بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 13 يونيو 2021

فرق المواكب ....والاخلاق

صدى السنين الحاكي ...:
   كان علي طفلاً صغيراً يرعى الغنم في إحدى مناطق الجبل الاخضر...معه اوراقه وكتبه ..يرعى ويدرس كعادة الليبيين جميعا ذلك الوقت في الخمسينات ..الغابة كانت كثيفة تشقّها طريق مرصوفة لا يتجاوز عرضها 3 امتار ..عبارة عن كمية من الحجر الصغير مربوط مع بعضه بشوية قطران ..لم يكن لليبيا ذلك الوقت اى دخل غير الهبات الدولية او ايراد تأجير القواعد والإنتاج الداخلي من قبل الليبيين ..سعي وزرع وعنب وكرموس وحبوب وصوف وزيتون ...لم يتفطّن علي بأن الغنم قد بدأت فى عبور الطريق وسط الغابة الى الضفّة الاخرى ...وعندما تفطّن ..كانت سيارة سوداء واقفة ..تنتظر عبور الغنم ....خاف علي بأن تكون غنمه قد تسببت فى ضرر ما كبراءة الاطفال ذلك الزمن ..فالسيارات كانت نادرة جدا ..وكان يشعر بأن ما قامت به غنمه كان بسبب إهماله ..فهو لم يراقب لا الغنم ولا الطريق ..وشعر بأنه سوف يأتيه قريبا عقاب من (الحكومة ) ومن اهله على هذا التصرّف الاحمق حسب ما شعر به ...راقب السيارة من بعيد ..لم يكن يريد لأحد ان يراه ويحمّله المسؤولية ..نزل شيخ وقور كان يجلس مع السائق ..بدأ ..يبحث يمنة ويسرى الى ان رأى علي ...تعال يا ابني ..أهذه غنمك ؟..تلعثم علي..ثم قال بعد تردد ..نعم...هذه الدفاتر التي بيديك تدل على انك تدرس في المدرسة ..فى اي سنة انت ...انا فى (....) ...ممتاز يا ابني ربي يرعاك..انت تساعد في اهلك وتدرس ..ماشاء الله ...هل مدرستك كويسة والمدرسين كويسبن ؟ ..نعم ..ادخل الشيخ الوقور يده في داخل احد جيوب الفرملة تحت الجرد الابيض النظيف ..اخرج ..جنيها ليبيا واحدا ..مدّه الى علي ..سأعطيك يا علي هذا الجنيه هدية مني بشرط ..ان لا تترك دراستك وان تساعد اهلك ..وان ترعى الغنم جيدا ...تردّد علي في اخذ الجنيه على عادة الاطفال الليبيين العصارى حياءً ذلك الزمن ..إلا انه بعد إلحاح الشيخ ..اخذ الجنيه ..وهو غير مصدّق ..فبعد ان كان يخشى العقوبة ..جاءته مكافأة غير متوقّعة ...جنيها ليبيًا مرة واحدة ..وبدأ يحلم....رجع الشيخ الوقور الى السيارة ..وجاء السائق يساعد علي فى تجميع غنمه من جديد ..والذى سأل علي ..هل عرفت من هو الذى كان يتحدث معك ...لا ..انه.....كبُر علي..وجاهد فى الدراسة والحياة الى ان اصبح مقاول ومتعهد تموين ..يساعد الناس ..كريم النفس والعطاء ..شهد له الجميع بذلك ..سكن فى مدينة البيضاء ...التي احبها وأحبّه اهلها...ذات يوم من ايام العهد الماضي ..ركب سيارته مسافرًا الى مدينة طرابلس ..قابله من بعيد في المسافة بعد أجدابيا..ركب وموكب سيارات فرادى ومزدوجة اشكال وألوان يحتل الطريق بكامله..يسيرون بسرعة فائقة ..كادت احدى سيارات الدفع الرباعي الضخمة ان تجهز عليه وسيارته لولا عناية الله وتفاديه لذلك بأن خرج وهو مسرعا بسيارته التي كادت تنقلب ، إلى خارج الطريق .. تضرّرت السيارة ولم يلتفت اليه احد من اصحاب الموكب الضخم ، ظلّ شاردًا لمدة ساعة تقريبا ويتنفس بصوت عالي ويتنهّد ..وهو يسأل فى نفسه هل هو الان حي ام ميت !..ظل على هذا الامر الى أن ..وقف عليه سائقين من المارة ...حمدا لله على السلامة يا حاج ..ما قبل الا رحت فيها! عندها ..نزلت دموعه ..تذكّر موقف الملك إدريس رحمه الله ..ايام وهو طفل صغير يرعى غنمه في الخمسينات وهو الذى كاد ان ينساه ..!..وموقف هذا (القائد الأممي ) وموكبه .. بعد اكثر من خمسة عقود من الموقف الاول ....
• رواية المرحوم الحاج علي عمران العوكلي العبيَدي قبل وفاته ...البيضاء ..رحمة الله عليه ...