بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 20 فبراير 2019

فيروز ...

ايه ..فيه أمل 13/10/2010 :
       عنوان رائع لعمل أظنّه رائعا لفنانة رائعة... لا اعلم هل أنها بأسبقية كلمة (أيه) تعني معنى الاستهزاء على أساس انه لا أمل! أم ردا على سؤال واضح وصريح :هل هناك أمل ؟..والإجابة نعم أن هناك أمل..إنها فيروز..وهو عنوان ألبومها الجديد منذ زمن طويل .. أنها من جيل العمالقة الذين كوّنوا وجداننا سواء ندري أو لا ندرى وسواء اعترفنا أم لم نعترف كما هي العادة عندنا.....جيل (آخى جاوز الظالمون المدى) و(الربيع وبساط الريح ووردة من دمنا)و(فوق الشوك) و(الأطلال و ولد الهدى)..وكما للعالم الأخر الشمالي لهم بتهوفن وموزارت وبوب ديلان وفرانك سيناترا ..فنحن لنا هؤلاء ...ورغم كل شيء فقد التصقوا بالأرض واقتربوا لمن هم عليها وتغنوا ب(محلاها عيشة الفلاح) و(خليها على الله )و (سلملي عليه) و(اعطني الناي وغني).. واحتشموا وتغنوا بالقصائد واللغة الجميلة التي لا يضاهيها إلا الغناء على الاجواد والاكارم والأوطان وأبطال التاريخ والهوى الماجدولينى هوى قيس وليلى.. مصاحبة بموسيقى تخاطب الروح وتسكن القلوب( عش أنت ..انّى مت بعدك ..واطلًًَُ ما شئت صدّك ..للأخطل الصغير ) ....نعم هم لا يزالون الأمل على أن بإمكاننا أن نكون في قمة الذوق عندما نرى ذلك الجمهور المؤدب يشاهد بكل إحساس وذوق حفلات أم كلثوم في الخمسينات والستينات وجمهور فيروز في حفلتها الأخيرة ،والتي رأينا فيها الصغار قبل الكبار ينصتون خاشعين لتلك الكلمات وتلك الألحان التي تهز النفوس والخواطر وتدخل وتسكن أرواحهم وتجمعهم على وتر واحد بعد أن تكاد أن تفرقهم السياسة والطوائف والجهل والعصبية .. هذا الفن الذي كان ولا يزال من ضمن أدوات التربية التي جعلت من ذلك الجيل فريدا في أخلاقه وسلوكه وصبره وسعيه وذوقه وتحليله وتحريمه وحتى في وطنيته.
(يا فؤادي.. لا تسل أين الهوى ...كان صرحًا من خيال ..فهوى) (أين من عيني حبيب.. ساحر فيه عز وجلال وحياء..واثق الخطوة يمشى ملكا ..ظالم الحسن ...شجي الكبرياء ..عابق السحر كأنفاس الربى ..ساهم الطرف كأحلام المساء) كلمات لذلك الطبيب إبراهيم ناجى صاحب الأطلال تكاد كلماتها تلك تربي جيلا كاملا على معاني العزة والكرامة والثقة في النفس والأدب والحياء .. واجزم أن طبيبا قال هذه الكلمات لن يكون كطبيب يحفظ ويستمع إلى الواوا او الدح الدح انبو ..ولكنهم ولألف سبب وسبب راحوا واختفت أعمالهم مثلهم مثل الكثيرين من أسيادنا ومعلمينا الأفاضل وثقافتهم الفاضلة وحل محلهم الصخب والضجيج والوجيج والإرهاب والتطرف والمكر والحسد وثقافة الأنا ومن بعدي الطوفان و الفن الذي يخاطب الغرائز والأجساد لا الروح والقلوب..المسارح ودور الفن وأروقة الرسومات ( Galleries )والمكتبات ودور السينما ومتاحف للأطفال والكبار والغناء الاوبرالى واحتفالات فنانيهم الكبار لا تخلو منها مدينة أو دولة متحضرة تريد الرقي بسلوك أناسها لتجعل منهم متذوقون ذوي إحساس مرهف يحترمون حرية الآخرين ويفهمون دورة التاريخ والحياة ويتذوقون ويعرفون معنى الذوق العام ..يركبون ويقودون سياراتهم بهدوء ، يحترمون المشاة ويحترمون بعضهم ، لديه إحساس بالآخرين فلا يركن مركبته بطريقة تحتل مكان لأربعه أو عشرة مركبات أخرى ..يتحدث بصوت هادئ ويستمع باحترام للآخرين ويحترم أرائهم ووجهة نظرهم ويذوب في معاني الشعر والأدب..يتألم لمواجع وألام الآخرين ، لديه إحساس مرهف بجيرانه من الساكنين..يحب الصغار ويوقّر الكبار لديه مساحة كبيرة للآخرين وأفكارهم.. ذلك أن الروح والإحساس كما يقولون هي (نار ،إن لم تطعمها لتقوى وتشتعل ..خبت وانطفأت)..وانظروا حولكم ألا ترون معي أن الإحساس قد انطفأ وكبرت نار المادة والجهل والطمع بدلها فكثر أهلها وافرزوا ثقافتهم وأعراضها التي لا استطيع أن اعددها فهي اكبر من ان تخفى على احد !...مرّت على أهلنا سنين ودهور وقرون والأئمة والوعاظ والحكماء والأساتذة يتلون تلك العظات والآداب والقصص والحكم والقول المأثور والوعيد بالويل والثبور وعذاب الجحيم ومع ذلك لا يزال المنحدر طويلا وخطيرا ولم ولن يحدث شيء...وفى ذلك استشهد بتذكير الكاتبة ثريا الشهري لقول الشاعر زهير:
(ما أرانا نقول إلا معارا، أو معادا من قولنا مكرورا) وكان هذا القول منذ ما يقارب الـ1400 عاما ..فماذا نقول اليوم ! ...لنؤكد كلام هذا الشاعر الفحل منذ ذلك الزمن السحيق على ما نقول ونظل نكرر القول ونجتره اجترارا صار مملا لامعنى له ولا اثر !..قد يقول قائل وما دخل فيروز وما تقول في هذا ..أقول ردا : دعنا نجرب شيئا أخر لنخلق إنسانا أخر غير الذي نراه ..دعونا نجرب ونستمع إلى الفن الجميل والشعر والأدب ونفتح ابواب الجمال ، لعلنا نخلق إحساسا وضميرا جديدا...فلم يعد لنا منهم إلا هي ونقول معها أيه..فيه أمل....!
عيد سعيد لفيروز في عيد ميلادها الثمانون ..ولها منا الدعاء بالصحة وطولة العمر ..فأمثالها ...أنس للزمن وملائكة في الارض والسماء..