بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 يوليو 2014



  


   بنغازى -2

  فتاة رقيقة مؤدبة ذات خلق عالى.. متعلمة ودودة تحب الخير لكل الناس ويهمها ان تكون محبوبة عند جميع من الناس بغض النظر عن اصولهم سواءا كانو اوربيون او محليون، فأحبها كل الناس وحزنوا لوفاتها واطلقوا اسمها على مكان وفاتها.. هكذا تقول القصة عن ابنة المندوب او القنصل الانجليزى (جليانا) فى بنغازى فى وقت ما.. حيث جليانا الان... يبدو انه كان هناك من يريد تلك النهاية لبنغازى لتكون اثرا بعد عين ولكن القدر العادل كان له رأى اخر فحفظ بنغازى واهلها لتظل اسما وعلما..
من منا لا يحب بنغازى ومن منا ليس لديه فيها حبيب او صديق او قريب او ذكرى بعيدة او قريبة.. نتمنى ان تعود ميادينها وازقتها ومكتباتها وسينماتها ومسارحها وفنادقها ومقاهيها وحدائقها كما كانت مكانا بردا وسلاما للجميع يمارسون فيها لقائاتهم وهواياتهم ونشاطاتهم بكل حرية كما هى مدن العالم المتحضرة التى تفتح ميادينها وازقتها لنشاطات البشر الفنية والهوايات المكبوتة وخاصة ايام العطلات ليتنفس الناس والعائلات شىء من الحرية والتغيير والابداع بعد ان اقفل النظام البائد كل ميادين الابداع والحرية وفتح فقط سجونه ومثاباته ومعسكراته القمعية..... ويبدو لى انه من خلال كلماتى فى بنغازى 1 اننى قد زرعت كلماتى المتواضعة تلك فى ارض كريمة فقد اثمرت شكرا وتقديرا واعجابا من كثيرون من اهل بنغازى رغم اننى لم اقل الا صدقا وقلت اقل ما يمكن ان اقوله عن ام القرى بنغازى وما عملته هو اظهار ما احتفظ به بينى وبين نفسى وكذلك الكثيرين عن بنغازى الزاهرة للعلن.
عندما كنا نتابع اخبار بنغازى من البيضاء وكنا نرى تلك الوجوه الطيبة الكريمة من نسائنا وبناتنا واولادنا الذين فقدوا احبابهم فى مجزرة القرن فى بوسليم كل سبت يرفعون اللافتات التى تقول (ما نبوش فلوس.. نبوا قطاعين الروس).. كنا نشفق عليهم من شراسة وعدوانية النظام وازلامه ومعاونيه وفى نفس الوقت كنا امام موقف بطولة لا نملك ازاءه الا الزهو والاعجاب كنا نتمناه ان يكبر على كبر مساحة الوطن... وكان يرافقهم ويقوى من عزيمتهم ويدافع عن قضيتهم وقضيته المحامى الانسان الوطنى فتحى تربل الذى نكن له كل الاحترام والتقدير لهذا الموقف فى وقت كان الكثير يبحثون عن ما يدر عليهم المال فى قضايا اخرى بعيدة عن جروح الوطن وهمومه.... وردوا الاعتبار لهذا الانسان يوم ضبطته الاجهزة الامنية القمعية ووقفت تلك الجموع وقفة العز والكبرياء امام مكان احتجازه وابوا ان يغادروا الا برفقته فكان لهم ما ارادوا وحملوا معهم قضية الوطن كله والتفت حولهم جماهير بنغازى فى موقف عز لن ننساه، ومن هناك بدأت قضية الوطن كما بدأت عندنا فى البيضاء فى مكان يقال له (مفوز الطلحى) سمى اليوم (ساحة الشرارة) بدأه شباب بسطاء يبحثون عن الحرية والكرامة والامل والعدالة يوم 16 فبراير المجيد...... كنا فى تلك الصور والمشاهد امام بنغازى الحقيقية بنغازى الوطن بنغازى رباية الذايح.. بنغازى الامير والمجاهد والمنار والاستقلال... بنغازى حبيبة الوطن،وليست حبيبة الطغاة، التى دخلت التاريخ والمجد من اوسع ابوابه لانها احتضنت الوطن الجريح تداويه بأعز ما تملك، دمائها وشبابها وقوتها ودوائها....
عندما تحدثت احدى نساء بنغازى (اعتقد انها كانت السيدة الفاضلة امال بوقعيقيص) امام الاعلام عن الحرية والديموقراطية والدولة المدنية العصرية دولة الدستور والعدالة والقانون والحرية، دولة الجميع التعددية الثقافية كهدف من اهداف ثورة قبراير المجيدة.. سمع ذلك احد المحللين السياسيين الامريكيين فكان معجبا بما سمع فقال: (هذه هى الموسيقى التى نحب ان نسمعها وخاصة وانها اتت من فتاة ليبية تطلب الحرية والكرامة ودولة الدستور والقانون.. حيث كنا سابقا لا نسمع الا صوتا نشازا واحدا لم نكن نعرف ماذا يريد؟).....
ليبيا يا نغما فى خاطرى... اغنية ونشيد جميل سمعناه فى صبانا يتغنى به السيد محمد نجم فى بنغازى فكان رفقة النشيد الوطنى سمفونية تتغنى للوطن واهله وابطاله لم يغادر خواطرنا فى الغربة ولا فى الوطن فكان انسا لنا حفظ ما تبقى فى انفسنا محبة للوطن بعد ان كانت اذاعة النظام تظل كالببغاء تردد على مسامعنا (ما هبت نسمة الا بقدومك!!) وهو الذى لوث النسمة والتراب والرياح بأنفاسه الخبيثة كما الجمرة الخبيثة بقدومه المشؤوم....
ترجعنا كلمات والحان الشعالية وبومدين وصدقى و خيرية المبروك ومحمد مختار اطال الله فى عمره الى ايام الوطن الجميلة الاولى قبل الانقلاب المشؤوم، ايام كانت الاذاعة الليبية اذاعة للوطن فعلا.. لقد جمعت بنغازى طيفا رائعا من الفنانين والادباء والوطنيون والتجار ورجال الاعمال بالاضافة الى الحرفيون والى طيفا واسعا من النساء الوطنيات الرائعات ايضا.. لو لم يقع انقلاب 1969 المشؤوم الذى اضاع 42 من عمر التنمية والتقدم والبناء.. لكانت بنغازى منارة وعاصمة للثقافة والفن والاقتصاد فى ليبيا بعد طرابلس عاصمتنا السياسية فك الله اسرها... ولكانت من اجمل المدن الليبية الواقعة على ضفاف البحر المتوسط يأمها سياح العالم المتقدم الحر بدل شذاذ الافاق والمجرمون والمشعوذون الذين لوثوا بنغازى واراد بها تلويث ديموغرافيتها وبرائتها وجمالها لانه قبيح متخلف لا يحب الا القبح والمرض والتخلف..
لدى بنغازى قدرة غريبة على اجتذاب واعجاب من يأتى اليها زائرا او مسافرا او مارا رغم ما تعرضت له من دمار واهمال وتهميش طيلة ال 42 عاما... كما يتمتع اهلها بمواهب وقدرات تجارية وفنية وحرفية ثقافية وعندما قام النظام البائد بأقفال النشاطات التجارية والزحف على ممتلكات الناس وتخريبها واقفال حتى النشاطات الثقافية والفنية كالمسارح وادور السينما والمكتبات اصيبت المدينة وكل ليبيا بالشلل التام وتوقفت الادمغة عن الابداع الا فى انواع الارز والمكرونة والشاى التى ينتظرونها كل شهر من ما يسمى بالجمعيات الاستهلاكية بحيث اصبح كل طموحات الناس هى الحصول على تلك الانواع من المأكولات البطنية او الملبوسات وعلى رأسها الجوارب والملابس الداخلية ولايمكن لاحد ان ينسى ذلك الزحام والمعارك على عالات الشاهى الصينية والتى اراد النظام دائما ان يلهى الناس بها عن معركتهم الاساسية فى معركة الحرية والمواطنة والديموقراطية.... رغم كل ذلك كان شباب بنغازى المكبوت والمنكوب والمقهور يلهب اسماعنا رغم قلة الامكانيات والتشجيع بتلك الاغانى التى بدأت بالمرسكاوى (مرزقاوى) وانتهت بالراب عن الامهم وامالهم وعشقهم للحياة وللوطن... فكانو قمة فى الابداع والرقى رغم نبرة الحزن والالم... كما هم الان قمة فى الشجاعة والاقدام فى معركة الكرامة والاستقلال الثانى فتبسم الجرح وزعردن الاوجاع عندهم وهاهم اليوم فى ظل الثورة يتغنوا عن الوطن فى قصائد والحان رائعة فهم ابطال فى الجبهات ورائعون فى الفن ومبدعون فى الحياة وسيكونون اروع عند توفر الحرية الكاملة... حقق الله مرامهم فى الانتصار والحرية والديموقراطية وبناء دولة الدستور والقانون ليعيشوا فى وطن حر كما هم شباب الاوطان الحرة الديموقراطية المتقدمة بعيدا عن كل انواع الكبت والدكتاتوريات المتخلفة مهما كان شكلها ومبرراتها فالحرية وكل الحرية هى الغاية والهدف والوسيلة.

 
مفتاح بوعجاج   ليبيا المستقبل    27-6-2011
ــــــــــــــــــــــــــــ