بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 16 فبراير 2017

حديث عن فبراير





   كادت إنتفاضة الليبيين والليبيات في فبراير 2011 ان تتمخّض عن ولادة كتلة (جنين وطنية) كانت شعاراتها وتضحياتها وبطولاتها وتوحدّها ضد نظام بهلوان واحد، ليس له مثيل في الاستبداد والتجهيل والفساد بكل انواعه ،مثار إعجاب ودهشة ومفاجأة العالم ..امتلكت كل ادوات التكامل العاطفي ومنها تعاطف وحب الناس والالتفاف حولها ودليلها تلك الجماهير الغفيرة من النساء والرجال والشباب الذين كانوا يلتقون في الساحات والجبهات رافعين رايات الوطن ورموزه التاريخية ..كانت العاطفة جياشة وحميمية والاشتياق للتغيير للأفضل واضح رغم ان المشهد العام قد تخلله الكثير من الانفلات ساعده إهتراء (مؤسسّات نظام الدولة السابق)..السباق لتحرير الوطن في الجبهات كان على أشدّه ..امرأة ليبية بسيطة كانت تتحدّث لأبنها وهو رقيد فراش الموت شهيدا ..بكل فخر ..وتُحدّثه بأن كل أمنيتها اليوم ان تلتقي به في الجنة..بعد ان قام بواجبه تجاه وطنه..
للأسف وبعد إنتصار الانتفاضة بدأت الاختلافات والتوجهات الفكرية والعقائدية الداخلية خاصة السلطوية والطامعة منها والاستقطابات الدولية لقوى ما بعد الانتفاضة....بدأت في إجهاض وتفتيت وتقسيم هذه الكتلة الوطنية ..وهي ما صارت على خطاه حتى اليوم ..حتى ان كثير من( المثقفين) والذين كانوا في بداية الانتفاضة معها بل قالوا عنها ثورة ، هم اليوم اصبحوا لا يعرفون غير هجاء الواقع الذي صنعه هذا الامر وتقدّم الكثيرون منهم فقط للنقد والتجريح وحتى التحسّر ..بل وصل بالبعض وتجاسروا لاتهام تلك الانتفاضة النبيلة بأنها مؤامرة و(نكبة) وهو ما يُطلق عليه بالرفض السلبي يستطيع ان يقوم به حتى المواطن العادي البسيط الذي يتأثر سريعًا بنقص إحتياجاته وأمنه وطلباته الحياتية اليومية والتى أصلاً جاءت بسبب ان النظام السابق لم يبني مؤسسات دولة حقيقية إقتصادية وامنية وتعليمية وثقافية ودستورية ، تستمر حتى بعده كما حصل في مصر وتونس بل دمّر كل مؤسسات الدولة التي ورثها من العهد الملكي والتي عاش بها سنوات إنقلابه الاولي بكل سلاسة ويسر وبدأ في تحطيمها بعد خطاب زوارة الشهير فأستلمنا بعد الانتفاضة وطن ولا اقول دولة، بدون مؤسسات ولا دستور كانت مبنية على توجهات رجل واحد بهلوان مريض فكريًا سبق وإن عددّنا الكثير من (إنجازاته ونكباته) خلال عقود من الزمن تأسست فيها دول واستقلت أخرى وخرجت الكثير من المجتمعات من التخلّف للتقدم وهي لا تمتلك ما حبا الله ليبيا من خيرات ومليارات...وكذلك محاولة البعض الآخر الإبقاء على مصالحه الخاصة التي كان يتمتع بها خلال فترة النظام السابق ..
ودعونا نقول إن نقطة الضعف في تلك الانتفاضة أنها كانت غير منظمة ولم يكن لها بوصلة او مشروع واضح وصريح واقعي وملموس غير شعارات الحرية والدولة المدنية والعزة والكرامة والعدل الاجتماعي والاقتصادي ومحاربة الفساد بكل انواعه .. ..فكان من السهل ان يقفز عليها المتقافزون ذوي المشاريع الجاهزة في إتجاهات أخرى ... 
اسفر هذا الوضع فيما بعد وخلال مرحلة ما بعد إعلان (التحرير ) عن مجموعات سياسية وفكرية متنافرة كل له إمتدادات داخلية وخارجية احاطت كل واحدة منها بجماعات طفيلية تعيش وتتعايش معها.. 
فبراير كانت إرادة تغيير صادقة ومن يقول عنها نكبة فهو يتناقض تاريخيا وفكريًا وموضوعيًا مع مشروعها العام، ومنها الثورة على الاستبداد والتخلف والجهل والفساد والفشل التنموي بكل اشكاله .. ولو تم الاعلان عن عودة مؤسسات البلاد إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب في وقتها وإعتبارها مرحلة إنتقالية لحين وفاق كل الليبيين والليبيات على شكل ونظام الحكم في ليبيا لتجنبنا الكثير من المأسي والمواجع و(النكبات) ..اليوم اصبحت مشاكل ليبيا متعددة ومتراكمة ..جزء من حلّها قد يكون عسكري إحترافي وطني وليس مليشياوي مؤدلج والجزء الاخر سياسي وإقتصادي وثقافي تنويري والجزء الاكبر ..تفهّم ودراسة ما جرى ..وتصميم على مشروع بناء الدولة ومؤسساتها التي تكتسب شرعيتها من حسن الاداء والعدل وحقوق الانسان وأهمها حق المواطنة والحرية المسؤولة ...ليكن إحتفالنا هذه المرة ..تفكير ومراجعة ونقد موضوعي ومحاولة إستشراق الطريق الصحيحة للخروج من النفق وليس فقط محاولات إسترزاق مؤقت مع نواح وبكاء .. حفظ الله ليبيا

ما غاب بعد فبراير هو ...المشروع !







هل كان بإمكاننا يومًا ان نكتب او نقول ...الفاتح نكبة ....بدون ان نتلفّت حولنا ! ...17 فبراير تحرّك المارد وكسر جدار الخوف ...وسقط كثير من الشهداء ولا يزالون وفي كل ارجاء الوطن ! ...ما غاب ولا يزل غائبا هو المشروع الوطني الجامع ....قد يكون خطاب التحرير (نكسة) ..قد يكون المجلس الانتقالي (وكسة) ...قد تكون الجكومات الانتقالية (فاشلة) او (عاجزة) ،قد يكون مشروع العزل (جريمة) ...قد يكون غياب دولة الخدمات جهل بأبسط قواعد الحقوق للمواطن ..قد يكون الارهاب (ثقافة وسلوك ) أستعمله وجاء به بعض المرضى نكاية في مشروع بناء الدولة المدنية المنشودة ...قد يكون غياب مشروعيَ العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية (مراهقة) سياسية للاقصاء والتمكين ...قد يكون غياب الدستور (نتيجة) لثقافة (الغنيمة) وكذلك نتيجة لثقافة 42 سنة من التصحّر الفكري والوطني ...17 فبراير ..أظهرت لنا سلوك وثقافة 42 سنة من التزوير و التجهيل الوطني والاخلاقي الممنهج ...كان لابد ان يأتي 17 فبراير حتى نسترد الوطن والمنطق والعقل والتفكير والامل ..التضحيات كبيرة والفقد موجع والالام كثيرة والخسائر مؤلمة ...لكن ما تبقي هو ان نعي كل ذلك وانه ...ليس هناك طهارة بلا دم ...وليس هناك وطن في كل العالم تأسس سليما صحيحا مُعافى ..بدون تضحيات ...هل وعي الليبيون والليبيات بكثير من الامور اليوم هو نفسه قبل 17 فبراير! ...يكفيها انها أتاحت لليبيين والليبيات معرفة الفرق بين القول والفعل والسلوك ..وبين الشعارت والتطبيق وبين العقل والنقل !... لو رجعنا زمنيا سنقول نعم للانتفاضة والثورة وإلا لن نكون جديرون بالحياة الكريمة ووطن عزيز ...ولكن لن نسير في نفس الطريق التي اوصلتنا لما نحن فيه اليوم !..وخياراتنا ستكون افضل ... ا ... تظل 17 فبراير بداية المعركة وليس نهاياتها حتى نقول عنها ...خسرنا !....حفظ الله الوطن.