بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 15 يناير 2014

 عـقل .. لا يُفكّر                           19/12/2010
مفتاح بوعجاج
ذهبت لشراء بعض الاحتياجات الكهربائية من محل كبير يبيع ومتخصص في هذا النوع من الأدوات وعند قدومي لدفع قيمة تلك المواد لاحظت نقاشا بين صاحب المحل واحد الضيوف الجالسين والذي كان يرتدى بذلة أوروبية متأنقا في لباسه بقربه ،جالسا على كرسي مصنوع من لوح سويدي ،أمامه طاولة صغيرة عليها فناجين قهوة نسكافيه هولندي بالحليب الالمانى وبجانبها بسكويت انجليزي وكان الحديث يدور حول الأجانب و عن الجنة والنار، والدنيا والآخرة ، وتوصل الحديث إلى نتيجة سريعة ومريحة مفادها :أن الدنيا لهم ..والآخرة لنا.!!

وطبعا عند تدخلي وتطفلي لتلطيف الأمر على أهل الدنيا والتنبيه على أهل الآخرة نوعا ما،، تداعت تلك الأدلة الكلامية والنصية واللسانية مرفقة بنظرات عيون يقدح منها الشرر تحت عدسات أوكرانية الصنع ،، والتي تقطع كل أنواع الشك وتلغى كل الرحمة المنزّلة ، وبرغم ما في جعبتي وما في نفسي من أن رحمة ربى وسعت كل شيء وان الله غفور رحيم ، وان ندعو للجميع بالرحمة والهداية مستعينا بقصه عن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال لأسامة ابن زيد قتل رجلا كافرا في معركة كان قد قال (اشهد أن لا اله إلا الله) في أخر لحظة مبررا أسامة فعلته، بأن الرجل ما قالها في أخر لحظة إنما كان خائفا من الموت وليس إيمانا-قال له الرسول وهو غضبان:( هلا شققت عن قلبه؟)..ثم قال لأسامة وهو يكررها:(ماذا ستفعل بلا اله إلا الله إن جاءتك يوم القيامة؟؟)...

وعند شعوري بهزيمتي ، رغم ما قلت، واضحة من تلك السخرية الظاهرة والابتسامة الهازئة، رأيت أن ادلّهما على أن كل تلك البضائع والمواد ومنها مواد الإضاءة ذات الإشكال والأنواع التي يبيعها وتلك الدفايات الكهربائية المصنوعة والمستوردة من عندهم قد تغفر لهم فيصبحون مثلنا فى الجنة!!! ...

إلا أن كل ذلك لم يفدني ولم يفد أهل الدنيا في شيء فمصيرهم ومأواهم أصبح معروفا فهم لهم الدنيا ونحن لنا الجنة ولن يشفع لهم ما صنعوه وما اخترعوه لنا..

هكذا وبكل بساطة أرحنا واسترحنا ..أرحنا أنفسنا من نقد والبحث فى أوضاعنا ومن التفتيش عن أسباب التخلف والتأخر والزحمة والحوادث والموت السريع وعن مشاكل الشباب اليومية وعن البطالة وعن مشاكل السكن والإدارة والتعليم والصحة والبيئة والوظيفة العامة والبنية التحتية وعن بناتنا وزهورنا التي ذبلت في البيوت انتظارا لعمل يعطيهن شيء من الكرامة بعد تخرجهّن...وعن نسبة الطلاق الفاجعة في بلادنا ...وعن المليون مصاب بالسكر ومثله بالضغط وعمليات القلب المفتوح وغير المفتوح في مصر وتونس والأردن وعن حتى هزائمنا ونكساتنا المتكررة وعن اختراع المسميات لها فعام 48 سمى عام النكبة وعام67 سمى عام النكسة وعلى رأى احد المثقفين الخليجيين فأن عام 2010سيسمى عام الوكسة(نسبة إلى الويكيليكس)..

كما أرحنا أنفسنا على أن العدالة تقتضى كونهم عملوا وتمتعوا ونزلت عليهم الأمطار ولديهم من الغابات والمناظر الخلابة الكثير، وجعلوا من الصحراء جنّة ولديهم انهارا وحليبا، واخترعوا الطائرات والفنادق ولديهم طرق وشوارع فسيحة ومباني جميلة ، بأن قلنا الدنيا لهم والآخرة لنا!!

قد لا تستغرب ظاهرة التطرف الفكري والديني عند عامة الناس ولكنك تستهجنه وتستنكره عند من يعتبر نفسه من المثقفين بل من أكابر القوم فى المراكز العلمية والأكاديمية ممن درس وتخرج من جامعات الغرب مستعملا كل منتجات الغرب من ألبسة وأحذية وسيارات ونظارات وحتى العطور والمناديل ومستعملا بذلة السموكنج والفيللو في عرسه ومصّرا على الذهاب في (هوني مون)(
honey moon) على الطريقة الأوروبية إلا أنهم لا يزالون يصرّون على (أكل الغلة وسب الملة)!!!

قد تستغرب ظاهرة انتشار التطرف الفكري بأنواعه وانعدام الرؤية الشمولية والمنطق والعقل،والحقيقة لم يخلو عقلي ولا تفكيري من النظر والبحث بتركيز عن الأسباب التي أدت بنا إلى هذا المأزق الفكري والحضاري والثقافي الذي أدى بنا إلى مرض أعراضه تراها فى كل مكان....فرق بين القول والممارسة ، الأنانية والطمع والنفاق –كثرة المصطلحات اللغوية التي لم تؤدى إلى واقع ملموس :اشتراكية –وحدة-تأكيد على –تفعيل-الاهتمام-توحيد الجهود-توحيد الصفوف- الحرص على-الاستعمار- أكد المجتمعون -...وغيرها من المرادفات التي يمكن أن تضع لها كتبا لغويه كثيرة ..والغريب في الأمر هو انتشار ظاهرة التطرف الفكري والعقائدي والاجتماعي بما فيها عدم تقبل الرأي الأخر عند أكثر الناس علما(ولا أقول ثقافة) ومن بينهم خريجين للكثير من الكليات والجامعات التقنية كالطب والهندسة والعلوم ومنهم الكثيرون الذين درسوا حتى في ارقي الجامعات الأجنبية كما ذكرت.....
 

وانأ هنا لا أدافع عن الغرب وحضارته ولا عن الأسباب وراء ذلك(فهذا شأن أخر) بقدر ما أريد أن استكشف وأنبه إلى طريقه تفكير عقولنا وإصلاحها في مواضيع قد تخص (الدنيا والآخرة) فالعقل المعطوب في رأى لا يصلح لا للدنيا ولا للآخرة ..ويكون حامله عرضة للهزائم والنكسات وحتى للاستغلال لا يعرف ولا يفرق بين عدوا وصديقا وبين حق وباطل وبين ماله وما عليه وبين ماضي ومستقبل وبين نكسة او انتصار وبين ديمقراطية أو دكتاتورية وبين قوة وضعف (فالاعتذار عنده ضعف والإصرار قوة)(وماذا لو كان إصرارك على باطل؟؟)..

ولم يتوصل عقلي الصغير إلا إلى استنتاج وصل أليه قبلي بعض المفكرين العرب هو أن العقل العربي لا يزال لا يفكر ولا يعرف النقد ولا يعرف الفلسفة التي تعرف بأم العلوم والتي عند معرفتها تفتح الأفاق كما كان الفيلسوف العربي ابن رشد ، وإنما هو عقل تلقيني ذو اتجاه واحد ...يقول ويردد ويخاف ويهوّل ثم يحاول وجود تبريرات بسيطة وسريعة ومريحة وقد تكون ما وراء الطبيعة حتى لا يسأله احد عن الدليل .. ولكنه دائما لا يفكر.

في إحدى مسرحيات غوار ظلّ يردد:( إن الاستعمار لهو احد أهم أسباب تخلفنا فهو الذي احتل فلسطين وهو الذي قسمنا إلى دول متفرقة وهو الذي جعلنا أميين وهو الذي فتن بيننا...وهو الذي أخرجنا من الأندلس) ثم استدرك بعد تفكير قائلا:(ولكننا كنّا نحن الاستعمار في الأندلس ..فمن أخرجنا إذن؟؟).
 
مفتاح بوعجاج   2010/12/19