بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 18 يناير 2019

المختار


هناك من يتحدّث عن التاريخ ، وهناك من يصنعه :
إثناء مكوث البطل عمر المختار شيخ الجهاد في ليبيا، في السجن ، بعد القبض عليه ، أراد المأمور رينسي ، وهو آنذاك كان المسؤول الإيطالي في برقة ، في أمسية الرابع عشر من سبتمبر 1931 أن يُقحم أحد أصدقاء الشيخ البطل السجين في موقف حرج معه ، فأبلغه (كذبًا) بأنَّ المختار طلب مقابلته ، وأنَّ الحكومة الإيطاليَّة لا ترى مانعًا من تلبية طلبه ، ذهب الصديق إلى السجن لمقابلة المختار ، وعندما التقيا خيَّم السكون الرهيب ولم يتكلم المختار فقال الصديق مثلا شعبيًّا مخاطبًا به المختار : « الحاصلة سقيمة ، والصقر ما يتخبّل » ، وما كاد المختار يسمع المثل المذكور حتى رفع رأسه ونظر بحدَّة إلى صديقه وقال له : « الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه » وسكت ، ثم أردف قائلا : « ربِّ هب لنا من لدُنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا ، أنني لم أكن في حاجة إلى وعظ أو تلقين ، أنني أؤمن بالقضاء والقدر ، وأعرف فضائل الصبر والتسليم لإرادة الله ، أنني متعبٌ من الجلوس هنا ، فقل لي ماذا تريد ؟ » ، وهنا أيقن ذاك الصديق وفهم بأنه قد غُرّر به فزاد تأثّره وقال للمختار : « ما وددت أن أراك هكذا ولقد أرغمت نفسي للمجيء بناءً على طلبك . » فقال المختار : « أنا لم أطلبك ولم اطلب احدا " ، ووقف دون أن ينتظر جوابًا ، وخرج صديقه ذاك وهو مهموم حزين وقد صرّح بأنه شعر في ذلك اليوم بشيء ثقيل في نفسه ما شعر به طيلة حياته ، ولما سُئل عن نوع الثياب التي كان يرتديها عمر المختار أهي ثياب السجن أم ثيابه التي وقع بها في الأسر كان جوابه (وهو كان متحدثًا فصيحًا ويفهم الشعر الفصيح) ، بيتين من الشعر :
عليه ثيابٌ لو تُقاس جميعها بفلسٍ لكان الفلسُ منهن أكثرا**
وفيهنَّ نفسٌ لو تُقاس ببعض نفوس الورى، كانت أجلُّ وأكبرا **
________________________________
(مقتطفات من قراءات جمعتها الأستاذة ياسمينة البركي ،(كاتبة وباحثة ليبية مُقيمة في فنلندا) من مصادر مختلفة..مع بعض التصرّف منّي..)