لا يستطيع احد ان ينكر ان إنتفاضات (الربيع) في المنطقة ، بما فيها 17 فبراير في ليبيا ، قد نجحت في التخلّص من أنظمة القهر والإستبداد والتخلّف وبثمن باهض ، وهذا لوحده حدث سيذكره التاريخ على انه إنجاز للشعوب عندما تتوحد في المطالبة بكرامتها وحريتها ، وان حدثاً قد حدث وأن إنتصاراً قد وقع ، ..ولا احد يستطيع ان ينكر ان إنتكاسات قد وقعت بعد ذلك الانتصار ، تفجّر النزاعات ، فساد بالجملة ، تدخلات اجنبية ، خيبات إقتصادية ، نزوح ، تشرّد ، قتل ، تهجير ، وغيرها ..هذا لا نستطيع تفسيره إلا بأن ذلك التحرّر قد اعطى الفرصة ايضاً لكثير من قوى الظلام والتشدّد والتطرّف ، خاصة تلك المدعومة من الخارج والتي لا تؤمن بمشروع الوطن ومؤسّساته وتاريخه وهويته ، وفي (دولة) لا تملك مؤسّسات أصلاً ، قد اعطاها ايضاً فرصة للتحرّر والانقضاض والقفز ، وخاصة ان مُعظمها قد حصل على تمويل وتأييد خارجي اكثر من القوى الوطنية المدنية التي كانت ضعيفة ومشتتة ولا تملك مشروعاً واضحا كما تلك ..هذا الامر مكّن ايضاً (للقوى الغيبية ) والمتخلّفة ، ان تأخذ لها مكاناً جديدا وسط المجتمع بحكم غياب الثقافة المدنية ، التي حوربت او شوّهت لاكثر من عقود إن لم تكن قرون ..المؤسف ان هذا الامر قد فتح الباب مجدّدا لبعض القوى (اليائسة ) والعاجزة عن فهم التطورات التاريخية للامم والمجتمعات ، وتدّعي (الثقافة )، ان تعود للتحسّر على (ايام الامن والامان) وحتى ايام (التصعيد) وشاركوا حتى بعض رموز النظام السابق الشماتة فينا ،ولتشارك مع تلك القوى في ضرب المستقبل ،وتعجز عن وضع تصوّر مشروع وطني جامع للدولة المدنية والكرامة والعدالة كهدف نبيل لتلك الانتفاضة ،رغم تلك الحرية التي أطلقت كل (القوى ) من عقالها ..ونسوا ان (الحرية المُنفلتة ) وبدون مشروع وطني ليبي به الاصالة والمُعاصرة ، لها اضرارها ايضاً ، وهذا ما نراه اليوم ونعيشه بكل وضوح وواقع ..