بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 7 أغسطس 2021

حنـــــــــــــــــــــــين مُختلف ...

سجن و خمس قروش ...
.....
    كنا نقبّل التلفزيون .. اما بوضع اليد على الشاشة و تقبيلها .. او بالقبلة المباشرة للشاشة .. كنا نفعل ذلك لتقبيل الملك عندما يكون هناك خبر عنه في التلفزيون .. أحيانا لا نتخذ قرار التقبيل في الوقت المناسب .. و عندما نضع شواربنا على الشاشة .. تنتقل الصورة .. و القبلة تكون حينها من نصيب .. خشم المذيع .. السيد علي احمد سالم او غيره ..
    يحدث كل هذا و اخوتي الثلاثة في السجن في عهد الملك .. كانوا ناصريون و قوميون و .. امتاعين مظاهرات .. كغيرهم من شباب تلك المرحلة .. كان عمري 5 او 6 سنوات تقريبا .. عندما قالت والدتي بان من يخبرها أولا بخروجهم من السجن .. ستعطيه 5 قروش ..
     كنا نسكن زنقة الكوافي .. و لمن لا يعرفها .. كانت آخر زقاق من سوق الجريد و انت قادم من الفندق باتجاه سوق الظلام على يدك ..اللّيمين .. قبل ميدان الحدّادة الذي تلج من بعده لسوق الظلام ..
  كان اخي محمد زعيما طلابيا ..و كان و معه اخي يونس و مفتاح و بعض اقاربنا .. يعيشون و يجتمعون في .. الحوش الصغير .. في تمييز له عن الحوش الكبير الذي كنا نقطنه في زنقة الكوافي .. يكتبون المناشير .. و يخططون و ينسقون للمظاهرات و غيرها .. و كان اخي محمد يخطب في الجوامع و يحرض الناس .. عموما كان داير وجيج .. للشيخ اللي انا كنت ... انشيرله ..وهو مخطم في التلفزيون .. و كنت انوزع عليه في القبلات التي قد تصيب أناس آخرين .. لنضحك عندها على من اصابت .. بوسته.. عين شي واحد ..
   دخل اخي محمد للسجن .. وهو متلبس لعند وذنيه هو و من معه من اخوتي .. ههههه .. وجدوا جماعة الامن احد المناشير في سطل الكناسة قدام الحوش .. دخل اخي محمد للسجن .. و تصرف كزعيم .. رفض ارتداء ملابس السجن المخصصة للمجرمين الجنائييين .. و قال لهم نحن سجناء رأي .. سجناء سياسيون .. و بعدها طلب من الاخرين القيام باضراب عن الطعام.. و طالب بالجرائد و ..دوة واجدة ..
   الجميل انه تبرع العديد من المحامين للدفاع عنه و زملائه .. و حاول اخي محمد ان يشتكي على حاكم دار بنغازي لانه دفعه بالعصا العسكرية .. عموما كان دفاع المحاميين جيدا .. و أتذكر بان اخي محمد تم الحكم عليه فترة قصيرة بالنفي الى الكفرة .. لانه من مواليد الكفرة .. و ذهب والدي و قام بمشكلة كبيرة و هددهم بانه ان لم يرجعوا ابنه سيفعل و سيفعل .. رجع اخي محمد من الكفرة مظفرا .. و عوقب بعض الباقين بالقيام بمحو امية بعض الليبيين في مناطق محيطة ببنغازي .. و خرج ابن خالتي مباشرة للدراسة في أمريكا لانه كان ممن أجاز لهم القانون ذلك .. لم يحرم من حقه القانوني ..
    هكذا عومل اخي محمد و يونس و غيرهم في عهد الملك .. محاكم و محاميين و قانون .. لا تعذيب و شذوذ ..ليأتي الدور على اخي المرحوم عبدالبارئ في عهد معمر .. و ليتم إعدامه شنقا بعد 6 أيام من القبض عليه ..
تذكرت هذا و انا أرى الساعدي بالأمس .. و 17 فبراير .. و سجونها ..و ليتم التنافس بين سجون معمر و سجون فبراير و محاولة ترقيعها بمفاهيم وتبريرات و قحة و لتكون تجسيدا حقيقيا للبؤس الذي نعيشه ..
انا اريد ذلك السجن الي كان يطل على الشابي .. جنب المنارة و سي خريبيش .. ذهبت باتجاهه عندما وعدت.. الحاجة .. بالخمس قروش مسرعا .. من ميدان الحدادة .. الى سوق الظلام و منه الى رأس أحد الشوارع المطلة على السجن .. ترقبت الزحمة .. و انتظرت اول حركة غير معتادة تشي بانهم خرجوا لاسرع الى البيت و اخبر والدتي .. سبقني الكثيرون .. فما ان وصلت الى البيت الا و كان .. التشتاي على وذنه .. مسكت برداء امي .. و قلت لها .. طلعوا يا امي .. ضحكت .. و اعطتني .. ال 5 قروش ..
كنا نعيش عالما آآخر .. لقد سرق منا معمر القذافي حياتنا .. و اكمل عليها شواذ فبراير ..
ردّوا لي سجن الشّابي و المنارة ..
- رواية الاستاذ    عبد الحكيم فنوش Abduhakim Fannush