عندما كانت دولة العدل والحقوق والتنوير والمواطنة ...رغم فقرها :
"عندما تخرّج الاستاذ مختاظ عبسى بو عاتبه رحمه الله من معهد المُعلميّن في بنغازي ، عام 1964، الذي كان قد أنشأته حكومة المملكة الليبية لتخريج المُعلمين في بعض التخصصات ومنها اللغة الانجليزية ،(تم الغاء اللغة الانجليزية من قبل النظام السابق عام 1981 ) ، واصبح المرحوم مُعلّماً لها ، كان يقضي أجازته عند اهله بمدينة شحات بالجبل الاخضر ، وعلى عادة اهل المنطقة في ذلك الوقت ، ممارسة الزراعة والرعي والانتاج بكل انواعه ،حيث كان الابناء في اجازاتهم يساعدون اهلهم في هذه المهن ،كما كان يفعل مُعظم افراد العائلة ، كلِ يقوم بدوره في هذه العملية ، كان الاستاذ مختاظ في واحدة من تلك الاجازات ، حيث كان قد تم تجميع حصاد القمح بعد حصاده ، على (القاعا) (القاعا ، كما يُطلق عليها وينطقها اهل تلك المهن ،هي مكان حجري صلب يتم تجميع الحصاد عليها لتدكّها فيما بعد سنابك الخيل او اي حيوانات اخرى ، لفرز الحبوب من السنابل وتسمى هذه العملية بالـــدراس) (لم تكن ذلك الوقت ماكينات الحصاد متوفرّة) ، وبينما كان الاستاذ مُختاظ منهمكاً في التذراي (التذراي ..عملية رفع ذلك الخليط بالمذراة إلى الاعلي ،لتقوم الريح بفصل الحبوب عن السنابل بعد ان اصبحت تبناً) ، وكالعادة فيما يحصل للشخص المُزاول لهذه المهنة الصعبة ، كان وجهه وجسمه مُغطّى بالعرق والسنابل والحسك(الحسك .هي رؤوس السنابل ) ..إذ بشخص يصل اليه حاملاً رسالة من وزارة التربية والتعليم بالمملكة الليبية ويسلمّها له ...فتح الرسالة وقرأ : ( السيد المُحترم /مختاظ عيسى ..نُهنئك بتخرّجك وتفوّقك من الاوائل في تخصص اللغة الانجليزية..ولهذه الاسباب وحيث انه قد تقرّر منحكم دورة مُتقدمّة في اللغة الانجليزية بجامعة كمبردج ببريطانيا ، نرجو موافاتنا بإجراءاتكم لاستكمال الايفاد في اقرب وقت ممكن ) ..يقول السيد مُختاظ ( انهيت إجراءاتي وانتقلت من (القاعا) بريف شحات ..إلى مطار لندن الدولي ودخلت جامعة كمبردج ..وكنت اشعر ان بقايا عملي بتلك (القاعا) من حسك وسنابل القمح وغيرها لا تزل عالقة بثيابي ."
(رواية ناصر الفرجاني شعيب ، نقلاّ عن والد الاستاذ رجب الزقزوق)