...الأحزاب ..تاريخياً ،
تتشكل بعد وجود دستور ينظّم تاسيسها وتمويلها او حاجة أقتضتها مطالب الجمهور بعد التأسيس.. كان دستورالولايات المتحدة الامريكية صامتاً تجاه قضايا الأحزاب السياسية ، عند إقراره عام 1787، حيث لم يكن
هناك في البلاد أحزاب..، بل ان بعض الآباء المؤسسين للدولة رفضوها
برمّتها وقتها. كما أن جورج واشنطن، أول رئيس للبلاد، لم ينضم
أبداً إلي أي حزب او التكتّل سياسي، وأعرب عن أمله بأن لا يتم تشكيل أحزاب سياسية وقت التأسيس (وهذه كانت نفس فكرة الملك أدريس رحمه الله بعد الأستقلال ، شعورا منه بأنه لم يحن وقتها بعد.) ... فيما
بعد ونظراً للحاجة لكسب دعم شعبي لبناء
(الجمهورية) أدت إلى
الابتكار الأمريكي للحزب او التكتّل (الجمهوري) في نهاية القرن الثامن عشر، والذي كان يفضل
حكومة مركزية قوية وإقامة روابط وثيقة بين الحكومة والأغنياء...ثم اتى الحزب
الديموقراطي والذي ايّد دوراً محدوداً
للحكومة المركزية واعتماد نهجا مستمدا من عامة الشعب تجاه الحكومة ...إلى ان اصبح (الحزبان) اكبر الاحزاب (الشعبية)
الامريكية اليوم ، تتنافس كلاهما لمصلحة الشعب والمجتمع والدولة والاقتصاد ولا
يختلفان كثيراً في الثوابت الوطنية ، إلا من حيث نظرتهم لتلك المصلحة الشعبية والوطنية واين تكون ،اما
الهوية عندهما فهي امريكية وطنية تاريخية ولا يختلفان عليها ...بل ان كثير من
الأكاديميين لا يطلقون عليهما احزاب ، كما هي في الدول والمجتمعات التي قفزت على
مسار التاسيس ونواة الدولة الاولى ..فجعلت من العربة امام الحصان ..
في ليبيا اليوم ..جاءتنا احزاب ممولة وجاهزة ومعظمها لديها اجندات ومشاريع
وهوية وايديولوجيات خارجية ، فقفزت على التأسيس والهوية والتاريخ الوطني لدولة
محطّمة إقتصاديا وفكريا وثقافياً لعقود ، فزادت الفرقة والإنقسام والتشرذم والفتنة بدل التوحّد على مباديء عامة وثوابت وطنية ، والادهى انها تحاول ان تؤسّس الدولة اليوم على أجنداتها تلك ، وهذا طبعاً لن يستقيم
ولن يُقيم .