بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 28 يناير 2018

الجمعة، 26 يناير 2018

الاحتكار يتمتع :


  
..لا الوم هؤلاء ولا هؤلاء ..ولن يزول هذا المنظر إلا بأن تتغيّر هوية الاقتصاد الليبي من إقتصاد ريعي حكومي إلى إقتصاد يحترم القطاع الخاص ويشجعه و به تشريعات تضمن وتراقب وتنظّم حقوق الجميع ، مدينة بها اكثر من 400000 مواطن بها فقط 4 بنوك حكومية مكتظة بزبائنها ، بالمقارنة فإن شارع واحد في مدينة اثينا اليونانية التي يوصف إقتصادها بأنه الاضعف بين الدول الاوربية قد تجد اكثر من 40 بنكاً خاصاً ، تتنافس فيما بينها لاداء افضل الخدمات للزبائن ، ويختلف مرتّب مدير البنك وحتى الموظف به بين بنك واخر ويتناسب طردياً مع عدد الزبائن به ، حيث لا يختار الزبون بنكه إلا بناءا على السمعة والخدمة الطيبة ومن هنا تبدأ المنافسة الخدمية من اجل الحصول على اكثر عدد...للاسف تركة ثقيلة ورثناها خلال اربعة عقود وأستمرت عليها السبع العِجاف ، مطالب الليبيون يوم خرجوا ، لم تكن إلا دولة الخدمات المُحترمة وليس دولة الايديولوجيات ، دولة المواطنة والحرية والعدالة وكرامة الانسان ، تقوم فيها الدولة مالكة الثروات الطبيعية بتسهيل القروض لمن لديه مشاريع زراعية وصناعية وتعليمية وثقافية وإقتصادية متنوعة وكل الابداعات التي تفيد الوطن والمواطن وتحفظ كرامته ، الاحتكار وإن حكومياً يولّد الفشل ، والمنافسة الحرة الشريفة تولّد حسن الخدمات ، قانون منع الاحتكار حتى على الدولة نفسها ، ترافق مع تأسيس الاقتصاديات الناجحة مثل امريكا واليابان والمانيا وكوريا الجنوبية منذ بدايتها ، وحتى دولة المملكة الليبية (1951-1969) التي لم تحتكر الدولة فيها إلا بيع الملح والدخان ، بحكم ان الاول ثروة طبيعية والثاني على اساس انها بضاعة مضرّة لا تُباع إلا في اماكن خاصة بعيدة عن تناول الاطفال والمدارس ،في امريكا صدر قانون (شرمان) لمنع الاحتكار في عام 1890 ..دعه يعمل دعه يمر ، وإلا فمزيدا من الاحتكار الحكومي ومزيداً من الفساد ومزيداً من الطوابير ومزيدا من هذه المناظر المؤسفة .
(صورة Elemam Ashour)

الجمعة، 19 يناير 2018

صدى السنين الحاكي 3 :







  الأستاذ عبد الرازق شقلوف الدرسي رحمه الله (درنة 1914- بنغازي2004) ..احد صانعي إستقلال ليبيا ومؤسسّيها وهو الرجل الذى له تاريخ وطنى كله جهاد وتفاني وتضحية ..والذى تولى الشؤون المالية وتنظيمها بعد استقلال ليبيا وهو من مؤسسي وصانعي جزء كبير من النجاح الاقتصادى والبنوك في تلك الفترة والذى جعل من قيمة الجنيه الليبى فى تلك الفترة يساوى 3 دولارات الامر الذي أستمر حتى عام الانقلاب ، (فهناك علاقة وثيقة بين كرامة الامة وقيمة عملتها ) ...توفي الرجل رحمه الله وليس له بيت او ارض او املاك او حساب خارج او داخل ليبيا غير مرتبّه التقاعدي الذي كان لا يتجاوز 300 جنيها ليبيًا عند تقاعده بداية عام 1969 ، و بعد قيام الانقلاب تم التحفظ عليه و تم تخفيض معاشه التقاعدي إلى 110 دينار . و هذا الأمر جعله فى ضائقة مالية اضطر معها إلى ان يبيع كاطه (بذلة رجالية ليبية) ، كي يواجه مصاريف الحياة ....وكان يسكن شقّة بالايجار فى بنغازى ..قبل وفاته .
ألتقيت هذا الرجل الفاضل فى بيت الحاج محمد المهدى ميلاد اطال الله عمره في البيضاء ، سنوات قبل وفاته ،لا اذكر تحديدا ..ومن ضمن حكاياته الجميلة :
كنا قد اعددنا ميزانية تقديرية للدولة الليبية لإحدى السنوات ، وجدنا عجزا فى الميزانية ، أي فرق بين تكاليف ما نريد عمله تلك السنة وبين ما نعتقد انه سيكون ايرادا ، تشاورنا مع السيد رئيس الحكومة السيد حسين مازق رحمه الله ، فاضطررنا الى اقتراح بعض التخفيضات فى بعض البنود حتى نغطّى العجز ، وكان من العادة ان تُعرض الميزانية المعدّلة على ملك البلاد رحمه الله قبل عرضها على مجلس الامة ،اخذ السيد رئيس الحكومة موعدا مع الديوان الملكى لمقابلة الملك ...جلسنا بأدب واحترام فى حضور الملك ..وكان السيد حسين مازق قريبا فى جلسته منه ، يتحدّث اليه شارحا ولكن بصوت لا نكاد نسمعه ،اخذ الملك رحمه الله الاوراق ..لبس نظّاراته ..وبدأ يقرأ ..ثم رأيناه يخط بقلم رصاص بعض الملاحظات ..وعند ملاحظة معينة ..نظر الينا جميعا ..وقال : "لا ..لا ..يا ابنائي ..خفضّو من البنود متاع ..المراسم..الاحتفالات ، السفريات .،السفارات ،المهماّت ،الديوان الملكى ،الضيافة ، الاثاث الحكومي ، ولكن لا تقربوا هذه .،بل زيدوها ، لو تم الغاء هذا البند او تقليصه فكثير من الليبيين رقّاد الارياح ، لن يستطيعو الاستمرار فى الاستفادة "
ونظرنا الى السيد رئيس الحكومة لنعرف ما هو هذا البند المهمّ ..فاذ به يخص ،مصروفات التربية والتعليم .ومنها بند مصروفات داخلي الطلبة فى كثير من مناطق ليبيا ذاك الوقت ، والذي كان من خلاله يتم صرف منح للطلبة والصرف على تلك الاماكن التى تأوي الطلبة من المناطق البعيدة اكلا وشربا واقامة ودراسة مجاناً ..
(وشن جاب لجاب ...!)

الجمعة، 5 يناير 2018

عبد الرحمن بدوي ..والكتاب الاخضر




   لاحظ احد مسؤولي الامن المصريين حقبة الخمسينات ان الكاتب نجيب محفوظ (رحمه الله)  ومعه مجموعة من المثقفين يجتمعون ويتجمعّون يومياً مساءاً بأحد مقاهي القاهرة ، فكلّف احد المُخبرين بالحضور معهم سراً وإعداد تقرير عن ما يدور ، وجد المُخبر وهو ذلك الانسان البسيط ، ان المجموعة كانت تتحدّث عن أسماء مثل كافكا وسارتر والبير كامو وافلاطون وابن رشد وسقراط  وابن خلدون ووليم فوكنر وحتى رامبو ، وأحياناً يحتدم الجدال بين الحاضرين عن افكار هؤلاء ، لم يفهم المسكين من هي هذه الاسماء وعن ماذا يتجادل الحاضرين ، وحيث انه كان يتعيّش من هذا التقرير فكشف عن نفسه وطلب من نجيب محفوظ مساعدته في ذلك ، فأصبح للسيد محفوظ مهمة اخرى غير مهمته الاولى ،وهي تلخيص هذا الامر والتعريف بالجدال ، من خلال تقرير أسبوعي ..مع التركيز على العمق الانساني عند تولوستوي !! ...في العام 1967 وحيث كانت الجامعة الليبية ببنغازي تستعين بافضل الاساتذة  من الجامعات الاخرى عهد المملكة الليبية ، جاء الاستاذ د. عبد الرحمن بدوي (1917-2002) للتدريس بها بكلية الاداب ، وحيث كانت تلك الفترة من افضل فترة الحريات الفكرية والادبية والاعلامية والصحفية والثقافية والتي ظهر فيها الكثير من الاسماء الليبية اللامعة واحتضنت فيها بنغازي وليبيا عموماً ،  نشاطات ثقافية متعدّدة ، وجد الرجل سعادة و ترحاباً وإستقبالاً  على مستوى الجامعة والمدينة ككل ، ثم جاء (الفاتح) وجاء (الكتاب الاخضر)  .. أُقتيد بعده السيد عبد الرحمن بدوي وشهاداته العلمية والفخرية وتاريخه  ، إلى أحد سجون «اللجان االثورية». وظل هناك ستة أعوام لايقرأ عقوبة له ، إلا (الكتاب الاخضر ) ،عُرف بعدها ، أن الذي أدى بالبدوي إلى السجن، كان تقريراً وضعه طالب فاشل ، لم يستطع إستيعاب او فهم محاضرات الدكتور بدوي وحديثه عن أفلاطون وسقراط والفارابي وتولوستوي ، وغيرهم من الاسماء (الغريبة) عليه ! ..

_مراجع ..كتاب المؤرخ سالم الكبتي (عبد الرحمن بدوي في بنغازي ) ، مقال الكاتب سمير عطا الله بصحيفة الشرق الاوسط الالكترونية  5 يناير 2018 )_