك اتفاق على بديهيات تمثل أرضية صلبه نقف عليها جميعا ونعود لها عند الاختلاف حتى يكون اختلافنا خلاقا مثمرا لا يصل بنا الى المقاطعة والابتعاد بل حتى أحيانا إلى العداوة والحرب.  وأول تلك البديهيات هو خلق مناخ امن للرأي والرأي الأخر  واعتبار ان الاختلاف هو وسيلة من وسائل البحث عن الأفضل وليس من اجل الاختلاف نفسه وكما يقولون فى الغرب (If you are all thinking the same ,you are not thinking at all)اى بما معناه (اذا انتم جميعكم تفكرون بنفس الطريق والفكرة ,,فإذا انتم لا تفكرون على الإطلاق)(الترجمة بالمعنى وليست ترجمة حرفية)...ومن ضمن الخلل الكبير الذي أصاب العقل العربي بسبب تلك النظرة الخاطئة لجبل الجليد, هو القفز الى وسائل استعملها الغرب فى الوصول الى نتائج معينة واعتبرنا نحن ان تلك الوسائل هي الغاية ,فأختلط عندنا الأمر بين الغاية والوسيلة وبين الأصل والإعراض..فعلى سبيل المثال أصبحت عندنا وترسخت في أذهاننا أن الانتخابات هى الديمقراطية وبالتالي عندما نعمل انتخابات حسب الطريقة الغربية(one man one vote   )   فأننا قد حققنا الديمقراطية كاملة وننام قريري العين، ولم نعى ان هذه الفكرة وصلت وترسخت بعد الكفاح المضني لبناء العقل المستنير لدى كل مواطن بحيث يحسن الاختيار بعقله وليس بعاطفته او ميوله الاجتماعية والشخصية ، وكذلك ننسى ان الديموقراطيه هي نظام شامل للحياة هدفها النهائي هو الفرز الطبيعي والحر لإمكانيات البشر ورغباتهم وإنها مفتاح لذلك المصباح المسجون بداخله المارد والذي سيكون بإمكانه الخروج حرا والإبداع بالطريقة والأسلوب الذي يناسب إمكانياته ورغباته وبالتالي سيكون البشر منظمين من تلقاء أنفسهم والاتجاه الى حيث يرغبون ويودون وعندها تتراكم النتائج والايجابيات وتبدأ دورة الحياة فى الإنتاج والتطور والتنمية بطريقة قد يحسبها احدهم سحرا بينما هو إنتاج لإمكانيات البشر عندما نحسن تنظيمهم بشكل ديموقراطى سليم ...ويكون كل واحد منهم فى مكانه الطبيعي ...وهذا الأمر بدوره يخلق ديناميكا أخرى تؤدى بالفرد الحر الى الإبداع فى عمله ويجعل من قيمة الفرد فى ما يؤديه من عمل لبلاده ويكره ان يكون عاطلا   وان يتناول مرتب بدون عمل يؤديه( ولتبسيط فهم هذا الأمر نرى انه عندما نقف أمام موظف خطوط الطيران لحجز مقعد على متن احد خطوط الطيران الغربية ،يقوم ذلك الموظف بالسؤال عن رغبات الراكب عن ميوله مثلا هل يحب الجلوس فى مقدمة الطائرة ام فى الخلف؟هل يحب الجلوس جانب النافذة ام بعيدا عنها؟ هل يحب الجلوس بالقرب من الحمام ام بعيدا عنه؟وغيرها من الاسئله المعتادة ..وعند استكمال الاجابه يعطى الموظف للراكب بطاقة صعود بها رقم كرسي فى مكان قريب من رغبات ذلك الراكب في حدود الإمكان ..وبالتالي ترى كل راكب قد جلس بطريقه ديمقراطيه وفى مكانه المناسب  والذي يريحه ويجعله يشعر بالرضي ..وهكذا أصبح ركاب الطائرة راضون كل فى مقعده..اما عندنا وللظروف التى  عشناها جميعا قد ترى احدهم يحب الجلوس في الإمام وقد رموه في الخلف واحدهم يخاف من النظر من النافذة وقد تم حشره جانب النافذة واحدهم يحب النوافذ وقد رموه بعيدا عنها وهكذا تجد الجميع غير راضون وانه قد  توزيعهم بطريقه حشرية ومقلقة وغير إنسانيه رغم ان تحقيق سعادتهم ورغباتهم كان بسيطا جدا)....الديموقراطيه بهذا المفهوم هى وسيلة لتنظيم البشر بطريقة صحيحة وإنسانيه تؤدى إلى إنتاج أكثر وسعادة اشمل ....ونظرة العقل العربي ومفهومه للديمقراطية يؤكد نظرية جبل الثلج (او الجليد كما أسمته جيل وهو فى رأى أفضل تسمية من جبل الثلج) حيث عند الرجوع إلى أدبيات الانتخابات والديمقراطية فى الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال, فأن كثيرين عندنا لا يعلمون ان انتخاب الرئيس فى أمريكا لا يأتي بطريقه مباشرة من الناخب الامريكى بل اذا غصنا في جبل الجليد وذهبنا إلى عام 1787 وفى أول اجتماع للجنة الدستورية كان هناك نقاش محتد فمنهم من رأى اختيار الرئيس عن طريق الشعب مباشرة اى فكرة الرئيس الشعبي ونبذوا هذه الفكرة في وقتها للإجماع على أن الرئيس الشعبي قد لا يكون كفؤا وتم طرح فكرة الاختيار عن طريق مجلس النواب إلا ان هذه الفكرة تم رفضها أيضا لأنها ضد الدستور وتم الاتفاق على فكرة الكلية الانتخابية( (Electoral College وهى ان يقوم المواطنون في كل ولاية باختيار من يقوم باختيار الرئيس وذلك بتطبيق الدستور واختيار الرئيس الكفء ..ولم تَُطبًق هذه الفكرة في فرنسا اوالمانيا وكثير من الدول الأخرى لاختلاف الرؤى والظروف الا أنها كلها تُجمع على أسس الديمقراطية فى وجود دستور والتداول على السلطة ومبدأ فصل السلطات واحترام الحريات والملكيات الفردية ,وكثير من الدول أبقت على النظام الابوى الرمزي فى وجود الأسس الديموقراطيه  بما يتناسب مع ظروف تكوينها الاجتماعية والتاريخية وليس بالتقليد الأعمى لما  تحصل عليه الغرب في نهاية كفاحه التاريخي الخاص من اجل الديمقراطية.
  لامناص إذا كوننا نستهلك إنتاج ونقلد ونبنى ونستعين بأسس الحضارة الغربية فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية من أن نراجع طريقتنا الخاطئة في استيراد قشورها ولا نتعمق فى دراسة أسباب النجاح والفشل لنختار منها الأنسب لمجتمعاتنا ..وقد سبقتنا دول كثيرة فى هذا المجال منها اليابان التي تعرضت لأبشع وسائل الدمار والاحتلال إلا ان شعبها تحول من شعب يقدس فكرة الانتحار الذاتي ضد الاحتلال(الكوميكاز) إلى شعب استفاد من العمق الحضاري للغرب وتحمل وصبر وبني إلى ان   أصبح الغرب يستجدى اليابان فى المعونات الاقتصادية وحتى العسكرية وبني الشعب الياباني بلاده اقتصاديا ولم يتخلى عن روح اليابان التاريخية وتحول من فكرة الانتحار المدمر إلى فكرة ا لتحدى البنًاء اى من الانتحار إلى الانتصار(لا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)..وهاهي الصين تستعمل كل أدوات الغرب فى تنميه اقتصادها بطريقه تناسب المجتمع الصيني ويحسب لها  اليوم الغرب اكبر حساب.

   مظاهر كثيرة ظهرت نتيجة للركوب على ظهر الحضارة بطريقة خاطئة كما يعبر أهلنا البسطاء..فيبدو مضحكا ومؤسفا عندما يتحاور الأساتذة فى محاورات تلفزيونية عن التأثير المستقبلي لذوبان جبال الجليد نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض وهم لا يدرون تأثير عدم توفر سكن صحي بسيط   لعائله فقيرة بجوارهم....   ... اعتقدنا أننا انتصرنا على أمريكا برمي حذاء على رئيسها بينما تستجدى شعوبا عربيه الحصول على غذائها من أمريكا...تم محاكمة صحفية عربية نتيجة ارتدائها بنطالا وقريب من مقر تلك المحكمة شعبا يتم إطعامه عن طريق هبات ومعونات دوليه...يبدو مضحكا جدا ذلك الترف الفكري فى النقاش على إمكانيات وجود ماء على ظهر القمر بينما  لم نستطع توصيل المياه فى داخل إحياء المدن على وجه الأرض...كيف يستقيم أمر نقاش الباحثين العرب عن تأثير الأوزون على خلايا دماغ الأرنب وهم لا يعلمون ولا يبحثون فى تأثير تكدس أكثر من ستون طالبا فى الفصل الدراسي  الواحد فى المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية على تحصيلهم، مضحكا كثيرا عندما أرى علماء من مصر الشقيقة يرتدون افخر البذل الأمريكية والأحذية اللامعة وساعات سويسريه يتناقشون ولا يصلون إلى نتيجة عن إمكانيات سقوط وانهيار وتفكك الامبروطورية الامريكيه في الوقت القريب ولا يستطيعون وضع حل لمشكلة حرق بقايا النباتات بعد الحصاد من قبل المزارعين مما سبب مشكلة تلوث الجو في سماء القاهرة ومصر تستورد الأعلاف و القمح والفول من الغرب او استحضار صور واقعية عن حياة أكثر من خمسة ملايين يسكنون المقابر...مؤتمرات مدوية  وهرج ومرج وبحوث عن الأمن الغذائي والمائي العربي ونفس المؤتمرون مسئولون  عن تصرفاتهم ببناء مكاتب فاخرة وصالات لا لزوم لها   خصبة بعد اجتثاث أشجار الزيتون والبناء فوق أخصب الاراضى الزراعية...الفلاح المصري من أكثر فلاحى العالم كفاحا وقدرة وتحمل ومع ذلك لم نرى مؤتمرا او ندوة واحدة كان فيه هذا البطل مركز الحوار والحديث لنعرف مشاكله ،لقد كان مركز الحديث هي تلك الفنانة ذات الماكياج المزيف والشعر  والمستعار والحديث المتكلف والجلسة بلا حياء وحديثا عن كفاحها وبطولتها لتصبح قدوة مزيفة لبناتنا في الحياة ..
   
                                   
جبل الثلج-1                                        3/11/2009
                                 ____________
 مفتاح بوعجاج
_________
         

 ...كاتب عربي لم اعد اذكر اسمه او مكانه شبٌه الحضارة الغربية بجبل الثلج الكبير والموضوع فى الماء،، فطبيعي ان يكون جزء منه طافيا فوق الماء والجزء الأكبر يكون مغمورا بالماء حسب قانون الطفو...الجزء الظاهر هو الشكليات المظهرية  التى تزامنت مع تلك الحضارة ... ولكن جوهر وعمق الحضارة هو ذلك الجزء المغمور والذي يحتوى على أسس وتاريخ وتشريعات وكفاح علماء وفلاسفة عصر التنوير وبزوغ عصر الحريات الانسانيه ووصولا إلى عقلانيه وفلسفه ابن رشد العربي ليتكون العقل العلمي فى تفكيره وسلوكه وطريقه بحثه عن الحلول والتي اتسمت بالمنهجية العلمية فانتقلت مناهج البحث العلمية من المعامل والجامعات الى العقل الجماعي للمجتمع بكامله..... وللأسف فأن  شعوب العالم الثالث  ونحن منهم لا نرى من الحضارة الغربية الا ذلك الجزء الطافي والظاهر فوق سطح المياه فحسبناه هي الحضارة  فانعكس ذلك في سلوكنا وحياتنا ..فأتى تحضرنا زائفا وناقصا ومضحكا ...واثر ذلك على حياتنا فلا جئنا بحديث وجديد ينفعنا وتركنا ايجابيات أجيالنا الماضية،،فمثلا وعلى ابسط مثال ،فلا نحن مارسنا  وحفظنا  او طوُرنا أنشطه أهلنا الانتاجيه من زراعه وصناعه وغيرها  وفى نفس الوقت لم نستطع الوصول إلى قدرات وإمكانيات الغرب فى هذا المضمار  وانتهى  بناالامر إلى إننا أصبحنا مقلدين ومستهلكين نستورد كل شيء ولم نشارك في الحضارة ألحديثه بأي مشاركه فعليه قد يذكرها التاريخ ...وجاء تطبيقنا للمعايير المهنية والعلمية  مشبعا بشكليات مزعجه وغير مثمرة أتت نتيجة لأننا لم نرى من تلك الحضارة (جبل الثلج ) إلا ذك الجزء الطافي فوق السطح ...وبالتالي قفزنا إلى نتائج الحضارة الغربية النهائية ولم نستوعب من أين بدأت ولا كيف تكونت ولا مررنا بمرحه النضال والكفاح والصبر التي مر بها علمائهم ومثقفيهم  وشعوبهم إلى إن وصلوا والى ما هم فيه اليوم..إن الفكرة بسيطة وواضحة وقد تكون عند الكثيرين عندنا  ولكن لم أجد أجابه لما نحن فيه من تخلف وهزل إلا بهذا التفسير المنطقي والذي جعل كل حركاتنا وجهودنا الشكلية  ذات محصله صفرية و حتى سالبه فى بعض الأحيان.
   و نتيجة لهذه النظرة الخاطئة للحضارة الغربية (المادية على الأقل بحيث لا نفتح مجالا للجدل فى الجوانب الأخرى) ونتيجة للقفز على مراحل التنمية الصحيحة جاء كل شيء مشوها ..فها نحن نستورد مناهج دراسية من دول  سبقتنا بمراحل فى الإعداد لتلائم تلك المناهج مجتمعاتهم،، فلم نعى ونعرف تلك المراحل بل استوردنا النتائج النهائية فلا جئنا بالبداية ولا النهاية ...وهذا اهتمامنا كثيرا على الأقل فى الجانب المادي لجامعاتنا ودراستنا العليا ونسينا الاهتمام  بالمراحل الابتدائية الاعداديه  انعكس ذلك على قدرات طلابنا فى الدراسة فى تلك الجامعات وكثيرا منهم لم يستطع استكمال دراسته لهذا السبب  بل منهم من استكمل دراسته بطريقه او أخرى  وإمكانياته العلمية بعد التخرج لا تتعدى المستوى الاعدادى... مع العلم بأنه فى دول مثل الولايات المتحدة الامريكيه اواليابان او ألمانيا قد تجد الكثير من حاملي الشهادات العليا كالماجستير والدكتوراه يقومون بالتدريس فى المراحل الاعداديه وحتى الابتدائية  لشعورهم ومعرفتهم بأهميتها ويعاملون وكأنهم يعملون بالجامعات..وهاهي مجتمعاتنا تخلو من الطبقة الوسطى ،طبقه الحرفيين والمهنيين والعمال المهرة وهى الطبقة التي تحفظ التوازن لاى مجتمع...وهاهي مؤتمراتنا العلمية وندواتنا تناقش فى مواضيع مثل التفاعلات الكيمائية فى جزء من الثانية  بينما يقضى أهلنا  الأيام والساعات يلعبون الورق وأبنائنا وبناتنا ينتظرون السنين ليحصلوا على فرص عمل..وتقام ندوات ومؤتمرات عن الاستشعار عن بعد، بينما لم نستطع معرفه كيف نقوم حتى بجمع قمامتنا التي نراها بعيوننا ونشمُها بأنوفنا  ..وتحولت بحوثنا ودراساتنا الى شكليات من اجل الترقيات لم تشارك فى التنمية الحقيقية وتحولت بحوث ألطلبه عندنا الى مناسبات للأفراح والإعراس تطورت إلى ان بدأ يحجز لها فى صالات الأفراح يحضرها أساتذتنا الإجلاء في فرح وزغاريد وحتى فرق موسيقيه سواء نجح الطالب ام رسب فهذا لا يهم فالمهم هو ماذا لبس او بماذا تزينت ...وقد  ترى سفيرا لدوله  مثل ألمانيا او اليابان او الصين حتى أمريكا يعمل لمصلحه بلاده ألاقتصاديه والسياسية وحتى العسكرية حتى لو اضطر للنزول للشارع،، بينما سفرائنا يهتمون فقط بالجانب الشكلي والرسمي  والبروتوكولي(يقال ان سفير الصين عندنا هو من نقل تقنيه وشكل السراويل والبذل العربية  والعالات الليبية الى الصناع فى الصين وبالتالي دخلت مصنوعاتهم الى بلادنا وكل واحد فينا لا يزال يذكر ذلك التطاحن على عالات الشاي ألصينيه فى فترة الثمانينات والتي ترتب عليها حتى ضحايا )  ..  ( كما حكي لي صديق عراقي بأنه رأى بأم عينه سفراء الدول الغنية وهم يحضرون إلى اجتماعا  فى ايطاليا بخصوص مساعدة الدول الفقيرة فكان سفراء الدول المانحة الغنية يحضرون بسيارات عاديه يقودونها بأنفسهم بينما أتى سفراء الدول الفقيرة راكبين افخر السيارات يقودها سائقين ويرتدون افخر البذل )..وها نحن نُبهر بإنتاجهم الزراعي والصناعي والتقني والخدمي  ولم  نفكر حتى فى كيف هم وصلوا الى هذه المرحلة  بحيث ان  نبدأ من اين بدأوا وعلى سبيل المثال تركنا أساليب إنتاجنا السابقة  ولم نحسن معرفه أساليبهم ألحديثه فلا جئنا لا بالقديم ولا بالحديث  فترى فطاحل التنمية والتخطيط عندنا يتحدثون عن الأصول والأرقام الكبيرة الخيالية وتناسوا  الفروع والتفاصيل ولم يعو ان( الشيطان يكمن فى التفاصيل)..عندما كنا فى الولايات المتحدة الامريكيه لفت انتباهنا مسلسل عائلي امريكى عنوانه :(The Waltons )وهو مسلسل عائلي امريكى محبوب من الجمهور الامريكى تدور إحداثه عن عائله زراعيه امريكيه تعيش فى مزرعة   فى الثلاثينات (وهى مرحله نمو الإنتاج الزراعي) وترى من خلال إحداثها كيف تحيا هذه العائلة المتكونة من الجد والجدة وإلام والأب والأبناء والبنات وإحداثها أليوميه العادية وتظهر من خلالها القيم العائلية  وكيف يقوم جميع إفراد العائلة بواجباتهم العملية فى تلك المزرعة بالاضافه إلى أمورهم أليوميه فترى السلوك الانتاجى  والعملي  ولا ترى فيه  ما ينافى أخلاق العائلة التي ينادون بها بعض السياسيين عندهم وخاصة من المحافظين ،، واتضح ان مثل هذه المسلسلات موضوعه قصدا وفى عصر التقنية والاتصالات بحيث لا ينسى الامريكى جذوره ألزراعيه والعائلية ومصدر ثروته إنتاجه الزراعي ولترسيخ قيم العمل ، بينما يعرض عندنا مسلسلات تركية  واجتبيه لا تمس لتاريخنا بصله  وحتى وان عرضنا مسلسلات عربيه  محبوبة كمسلسل (باب الحارة ) لا نرى فيه اى تفاصيل إنتاجيه ومن أين وكيف يعيش هؤلاء القوم علاوة على ان تاريخ العرب والإسلام والذي ندرسه لم يجب عن سؤالنا الاقتصادي من اين وكيف يعيش أهلنا فى تلك الأيام وكيف يتم إطعام تلك الجيوش الجرارة، رغم انه  ومن خلال الإحداث  يتضح لنا ان الجانب الاقتصادي  والحياتي كان سببا في كثير من المعارك والتحركات ...ومن الحقائق التي تغيب كثيرا عن مجتمعاتنا ولا تجدها الا اذا غصت  ونظرت بتمعن إلى جزء الجبل الثلجي تحت الماء..وهى ان كل مزارع امريكى يقوم بتوفير الغذاء لما لا يقل عن مائه فرد وبالتالي هناك ثلاثة ملايين مزارع يوفرون الغذاء لأكثر من تلاثمائه مليون مواطن يعملون فى قطاعات أخرى كالخدمات والبحث العلمي والصناعة والتجارة وغيرها كما وان هذه الوفرة الغذائية جعلت للكثير أمكانيه الترفيه  والسياحة وفاضت هذه الوفرة الغذائية حتى أصبح الكثير منها يصدر الى الخارج...ولم نرى اى تركيز من إعلامنا او مناهجنا او حتى محاضراتنا ومؤتمراتنا على نقل ما يدور فى القطاعات الانتاجيه والزراعية والصناعية وبالتالي يظن المواطن فى بلادنا ان الغرب هو هوليوود وهو الفسق وهو انعدام الأخلاق وهذا لا يستقيم مع هذه الوفرة في الإنتاج  بكل أنواعه وهذا التخطيط الدقيق لمصالحهم  لمئات السنين مستقبلا...وما أردت بسرد هذه الحقائق إلا لأسلط الضوء على نظرتنا الخاطئة للأمور مما ترتب عليه هذا الكم الهائل من الهزائم  التنموية والاجتماعية  ..الإدارة أيضا علم اخترعه الغرب كأداة للتخطيط والتنفيذ والإشراف لتحقيق هدف  واضح ...انقلب عندنا الى وسيله للتحكم والابتزاز والهيمنة وبدل ان يكون عاملا مساعدا فى تحقيق أهداف التنمية والإصلاح أصبح  فى ظل المفهوم الخاطئ عاملا معرقلا (هناك قصه رمزيه اعجبتنى قرأتها فى إحدى المواقع ان قارب سباق ياباني فاز على قارب سباق عربي فوزا ساحقا وعند التحقيق فى الأسباب اتضح ان كل قارب به ثمان أشخاص وبينما وجدوا ان  القارب الياباني به مدير واحد وسبع جدافين وجدوا  ان القارب العربي به سبع مدراء وجداف واحد الذي تم توجيه اللوم اليه في نهايه المطاف بحكم انه كان السبب فى الهزيمة)...هكذا نحن نعجب بالحضارة الغربية فننظر اليها لنقلدها فلا نرى الا ذك الجبل الظاهر فى المياه فنحسبه هى الحضارة وننسى إن الحضارة هى فى العمق الغير منظور يحتاج للغوص والتأمل والتعلم فأتى تقليدنا شكلا لا موضوعا ..انها ليست فى استيراد التقنية ألحديثه بقدر ماهى فى تنميه قدرات الإنسان والذى سيقوم هو بهضم تلك التقنيه وتوطينها ..فالتنمية البشرية هى الأساس وكما عملت اليابان سابقا،، وهاهي النمور الاسيويه تحذو حذوها  وكما قال (مهاتير ماليزيا ): (عندما أصلى أتوجه الى مكة وعندما أريد التخطيط أتوجه الى طوكيو)...وكما يقولون فى اليابان :(إذا أتاك احدهم يسأل طعاما فلا تعطه الطعام بل علمه الصيد...) عندما  نعجب بحضارتهم وإنتاجهم فلننظر كيف بدأوا لا كيف انتهوا وان لم نعمل ذلك ستظل تنميتنا صدى باهت لتلك الحضارة نستورد قشورها فقط فنظهر كما الإنعام تحمل إسفارا.
    من هذا كله نستنتج انه لا يمكن تحقيق تنميه صحيحة  الا بدراسة بداية تلك الحضارة والتركيز على التنمية البشرية فمثلا فى قطاع ألزراعه لا يمكن فقط الارتكان إلى تلك الدراسات ألاستراتيجيه والتدلل بالأرقام والبيانات الاحصائيه ..فلن يتحقق اى هدف استراتيجي ما لم توضع له الأسس التفصيلية والتشريعية التي مكنت مزارع في دوله أخرى سبقتنا فى هذا المجال ان ينتج إضعافا مضاعفه،، اى تحقيق البنية التحتية لهذه ألاستراتيجيه...وقد تجد عندنا ان المواطن قد غلب ألدوله فى هذا المجال فبينما على سبيل المثال، تم صرف الملايين على تلك الأسواق العامة بل وحتى شركات مثل شركات التسويق الزراعي الا ان حس المواطن العادي الفطري خلق سوقا داخليه له  أصبحت موازية لتلك الأسواق وهى الأسواق الشعبية مثل أسواق الثلاثاء والأحد  والجمعة اى فى كل مدينه ا وقريه سوقا شعبيه فى يوم معين وهو أمر غير معيب ويربط بين المنتج والمستهلك وهو تراث شعبي اقتصادي متوارث  وهو تقريبا موجود فى كل إنحاء العالم ..وانتهت  استراتيجيه المخططين العليا رغم صرف الملاين عليها وبقت استراتيجيه المواطن الشعبي البسيطة فى الأسواق الشعبية رغم انه لم يصرف عليها شيئا  وما نجحت وبقت الا لكونها أتت من ذلك الجزء المغمور من جبل الثلج لم يراه المخططين ..........       ...وهكذا الأمر فى جميع القطاعات ..وهاهو يبدأ ألان الرجوع إلى ما تحت الماء لنكتشف إننا  بعد كل هذه السنين  كنا نفكر ونخطط فى السماء والهواء بعيدا عن ارض الواقع ونعود لمحاوله بناء البنية التحتية  وحل مشكله السكن والطرق وغيرها وحتى اكتشفنا بعد كل هذه السنين ان شوارعنا بدون أسماء وبدون ارصفه وان مدننا بدون عناوين وان مزارعينا في طوابير الخبز معنا في المدن... ولذا فنحن اليوم بأشد الحاجة الى تغيير نظرتنا  والعودة لأصول التنمية والتطور والإصلاح ومن بينها النظر الى الامور حيث ما يجب. وللحديث بقيه.
_____________________________________________________
 تم نشرها اول مرة فى موقع فى ليبيا جيل  فى 3/11/2009