بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 24 أغسطس 2013

البيضاء -1


                      




                                                               
                                                                                      24/7/2010
مفتاح بوعجاج

 (تقع مدينة البيضاء في شمال شرق ليبيا أعلى قمة الجبل الأخضر عند التقاء خط العرض 21.44 شمالاً مع خط الطول 32.76 شرقًا. تحدها من الشرق مدينة شحات، ومن الغرب قرية مسة، وجنوبًا قرية أسلنطة، ومن الشمال منطقة الوسيطة، مما يجعلها تتوسط قمة الجبل الأخضر. وحيث ان المدينة تقع بين مناطق درنه، والمرج، والقبة، وبنغازي؛ و في منتصف واعلا الجبل الأخضر، أصبحت منطقة حضرية مُختلطة ذات طابع تجاري ومركز تسوّق للمدن والقرى المجاورة لها، كما تتمتع بأهمية سياحية لقربها بالعديد من الأماكن الآثرية مثل قورينا وأبولونيا وثيودورياس وبتوليمايس، إضافة إلى بلدة بلاغراي الموجودة بقربها  بل كثيرون يطلقون هذا الاسم التاريخي الاغريقي عليها وكذلك قربها من البحر بحوالي 20 كم وإحاطتها بالغابات، جعل منها مدينة تمتلك مقومات سياحية ذات درجة عالية.. البيضاء عاصمة منطقة الجبل الأخضر وهي أكبر مدنها ومركزها الرئيسي والإداري  .البيضاء والمعروفة تاريخيًا باسم بلاغراي وبني زرقاء وزاوية البيضاء وبيضا ليتوريا، وهي من المدن الرئيسية ورابع أكبر مدن ليبيا. كانت مدينة البيضاء أحد العواصم الليبية في السابق، وفي عهد المملكة الليبية كانت مقرًا للبرلمان الليبي وعدد من الوزارات ورئاسة الوزراء والسفارة الأمريكية، من عام 1963 حتي 1969. ، كما تعد ثاني كبرى مدن المنطقة الشرقية وأهمها بعد بنغازي. مدينة البيضاء تسمى كذلك بـ "مدينة الثلوج" نظرًا لتساقط الثلوج عليها شتاءً، وهي معروفة بجوها المعتدل صيفًا، أما في الشتاء فإن شتاء مدينة البيضاء بارد وتعرف كذلك بـ "عروس الجبل الأخضر عُرفت البيضاء في بدايات القرن الأول قبل الميلاد عند الاستيطان الإغريقي في شمال شرق ليبيا باسم بلاغراي وذكرت على خريطة اللوحة البويتينغرية (Tabula Peutingeriana) في القرن الثالث عشر، وفي العقد الخامس من القرن التاسع عشر عام 1840 تُعرف بزاوية البيضاء في بدايات الحركة الاصلاحية الدينية والاجتماعية  الحركةالسنوسية، وفي العقد الخامس من القرن العشرين عام 1933 عند الاستعمار الإيطالي لليبيا عُرفت بأسم بيضا ليتوريا (بالإيطالي ( Beda Littoria)، وفي العقد السادس من القرن العشرين عام 1950 عُرفت باسم البيضاءحيث أقيمت زاوية البيضاء  (اول زاوية سنوسية في ليبيا )على آثار بلدة بلاغراي الإغريقية، وتميزت هذه الزاوية بلون طلائها الأبيض الناصع وسط الغابات التي كانت تُحيط بها، علاوة على أنها كانت تقع على قمة مرتفعة، مما جعلها ظاهرة وواضحة للعيان، فسميت هذه المنطقة بالزاوية البيضاء. ومع مرور الزمن أصبح الناس ينطقونها بدون كلمة الزاوية، ومنذ ذلك الحين عرفت المدينة باسم البيضاء. اعتبر السنوسيون زاوية البيضاء الزاوية الأم للحركة السنوسية، وكان يسمونها أم الزوايا، واتخذوا منها عاصمة سياسية ومقرًا للحكومة في العهد الملكي في ليبيا.(
 (من مصادر موثوقة مُختلفة) .

  هكذا يقولون وبكل بساطة :البيضا، وُلدت فى احد أطرافها الجميلة فكانت الأم التي احتضنتنا صغارا وكبارا ، بل احتضنت الكثير من أطرافها غربا وشرقا وشمالا وجنوبا وهى اليوم رغم حملها الثقيل وسعت كل أطياف الجبل الأخضر وما جاوره وذابت اوتكاد تذوب فيها ليصبح الجميع بيضاوي على قياس مصراتي او طرابلسي او درناوي ، وهو تدرّج مدني متحضّر للمدنية لنكون جميعا في النهاية ليبيين ،وهى لذلك عاصمة الجبل الأخضر بدون منازع بل كانت يوما ما عاصمة ليبيا الصيفية ..لا أدرى تماما سبب هذه التسمية ،البعض يقولون ان هناك مقبرة قديمة سبقت إنشاء المدينة كانت تسمى( مقبرة بني زرقاء) ومن عادة السادة السنوسية الذين انشئوا (الزاوية البيضاء) أن يستبدلوا الأسماء ذات الصفة المستهجنة بأخرى ودودة ومُفرحة (عيت بو مقطوعة إلى بوميصوله مثلا-) ،وهي من غير شك سنة دينية ترسّخ مبدأ التفاؤل بدلا من التشاؤم والتطيّر ،، ولهذا استبدلوا اسم الزرقاء الى البيضاء وهناك من يقول أن تسميتها جاءت من كونها تصبح بيضاء فى وقت الشتاء حيث ينزل الثلج بغزارة ويبقى لأيام ..وهناك من يقول ان اسم البيضاء  جاء تسمية على اثر وجود اول زاوية سنوسية بها كانت تسمى الزاوية البيضاء والتي كانت تُرى من بعيد بلونها الابيض ..ولا أريد أن يكون مقالي هذا أكاديميا يبحث التاريخ والجغرافيا لأنه ليس تخصصي وهناك من هو أفضل مني عقلا وتخصصا لإبراز والتحدث عن هذا المجال،، إلا أن ما أريد التحدث عنه هي البيضاء المدينة والمكان والإقليم والتراب والهواء والشجر والبشر والحجر، التي دخلت قلوبنا ونفوسنا وعشنا فيها صغارا أبرياء واشتقنا إليها عندما رحلنا عنها لسنوات واحتضنتنا نحن وأولادنا من جديد فى ربيع سنواتنا وهى مكان جمع ذكرياتنا مع الأحبة والرفاق وهى المكان الذي ذابت فيه كل الأصول والفروع فى حلاوة الرفقة، وهى المكان الذي اشتد فيه عودنا على يد أولئك الأساتذة الكرام الأجلاّء وعلى يد كبار المدينة الذين كانوا أباءا لنا جميعا بدون استثناء .
          فيك لاغينا الهوى فى مهده    ****     ورضعناه فكنت المرضعا
         وعلى سفحك عشنا زمنا        ****     ورعينا غنم الأهل معا
          وحدونا الشمس فى مغربها    ****     وبكرنا فسبقنا المطلعا
         هذه الربوة كانت ملعبا          ****     لشبابينا وكانت مرتعا
         كم بنينا من حصاها أربعا       ****     وانثنينا فمحونا الاربعا
          وخططنا فى نقى الرمل        ****     فلم تحفظ الريح ولا الرمل وعا
          ما لأحجارك الصم كل ما      ****     هاج بى الشوق أبت ان تسمعا
          كلما جئتك راجعت الصبا      ****      فأبت أيامه ان ترجعا
          قد يهون العمر إلا ساعة       ****     وتهون الأرض إلا موضعا
 مقاطع من قصيدة *جبل التوباد*لأحمد شوقي تغنى بها محمد عبد الوهاب فى لحن رائع)

     البيضاء كأي مدينة ليبيه أصبحت  اليوم مدينة شابة اي ان نسبة الشباب فيها يتجاوز ال65% ولذلك فهي لم تعد تلك المدينة الوادعة الهادئة التي عرفناها فى الستينات وحتى السبعينات او الثمانينات فهي تسهر الليالي فى الأزقة والشوارع  والميادين لعدم وجود أمكنة تستوعب احتياجات او نشاطات هؤلاء الشباب ،فلا توجد ساحات عامة شبابية تقام فيها احتفالات فنية او مسرحية او غنائية مثله مثل ما هو موجود فى دول العالم الأخر بحيث يمكن تفريغ طاقات الشباب وتوجيههم الى الأفضل عن طريق هذه الأدوات الثقافية ، هؤلاء الشباب الذين يرون ويسمعون ما يجري في العالم حولهم عن طريق هذه السماوات المفتوحة,,كما تم قفل دور السينما (كانت في الستينات توجد ثلاث دور سنما)( بالرغم من  ان أمريكا هى الدولة رقم واحد فى إنتاج وتوزيع الأفلام السينمائية وبها عاصمة السينما هوليوود في لوس انجلوس/كاليفورنيا وبالرغم من أنها صنعت وتبنت معظم التقنيات الحديثة من تلفزيون واتصالات وأقمار صناعية وانترنت إلا ان مباني السينما التقليدية التي تعرض الأفلام بالطريقة التقليدية لا تزال موجودة حتى اليوم وتعرض فيها الأفلام بالطرق التقليدية فى صالات عرض حديثة قبل ان تعرض فى اى مكان أخر وكذلك نفس الأمر فى دولة مصر العربية ،،ففي تلك الدول  لم تًًٌٌٌٍٍََُُُِِحرق المراحل كما فعلنا بكثير من المراحل التي عشناها، فمثلا أيضا بالرغم من توفر وسائل الاتصال الحديثة من انترنت وهواتف خلوية وغيرها إلا ان الطرق البريدية فى الاتصال وإيصال البريد التقليدي من إيصال رسائل في الأعياد والمناسبات لا يزال يعمل حتى اليوم ..كما انه أيضا فى مدينتي  لا توجد مسارح شعبية دائمة ولا مكتبات شعبية عامة دائمة للقراءة بالرغم انه فى الستينات والسبعينات كان هناك دار للثقافة ومكتبات بالمدارس ومكتبات خاصة بها مجلات للكبار والصغار(تحول نشاط وأمكنة تلك المكتبات اليوم الى نشاط تجارى تبيع السلع الغذائية واللحوم والدخان بدل الكتب والمجلات)، وكذلك كان القسم الثقافي بالسفارة الامريكيه بمدينة البيضاء يفتح أبوابه للقراءة به كتب ومجلات عربية وانجليزية والذي تم غلقه وتحول ألان إلى محلات لبيع الدخان بالجملة والبعض تخصص فى بيع المكرونة بأنواعها،،! ولا توجد نوادي علمية ثقافية بها نشاطات خاصة بالشباب وانا هنا لااتحدث عن النوادي الرياضية التى تقزّم نشاطها الى أنشطة كروية ولا تستوعب كل الراغبين علاوة على عدم كفاية مواردها المالية كما أنها لا تستوعب كل الشباب ورغباتهم المختلفة فليس كل الشباب يرغبون النشاط الكروي....فهناك النشاط الفني والموسيقى والمسرحي.. (فى السبعينات والثمانينات كانت هناك فرقة تسمى فرقة (الجبل الأخضر للفنون الشعبية) اكتشفت وقدمت الكثير من الفنانين الغنائيين والموسيقيين على مستوى ليبيا وكان لها من الأعمال لو استمرت لأصبحت دارا للفن الراقي الشعبي ولأعطتنا الكثير من المواهب ولكنها توقفت وذهب معظم منتسبيها ذكورا وإناثا فى صمت الى البيوت او الى المقابر،،اذكر ان احدهم كانت له أعمال فنية رائعة عندما استمعت إليه وكنت عائدا حينذاك من دراستي بالخارج اعجبنى كثيرا و شعرت بأنني استمع الى فنان وصوت شعبي ما أجمله من لحن وصوت اعادنى الى صوت وحنين وتراث بلادنا، وأخذت له شريطا لإسماعه إلى زملاء دراستي إلا انه بعد عودتي لم أجد له أثرا وانقطع هذا الفنان عن العمل وعند سؤالى قيل لى انه تم ضمه إلى الالزامى واختفى بعدها ,,انه الفنان محمد الحمرى...كان هناك أيضا نشاط موسيقى بالمدارس ابرز الكثير من المواهب واحيا الكثير من النشاطات الموسيقية على مستوى المدينة وعلى مستوى البلاد وظهرت من خلاله عشرات المواهب الفنية الشابة والتى كان لديها الكثير من المواهب الفنية الرائعة والتى يبدو انه بعد اختفاء هذا النشاط من المدارس ذهبت هذه المواهب والأجيال التي أتت بعدها الى نشاطات أخرى كالتجارة وأكثرها الى الانكفاء فى البيوت او الشوارع او الجلوس فى المقاهي بعد عودة تلك المقاهي (حيث أيضا حتى المقاهي والمطاعم اختفت فترة من الزمن فى ظل توجهات قفل النشاطات الخدمية والترفيهية بدعوى التوجه للنشاطات الإنتاجية والتى فى النهاية ادت الى نتائج عكسية تماما  حيث توقف النشاط الإنتاجي وأصبح اقتصاد المدينة اقتصادا خدميا تجاريا ) ثم عادت تلك المقاهي محملة بالنرجيلة او الارجيلة(لا اعرف لها اسما نحويا ولا يوجد مصطلح انجليزي بالخصوص حيث انه اختراع عربي بجدارة) التي كان لا يعرفها مقهى (عبد المولى) المقهى الشهير بالبيضاء بالسوق الفوقي والذي كان يلتقي فيه كبار السن بالستينات (ولا اعلم عن الخمسينات) يلعبون فيه الألعاب الشعبية من العاب الورق والشيزة الليبية ويتناولون فيه الشاي الليبي والقهوة العربية ويتواعدون على اللقاء فيه، والذى تم قفله فى حملاتنا  المحمومة على( التجارة والنشاطات الاستغلالية) مما اضطر زبائنه الى الافتراش على الأرض على حصائر من الكرتون المقوى ان وجد او على الإسفلت مباشرة وانتشروا فى المدينة زرافة ووجدانا ولم يعد المقهى الى موضعه، وبقى كبار السن بدون مقهى وانضم إليهم حتى الصغارفى ظلال الحوائط والمباني والجوامع (داست سيارة مسرعه مجموعه من كبار السن يلعبون الشيزة فى ظل احد المباني وعلى الإسفلت وتوفى عددا منهم رحمهم الله فى قرية القيقب المجاورة لمدينة البيضاء في السنوات الماضية) .
   كان فى المدينة معصرة عنب قائمة على عصر العنب وتصنيع النبيذ منه وكان يسمى هذا النبيذ (وردى ماسة) على ما اعتقد ولا اعرف اسمه قبل ذلك وهو امتداد لمصنع ايطالي أقيم أبان وجود الطليان فى ليبيا وهو قائم على عصر وتعبئة عنب العصير المزروع بكثرة فى المزارع المحيطة بالمدينة  وفى العهد الملكي استمر المزارعون فى توريد هذا الصنف من العنب الى هذه المعصرة والذي يوزع إنتاجه على الأماكن المسموح بتداول النبيذ بها مثل الفنادق والحانات ورغم نشاط هذه المعصرة من إنتاج غزير الا اننا كنا صغارا لا نعرف الا قليلا جدا من الليبيين يتناولون النبيذ ..وكان يقابل هذه المعصرة مبنى كلية أصول الدين التى كانت تتبع حينذاك جامعة محمد بن على السنوسي الإسلامية ، وكل كان ينشط  فى مجاله، تلك فى انتاج النبيذ والكلية فى تخريج دفعات من خيرة أبناء ليبيا فى مجال الفقه و اصول الدين..وتم تدمير وازاله هذه المعصرة فى السبعينات وتحولت المعاصر الى البيوت والسوق السوداء ، وتبقى العنب ومزارعي العنب بدون مكان لتوريد إنتاجهم حتى إقامة مصنع الفاكهة فى منطقة ماسه فى بداية الثمانينات الا ان مزارعي العنب تحول نشاطهم إلى منتجات أخرى، وتحول مبنى كلية أصول الدين الى مبنى البحث الجنائي بعد ان كثرت الجرائم الجنائية وجزء منه بقى دار الحراسات (سجن) حتى ألان.
  اما مبنى ارض المعصرة وما جاورها فقد حل محلها محلات تجارية تبيع كل الأشياء المستوردة من الصين وتركيا وكوريا وايطاليا و يعمل بمعظمها عماله عربية وضاق المكان بما رحب حيث شارك في ازدحام وسط المدينة والتي عادة ما تكون فى الدول المتحضرة مركزا واسعا يسمى السنتر او الداون تاون(Center)،،والذي كنت أتمناه أيضا ان يكون ساحة وسط المدينة كميدان التحرير بالقاهرة به مكتبات ومقاهي عصرية ومتحف شعبي ومكان لعرض رسومات الشباب وإعمالهم الفنية ،، ولا اعلم شيئا عن مصير آلات المعصرة والتي كان بالإمكان تحويرها اذا لم يكن هناك بد من تدميرها، لصناعة الكحول (السبيرتو) والذي نستورد منه كميات كبيرة للاستعمال الطبي والمنزلي. ويبدو ان حتى ميزان المعصرة قد تم تدميره أيضا فى خلال تلك الحمية التدميرية التى أصابت النفوس فترة من الزمن وكادت ان تقضي على الكثير من المباني التاريخية ويا ويل من يقف إمامها فقد يتهم بالرجعية والعمالة .
  لا أزال  اذكر ونحن صغار جمال مدخل مدينة البيضاء من الناحية الغربية بعد مرورك على مبنى ضريح الصحابي رويفع الانصارى والمسجد التاريخي الملحق به، حيث كان يوجد مبنى جميل به (دروج) مباشرة بمقدمة المبنى ومبنى أخر للمصرف الزراعي وساحة جميلة بينهما ومبنى البلدية وأمامه ساحة واسعة وبجانبها مبنى فندق اسمه فندق (نيكولا) على اسم صاحبه الايطالي او اليوناني ..وبعدها مبنى مدرسة الميدان الابتدائية والإعدادية الشهيرة والتي درس بها معظم سكان المدينة في الخمسينات والستينات وبجانبها اذكر كانت توجد صيدلية (بوالروين) والتي كانت بمثابة العيادة للمدينة يعمل بها صاحبها ذو الأخلاق الرفيعة وكان بمثابة أب للجميع ويفتح بساعات محددة ومعلومة ومعروفة لدى الجميع(اليوم وحتى على توفر أعداد هائلة من الصيدليات التجارية فلا توجد صيدليه عاملة ليلا فكلها تقفل أبوابها ليلا عكس ما كان سابقا فكانت الإذاعة تقوم بتحديد اسم الصيدلية العاملة ليلا وعنوانها وساعات عملها) وفى شمال تلك المدرسة يوجد ساحة ملعب التنس الشهيرة  ..بعد عودتنا فوجئنا بإزالة معظم تلك المباني وضاع الكثير من تاريخ وذاكرة المدينة ..وتحول الفندق الى مبنى للأمن الخارجي ثم تمت إزالته بالكامل  فيما بعد ولا زلت الى هذه اللحظة حائرا عن الأسباب التى أدت الى إزاله هذا المبنى التاريخي لان مكانه لازال فارغا حتى اليوم، هو والشجرة المعمرة الكبيرة التي كانت تجاوره (يبدو ان حمى اقتلاع الأشجار انتشرت أيضا بعد إزالة شجرة ميدان الشجرة ببنغازي ولا يزال يحمل نفس الاسم رغم عدم وجود الشجرة وكذلك إزالة خروبة فرشيطة الشهيرة)، وراحت الصيدلية وأزيل مبنى مدرسة الميدان   وحلت محلها عمارات سكنية  ،  كما اختفت الساحة الواسعة أمام الضريح والذي كانت تقام فيه كثير من النشاطات الدينية والاجتماعية وبنيت مكانه عمارات سكنية حالت بينه وبين امتداد مقبرة الضريح فى الجهة الجنوبية .. .وللحديث بقية.
مفتاح بوعجاج  ..البيضاء 24/7/2010

       
                           
 البيضاء -2                                            28/7/2010

 مفتاح بوعجاج
        
   عندما تجتاز موقع مدخل المدينة(متجها شرقا) والذي تم إزالة معظم مبانيه القديمة والتاريخية كما ذكرنا فى الحلقة السابقة فى فترات ماضية بطريقه راح معها الغالي والرخيص وفى وقت لا يستطيع احد الاعتراض لكونه سيتعرض لتهم جاهزة وسريعة وبدون حتى وسيله دفاع أمام هيئة عاقلة تميز الخيانة من الوطنية وتميز العميل من العامل وتميز الخطأ من الصواب وتميز الخبيث من الطيب وتميز القبح من الجمال،، فكان لهم ما أرادوا ونتائجها ومؤشراتها اليوم غير خافية على كل  لبيب او حبيب،،،عندما تجتاز ذلك المكان تلتفت  يسارا فترى سور بداخله كان ما يسمى (بدار اليمن) ،،كانت دارا جميلة بها حديقة غناء كان بها جميع أصناف الأشجار والفاكهة والحقيقة انها بقت كما هى بل أصبح جزءا منها مشتلا للفواكه ونباتات الزينة وهذا أمر مستغرب فى ظل ما حصل ولا يسعني فى هذا المقام الا ان اشكر كل من له الفضل فى بقاء هذا المكان كما هو اليوم رغم المحاولات الواضحة فى التسلل لبناء محلات ودكاكين والتضييق ومحاولات التغلغل الى المكان من كل جانب وأمل له الصمود،،

     السيلس (صومعة الحبوب )بالبيضاء مبنى تاريخي بناه الايطاليين فى ليبيا  لايمكن ان تتحدث عن البيضاء بدون المرور عليه،،وهو معلم تاريخي يقع في وسط مدينة البيضاء القديمة وعلامة من علامات توجهات ايطاليا فى إنتاج الحبوب بمنطقة الجبل الأخضر، وكان يستعمل لتخزين الحبوب بأنواعها حيث يتم توريد وتخزين الحبوب بأنواعها وخاصة القمح والشعير المنتجة بمزارع المنطقة واستمر العمل بهذا الأمر حتى نهاية السبعينات وكنت ترى طوابير سيارات المزارعين وهى محملة بالقمح والشعير لتسليمها الى السيلس الذي يعمل به خبراء الحبوب ليصنفوا الحبوب كدرجات يتم بعدها وزنها وتخزينها ليتم خلال فترة زمنيه قصيرة قيام وزارة الزراعة عن طريق المصرف الزراعي بتسديد ثمنها للمزارع ويتم في الموسم القادم إعادة تسليم الجيد منها مرة أخرى للمزارعين كبذور وبأسعار تشجيعية  وجزء منه كان يذهب للمطاحن المحلية كمطحن الورفلى ومطحن سوق الأحد القديم ومطحن شحات ومطحن ماسة ،،وهكذا الدورة...وبعد رفع شعارات الإنتاج وان لا حرية لشعب يأكل من وراء البحر ..اختفت طوابير الموردين والمنتجين ولم يعد هناك لا قمح ولا شعير بل يكاد يختفي مبنى السيلس بل يكاد يسقط من الإهمال وهو اليوم محاصر تماما من المحلات والدكاكين والمطاعم التي تبيع كافة المواد الغذائية المستوردة من جميع أنحاء العالم ...وتحول طوابير المزارعين إلى طوابير على الخبز المعمول من الدقيق المستورد من تركيا وايطاليا وألمانيا وغيرها من دول العالم واختفت حتى المطاحن المحلية( بدأ بعضها يعود بشكل خجول)،،ومن شكل الحصار الذي يضيق يوما بعد يوم على السيلس ، هناك دلالة على ان المحاولات جارية ومستميتة لتحويله الى موقع تجارى او دكاكين وهى الموضة السائدة في عموم ليبيا .

    من المدارس المشهورة بمدينة البيضاء ولها تاريخ تعليمي حافل ودرس بها جيل الخمسينات والستينات وجزء من السبعينات مدرسة الميدان كما ذكرت فى الحلقة السابقة وكذلك مدرسة(النصر الثانوية) التاريخية التي عمل بها كثيرا من أساتذتنا الأفاضل ومنهم الأستاذ رجب بيانكو أطال الله في عمره و الأستاذ المرحوم (على قسمات) والذي لدينا معه الكثير من الذكريات الطيبة والذي كنا ولا زلنا نضرب به المثل فى الالتزام والإخلاص والوطنية والتفاني فى العمل التعليمي فكان كأنه يدير دولة لا مدرسة ولنا معه الكثير من الذكريات والأيام الطيبة ولا تزال الحكايات عنه وعن عمله المخلص تأتى بين حين وأخر فى جلساتنا وجلسات المدينة ..وما أردت ان انوه عنه فى هذا المضمار هو المحاولات المستمرة لهدم هذا الصرح التعليمي بل لا تزال علامات محاولة الهدم بادية على واجهه تلك المدرسة ..ومن هذا المنبر أناشد من له علاقة بهذا الأمر (لاننى لم اعد اعرف من هو المسئول عن هذا الأمر )    فلا توجد إدارة محلية ولا يوجد مجلس بلدي   ،أناشد إيقاف هدم الأماكن التعليمية والتاريخية مهما كانت الأسباب ،،،فمن هو الذي يريد ان يقنعني بأن ذلك الغرض منه هو توسعات المدينة بينما تبنى المحلات والدكاكين على جوانب تلك المدارس والأماكن التاريخية جاهزة لالتهامها بعد هدمها؟؟؟.

  من حسن حظي وجود الأستاذ الفاضل عبد الله جبريل فى نفس الحي الذى اسكنه (مع وجود قليل من سوء الحظ بسبب كون الأستاذ عبدا لله وهوايضا رئيس جمعية الحى الاجتماعية وبالتالي انأ مطالب بدفع الاشتراكات الشهرية له وهوانسان منظم لا ينسى القيمة ولديه سجل منظم ويلح فى المطالبة بدفع القيمة دائما( ومع ذلك لازلت متأخرا عن جيراني))وهذا الحي  معروف يحي الزيتونة نسبة الى شجرة زيتون يتيمة تم الانقضاض علي رفيقاتها فيما مضى فى حمى اقتلاع الأشجار والغابات وبقت شاهدا على العصر والجريمة ..,,وكنت أنا واصدقائى فى الإعدادية طلبه لدى الأستاذ عبدا لله أطال الله فى عمره فى مادة اللغة العربية فى مدرسة الميدان التى تم إزالتها أيضا فى حمى هدم الأماكن التاريخية ،،واذكر ان الأستاذ عبدا لله قدم لنا كتابا جميلا مترجما عن الفرنسية ,,مترجمه هو المنفلوطي بعنوان (ماجدو لين) وله اسم أخر هو(تحت ظلال الزيزفون) وهى قصة إنسانية حزينة عن الوفاء والإخلاص والتضحية وبأسلوب المنفلوطي رحمه الله عليه المعروف وأصبح الأستاذ عبدا لله يقرأ علينا يوميا صفحات من تلك القصة الرائعة بإحساس راق وشعور نبيل وتأثر وكنا تواقين للاستماع وتمكنا من الاستمرار فى قراءة القصة الى نهايتها وتأثرنا بها وأصبحنا منذ ذلك التاريخ قراء كتب ومجلات ،،هل يستطيع طالب اليوم او حتى خريج جامعه او حتى اعلي من ذلك ان يقرأ مثل تلك الكتب او حتى يستمتع بها او حتى يتأثر بها؟ ،،،وهل يجسر أستاذ ان يطلب من طلبته العودة لقراءة هذه الكلاسيكيات الجميلة؟؟ ..انه عصر الدح الدح أنبو!!والطشت ألى والمذكرات المنسوخة والمصورة !!وانا هنا ذكرت الأستاذ عبدا لله ليس لأنه الوحيد بل كمثال لا الحصر ،،هؤلاء الأساتذة الذين لا يسع المكان لذكرهم ومنهم الأستاذ سعيد عزوز أطال الله فى عمره والأستاذ على مسعود والأستاذ مسعود مازق ولا انسي فضل الأساتذة من مصر الذين جاءوا للتدريس ومشاركة ليبيا فى نهضتها التعليمية أيام ليبيا لا مال لا فزاعة... لقد كانوا بمستوى المجاهدين المخلصين الطيبين جازاهم الله عنا كل الخير,
  حكي لى صديق اكبر منى سنا انه فى السنوات الأولى لدراسته فى مدرسة عمر المختار الداخلية كان هناك أستاذ ليبي مكافح يأتي للتدريس عليهم فى تلك المدرسة وكان يقوم بواجبه بشكل ليس له مثيل رغم ظروفه الصعبة وكان يأتي  راجلا كل يوم من الجهة الجنوبية وكانت لديه بذلة واحدة قديمة يلبسها عند حضوره للمدرسة ،،وفى نهاية الفترة الدراسية وبعد تأدية الامتحانات النهائية جمع هذا الأستاذ طلبة الفصل وجلس أمامهم على كرسيه حزينا ومهموما وبنظر فى نظرة حزن واستغراب الى طلبة الفصل الذين أصابهم الذهول كأن على رؤوسهم الطير حائرين عن الأسباب التي جعلت أستاذهم الذين يحبونه ويهابونه يظهر بهذا الشكل الحزين  ،،وبعد دقائق صمت مرت كأنها ساعات قال لهم وهو يهز عصا قصيرة بين يديه :مش عيب عليكم ،،مش حرام عليكم ،،،بعد تعبي هذا كله معكم ،،يطلع الأول من الفصل الأخر!

    ياالله ،،تخيلوا هذا الأمر وهؤلاء الكرام وهذا الجيل العظيم الذي تمت خيانته علنا وبدون حياء وها نحن نحصد ما زرعنا وأصبحنا نظن ان التعليم هو ستائر ومكاتب وبذل وكرافتات ومناهج مستوردة وورقه ووريقات  ومؤتمرات وندوات وهمية وقليل من المذكرات مصورة تشترى من المصورات ,,انه رجال ونساء غيورين ووطنيون كانوا هنا ورحلوا،،ولن يرجعوا إلا بعودة الوعي والأصول وإلا فلا شيء إلا سراب متعلمين.
   هكذا كان يدير أساتذتنا الأجلاء فصولهم ومدارسهم وهكذا كان عفافهم وعزتهم وهكذا كانوا قدوتنا  ،،ماذا أصاب القوم ليتغيروا (مع الاحترام والتقدير للقابضين على الجمر اليوم) ..(اسألوا الناس وادرسوا الظروف المحيطةّّ!!!)،،،ومن واجبي ان أنبه الغافلين بأن التربية والتعليم هي أساس التنمية البشرية التي هي أساس بناء اى شيء ومن غيرها لن تجدي اى تنمية فى الوطن ، فمن خلال التربية والتعليم نستطيع ان نغرس المثل والأخلاق والمبادئ والوطنية ولا يجوز اللعب او المهادنة فى هذا المجال كما لايجوز ان يكون مجال التدريس والتعليم بدءا من الروضة وحتى الجامعة مكانا صالحا لاى كان ومكانا للتجارب ،،انه مكان طاهر مقدس له شروط موضوعية وشخصية تعليمية وأخلاقيه وتخصصية لمن يدخل هذا المجال...كما لا يجوز ترك اختيار مسئوليه للتقسيمات القبلية تأتى بمن تشاء وتذهب بمن تشاء ؟ انه مكان للكفاءات الوطنية الناجحة من اى مكان فى ليبيا؟,
  قد يجرك الحديث وأنت لاتدرى الى مواضيع خارج مايستدل عليه بالعنوان ولكن عزائي فى ذلك للقراء اننى قد ذكرت ان هذا الموضوع هو للحديث عن المدينة والهواء والتراب والحجر والبشر،،كما انه حديث للعودة بنا والجلوس والتفكر والتأمل في الأحداث والتاريخ ؟ وأفضل مكان للجلوس فيه والتأمل والتدبر هو هذا المكان الذي حفظناه قلبا وقالبا وأحببناه ولنا فيه اعز الرفاق والأصدقاء والأحبة ولنا فيه من الذكريات ما استقر فى وجداننا ولم ولن تحيدها محاولاتنا المستمرة للالتفاف عليها ومحاولة نسيانها او المرور عليها وهذا من طبيعة البشر،،انا بهذا لا اريد ان استرجع طفولة مرت او أتباكى اواتحسر على شىء ما وان كان هناك شيء أتحسر عليه لهو أخلاق ذلك الزمن الجميل وهدؤوه وإنسانيته ووفاءه،،   ،،اننى أردت بحديثي عن المدينة هو اننى اريد ان انبه الجميع او انغزهم ان لم ينتبهوا بوجهة نظر قابله للرأي والرأي الاخر ويكون منطلقا للحديث عن مواضيع شتى :أسماء أشخاص –أماكن وتواريخ –عن الزراعة –عن الفن-عن ألصناعه-عن الإدارة-عن الاقتصاد – عن الشباب –عن الكهولة-عن التعليم-عن الجانب الاجتماعي وغيرها من المواضيع التى تهم الإنسان فى اى بيئة معيشية ولهذا اطلب السماح وطول البال عندما اقفز من هنا والى هناك عندما أتحدث عن البيضاء المكان......

      لا يمكن التحدث عن البيضاء أيضا بدون ان تمر على (السوق الفوقي) هكذا سمعنا عن اسمه وهو يدل على ان تسمياتنا للاماكن تأتى بعفوية وشعبية وبدون تخطيط (سوق العجاج)و(سوق الزبط) وغيرها ..وهو يقع فعلا من الناحية الجغرافية اعلي البيضاء القديمة وكان المكان الوحيد فى المدينة الذي توجد به محلات تجارية فى مجمع واحد وقريب من الجامع الكبير (جامع الملك) ،وقد تم قفله تماما أيام إقفال المحلات التجارية بدعوى ان التجارة ظاهرة استغلاليه وغير إنتاجية وظل مهجورا ومهملا لسنوات  الى ان عادت (التجارة الاستغلالية!!) التي لم يتوقف مكانها على السوق الفوقي بل اكتسحت التجارة كافة أحياء المدينة القديمة والجديدة وتحولت كل المدينة الى سوق فوقى ،،،،
 كان السوق الفوقي ذو المعمار البسيط يحوى مجموعة محلات تجارية متنوعة الخدمات والذين يعملون به من كبار السن والشخصيات المعروفة بالمدينة كما كان به أشهر مقهى بالمدينة وهو( مقهى الجزائر) بعد مقهى عبد المولى وهو مكان هادئ وجميل كان يلتقي  فيه الأصدقاء وأصحاب السوق  والضيوف..تم أيضا قفله فى حمى قفل المقاهي والمطاعم والمحلات  فترة من الزمن وبعد عودة التجارة والخدمات من جديد تم افتتاح المحل بعد تحويره   وأصبح محلا لبيع الذهب والمصوغات الثمينة وتحول ذلك السوق الفوقي الهادي بعد عودته الى سوقا للذهب وسوقا للأثاث والصالونات والستائر واحتياجات الأفراح وغيرها من المحلات والتى تستنزف أموال البيوت بدعوى تغيير الموضة كل ستة أشهر تقريبا،، وأصبح سوقا استهلاكيا بالدرجة الأولى وليس بهذا السوق ألان اى شكل معماري مميز وكل يبنى حسب ذوقه وضاعت طبيعة السوق الفوقي التاريخية فى ظل النشاز البنائي كما يلاحظ انه لا توجد به قطعه خضراء واحدة مما يعطيك انطباعا بأن هذا المكان لا ينبت فيه عشب او شجر متناسين ان هذا السوق يقع فى عاصمة الجبل الأخضر الذي ينبت فيه كافه أصناف النباتات والأشجار ؟؟؟ ومما لا شك فيه ان عودة التجارة وفتح المحلات الاستهلاكية جاء بطريقة ثقافية استهلاكية لم تكن موجودة عند الليبيين وكأنها نكاية فى قفلها سنوات ،،فترى ربات البيوت وطبعا متبوعات بأصحاب البيوت الرجال زرافات ووجدانا وسط السوق وخاصة عند نزول المرتبات يقمن باستبدال  المواد المنزلية والأثاث والستائر وشراء مستلزمات الأفراح  ويتفاخرن ايهما اشترت الأغلى سعرا والأكثر فخامة كما تم اختراع الجمعيات النسائية المالية لهذا الغرض وقد انتبه أصحاب المحلات لهذا الأمر وبدئوا بتغيير الموضات كل مدة  جذبا لهن وأصبحت هذه الأماكن كأنها مصائد لهن ،،،هذه الثقافة الاستهلاكية قد أضرت بوضعية الأسرة الليبية ماليا وجعلتها تلجأ الى الاستدانة من اجل الحصول على أشياء ليست ضرورية بل هى استهلاكية استعراضية (هذه الثقافة غير موجودة فى الدول المتقدمة بهذا الشكل فترى انهم يفتخرون بأثاثهم القديم ومستلزمات المطبخ التى قد تكون قد ورثوها عن أبائهم وأجدادهم وكم من اسرة يقدمون لك صحن و شوكة وسكين متفاخرين بأن أبائهم وأجدادهم قد استخدموها منذ عشرات السنين وهاهي لا تزال مستعملة اليوم وتزيد قيمة الأشياء عندهم كلما استقدمت ،اما نحن فبالعكس تماما؟؟؟وياليت من يطالبن بتحرير المرأة ان يلتفتن الى هذا الأمر والتنبيه بأن حرية المرأة ليست فى الثقافة الاستهلاكية  وانما فى الإنتاج والإبداع وخلق أشياء منزلية جميلة بأبسط الأشياء وليس بغلو ثمنها والحياة كما يقول كبارنا (ليست بما تريد وإنما بما تجد) ..وقد يكون البطيء فى تحولات المجتمع المدني له علاقة بهذا الأمر ,,,لا زلت اذكر ان عدد الأفراد الذين يأكلون على الأرض مع بعضهم كان يصل الى سبعه أفراد  ثم نزل الى ستة ثم الى خمسة ثم الى أربعه وفى بعض الأماكن وصل الى ثلاثة ..اى أنهم متجهون الى الاثنان ثم الواحد قريبا وهذا معمول فى صالات الأفراح وخاصة فى قسم النساء حيث يجلسن على طاولات وكل واحدة لها صحنها المنفرد ..وهذا الانتقال المرحلي البطيء يتطلب شراء مواد منزليه خاصة بكل مرحلة ..ولذلك تجد البيت الليبي متوفرة به مستلزمات كل مرحلة وأصبح البيت الليبي كما يقال كأنه منشأة مواد منزلية أيام المنشات، ويتزين كل بيت (بمكتبة) لا يوحد بها كتب ومجلات كما يتناهى الى البعض ..بل بها كل أنواع الصحون والطواقم المنزلية وفناجين القهوة والشاهى والمناشف !!نكاية فى الثقافة والمثقفين...للحديث بقيه



   
  
  


   
                         


  البيضاء -3                                            5/8/2010
                           ـــــــــــ

  مفتاح بوعجاج

     لقد تلقيت الكثير من الشكر والنقد والتلميح والاستفسار والتشجيع والإضافات والتعديل مرسلا ومكتوبا وشفاهة من الكثير من سكان المدينة والأصدقاء والكتاب بالإضافة الى تعليقات متنوعة على المقالين (البيضاء-1&البيضاء-2)بأسماء رمزية وحقيقية، وللحقيقة أقول انه قد نالنى السرور وسعدت من كل ذلك و يبدو انه كما قالت إحدى المعلقات اننى لمست وحركت (وترا) كان نائما في نفوس الناس عن تاريخ وذكريات المدينة  ،هذه المدينة التي جمعت كل أطياف ليبيا الحبيبة فى ظلالها بل تجاوزت ذلك إلى أطياف أخرى عربية وإسلامية بدون حدود ..وعموما أنا اشكر كل من مر على مقالاتي تلك ومقالي هذا واسعد بأي تعديل أو تصحيح مع تبادل شكري لمن شكرني بكلمات كانت عونا معنويا وجعلني أقول ان الدنيا لا تزال بخير وان قلوب وشعور وإحساس الكثير من الخيرين لم تمت بعد ولله الحمد! وان كثيرا من القلوب لم تصدأ بعد كما يصدأ الحديد وان المشاعر لا تزال تنبض وان التبلد لم يغمر الجميع!!كما اشكر كل من استكمل فى تعليقه جزءا من تاريخ المدينة لم أعشه أو لم أتطرق إليه بل كان له الفضل في زيادة معرفتي لفترة زمنية لم أعشها.
 اعجبنى تعليق بتعبير شعبي معبر يقول صاحبه أو صاحبته:
    ذكر الدار تعميك **اماقيك ديما اماللي
    يا الباكية من يساهيك**وأنت أبكاك ما شط والي
والذي أرجو وأتمنى من صاحبه او صاحبته استكماله او تزويدنا بالقائل او المصدر.
  وحديثي عن البيضاء لا يعنى تمييزا لها عن اى من مدن بلادي ليبيا العزيزة فلكل واحدة منها مكانة خاصة في قلوبنا وخواطرنا وذكرياتنا ،وحديثنا عن مدينتنا البيضاء هو حديث وسرد نستطيع من خلاله الحديث عن أشياء أخرى تهم الوطن والبشر والأخلاق والسلوك والتاريخ والاقتصاد والتعليم وغيرها من القضايا وهو الأمر الذي عبر عنه احد المعلقين بالسرد العكسي،  وقد فهم الكثير من القراء و المعلقين هذا الأمر بينما  اعتقد بعضهم اننى اسرد متألما متباكيا هدم وإزالة المباني فقط متناسيا ألام البشر والنفوس وتغير القيم والأخلاق ،،وهذا غير صحيح وليس ما قصدته ،، وما يؤلم هو التعليق اوالنقد بدون قراءة النص والأسطر كاملة وما أتمناه هو المرور على كل الأسطر بل أتمنى قراءة حتى مابين السطور ليكتمل المعنى..وجوهر كلامي مقصده انك إن أزلت مبنى تاريخي كان يوما مجمعا للبشر وخاصة مدرسة او كليه او جامعه او جامعا او حجرا او مقاما او حتى شجرة، فأنك بذلك قد أزلت جزءا من نفوس وأرواح  هؤلاء البشر وجزء من ذاكرتهم و تاريخهم  الذى قد يكون من اسعد أيامهم او لهم فيه ذكرى جميلة بوجدانهم. ففي كثير من الدول يعتبرون اى مبنى مرت عليه سنوات معينة او حدثت به حادثة تاريخية يعتبرونه من المباني التاريخية ولا يمكن إزالته او تعديله الا بعد اخذ التوصية المناسبة من لجنة متخصصة تسمى فى أمريكا وبريطانيا مثلا فى كل بلدية (لجنة المباني التاريخية) تتكون من أعيان وقدماء ومتخصصون البلدية وتعرض قراراتها على العامة لإمكانية الطعن فيها او إبداء الاقتراحات بالخصوص.ونحن أولى بهذا الأمر من غيرنا من الشعوب لما عندنا من أهميه وجدانيه وعاطفية لمباني وأطلال الماضي، بل إن من أعظم الأشعار والمعلقات ما قاله شعراؤنا عن الأطلال والماضي :
  فمثلا يقول امرؤ ألقيس:
            قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل  ** بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ويقول طرفه ابن العبد:
            لخوله أطلال ببرقه ثهمد        **  تلوح كباقي الوشم فى ظاهر اليد
ويقول عنترة :
             حييت من طلل تقادم عهده      ** أقوى وأقفر بعد أم الهيثم

وتكاد لا تجد قصيدة أو بيوت شعر عربي إلا بها أثرا من  الحديث عن الأطلال بل كثير من قصائد الماضي لاتبدأ إلا بالحديث عن الأطلال.ومن أروع الأعمال الحديثة قصيدة إبراهيم ناجى (طبيب) وهى قصيدة الأطلال التي تغنت بها أم كلثوم لحنا رائعا من رياض السنباطى ويعتبرها بعض النقاد من أجمل خمس قصائد مغناة في القرن الحديث كلمات ولحن وغناء.
    عن المدينة أقول اننى لا زلت اذكر قيام أهلنا بشكل معتاد أيام الأحد بالذهاب إلى السوق الشعبي بالمدينة حيث كان السوق الشعبي بالمدينة يقام أيام الأحد ولا يزال، رغم نقله من مكان لمكان، وكان لذلك السوق وظيفة اقتصادية حيث انه مكان للبيع ولشراء المنتجات الزراعية والحيوانية المحلية ولتبادل السلع ووظيفة اجتماعية حيث يتم فيه اللقاء بين الناس للتشاور والنقاش والبلاغات   على مواضيعهم الاجتماعية وهو تقليد شعبي أصيل عند الليبيين فتجد لكل مدينة او موقع يوم في الأسبوع يقام فيه ذلك السوق بل هناك أمكنة تم تسميتها بيوم السوق مثل سوق ألجمعه وسوق الثلاث وغيرها ..بل يكاد أن يكون كذلك تقليدا متوارثا في معظم مدن العالم ..وهذا النوع من السوق هو سوق لايدّرس في الجامعات ولا الأكاديميات ولا كليات الاقتصاد ولا تعقد من اجله المؤتمرات ولا الندوات ولا البحوث ولا الدراسات ولا الأوراق والوريقات عندنا ولم اسمع عن احد قام بتحضير رسالة دراسات عليا عنه، بسبب نظرية جبل الثلج التي تفيد بأننا نقوم بتقليد الغرب فيما وصلوا إليه من نتائج نهائية قافزين على المراحل التي مرت بهم حتى وصلوا الى ما وصلوا إليه رغم ان مثل هذه  الأسواق الشعبية موجودة بأكبر مدن العالم كلوس انجلوس ونيويورك وبرلين وروما والقاهرة بل أصبحت هناك أسواقا شعبية متخصصة فى هذه البلدان  كسوق الكتب المستعملة وسوق الأجهزة وسوق الملابس وغيرها( بل حضرت سوقا شعبيا للغلال بإحدى مدن كاليفورنيا الزراعية) ولذلك تجاهل أساتذة و علماء الاقتصاد والتنمية عندنا مثل هذه الأسواق وبنوا أسواقا عامة كبيرة كلفت البلاد المليارات  وراحت واختفت تلك الأسواق التي كلفت المليارات وبقت الأسواق الشعبية كسوق الأحد وسوق ألجمعه  رغم انه لم يصرف عليها شيء بل تمت محاربتها وتجاهلها ونقلها من مكان لمكان ورغم ذلك لا تزال موجودة لأنها تؤدى في وظيفة اجتماعية اقتصادية  لا يمكن للدولة القيام بها ،فأيهما أصلح للقيام ببيع ربطات الكسير و المعدنوس والجرجير والماعز والضأن؟، هل هى الدولة بمنظريها الأكاديميين وخبراء البورصات والاقتصاد الذي لم نفهم حتى ألان لا لونه ولا شكله، ام السوق الشعبي الذي انشأه الجمهور؟
(وغاب عنهم تماما أن سوق البورصات فى العالم الأخر ما هو لا تطور للأسواق الشعبية قديما وما عليك ألا مقارنة حركة المتواجدين  بسوق البورصات وحركة شراؤهم وبيعهم وبين تلك الحركات في  الأسواق الشعبية) ، وإنا متأكد من ان هؤلاء الخبراء لا يشترون أعيادهم وبعض مستلزماتهم الا من هذه الأسواق الشعبية ،وعموما مرت التجربة  و هًًََُُزمت رغم عباقرتها وملياراتها  وراحت معها تلك اللجان المشكلة الذاهبة والآتية لجرد رباطى المعدنوس والخضروات للتسليم والاستلام والتخزين  والإعدام وما تحتاجه من أوراق ومستندات وقرارات واجتماعات من الأمناء والأمينات وآذنات وطباعين وطباعات ومحفوظات وسجلات  ، وبقى المواطن البسيط وسوقه البسيط منتصرا و الذي لا يحتاج من الدولةالا إلى تحديد مواقع مناسبة وتهيئتها و الأشراف والتوجيه والتخطيط والمراقبة بل يمكنها اخذ رسوم عند قيامها بواجباتها الصحيحة والمؤلم هو اخذ الرسوم بدون عمل اى مجهود منها كما رأيت بأم عيني فى سوق ألجمعه بشحات,,حيث يقوم البعض بأخذ الرسوم بدون تقديم اى خدمة بل يكاد يتوارى السوق في المجارى والأوساخ .
  لازلنا نذكر دكان الحاج سالم التونسي أطال الله فى عمره بالسوق الفوقي والذي كان يبيع في كافة أنواع التوابل والزراريع وغيرها من المتطلبات الشعبية فى الأفراح وحتى الأدوية والأعشاب والوصفات الشعبية إلا انه تم قفله فى حمى قفل التجارة (الاستغلالية!) وأقيمت بدله وأمثاله شركات العطور والزينة والصابون ومواد التنظيف وغيرها من المسميات إلا أن مع مرور الوقت انهارت البدائل المليونية وتلك الشركات العملاقة ذات المسميات الكبيرة وعاد دكان التونسي منتصرا شامخا متحديا النظريات الاقتصادية التي دوخونا بها فترة من الزمن  .
   راحت واختفت من مدينتي أيضا وسائل النقل العام التي كان فى الستينات وحتى بداية السبعينات يضرب بها المثل فى النظافة والمواعيد وحلت محلها هذه الباصات والحافلات ذات الأشكال والألوان والأحجام المختلفة والتي لا يوجد لها مواقف ولا مواعيد ولا خرائط محددة (رغم اعترافي بأنها سدت فراغا وحلّت مشكلة تغاضت عنها الدولة) وقد تواجدت هذه الظاهرة أولا نتيجة للحاجة لها وثانيا لكونها أصبحت مورد رزق لكثير من الشباب والكبار أيضا فى ظل البطالة التي ليست بخافية على احد ولكنها بالإضافة إلى هذا الكم الرهيب للاستيراد المفتوح بدون ضوابط لكافه أنواع السيارات ومن كافه البلدان والأنواع والأعداد والأشكال (حيث يفترض وجود دراسة لمعدل عدد السيارات بما يتناسب مع سعه المدينة وشوارعها) قد شكلت أزمة مرورية خانقه لا يمكن حتى لرجال المرور حلها وخاصة وان كافه شوارعنا ومياديننا غير مخططة ولا يوجد حد فاصل لحق المشاة وحق السيارات وحتى الدراجات .وأنا متعاطف مع رجال المرور لكونهم أمام معضلة لم يتم استشارتهم فيها ولكنهم مسئولون عن وضع حل لها وخاصة وان تخطيطنا لا يزال تجزيئيا وغير شمولي فكيف بالله عليك يبنى جامع يتسع لأكثر من ألف مصلى ولا يوجد له مكان لوقوف السيارات ،ولماذا لا تحدد أمكنة مخططة لمرور الطلبة والطالبات ليكون مكانا أمنا من السيارات أمام مدارسهم.وعموما هذا من ضمن الهم العام الذي لم يعد يفكر فيه احد فكل مشغول بهمه الخاص !!!
    عندما تجتاز مبنى السيلس المحاصر من كل اتجاه فى محاولة على ما يبدو للإجهاز عليه، متجها شرقا صوب شارع العروبة وتصل الى مباني البريد القديم مباشرة تجد لنفسك متنفسا فى الميدان الذي لا يزال واسعا وتشم فيه عبق الماضي محاطا بمبنى المصرف الزراعي والسجل المدني وبعض العمارات من الجهة الجنوبية والشرقية وكذلك مدرسة النصر وما جاورها وكلها مثالا لما نقول عنها الأمكنة التاريخية ، وتفرح لكون هذا لمكان وهذه الساحة لم تمسها يد( التطوير التجارية!!) فبقت بروحانيتها ونكهتها التاريخية وتشعر بأنك لا تزال ترى البيضاء القديمة وتشم رائحتها وهو لازال من الأمكنة الجميلة فى المدينة ونتمنى ان يبقى كذلك كما اكرر فى هذا المقام مطلبي وكثير من أبناء المدينة بعدم إزالة مدرسة النصر إحدى معالم المدينة التاريخية مهما كانت الأسباب والمبررات ..
    فى الشمال الشرقي لذلك الميدان تقع مقبرة بنى زرقاء التاريخية والتي اعتقد أنها أقدم مقبرة في البيضاء وكنت أتمنى ان تبقى مساحه فارغة تضاف للمساحة التي تحدثت عنها أنفا لتكون حديقة طبيعية لوسط المدينة أسوة بالمدن المتحضرة ولكن هناك بوادر حصار تجارى أدعو الله ان ينجو منه هذا المكان التاريخي العتيق.
  عندما تستمر شرقا تجد على يسارك (فندق البيضاء )(البيضاء بالاس كما كان يسمى أيام مجده) وتراه اليوم مهشم الفم والأسنان والضلوع وله على هذا الحال أكثر من سنتان دليلا على انه يمر بمرحلة التحول والإصلاح والتطوير التي لا نعرف إلى أين ستؤدى به رغم قناعاتي الفنية انه لم يكن بحاجة إلى هذا (التطوير) بقدر ما كان بحاجه إلى إدارة حديثة والى  صيانة دورية مثله مثل اى مبنى أخر وأخاف ان يظل على هذا الحال مثل أخيه الفندق فى مدخل مدينة درنة الذي له أكثر من خمس وثلاثون عاما على هذا الحال...

   اليوم يصل تعداد سكان المدينة البيضاء إلى حوالي 100000مواطن ومواطنة أما اقليم الجبل الأخضر فيصل  تعداد سكانه إلى أكثر من 350000 مواطن وموطنة ومن يرى هذا الازدحام وهذا الضغط وهذا الاختناق المروري والبشرى وهذا التدافع وهذا التطاحن وهذه الطوابير على المصارف وعلى السوق وعلى محطات البنزين وعلى محطات توزيع الغاز وهذا الزخم (سابقا) على مكتب إصدار البطاقات الشخصية وهذا الزحام والإبكار الفجرى على مكاتب إصدار الرقم القومي وذلك التناحر والزحام على مكاتب إصدار الكتيبات الخضراء وتلك الجموع الهادرة بمكاتب الأملاك والمرافق والإسكان و التسجيل العقاري وتلك الجمع من السيارات والبشر  يتزاحمون ويقفلون الطرق فى سوق الأحد الشعبي وهذه التجمعات الطالعة والنازلة بمجمع المحاكم والنيابيات  والأمانات وهذه الحيرة فى كيفية مرورك بأحد تقاطعات الشارع دون مشاجرة او حتى دون تؤذى سيارتك او سيارة الأخر، كما  انك لن تجد مثيلا في العالم كله لمثل هذه الجموع والكتل من ذكور وإناث  صغار وكبار والتي تدك مبنى مستشفى المدينة كأنه قلعه محاصرة وتم فتحها  إثناء ما يسمى بوقت الزيارة للمستشفى ويكاد ذلك المبنى المسكين يسقط من أثرها وخاصة وان الجزء الرئيسي منه مبنى منذ الستينات! ..كل من يرى ذلك يكاد يشك فى تعداد السكان !!  ولذلك فهي ظواهر تستحق الدراسة والتمعن والبحث عن أسبابها ومعالجتها وخاصة وإنها لا تحتاج لمركز الاستشعار عن بعد ولا لمراكز الدراسات الإستراتيجية لدراستها .
  رغم كل ذلك تبقى للمدينة نكهتها الخاصة ولااهلى بها جميعا ولمبانيها ولشجرها وترابها وعيونها وشتاؤها وصيفها وربيعها ومناسباتها وما جاورها من مدن وقرى أصالة ومحبة وتواصل وروح طيبة لا يشعر بها إلا من ولد بها وعاش  بها ثم غاب عنها .
             بلادي وان جارت على عزيزة ***واهلى وان ضنوا عليّ كرام
             ومن تؤوه دار فيجحد لفضلها *** يكن حيوانا فوقه كل أعجم

             الم ترى ان الطير إن جاء عشه***فأواه في أكنافه يترنم
 


 



                        
 البيضاء -4                                        29/08/2010
                             ــــــــــــ

 مفتاح بوعجاج
 ــــــــــــــــــــــــ

   لم أكن متعاقدا مع أية مؤسسة سياحية او مكتب من مكاتب الدعاية للمدينة  لجذب وجلب السائحين حين كتبت عن البيضاء وأهلها ومبانيها وترابها وحجرها وبشرها وجزء من تاريخها الذي اعترف بأنني غير متمكن منه كله ،،حتى يلزمني البعض من التحدث عن المدينة ومعالمها فقط دون التطرق إلى الأمور الأخرى التي تجد نفسك (متورطا فيها) تلقائيا فهي كوجهه نظر لهم الحق فى قولها ولكن غير ملزمة بالنسبة لى وخاصة أنهم ليسو رؤساء تحرير لهذه الصحيفة التى فتحت أبوابها لنا بدون منة وهم فى غربه عن وطنهم رافعين مبدأ حرية الرأي للجميع بإمكانيات متواضعة حسب اعتقادي ولكن همة عاليه .. وخاصة أيضا اننى أضع مقالاتي تحت  قسم(وجهات نظر)..ويجوز ان يكون العنوان مضللا بعض الشيء إلا أن مشكلتي اننى فعلا متورط وجدانيا فى حب وهوى هذه المدينة وتاريخها وأهلها وما جاورها وهى أصبحت رمزا للوطن كله ، ليبيا الغالية ،،ولهذا لن تستطيع أن تعبر عن مكنون هذا الوجدان إلا بلغه أدبية مخلوطة بشيء من العلمية وهذا ما يجعلني بين المطرقة والسنديان فالمنهج العلمي  ومتتبعيه يقولون أخطأت وأين المصادر وأين المراجع ؟والمنهج الادبى ومتتبعيه يقولون لا تتحدث بالأرقام بل تحدّث بالأحاسيس والمشاعر ولا اعرف هل هذه ميزة لمقالاتي البيضاوية سلبا ام إيجابا؟؟..كل ما اشعر به هو ان الحديث عن المدينة قد فتح لي أفاقا للتحدث عن أمور أخرى تهم الوطن والمواطنين وقد استهواني ذلك وأتحمل تبعاته..
  في مقالاتي (جبل الثلج) كان محور الحديث عن قفزات  قفزناها فى الهواء (وأنا هنا قد استعير بعض من المصطلحات التي قد جاءت فى بعض التعليقات وعذرا وسماحا على ذلك) بعيدا عن ارض الواقع وما عودة الحكومة بعد أكثر من ثلاثون عاما إلى الحديث عن البنية التحتية  وما جاورها وبأرقام عالية إلا دليل على إننا كنا فى مكان أخر غير (التحتية) ومع ذلك لا يزال البعض عندما أتحدث عن ذلك السوق الشعبي البسيط والذي يقدم فى خدمات بوضعه المزري الحالي الذي لا يرضى مٍٍِِِْحبا ولا عزولا (رغم ذلك لا تزال له نكهته المميزة) يقدم خدماته إلى بسطاء الناس من المكافحين ورقاد الارياح والموالين والمزارعين ورواده من مختلف الأطياف الذين هم اغلبيه المجتمع اليوم (مزري لغياب أسس ألرقابه والتنظيم والإشراف من قبل السلطات المحلية التي لا توجد أصلا)، لا يزال البعض يًٍٍِِّحدثني ويقارن ذلك بـ الخدمات التجارية عن طريق  الانترنت فى بلدان العالم الأخر وهو يعلم ان هذا هدف من الأهداف التي نتمناها لبلادنا ولكننا نستحي فى الحديث عن ذلك فى مجتمع لا تتوفر فيه ابسط الخدمات من وسائل نقل عام ومواصلات.. وان تعطلت هواتفنا تستمر أعطالها لمدة لا يعلمها إلا الله والراسخون في شركات الاتصالات وهم يعلمون ويسمعون كثيرا عن تعطل منظومات المصارف ألحديثه ..مما جعل كلمة (منظومة) أكثر انتشارا بين البسطاء لان أصبحت لها علاقة بمرتباتهم وحساباتهم وهم لا يعرفون ما هي هذه (المنظومة) وكثيرا منهم يعتقدون أنها مصطلح جديد عن معنى الخزانة او المالية فقد كثرت واختلطت عليهم التسميات والمتغيرات وهناك من اعتقد أنها البديل عن (المراقب المالي) !!وهناك من يعتقد ان وراء هذا التعطيل مخابرات أجنبية لتدمير اقتصاد البلاد!!  ..   كما اننى استحى من الآلاف من أهلنا ومعلمينا ومعلماتنا الحرائر وأساتذتنا الأفاضل الاكارم العصارى الذين جْز بهم فى تجمعات للحصول على بقايا مرتباتهم ، استحى من الحديث أمامهم عن النظريات الاقتصادية والسياسات المالية وعن الـ  International Monetary Fund  وعن  ادم سميث وعن نظريات كنز وعن ألازمة المالية العالمية فى الثلاثينات وعن الأيام السود فى بورصة نيويورك فى الثمانينات وعن بورصات طوكيو ولندن وحتى بورصة بلادنا فى طرابلس، كما ان كثيرون من أهلنا لم يسمع  بمؤسسة بل وميلندا جيتس والتي أسسها ملياردير مايكروسوفت( بل جيتس)(Bill Gates )والذي يعتبر من اغني أغنياء العالم والذي تبرع أخيرا بنصف ثروته جهارا نهارا للأعمال الخيرية هذا المبلغ الذي لو حسبناه لكفى مرتبات الليبيين كلهم لمدة خمس سنوات!! ...وأنا اعلم واعرف وأكاد اجزم ان كثيرا من الليبيين أيام القطاع الخاص قد عملوا أكثر من ذلك حتى لا انتقص من حقهم..وهم مستعدون لفعلها من جديد لو حانت ألفرصه وحن الحنّان,,كما استحى من الكلام او الإشارة إلى تلك الكتب والنظريات والمحاضرات والمؤتمرات والندوات والدراسات التي لم تنعكس على حياه أهلنا فى الواقع بشكل اقتصاد مزدهر وإدارة حديثة وبنيه تحتية معقولة..كما استحى لأنها لم تنعكس واقعا فى معالجة مشكلة البطالة والتي تجاوزت أرقاما تعتبرها بعض الأدبيات الاقتصادية أرقاما كارثية ولم تفدنا فى معالجة مشكلة السكن التي لا تحتاج منا إلى أدوات اقتصادية لمعايرتها  والقاعدة تقول ان مقياس نجاح النظريات هي مدى نجاحها وانعكاسها على الواقع المعاش وإلا تبقى مجرد نظريات ..
  كما استحى فى الحديث عن ذلك أمام آسى حسن الذي يبيع العرعار وتفاح الشاهى والزعتر وحتى الشيح الذي يقوم قبل أيام الأحد والأربعاء والجمعة بجمعها من سفوح ومزارع وصحراء الجبل ويبيعها فى تلك الأسواق ،ليصلح بما يحصل عليه ، سيارته العتيقة..

 وطالما نحن لا نزال فى (التحتية) فلنتحدث عن سوق السعي العرعار والخروب وبال التبن والخبز اليابسة وسوق عجائز الجبل الذين ينظرن إلى هذا السوق على انه  ال Wall street متاع البيضاء وليس نيويورك ولهن كل الحق فى ذلك وهو المكان الذي يشكل لهن متنفسا وحيدا  والمكان الذي يلتقين فيه ويتحدثن بكل حرية عكس عجائز تركيا او مالطا وقد تصاب إحداهن بجلطة ان سمعنا كلمة إقفال هذه الأسواق  ..وان كان لدينا النية للإصلاح فلنبدأ من هناك حيث التجمعات الكادحة والشريفة والحقيقية وليس من أبراج عاجية!! وإلا سنظل هم فى مكان ونحن فى مكان ولن يطال احد أحدا..فالذي لا يستطيع ان يصلح الصغيرة فلن يصلح الكبيرة .
  أما النظريات الاقتصادية والسياسات المالية والكتب الاقتصادية فعند توفر الرغبة والنية للعمل بها فهي متوفرة ومنها الكثير ويمكن (قوقلتها من ال    Googleفي اى وقت ومن اى مكان وتحت اى عنوان ومن اى مؤلف) ولا يفتقر الوطن الى الخبراء الوطنيون بالخصوص كما ان تجارب كثيرا من الدول التي سبقتنا يمكن الاستدلال بها واستنساخها كما عمل الكثير من خبراؤنا فيما يخص المناهج والقوانين   والإدارة وغيرها بل لا تخلو بلادنا من هذه التجارب فى فترات سابقه بالخمسينات والستينات والتي بدأ البعض على استحياء فى العودة لها والاستدلال بها بدون طبعا ، كالعادة ، الإشارة إليها..
،اما عن ربط فهمي عن القطاع الخاص  بالسوق الشعبي فهذا تقوّل علي أيضا لا اقبله فهو اجتهاد خاطئ قد يؤجر عليه ولكنه غير صائب ،كل ما أردت قوله هو ان بذرة القطاع الخاص قادرة على الحياة حتى فى أصعب الظروف ولكن الاتجاه الاقتصادىء الخاطئ سينتهي حتما حتى لو تم دعمه بالمليارات والدعم الايديولوجى من طبالين يطبلون لآى شيء حتى لوكأن غير علمي وغير وطني؟
  وهناك من اشعر بأنه قد استكثر على ان أتحدث عن مدينتي وتخصصي الأول هو هندسة كيميائية   فسامحه الله على ذلك وهو يعلم انه لا يوجد تخصص للقلوب والمشاعر والأحاسيس والوجدان المشتعلة ، كما اننى لم أفتى ولم أكن ولا استطيع يوما أن أفتى على المذاهب الاربعه رحم الله الاربعه’!! ولا اعلم لماذا شخصنه المواضيع وخاصة وأنها فى قسم (وجهات نظر) فخذها او اتركها والنقاش فى الموضوع والنقد الادبى الموضوعي مسموح ,,ويمكنك حتى وضع مقال كامل عن ما يجيش فى صدرك من (مواضيع) موضوعية.. ولم أتطرق فى مقالاتي لأشخاص الا من اتفقنا على كونهم من الشخصيات العامة وفيهم نقول الخير او نصمت ولم اجرح فى احد وان شعر احد بذلك فهذا ليس مقصدي ألبته و كنت أتحدث عن السياسات وليس عن أشخاص  .   

   ..كما ان قدري اعرفه  ولم  ولن أتجاوزه بأذن الله بدون إشارة من احد  و أهل القدر والحكمة والتاريخ  والعقل والحق بالمدينة وفى بلادي يعرفونه ..  ووجهه نظري أقولها تحت أسمى وصورتي المتواضعة، ولك أن تنتقد الموضوع وبأي شكل تريد وكما تشاء ،ولكن بدون تجريح وبدون تقوّل أو استنتاج خاطئ؟؟.. فعلا كان ولا يزال فى نيتي  أن ألوم ولا اعذر ولا أجد عذرا لمن ادعى لنفسه مكانة علمية وشهادة عليا سعى لنيلها ولم يقل الكلام والرأي العلمي الصحيح الذي تستوجبه مكانته العلمية والذي يوجبه عليه تخصصه  وشرفه العلمي وشرف المهنة أمام متخذ القرار  بل كانوا يوما ما يطبلون ويهللون ويفتون فى مدى نجاح القطاع العام ومدى خدماته وانتصاراته وحتى ارباحه التي اخترعوا لها معادلات حسابية لا تتوافق حتى ما تعلموه من ابسط أبجديات الاقتصاد وعلم المحاسبة..ونسوا او تناسوا ان لكل خدمة او سلعه ثمنها وتكلفتها الحقيقية وسيحين يوما ما دفع ثمنها المؤجل ، وعندها حان ذلك وجدت الدولة نفسها مجبرة لا بطلة على الاستعانة بالقطاع الخاص والاتجاه الى الخصخصة فوجدناهم أيضا يهللون ويطبلون لذلك ..الا يستحقون اللوم والعتاب على الأقل؟..وهنا وفى هذا المقام أجد نفسي مكررا حكمة سيدنا على رضي الله عنه عن نفسه:
           والله ما ناقشت جاهلا إلا وغلبني ***وما ناقشت عالما إلا وغلبته
 واني استسمج قرائي وأهل بلادي ومدينتي كوني فعلت هذا وقلت ما قلت تحت هذا العنوان.