بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 26 أغسطس 2022

احمد رفيق المهدوي ...شاعر الوطن

صدى السنين الحاكي :
 "نحّن شوقا إلى أوطاننا فإذا تبسّم البارق الغربي أبكانا ....
ومن سوانا جدير بالبكاء على ذكرى...الفويهات والبركه ..وجليانا "
 
  (الاديب السياسي الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي عندما كان مُهاجرا في مصر فترة الاستعمار الايطالي في الاربعينات... )
أحمد رفيق المهدوي (1898 -1961)(شاعر الوطن) ، صاحب القصيدة الشهيرة بقصيدة عيد الاستقلال :"عيد عليه مهابــة وجــلال **عيد وحسبك أنه استقــلال  " ...وُلد في بلدة فساطوبـ(جادو) في ليبيا ..أضطر للهجرة خلال فترة الاستعمار الايطالي إلى تركيا ومصر بعد مضايقة الطليان له بسبب تحريضه الوطني..عاد إلى ليبيا عام 1946 بعد هزيمة الايطاليين الفاشست في الحرب العالمية 2 فأستُقبل إستقبال الابطال وأستقر في بنغازي وأسهم بشعره وأدبياته في في تحريك المشاعر الوطنية والتي تُوجّت بأستقلال ليبيا عام 1951..عيّنه الملك إدريس عضوًا بمجلس الشيوخ في البرلمان الليبي بعد الاستقلال مباشرة..توفي رحمه الله في عام 1961 ودُفن بمقبرة (سيدي أعبيد) في بنغازي..أُطلق أسمه على أحد مدرجات كلية الاداب بالجامعة الليبية/ بنغازي .
   كم اتمنى ان تكون سيرة هؤلاء واشعارهم ونضالهم بمناهج مدارسنا وجامعاتنا فهي تبيان لهويتنا الليبية الوطنية الجامعة التي تسائل عنها حتى السيد غسّان سلامة ..بدل هراء كثير غيّب الهوية الليبية الجامعة ونضال الجهاد والاستقلال..
(الصورة ..جنازة شاعر الوطن أحمد رفيق المهدوي ، رحمه الله ، بنغازي 1961..صورة Hakim Abushhiwa )


 


الاثنين، 22 أغسطس 2022

العودة إلى ........المُستقبل :


   " عمره 93 سنة من منطقة جبل نفوسة ، كان أحد أعضاء مجلس النواب في عهد الملك إدريس السنوسي ، أبى إلا أن يأتي للمؤتمر الدستوري بغريان (العودة للشرعية الدستورية نوفمبر2017 ) وان يشارك من حرارة و ألم قلبه الموجع و عندما أعتلى المنبر قال :
( كنّا نعمل مع الملك أدريس يدا واحدة و كانت ليبيا ليس بها شئ بعد مطاحن الحرب العالمية سوى الأمّية و كثرة العميان من مرض التراكوما ..أبى الملك إدريس إلا بالأستقلال التام عن الوصاية العسكرية و كانت همّتنا عالية عالية ..
     أبى الملك إدريس إلا أن تكون معادلة الدولار ثمانية و عشرون قرشا ليبيًا يحافظ على قيمته ثابته لا ينزل عنها و ليس كما هو حالنا الآن ..عرض أحد وجوه السياسة آنذاك على الملك إدريس أن تسمى ليبيا ،المملكة السنوسية فأغتاظ الملك رحمه الله و قال لا يسعدني إلا أسم (المملكة الليبية )..
...فجأة فاضت عيناه و تعثّر لسانه فأسقط دموع الحضور ووقفوا وصفّقوا له تبجيلا وإحتراما ..."
-ارشيف الأستاذ Ahmouda Khalifa Ahmouda نوفمبر 2017 ، كان حاضراً الموقف ....
-الصورة لذلك الشيخ المُحترم خلال الكلمة وعلى يساره يظهر الإعلامي المُبدع والخلوق ابن العمّ الشاب طارق محمود / البيضاء والذي كان احد مُقدمي المؤتمر ومن اعضاء حراك العودة للشرعية الدستورية ...لظروفي الخاصة لم اتمكن من الحضور وقتها ....
*العنوان (العودة إلى المستقبل ) إستعارة من تعليق للصديق حسين عبدالله شرمدو /البيضاء....

 

 

الثلاثاء، 16 أغسطس 2022

تاريخ ....ورجل ...ووطن

أغسطس 2008

كان المنار في قصر المنار

   رحل منذ سبع سنوات وودّعته ليبيا بصمت مخجل لايليق بشخصه وماقدم للتعليم وللوطن ومابذل من جهود ومبادرات علمية وعملية – لازالت شاخصة بأثارها ومعالمها وستظل لأمد بعيد – ودّعناه بصمت عدا بعض الكتابات الخجولة الوجلة التي عبر فيها أصحابها – مشكورين – على استحياء وبحسابات - عن النذر اليسيرمن بعض ماينبغي أن يقال في حق هذه الشخصية الوطنية الاكاديمية المناضلة والتي حرمت ليبيا الاستفادة من امكاناتها الكبيرة والطموحة اذ زج به في غياهب السجون ما يناهز العقد من الزمان...

   أمضى سنوات سجنه تحت وطأة ضروب عديدة وقاسية من التعذيب النفسي والجسدي وعانى من ذلك الكثير، وواجه بعد خروجه من السجن التضييق والمحاصرة والإقصاء. فسدّت في وجهه سبل العمل والكسب فضلا عن القهر النفسي وما خرج به من السجن من أدواء وأسقام – صاحبته حتى رحيله عن هذه الدنيا – وكان ذلك من جراء ما تعرض له في السجن من ممارسات جائرة وعسف وتنكيل وامتهان واحتقار.

    رحل منذ سبع سنوات وودّعته ليبيا بصمت مخجل لايليق بشخصه وماقدم للتعليم وللوطن ومابذل من جهود ومبادرات علمية وعملية – لازالت شاخصة بأثارها ومعالمها وستظل لأمد بعيد – ودّعناه بصمت عدا بعض الكتابات الخجولة الوجلة التي عبر فيها أصحابها – مشكورين – على استحياء وبحسابات - عن النذر اليسيرمن بعض ماينبغي أن يقال في حق هذه الشخصية الوطنية الاكاديمية المناضلة والتي حرمت ليبيا الاستفادة من امكاناتها الكبيرة والطموحة اذ زج به في غياهب السجون ما يناهز العقد من الزمان...

   أمضى سنوات سجنه تحت وطأة ضروب عديدة وقاسية من التعذيب النفسي والجسدي وعانى من ذلك الكثير، وواجه بعد خروجه من السجن التضييق والمحاصرة والإقصاء. فسدّت في وجهه سبل العمل والكسب فضلا عن القهر النفسي وما خرج به من السجن من أدواء وأسقام – صاحبته حتى رحيله عن هذه الدنيا – وكان ذلك من جراء ما تعرض له في السجن من ممارسات جائرة وعسف وتنكيل وامتهان واحتقار.

كان المنار في قصر المنار:

قصر المنار هو القصر الملكي في بنغازي الذي أعلن من شرفته الملك ادريس - يرحمه الله - استقلال ليبيا وهو ذات القصر الذى خرج منه الملك ادريس وخصصه ليكون أول مقر للجامعة الليبية.. الجامعة الليبية التي ترأسها الأستاذ عبد المولى دغمان في أجمل فترات تألقها وأزهى ايام عطائها وابداعها... لقد أمضى عبد المولى دغمان فترة عمله في الجامعة الليبية عندما كانت تشغل معظم مقارها ومرافقها قصر المنار والمباني الملحقة به. فكان عبد المولي دغمان آنذاك في عنفوان شبابه فالى جانب وسامته وأناقته وذكاءه ولباقته والمعيته ومقدرته العلمية والعملية، كان يتوقد وطنية و حيوية ونشاط متفان في أداء واجباته – بعقلية مبتكرة مبدعة واعية وخلاقة – وكأنه في سباق مع الزمن يريد أن يدرك غاياته قبل حدوث أمر ما قد يحول بينه وبين أهدافه المتوخاة في مسار الجامعة وتطورها والبلوغ بها الى ارفع قدر ممكن من الرقي والتطور.

   لازلت أذكر ذلك اليوم الرائق الجميل من عام 1968م الذي أطل فيه الملك ادريس بطلعته البهية والى جانبه عبد المولى دغمان ومصطفى بعيو ولفيف من رجال الدولة والجامعة آنذاك، ليضع حجر الأساس للمدينة الجامعية ببنغازي، وكان الأستاذ عبد المولى دغمان متفاعلا مع ذلك الحدث المهم بحيوية ونشاط ومتألق أيما تألق تقرأ في ملامحه أماله وطموحاته واشواقه لمستقبل مشرق للجامعة الليبية ومستقبل التعليم في ليبيا. لقد كان الاستاذ عبد المولى المنارفي قصر المنار بحق .. المنار في الجامعة الليبية عندما كان مدرسا بها .. واثناء توليه عمادة أحدى كلياتها وعندما تقلد مسؤولية رئاستها .. لقد كان كذلك.. بهمته.. بتفانيه .. باخلاصه في عمله .. بمعرفتة الموسوعية .. برؤيته الفاحصة .. وطموحاته الواعدة.. ورؤاه العلمية العملية الحضارية.. وديناميكيته التي لاتعرف التوقف أو الفتور. لقد شهد للأستاذ عبد المولى يرحمه الله بمناقب شتى ومزايا جمة العديد من الشخصيات الأكاديمية الوطنية الليبية والأجنبية التي عاصرته وعرفته وعملت معه، وسأورد على سبيل المثال لا الحصر شهادتين لأستاذين مشهورين عملا بالجامعة الليبية: هما الدكتور عبد الرحمن بدوي أستاذ الفلسفة بكلية الأداب .والدكتور علي علي سليمان أستاذ القانون المدني بكلية الحقوق أثناء تولى الأستاذ عبد المولى دغمان رأسة الجامعة الليبية.

    ورد في كتاب سيرة حياتي.. الجزء الثاني.. الطبعة الأولي.. للدكتور عبد الرحمن بدوي الذي صدر - قبيل وفاته - عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت لبنان – ص 105-106 الآتي:

" ذهبت للقاء مدير الجامعة، الأستاذ عبد المولى دغمان، الذي كان قبل ذلك مدرسا لعلم الاجتماع في كلية الأداب. فرحّب بي أجمل ترحيب، وكان على شبابه واسع الإطلاع على آخر الأبحاث في علم الاجتماع، اذ كان قبل ذلك بفترة قصيرة طالبا يحضّر للدراسات العليا في أحد الجامعات بالولايات المتحدة؛ وحصل من هناك على الماجستير في علم الاجتماع، وعاد قبل أن ينجز رسالة الدكتوراه ليتولى منصب مدير الجامعة الليبية. وكان أول مدير ليبي كفء، مختص يتولى هذا المنصب. فمسح هذا اللقاء الجميل الانطباع السيئ الذي بداء يساورني. وطوال العامين اللذين كان فيهما الأستاذ عبد المولى دغمان مديرا للجامعة الليبية كنت أشعر بالأطمئنان وأحظى بالتقدير البالغ، لهذا كان هذان العامان الأولان من الأعوام الستة التى أقمتها في ليبيا الفترة المضيئة الخصبة في مقامي هناك. أما السنوات الأربع التالية، من سبتمبر 1969 حتى أوائل مايو سنة 1973، فكانت فترة قلق وتبرّم بالمقام هناك، وتربص متلهف للإفلات من ليبيا"

  وجدير بالذكر أن الدكتور عبد الرحمن بدوي طرد من ليبيا وتعرّض لممارسات مهينة من قبل الأجهزه خلال فترة اعتقاله وسجنة ومن ضمن ما تعرض له اعتداءات مشينة من قبل صبية اللجان الشعبية- خلال ما سمي بالثورة الثقافية - الى أن تدخلت الحكومة المصرية بأمر الرئيس انورالسادات ورحل الى مصر.

  وتحدث الدكتور علي علي سليمان في برنامج الجليس الذي بثتة القناة التلفزيونية الفضائية الجزائرية سنة 2001م تحدث عن مختلف مراحل حياته الأكادمية وعندما جاء الحديث عن اقامته وعمله بالجامعة الليبية ببنغازي تهلل وجهه وتحدث بانشراح وابتهاج رغم أنه ناهز السادسة والتسعين من عمره.. تحدث بلهجة مصرية قائلا: "كانت ادارة الجامعة الليبية ناس محترمين يجلون رجال العلم ويحترمونهم عاملوني يتقدير واحترام وكرم كبيرين الى أن جاء الاستاذ القذافي الذي أفسد كل شئ". وحاول المذيع - تجنبا لإحراج حكومته - أن يصرفه عن الحديث الا أن الدكتور علي سليمان واصل الكلام واسهب في الحديث والثناء على الجامعة وادارتها ثناء يعتز به كل ليبي يحب بلاده.. والفترة التي تحدث عنها هي فترة تولى الاستاذ عبد المولى رأسة الجامعة.

  عندما يقرأ المرء الكلمة التي القاها الاستاذ عبد المولى - بين يدي الملك ادريس رحمهما الله - في حفل وضع حجر الاساس للمدينة الجامعية عام 1968م ببنغازي, يتبين المرأ بجلاء شخصية الاستاذ عبد المولى الأكاديمية الخلاقة والادارية الفذة المتطلعة لأفاق مستقبلية بعيدة في مجال التعليم الجامعي وتنميته وتطويره في البلاد برؤية واعدة وبتركيز على الجودة. (الكيفية والنوعية).. والرصانة في أداء المؤسسات التعليمية وعلى مختلف مستوياتها ومراحلها. وليستيقن القارئ الكريم وجاهة ما نقول نورد بعض من فقرات هذه الكلمة التي وكأنها صيغت بلغة ومعايير التعليم في هذه الأيام في جامعات الغرب الحديثة ، تحكي تلك الكلمة بعد النظر والتوق الى الأفاق مستقبل واعد للتنمية التعليمية والرؤية العلمية الواقعية والتخطيط العلمي الموضوعي المدروس.. فمن ضمن ما ورد في تلك الكلمة الرصينة الرائعة مايلي:

"ان حقيقة وجود الدولة على شاطئ البحر المتوسط وتعرضها لحضارات ومدنيات مختلفة عبر التاريخ لم تكن خافية عنكم ولهذا فقد وطدتم العزم على ان تكون اتجاهات البناء والإطار العام الذي يحكم البناء سائر على النهج الذي يوصلها الى غايات تمكن من المساهمة في بناء حضارت الإنسان المعاصر هذه الحضارة التي أملت أن يكون الأهتمام بأمور التنمية الإجتماعية والإقتصادية والثقافية مقام على أسس العصر الحديث.. وهي المعارف والعلوم وتبادل الخبرات الحديثة وهذه لايتيسر بلوغها بغير أن يكون التعليم الحديث يشكل الإهتمام الأول للدولة الحديثة ومن هنا جاء اهتمامكم العظيم بفتح ابواب المعارف على مصاريعها ادراكا منكم لدور العلم في بناء الأمم ورغبة جامحة من الأمة فيه, كل هذه أدت الى أن يقفزالتعليم قفزات رائعة مكنت الكثير من ابناء أمتكم أن يجلسوا مع غيرهم من طلاب العلم من ابناء البلاد المتقدمة جنبا الى جنب في كثير من الجامعات العتيدة.“

وجاء في موضع آخر من الكلمة: "وصدر المرسوم الملكي يعلن طهور الجامعة الليبية الى حيز الوجود في 15 ديسمبر 1955م وصدرت معه رغبتكم الكريمة في أن يكون قصركم قصر المنار مقرا لها فأمسى منارا للعلم والعرفان تستضئ بنوره الأجيال ويهتدي به كل من عقد العزم على أن يخدم الوطن العزيز بامكانيات أكثر قدرة على مواجهة متطلبات النهضة الحديثة وحرصتم على أن تولوها بالرعاية وتوفروا لها أسباب الوجود الجامعي.. حرية تامة للفكر والبحث وصيانة للحرمة واستقلال في ادارة الشؤون فباتت جامعة نفاخر بجوها العام بين كثير من الجامعات فالجامعة يامولاي لاتقاس ابدا بضخامة البنيان ولا بكثرة الأساتذة والطلاب بقدر ما تقاس بالحرية في الفكر والاستقلال في العمل في اطار المصلحة العليا للوطن وللإنسانية جمعاء.“

"ان مسؤوليات المستقبل ورسم حدود اتجاهاته يعتمد في المقام الأول على التعليم بوجه عام وعلى التعليم الجامعي والعالي بوجه خاص ومهمة التغيير واجب انساني فمع ايماني ان المستقبل بيد الله الا أنه قال في كتابه الكريم (ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم) وبهذا وضع رب العالمين مسؤولية التغيير على كاهل بني البشر ومن هنا وجب أن نحاول تغيير ما بأنفسنا وما بعقولنا بالقدر الذي يخدم الوحدة الوطنية وبالقدر الذي يحقق غدا مشرقا تأخذ فيه بلادنا العزيزة مكانتها اللائقة بين الأمم المتحضرة." هذا بعض مما ورد في كلمة الأستاذ عبد المولى دغمان رئيس الجامعة امام الملك ادريس رحمهما الله . لن اتناول الكلمة بأي تعليق ويمكن للقاري الرجوع لنص الكلمة بمجلة قورينا الصادرة عن الجامعة الليبية آنذاك عدد اكتوبر1968م- التي نشرت بموقع الباكور ومواقع أخرى على الإنترنت.

حرم عبد المولى دغمان من أكمال رسالة الدكتوراه عندما طلب منه العودة الى ارض الوطن ليتجشم مسؤلية ادارة وتطوير واتمام تأسيس الجامعة وقد قام بهذا الدور بأحسن ما يمكن القيام به، وضحى بدراسته وهو الدارس المجتهد والباحث المقتدر المتمكن الكفؤ بشهاد كل من عرفه من أهل الإختصاص الليبيين والاجانب.. بذل جهدا متميزا وعمل بذأب واقتدار وحقق للجامعة الليبية مكاسب كبيرة مادية ومعنوية.

فمن انجازاته المادية المدينة الجامعية ببنغازي الماثلة حتى اليوم برصانة تخطيطها وتكامل مرافقها وأناقة منظرها وروعة تناسقها، وليس من نافلة القول: أنه بالمقابل كان من أول قرارات الانقلابيين الغاء أجزاء كبيرة ومهمة من مخطط مباني المدينة الجامعية ببنغازي التي كانت تحت التنفيذ- في سبتمبر1969م - بحجة انها غير ذات أهمية ولاتشكل أولوية للحكام الجدد حملة لواء الجهالة والاستبداد ، فأين ذلك من الذي يخرج من قصره قصرالمنار قصر اعلان الإستقلال ويخصصة مقرا للجامعة الليبية أول جامعة عصرية عرفتها البلاد.

أما المكاسب المعنوية (العلمية الاكاديمية والثقافية والإجتماعية) ما أكثرها نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر الآتي:

من أجمل مايقال عن عبد المولى دغمان انه ليبي أصيل وبجدارة.. ليبيّ انتماء وحبا للوطن.. ليبيّ بمعرفته لليبيا أرضا، أناسا، ثقافة وثراثا، عادتا وتقاليدا، أدبا وشعرا.. فانتماؤه الي الوطن انتماء حقيقي أكده عمليا من خلال تفانيه بجدية ومثابرة في خدمة أهم مرفق في الدولة والوطن آلا وهو مرفق التعليم فكان مجتهدا ايما اجتهاد ومتفانيا أيما تفاني بعقلية متفتحة وفكر مستنير واواقعية وموضوعية وتحضّر.

والمراجع لكلمة الأستاذ عبد المولى يجد أن كلمة الوحدة الوطنية قد تكررت في هذه الكلمة عدة مرات لتبين ما لهذا الرجل من رؤيا فاحصة وجلية ووعي بالتحديات التي تواجه الأمة الليبية والوطن.. وقناعته بضرورة التنبه لمسألة الوحدة الوطنية الليبية والتعامل معها بجديه وعدم تهاون في شأنها على الإطلاق.

استقلالنا في عيده العاشر:

كانت لعبد المولى دغمان وقفة تاريخية وطنية محورية في محاضرته الشهيرة (استقلالنا في عيده العاشر) تلك الوقفة التقويمية الإستشرافية التي وقف فيها عبد المولى دغمان - في غمرت الاحتفال بالذكرى العاشرة للإستقلال - متأملا.. متفحصا.. مراجعا.. متسائلا.. منبها.. محذرا.. ناصحا.. بعد عشر سنوات من الإستقلال الى اين وصلنا..؟ وأين أصبحنا..؟ و الى اين سنتجه ..؟ وما هي أهدافنا المستقبلية..؟ نبه بتلك الوقفة المجتمع والنخبة والدولة والوطن بأسره الى وجوب الوعي بهموم الوطن واليقظة الى تداعيات مسيرة الدولة حديثة الأستقلال وتقييمها تقييما علميا موضوعيا بيقضة وانتباه ومسؤلية ووطنية تحسّبا وتلافيا لما قد يأتي به المستقبل من مفاجأت.. وقد دارت نقاشات مهمة آنذاك حول هذا الموضوع شارك فيها العديد من المثقفين الليبيين.. ولو كان في نخبة تلك الأيام كثيرون بعقلية ووعي عبدالمولى دغمان لما آل الوطن الى المآل المأساوي الذي احل به يوم ألأول من سبتمبر 1969م في غفلة وتهاون من قبل الجميع.

مادة المجتمع الليبي:

  من الأعمال الوطنية والعلمية المهمة التي بادر بها الأستاذ عبد المولى دغمان تقرير مادة المجتمع الليبي وتدريسها بقسم الفلسفة والاجتماع وفي السنة الأولى قبل التخصص بكلية ألأداب والتربية وتولى هو شخصيا تدريسها .. وهذه المادة استحدثها الأستاذ عبد المولى دغمان في النظام التعليمي الليبي الجامعي لأول مرة، فتوخى من اعدادها واقرارها وتدريسها تبيان وتعليم وترسيخ أسس و قيم المجتمع الليبي وشرح مضامين المجموعة القيمية الاجتماعية والأخلاقية لمكونات هذا المجتمع وكيفية غرسها وتأكيدها في نفوس وعقول الناشئة تأسيسا وترسيخا لوطنية المواطن الليبي وانتماءه للوطن ودعما وتأكيدا للوحدة الوطنية الليبية.

تطوير واعادة ترتيب الجامعة:

   بذل الأستاذ عبد المولى جهدا كبيرا من أجل تحديث وتنظيم الجامعة وتطويرها ادارة، نظم، مناهج، هيئة تدريس، كوادر، مرافق.. حاول أن يرقى بالجامعة الى أرفع مستوى ممكن متطلعا بذلك الى أحسن وضعية وصلتها أرقى جامعات العالم المتقدم.

   حاول تطوير وتحسين نظم الجامعة ولوائحها بكيفية ضمنت لها الاستقلالية في اتخاذ القرارت والحريه في رسم السياسات ووضع الخطط وتنفيذها في اطاراكاديمي. وتمكن من ترتيب وتهيئة امكانات مالية وادارية أتاحت توظيف العديد من الإطارات الإدارية الوطنية الكفؤة ومكنت من التعاقد مع أفضل الأساتذة من ذوى الكفاءات العلمية الممتازة. ونشّط البعوث الى الخارج والى أفضل الجامعات في الغرب.

  لازلت اذكر أهداءا سطّره الدكتور محسن الشيشكلي (السوري استاذ القانون الدولي بكلية الحقوق خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي) في مقدمة كتابة الوسيط في القانون الدولي يقول في ذلك الإهداء – على وجه التقريب – : الى الجامعة الليبية محضن الكثير من أحرارالفكر والعلماء العرب في محن التصفيات، حوت الجامعة الليبية في تلك الفترة أفضل وأكفأ الأكاديميين في العالم العربي الذين أضطرتهم حكومات القمع والإقصاء الى الهجرة من بلدانهم وبقوا في ليبيا، حتى طردتهم اللجان الشعبية عام 1973م واحد تلو الأخر. وكان الاستاذ عبد المولى – عندما يشارك في لقاءت رؤساء الجامعات بالخارج – يمازح مدراء ورؤساء الجامعات العربية قائلا أطردوا المزيد من الأساتذة حتى نتمكن من اجتدابهم الى الجامعة الليبية ليكون لدينا أفضل الأساتذة. وهذا دليل على المناخ الحر والاستقلالية التي كانت للجامعة الليبية آنذاك حيث أوجدت مناخا مريحا للأستاذة الأجانب المتعاقد معهم.

  أهتم بجدية بالجانب العلمي الأكاديمي في اداء كليات الجامعة و بالعمل الميداني والبحث الحقلي وشجّع علية بأصرار وارادة قوية، فكان وراء قرار تأسيس كلية الطب وعمل بجهدا كبير واصرار من أجل تطوير كلية العلوم وتحديثها معمليا وثقنيا.

   ومن ضمن مايذكر للأستاذ عبد المولى ادراكه بل اقتناعه الراسخ بوجوب الاستفادة العلمية من الغرب في مختلف العلوم والمعارف مع التمسك الواعي بمورثنا الثقافي والعلمي فكان حريصا على وجوب التمسك بالهوية الوطنية اليبية وترسيخها ترسيخيا علميا موضوعيا رصينا من خلال الاهتمام بدراسة العادات والتقاليد الليبية والاهتمام بالطفل والمرآة والاهتمام بالتربية واعطائها الاولوية في السياسات والخطط.

   أرسل قوافل من الباحثين والطلبة الى مختلف الأقاليم والمناطق بالبلاد لجمع الثراث الليبي بمختلف مسمياته من العادات والتقاليد الاجتماعية الى الاشعار والامثال والحكم والمعلومات حول المهن والحرف اليدوية وكافة ما يتعلق بالموروث الوطني الليبي لتجمع وتدرس دراسة علمية تحقيقا لواقعية التخطيط التنموي المجتمعي واعادة صياغة الخصوصية الليبية وتأكيد الهوية الوطنية.

  ولازلت اذكر ان احد المعيدين بقسم الاجتماع بكلية الأداب قدم كراسة تحوي دراسة عن العادات الاجتماعية بمنطقة مرزق وقد نال جائزة على هذا البحث كانت رحلة الى اسكندنافيا.. كانت الرحلة الى اسكندنافيا ليتمكن الطالب او الدارس من رؤية ومعرفة أرقى ماتوصل الية التنظيم المجتمعي في العالم، وهذا دليل على الكيفية التي كان يفكر بها الأستاذ عبد المولى وبعد نظره حتى في اختيار الدول التي ينبغي أن يبعث اليها الطالب مراعيا في ذلك تخصصه العلمي لتحقق الفائدة العلمية والترفيهية من الرحلة معا.

  ومن الموقف التاريخية للأستاذ عبد المولى نصيحته للطلبة سنة 1967م بممارسة مناشطهم الإحتجاجية – أثناء المطالبة بتأسيس إتحاد عام للطلبة في ليبيا – داخل الحرم الجامعي ضمانا لسلامتهم وحفاظا على النظام العام حيث أن حرمة الحرم الجامعي مصانة ولايستطيع أحد أختراقها أو المساس بالطلبة داخلها.

 شجّع الطلاب أصحاب المواهب ودفع بهم مع ثلة من الأساتذة لإصدار مجلة قورينا وأوصى بطبعها لاحقا ببيروت وكانت نمودجا رائعا للصحافة الطلابية الراقية.

  استوعب بعض ممن خرجوا من السجن ضمن بعوث الجامعة وارسلهم الى الخارج للدراسة أو التحضير وهذ خطوة تعبر عن وثوق الرجل وتمكنه من موقعه وبعد نظره ورؤيته الوطنية لمهمته فتلك اللمسة كانت نوع من رد الإعتبار لهولاء المواطنين وتطبيعا لوضعهم في المجتمع بعد الخروج من السجن.

  حرص على أن يضم مجلس الجامعة عناصر متنوعة من ذوي الأختصاصات والكفاءات والخبراء وجعل للمجلس مهام حيوية فاعلة تتجاوز الاجتماعات واجازة القرارت. وترأس لجنة ضمت بعض أعضاء المجلس وعدد من الأساتذة والخبراء والفنيين تولت المتابعة والإشراف على تنفيذ مشروع المدينة الجامعية.

   أهتم بمكتبة الجامعة وزودها بكفاءات متخصصة لإدارتها وتسييرها وارسل العديد من العاملين والطلبة للتدريب أو للدراسة المتخصصة في علم المكتبات وادارتها.. وأرسل عدة وفود لشراء كميات كبيرة من الكتب والمراجع في مختلف العلوم والمعارف.. وأوعز للقائمين على المكتبة بالإشتراك في العديد من الدوريات العلمية بالعربية والانجليزية.

   شارك في مناشط عديدة من مؤتمرات وندوات وحلقات دراسية ولجان عمل في داخل الوطن وخارجه.. وكان دائما متألقا وفعّالا في مشاركاته ومساهماته.. تولى في الفترة ما بين عامي 1963م-1965م منصبي وكيل وزارة المعارف ثم وكيل وزارة البترول وفي تلك الفترة تم تعديل قانون البترول بكيفية حققت مكاسب كبيرة للدولة الليبية وكان الأستاذ عبد المولي وراء لمسات رئيسية في التعديلات التي تمت والاضافات والصياغة.

   تبنى مؤتمر ليبيا عبر التاريخ في مارس 1968م وشارك فيه بفاعلية مما هيأ لهذا المؤتمر نجاحا باهرا. كما شارك- قبل ذلك- في مؤتمر التعليم في الدول النامية الذي عقد في كينيا أواخر سنة 1961م وكان وجوده ومشاركاته قد أبهرت المشاركين من الخبراء وممثلي الدول وأكسبته تقديرا واحتراما كبيرين لدى الكثيرين منهم وهيئت له علاقة علمية ومهنية كانت كسبا كبيرا للتعليم وللجامعة في ليبيا فيما تلا من الأيام.

   كان الاستاذ عبد المولى ليبيّا وطنيّا- بكل ماتعني هذه الكلمات - تمازجت في ذاته مكونات الخصوصية الليبية بحق .. في مزاجه.. في ذوقه.. في هواياته.. في تفكيره.. وترى ذلك بجلاء ووضوح في عمله وفي أدأه مهامه الذي أبرز ارتباطه الوثيق بمصالح الوطن وتقدمه وتطوره وسعيه الدائب المستمر الى ذلك فهو من الذين أدركوا ومن البداية أن ما حدث في أول سبتمر كارثة وطنية ومصيبة جلل أتت على الوطن بكل مافيه، ابدى رأيه هذا بوضوح لكل من كان معه عند سماعه خبر الإنقلاب العسكري.

رجولة نادرة:

    وعندما أتهم بالإشتراك في عمل نضالي مضادة لحكم الانقلابيين في أوائل ايام الانقلاب، لم يدرأ التهمة عن نفسه ولم ينكرها بل أصر على الإعتراف بهذا العمل، محاولا بذلك ابعاد هذه التهمة عن رفيقة المرحوم بورحيل ، وما كان من رفيقه الا ذات التصرّف صار الرجلان يتباريان في الإعتراف بالتهمة، كل منهما يريد التضحية من أجل سلامة رفيقه.. أي مستوى من الإيثار....؟! وأي مستوى من الرجولة.... ؟! هذا الذي تحليا به هذان الرجلان النادران.. وكان ذات الموقف يوم الخروج من السجن فعندما جاء أمر بالافراج عن بورحيل أولا أستمات عبد المولى دغمان محاولا اقناع رفيقه بقبول الافراج والمغادرة.. الا أن بو رحيل أبى الخروج الا وعبد المولى دغمان أمامه أومحاديا له وكان الفرج من عند الله وبفضله وخرج الرجلان في ذات اليوم.

   وبعد خروجه من السجن واجه الحياة بعزيمته القوية وإرادته الصلبة وشخصيته المتينة وشموخه وإبائه.. فلم يدفعه العوز وشظف العيش على الإنكساروالخضوع لجلاديه فلم يقبل أي منّة منهم في صغار وذل.. رد عروضهم بشمم وعفاف .. قبل أن يعمل مترجما بإحدى الشركات الاجنبية وبما هيئت له كفاءته وقدرته العلمية، وتوجّه الى أرضه فأفلحها غرس الاعناب وربى الأبقار وعاش بكد يمينه وعرق جبينه ولم يطأطئ رأسه لزبانية الانقلاب ليأكل لقمة عيشه مغموسة في الذل والهوان والإحتقار.

    عبد المولى دغمان ليبي ارتسمت في ذاته الشخصية الليبية بكل مكوناتها فانتماؤه الى ليبيا وطن وشعب وثرات وتقاليد وعادات وأخلاق يظهر جليا في سيرته الحياتية ومسلكه وتصرفاته وتعامله مع الناس وفي معرفته بتفاصيل ودقائق المكونات الاجتماعية والنفسية والثقافية للمجتمع الليبي معرفة المواطن المحب لوطنه ومعرفة العالم الأكاديمي والباحث المدقق المتخصص.. ولو تهيأت له الفرصة والوقت وكتب دراسات عن المجتمع الليبي لكانت من افضل دراسات عصره في تقديرى.. الا أن انشغاله بالعمل الاداري وانهماكه في ممارسة الشأن العام بكل ما يحيط به من شجون وهموم حرمه من براح وقت يمكّنة من البحث والدراسة والتأليف.

  رغم أن الأستاذ عبد المولى ينحدر من أسرة من أهل مدينة بنغازي أي من يطلق عليهم عرفا الحضر (أو الحضور) اي أنه أن ليس بدوي الآنتساب ولم يعش في صباه تحت أطناب خيام البدو، الا أن إلمامة بأشعار البادية وفنونها المختلفة وعاداتها وتقاليدها ومراسم مجالسها (مواعيدها) وعاداتها في أفراحها وأتراحها وملماتها ونوائبها معرفته بها معرفة جيدة وكأنه من صميم البدو ..هذا فضلا عن معرفته الجيدة بأهل المدن ومجتمعهم، وهذه الخاصية من الخصائص المهمة التي ينبغي أن يتميز بها عالم علم الاجتماع المقتدر البارع.

   ومن خصائص شخصية المرحوم الأستاذ عبد المولى انه حداثي المنحى مهتم بالحداثة ثقافة وفكرا وفنا وتعليما وتنمية، وفي ذات الوقت متمسكا – وباصرار – بوجوب المحافظة على الأصالة الليبية العربية المسلمة.. ويرى أن يكون ذلك بتوازن ودون تفريط أو اختلال وبتوخي الأنفع والأجدى من الأصيل ومن الحديث. وقد عبّر عن ذلك بجلاء في خطابه بين يدي الملك ادريس يوم وضع حجر الأساس للمدينة الجامعية. وكان دائما متابعا لما يصدر عن دور النشر العالمية من مطبوعات باللغة الأنجليزية في مجال تخصصه والمجالات ذات العلاقة به وفي عموم الفكر والثقافة.. فضلا عن كونه قد نهل من أمهات الكتب في علوم اللغة العربية وأدابها والعلوم الاسلامية والتأريخ وعلى مدي سنوات طويلة من عمره العلمي، وبذلك تهيأت له هذه الشخصية العلمية الموسوعية الرصينة.

  كان المنار في قصر المنار.. بل كان منارا في كل الوطن.. فما من قرية أو مدينة في ليبيا إلا وارتاد أحد أبنائها أو بناتها الجامعة الليبية وعبد المولى دغمان رئيسها فكيف لايكون بذلك منارا وفي كل الوطن.. بل منارا ولكل الوطن.

   عبد المولى دغمان.. وصفه لي أحد محبيه وجلساءه بأنه شخصية عملية جادة مثابرة محب للعمل ومتفان فيه.. حازم في قراراته صارم في تنفيذها ولكنه في ذات الوقت انسان مرهف المشاعر محب للناس بشوش ودود.. عفوي النكتة .. تلقائي الطريفة.. حاضر البديهة.. دلق اللسان سليم اللغة ظريف لبق يضفي على المجلس مسرة وابتهاج دون تكلفّ او افتعال .. فرض حبه وتقديره.. على كل من التقاه أوجالسه وغادر هذه الدنيا ومحبته تعمر قلوب الناس.. كانيوم رحيله يوم وجيعة وخزن لكل من عرفه او سمع به من بني وطنه والأجانب.

تحية وطنية خالصة للاستاذ عبد المولى دغمان الوطني الليبي المحب لوطنه والمتفاني في خدمته مشفوعة بخالص الدعوات له بالرحمة والمغفرة والرضوان.. جزا الله الأستاذ عبد المولى دغمان عن ليبيا وأهلها كل الخير وخير الجزاء وأنزله في ارفع مقام عنده بأعلى عليين بمطمئن رضوانه وبره انه سميع مجيب.

**بوخزام العناني / اغسطس 2008 بموقع ليبيا المستقبل