بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 26 مايو 2017

الحاج صمد ..

  
  الحاج صمد الحاسي ، رحمه الله ، شخصية من شخصيات البيضاء التاريخية المعروفة والمُحترمة ، كان له دكانًا بسيطا في( السوق الفوقي) في البيضاء في الستينات عهد المملكة الليبية الزاهي ، يبيع الدمغة مع شوية قرطاسية و خبزة وبعض الاكسسوارات بأرخص الاسعار، حيث كان يظهر كانه متمتع بما يعمل وليس بمكاسب التجارة كما اليوم ! حلو المعشر والسريرة دائمًا مُبتسم وسعيد بقيافته الجميلة والمتواضعة ويبيع بالدين للناس الفقيرة ، ويُفرحنا نحن ايام الصِبا بقطع من الحلوى حين نأتيه فترة الاستراحة من مدرسة الميدان الابتدائية التاريخية والقريبة منه والتي تم هدّها بعد الانقلاب ، والاهم انه كان لديه ترخيص تجاري (معلقاً على حائط الدكّان ) ، ويدفع الضرائب سنويًا بكل اريحية للدولة الليبية المُحترمة انذاك بالرغم من تواضع إيراداته كما هم معظم تجّار ذلك الزمن الجميل ، ولا يتناول مرتّب منها ولم يكلّف خزينة (المجتمع) ملّيمًا واحدا ..جاء زحف الزاحف عام 1969..قاموا بعدها بتأميم محلّه البسيط ذاك تحت شعارات مثل( رأسمالية لا لا ، شركاء لا أجراء) وغيرها ..ضمّوه لصف العاطلين غصبا عنه كموظف لما سميت وقتها الشركة العامة للاسواق وتوقف طبعًا عن دفع الضرائب وبدأ ينال مرتّب حكومي وبدأت الدولة تدفع ضرائب عنه لنفسها ! ، واُقفل محلّه وتصدّعت أركانه وكل الدكاكين والمباني التاريخية حوله وجانبه بعد ان أمّمتها الدولة ! ، بدأت الدولة الليبية تضمّ اولئك التجار الطيبين لكوادرها غصباً عنهم ورضوا هم لتلقّي تلك (المعونة) ليُعيلوا أسرهم بعد ان سلبت ممتلكاتهم واوقفت نشاطاتهم الخاصة ، تم تكليفه بقسم الملابس قبل تقاعده ،كان مهموما حزينًا يتذكّر ذكرياته البسيطة مع الناس الطيبة وجيرانه في السوق وزبائنه خلال الأيام الخوالي، يوما كان جالسا على كرسي مع صديقه الحاج ادم وسط قسم الملابس يتحادثان !..أقترب منه أحد المواطنين (لا يعرفه) وسأله :"عندكم بيجامات يا حاج" ، التفت اليه وتأملّه طويلاً ثم رد بأسى وحزن ونبرة وتنهيدة :" بيجامات ، بيجامات نوم يعني ! ..لا ..ممكن جايات بعد اسبوع مع طلبية المحاقن والحشيشة والسبابيط والدحي والشخاشير، هكّي قالولنا ! ..لكن انت ...يا عوينك... يا عوينك ، تبي ترقد ..و يجيك النوم !...
(رواية عبد السلام ادم الخزعلي عن والده الحاج ادم رحمه الله )