بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 22 يوليو 2017

مستشفى أندير ..قصة وطن

.  كانت الطبيبة الإنجليزية جالسة على درج مدخل المستشفى (الخاص) بداية عام 1981 وتبكي بحرقة ،يبدو ان شيئًا غير طبيعي وغير بشري وغير أخلاقي ولا حضاري قد حصل لها او لمكان عملها او لرفاقها ...وخاصة وان كثيرين من (الرعاع والهمج ) كانوا يدخلون ويخرجون محملّون بكثير من محتويات المستشفى من أسرّة وبطاطين وأثاث وحتى شبابيك وأبواب وأدوية وغيرها على طريقة (الهلت) والغنيمة مع صراخ والوعيد والصياح بكثير من الشعارات الهوجاء بينما يهتف المتجمعون لمراقية الزحف " طز طز في امريكا ، الخاين يطلع برّه ...رأسمالية لا لا .." .. كان قبلها الشيخ زايد بن سلطان النهيان عام 1971 قد أجرى عملية (الزائدة) بهذا المستشفى الحضاري والصرح الصحي والعناية الفائقة ، فتمنى من إدارته ومالكه وطبيبه ان يساعدوه في تأسيس مثل هذا الصرح في بلاده (دولة الامارات المتحدة) والتي كانت في بداية حصولها على الاستقلال ولا تتوفر بها مثل هذه الخدمات الراقية ..فوعدوه بذلك حالما يحين الوقت والظروف ..كان الدكتور محمود أندير قد عاد إلى بلاده من بريطانيا في عام 1956 ، بعد دراسة الطب هناك وفي نفسه حلم وطموح ان تكون ببلاده مستشفيات وخدمات صحية راقية لمواطنيه مثل ما رآها هناك ..ساعده في ذلك خاله ، رجل الاعمال الليبي سالم أندير وكذلك دولة مستقرّة وتشريعات ودستور يحفظ حقوق الملاّك والمستثمرين والقطاع الخاص وعلاقات دولية مُحترمة وإجراءات وخدمات مصرفية راقية وبنية تحتية وخدمية متكاملة كما هي في بريطانيا (عهد المملكة الليبية ) ، كل هذه العوامل ومعها ألاستقرار الامني والاجتماعي ، أسرعت من بناء المستشفى ..الذي تم إفتتاحه عام 1964 ، بدون ضجيج أو دعاية صاخبة أو افتتاح وحضور رسمي ، على غرار طبيعة ذلك العهد وزهد حكامه وصفة التواضع السائدة بين رجاله ، وتحّول المستشفى على الفور إلى( قبلة ) المحتاجين للخدمات الصحية المتقدمة من الليبيين و الرعايا والسوّاح الأجانب ، وكذلك الدبلوماسيين الأجانب ورجال السلك الخارجي ، وحتى الكثير من القادرين من دول أفريقيا المجاورة وأستمر الحال والتطوير والسمعة الطيبة ، حتى جاء الزحف الزاحف على الاملاك والنشاطات الاقتصادية الخاصة وكل ما هو ناجح ومُفيد بشر ام حجر بحجة الاشتراكية والقضاء على الاستغلال والتأميم والحاج عمر والحاج مفتاح وووو ..فتم الهجوم على المستشفى عام 1981 من قبل (اللجان الثورية ) والرعاع بتوجيه وترشيد وحماية نظام الانقلاب على كل شىء جميل... وقضت على أحدث وأرقى وأفخم مرفق طبي وُجد فى ليبيا يومًا كاد ان يكون نموذجًا يُحتذى به في المملكة الليبية التى كانت تتنامي وتزدهر وتتقدم بجهود نخبتها الكفؤة في كل المجالات وشبابها العصامي المتعلم ، ودولتها العصرية الدستورية المنظمة .. توفيّ الدكتور محمود اندير فى العشرين من أكتوبر 2006 من اثر الأحزان والحسرات والظُلم. وانتهى الحلم إلى نفس المصير الذى انتهت إليه أحلام الكثيرين من الرجال الشجعان والموهوبين من جيل الاستقلال وبناة ليبيا في ظل مشروع دولة وإقتصاد وإدارة وحقوق إنسان لم يرى تاريخ ليبيا الحديث مثيلاً له ، ولا تزل اثار ونتائج مثل تلك الجرائم تحوم علينا وفي كل أرجاء البلاد ،ما لم نعي الدروس ونعود لمشروع الوطن وهويته الذي بناه وصمّمه الاجداد المؤسّسون ..
(الحديث كان عن مستشفى أندير بجادة ادريان بلت بطرابلس/تاجوراء ، والذي تحوّل إلى أطلال ، تحكي قصة وطن كان يومًا ينهض للعلا)

مصادر المعلومات * الكاتب الليبي (العجيلي شركس) *د. أحمد الفقيه*عبد الرازق بن نعسان
الصورة ..أطلال مبنى مستشفى اندير بعد غزوه


الجمعة، 21 يوليو 2017

ماذا حدث !

" الدفعات الاولى من الطلبة الليبيين الذين جاءوا للدراسة الجامعية عندنا بعد الشهادة الثانوية عندكم ، كنت افخر بهم ،أخلاقًا وعلمًا وإلتزاما وأدبا وتنافسوا الند للند علمًا وثقافة حتى مع الطلبة الامريكان والاجانب من كل أنحاء العالم الذين درسوا بهذه الجامعة ، ومعهد اللغات بها ، لكن قبل نهاية السبعينات بدأت تتغير الامور تدريجيًا للاسوأ ، بدأ يأتينا اخرون، على النقيض تماما من أولئك ،كل دفعة كانت أسوأ من الأخرى ،ماذا حدث عندكم هناك في ليبيا في السنوات الاخيرة، اريد ان افهم !"
(تساؤل من د. نجيب جريس (أمريكي من اصول مصرية)كان يعمل مديرا بمعهد اللغات بجامعة بورتلاند في ولاية اوريجون الامريكية في السبعينات ، وجهّه لصديقنا د.بالعيد كويري بعد زيارة له في التسعينات )
إجابة هذا التساؤل قد تُجيب عن كثير من الاسئلة الموجهة عندنا اليوم عن ما حدث لقطاع التربية والتعليم ، مع إحترامنا لكل الخيّرين والخيّرات في هذا القطاع رغم الظروف الصعبة التي ورثناها خلال سنوات التيه وما أعقبها .
ولا ننسى ان كثيرًا من علماء الاجتماع يقولون للبحث عن حلول لظاهرة إجتماعية سيئة ما ،انتشرت بين أجيال اليوم ، فابحثوا اولاً عن جذورأسبابها خلال عقود ماضية ...