حدّثهم يا سالم ...يوسف عبدالهادي
(كتب سالم الكبتي .. فكتبت أنا):
حدثهم يا سالم ..
كتب الاستاذ الباحث والمؤرخ سالم الكبتي ما يلي:
(فى مثل هذه الايام ايضا منذ خمسين سنه فى مارس 1968 كانت الجامعه الليبية ادارة واساتذة وعاملين تستعد لحدث علمى كبير هو الاول من نوعه على المستوى الوطنى مؤتمر ليبيا عبر العصور تجسيدا لتاريخها وتحسيسا به لاجيالها وتكملة للنقص الملاحظ فى كيان شخصية الوطن والمواطن.
انفاس تتلاحق وخطوات تتابع كان الاستاذ عبدالمولى دغمان رئيس الجامعه ومعه سكرتير المؤتمر د فوزى فهيم جادالله استاذ التاريخ القديم فى كلية الاداب دعوات لاشهر الاساتذة فى العالم الذين حلوا ببنغازى وشاركوا فى المؤتمر الكبير الذى بدا اعماله فى القاعه الرئيسية بمبنى الادارة العامه البرلمان سابقا اعتبارا من يوم السبت 16 مارس 1968 نقلت الاذاعه المؤتمر ونشرت صحيفة الحقيقة اهم بحوثه ثم اصدرتها الجامعه فى مجلد فخم عنوانه ليبيا فى التاريخ حبات العرق الساخنه تصنع المستحيل وتكتب التاريخ...
من اين لليبيا الان بمؤتمر مثله يناقش ويدرس تاريخها الراهن..
نحن فى حاجة الى تاريخ ليبيا فى كل العصور). أهـ.
وردًا على هذا المنشور كتبت أنا:
يا أستاذ سالم, لا تحدثهم عن هذا, فللأسف لم تكن النخبة الليبية آنذاك ترى في ما تُذكِّرنا به أنت الآن شيئًا ذا بال.
نعم, أرى أن تحدثهم كيف لووا رؤوسهم وأشاحوا النظر عن هذا المؤتمر وعن كل إنجاز مفيد وعظيم قدمه لهم النظام الملكي الأبوي الوديع.
حدثهم كيف ثنوا عِطفهم نحو ناصر والمغربي وجورج حبش وسعدون حمّادي, وكيف لم يعودوا يحترمون سوى أوامر سامي شرف وتوجيهات فتحي الديب، ولا يطربون إلا لسماع هراء هيكل وآكاذيب أحمد سعيد.
حدثهم كيف صار مؤسس الوطن ورمزه عندهم عميلًا للاستعمار, وكيف أضحى المُزور الهارب الذي أفشى أسرار بلاده للأفاق سامي حكيم, ومن فجر أنابيب البترول لحساب دولة اجنبية أبطالًا قوميين..
حدث جيل الآن يا سالم الكبتي عن التنظيم السرّي القومي الطليعي ومن أعضاؤه وأين كان رئيسه ليلة انقلاب سبتمبر ؟.
حدثهم عن ضابط شرطة الجوازات الذي كتب وطبع منشور ابليس ولا إدريس.
حدثهم عن الرائد نائب رئيس الاستخبارات العسكرية الذي حمل المنشور بنفسه وفي سيارته من بنغازي ليُوزع في مدينة البيضاء قبل شهرين من الانقلاب.
حدثهم كيف كانت تخلو الشوارع من المارة يوم يكون هناك خطاب لعبد الناصر, ثم كيف يصبحون يبصقون على رموز بلادهم بعد كل خطاب من تلك الخطابات, وحدثهم أيضًا كيف تشربوا بكل سعادة لغة الشتم واللعن من تلك الخُطب الجوفاء.
حدثهم كيف أصبح الليبيون يوم انقلاب "السلّال" يتندرون على فشل جيشهم في تحقيق انقلاب على غراره.
حدثهم كيف لم يعد يهمهم أن يعيشوا حياة دستورية آمنة افتقدتها كل الدول المحيطة بهم, بقدر ما صاروا يشتهون انقلابًا عسكريا على غرار مصر والعراق وسوريا واليمن.
حدثهم كيف منحهم الملك العطوف بيته في بوعطني ببنغازي وأسس لهم فيه الكلية الملكية العسكرية ليلتحقوا بها أفواجا من كل أنحاء الوطن، ومن كل الطبقات، وبلا أية محاباة؛ ثم كيف لم يكن همهم بعد آداء قسم التخرج إلا التدبير للانقلاب عليه.
حدثهم عن بغضهم للملك العطوف ولنظام حكمه رغم أنهم لم يعرفوا في أيامه مصطلح (زوّار الفجر) ولا المحاكم الاستثنائية ولا المعتقلات السياسية خارج القانون.
حدثهم كيف لم يعد يهمهم التأنق ولبس البدل وربطات العنق والانخراط في عملية بناء الوطن واستمرار التمتع بحياة مضطردة سعيدة آنذاك بقدر ما كان يهمهم احداث أكبر قدر من الصخب والتشدق بلغة وشعارات رنانة جوفاء, وترسيخ الانطباعات المغلوطة والإشاعات التي كشفت عن زيفها محكمة بشير هوّادي.
حدثهم كيف خرجوا في يناير 1964 وكيف أقاموا الدنيا ولم يقعدوها, ليس من أجل حق من حقوقهم اغتُصب, بل لمجرد الغضب من عاهل البلاد لأنه لم يلبي دعوة عبد الناصر بالحضور شخصيًا لقمة من قمم الجامعة الفاشلة.
حدثهم كيف خرجوا عشية هزيمة 5 يونيو 1967 يحطمون ويحرقون كل شيء وجدوه في طريقهم من منجزات بلادهم ومن أرزاق الميسورين !! وكيف قتلوا عائلة مواطنة بريئة على مذبح معبودهم بطل القوميّة, رغم أن تلك الهزيمة جرت على ضفاف قناة السويس وليس في بنغازي وطرابلس والزاوية.
وحدثهم أيضًا يا سالم كيف خرجوا صبيحة يوم فاتح أيلول الأسود يخطون على الحوائط عبارات التأييد للانقلاب ويرسمون لوحات النيل من الملك وعهده حتى قبل أن يعرفوا من الذي قام بهذا الانقلاب.
حدثهم كيف فرحوا بهستيرية يوم 16 سبتمبر أمام ضريح شيخ الشهداء بالزعيم الغِر وهم لا يدرون أنه كان يرتدي بزة عسكرية مسروقة !!.
نعم, بزة مسروقة..
أتمنى أن يحدثكم ويحدثكم ويحدثكم الاستاذ (سالم الكبتي ) ( Salem Alkubti.)