....يا لها من مُفارقات ..مارس الكثيرون بعد فبراير..سياسة العزل للأخرين والتمكين للعشيرة واصدقائها ، سفارات وبنوك ووزارات وإدارات وعسكريات ومليشيات وامنيات وكهربائيات ومجالس وكل ما وقعت عليه ايديهم ، وكان ذلك تقريباً على غرار ما حدث خلال النظام السابق،عندما تولى المتلونون و الحواريون والزمزاكة للنظام ، تقريبا كل شىء..على الضفة الكريمة الاخرى من التاريخ ،مارس الملك أدريس رحمه الله مؤسّس وزعيم الجهاد والاستقلال سياسة وطنية قد تبدو على النقيض تماماً ، فقد اصدر مرسوماً ملكياً عام 1956 يأمر فيه بعدم تولي اي من الاسرة السنوسية ،الكريمة الاصل والثقافة والدين والوطنية والجهاد ، اية وظيفة سيادية في الدولة الليبية ، وكان هذا نابعاً حسب شهود العصر على حرصه على عدم إستغلال اهل قرابته كونه ملكاً دستورياً للبلاد ..ورغم تناقض هذا الامر مع دستور البلاد الذي يقول في إحدى مواده " الليبيون امام القانون سواء .....الخ" ، إلا انه لم يطعن اي من افراد الاسرة السنوسية الكريمة في هذا الامر دستورياً ..فذهب مُعظمهم لقطاع الاعمال والعلم والادب والثقافة بعد ان كانوا اهلاً للحكمة والجهاد والتضحية والتأسيس وجمع الامة على كلمة سواء ونشر مبادىء الدين الاسلامي السمح الكريم ، لذا قارنوا بين من مكنّهم النظام السابق وما تلاه من الحصول على الاموال بدون وجه حق ،فأصبحوا ينظّرون علينا بإستخفاف و غطرسة بل ويشمتون فينا وبأموالنا وهم يرتدون جرود الحرير وتحليقة خنفوسية ، والكثير منهم لم يكن له شأن ، إلا فيما يفرّق الشمل ويبعثر الاموال ويخرّب التعليم والاقتصاد والاخلاق ، وكان قد تجرأ يوماً قائدهم بالتقوّل علينا (أرحلوا يا ليبيين إلى افريقيا ، اما اوروبا فهي صقع عليكم !)..
مثالاً وليس حصراً، توفي الامس المرحوم بإذن الله السيد حسن الزبير حفيد المُجاهد أحمد الشريف السنوسي بعد معاناة استمرت شهورا مع المرض وبعد غربة عن الوطن استمرت لأكثر من اربعة عقود في بلاد (الصقيع) لندن ،عايش فيها مرارة الإغتراب وضيق ذات اليد صابرا محتسبا ، كان المرحوم قد غادر بنغازي في شهر ابريل سنة 1970 موفدا من كلية الطب للدراسات العليا وحين شرع في كتابة أطروحته للدكتوراه كان الموعد مع العصابات ا(الثورية) التي سيطرت على السفارات في الثمانينات ، وكان اسمه من أول القوائم التي أوقفت منحتها الدراسية بحكم إنتماؤه العائلي وبذلك انتهى هذا المشروع مثل غيره من الطلبة الدارسين في الخارج بدعاوى ما انزل الله بها من سلطان ولم يعد إلى الوطن إلا سنة 2013 في زيارتين خاطفتين عاد بعدهما إلى غربته القسرية ، بعد ان فشل في تسوية وضعه مع جامعة بنغازي بحجج قد لا تختلف كثيرا عمن سبقهم وهناك أصيب بالفشل الكلوي إضافة إلى معاناته المزمنة مع مرض السكري مما اوصله في نهاية المطاف الى قدره المحتوم ..رحم الله الفقيد ..وتعازينا الحارة لكل اهله واسرته وال السنوسي المحترمون صيتاً وتاريخاً ومكارم وعلى رأسهم شقيقه الاديب والشاعر الاستاذ راشد الزبير السنوسي....
(المعلومات عن الفقيد من رواية شقيقه الاستاذ راشد الزبير السنوسي )