بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 18 ديسمبر 2019

في يوم اللغة العربية

18 ديسمبر هو يوم اللغة العربية لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في18 ديسمبر عام 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة. بعد اقتراح قدمته بعض الدول العربية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.
هذا من أجمل ما قرأت وباللغة العربية الفصحى بقلم الاديب والكاتب والرسّام( جبران خليل جبران)(1883-1931) ، يدافع فيه عن نفسه عندما أتهمه ونقده البعض بأنه قد أفسد اللغة العربية كونه قد كتب كثير من قصائده او تخللتها بعض الالفاظ الدارجة والشعبية...
------------------------------------
    
لكم من اللغة العربيّة ما شئتم ، ولي منها ما يُوافق أفكاري وعواطفي.
لكم منها محجَّة مقرَّرة مقصودة ، ولي منها واسطة متقلِّبة لا أستكفي بها إلا إذا أوصلت ما يختبئ في قلبي إلى القلوب ، وما يجول في ضميري إلى الضمائر .
  
لكم منها قواعدها الحاتمة ، وقوانينها اليابسة المحدودة ، ولي منها نغمة أحوِّل رنّاتها ونبراتها وقراراتها إلى ما تثبته رنَّةٌ في الفكر ، ونبرةٌ في الميل ، وقرارٌ في الحاسة .
  
لكم منها القواميس ، والمعجمات ، والمطوَّلات ، ولي منها ما غربلته الأذن ، وحفظته الذاكرة من كلام مألوف مأنوس ، تتداوله ألسنة الناس في افراحهم وأحزانهم .
    لكم منها العَروض ، والتفاعيل ، والقوافي ، وما يُحشَر فيها من جائز ، وغير جائز ، ولي منها جدول يتسارع مترنِّماً نحو الشاطئ ، فلا يدري ما إذا كان الوزن في الصخور التي تقف في سبيله ، أمِ القافية في أوراق الخريف التي تسير معه .
  
لكم منها الشعراء الفحول الفطاحل الخناذيذ ، ومن صدَّرهم ، وشطَّرهم ، وخَمَّسهم ، وذيّلهم ، وشرحهم ، ولي منها ما يتمَشَّى مهيبِّاً خجلاً في قلوب الشعراء الذي لم ينظموا بيتاً ، ولم ينثروا سطراً .
    
لكم منها الرثاء والمديح والفخر والتهنئة ، ولي منها ما يتكبَّر عن رثاء من مات وهو في الرحم ، ويأبى مديحٍ مَن يستوجب الاستهزاء ، ويأنفُ من تهنئة من يستدعي الشفقة ، ويترفَّع عن هجو من يستطيع الإعراض عنه ، ويستنكف من الفخر إذ ليس في الإنسان ما يُفاخر به سوى الإقرار بضعفه وجهله .
    
لكم من لغتكم البديع ، والبيان ، والمنطق ، ولي من لغتي نظرة في عين المغلوب ، ودمعة في جفن المشتاق ، وابتسامة على ثغر المؤمِن ، وإشارة في يد السموح الحكيم .
   
لكم منها ما قاله سيبويه ، والأسود ، وابن عقيل ، ومن جاء قبلهم وبعدهم من المُضجرين المُملِّين ، ولي منها ما تقوله الأمّ لطفلها ، والمحبُّ لرفيقته ، والمتعبدِّ لسكينة ليله .
       
لكم منها الفصيح دون الرَّكيك والبليغ دون المبتذَل ، ولي منها ما يُتمِتمه المستوحش ، وكلّه فصيح ، وما يغَصّ به المتوجِّع ، وكلّه بليغ ، وما يَلثَغَ به المأخوذ ، وكلّه فصيح وبليغ .
  
لكم منها البنيان المرصوص ، ولي منها أسراب من الشحارير ، والبلابل ، تتطاير وتنتقل مرفوفة بين حقول الخيال ورياِضه .
  
لكم منها القلائد الفضِّيّة ، ولي منها قطر النّدى ، ورجع الصدى وتلاعب النسيم بأوراق الحور والصفصاف .
      
لكم منها الترصيع ، والتنميق ، وكل ما وراء هذه البهلوانيّات من التلفيق ، ولي منها كلام إذا قيل رَفَع السامع إلى ما وراء الكلام ، واذا كُتِب ، بَسَط أمام القارئ فُسحاً في الأثير ، لا يحدّها البيان .
  
لكم منها ماضيها ، وما كان في ماضيها من الأمجاد والمفاخر ، ولي منها حاضرها ومستقبلها بما في حاضرها من التأهب وما سيكون في مستقبلها من الحريّة والاستقلال .
     
لكم لغتكم عازفاً يتناولكم عوداً فيَضْرب عليكم أنغاماً تختارُها أصابعُه المتظلِّفة ، ولي من لغتي قيثارة أتناولها ، فأستخرج منها أغنية تحلم بها روحي ، وتذيعها أصابعي .
     
ولكم أن تسكبوا لغتكم بعضكم في مسامع بعض ليُسَرَّ ، ويُعجب بعضكم ببعض ، ولي أن أستودع لغتي عصفات الريح وأمواج البحر ، فللريح آذان أشدّ غيرة على لغتي من آذانكم ، وللبحر قلب أربأ بها من قلوبنا .
ولكم أن تلتقطوا ما يتناثر خِرقاً من أثواب لغتكم ، ولي أن أمزِّق بيدي كلّ عتيق بالٍ ، وأطرح على جانب الطريق كل ما يعيق مسيري نحو قمّة الجبل .
    
ولكم أن تُحنِّطوا ما يُبتر من أعضائها المعتَلَّة ، وأنْ تحتفظوا به في متاحف عقولكم ، ولي أن أُحرق بالنار كلّ مَفْصَل مشلول.
     
لكم لغتكم عجوزاً مُقْعَدَة ، ولي لغتي صبيّة غارقة في بحر من أحلام شبابها . وما عسى أن تصير إليه لغتُكم وما أودعتموه لغتَكم عندما يُرفَع الستار عن عجوزِكم وصبيَّتي ؟
  
أقول إنّ لغتكم ستصير إلى اللاشيء . أقول إنّ السراج الذي جَفَّ زيته لن يُضيء طويلاً .
   
أقول إنّ أخشاب النعش لا تُزهر ، ولا تُثمر .
   
أقول لكم إنّ ما تحسبونه بياناً ليس بأكثر من عُقْم مزركَش ، أقول إنّ القيظ في نفوسكم يُسيِّركم مرغمين إلى مستنقعات الكلم .
    
أقول لكم إنّه لا ينتهي هذا الجيل إلاّ يقوم لكم من أبنائكم وأحفادكم قضاةً وجلاّدون .
   
أقول لكم إنّما الشاعر رسولٌ يبلغ الروح الفرد ما أوحاه إليه الروح العام ، فان لم يكن هناك رسالة ، فليس هناك من شاعر.
   
وأقول إنّما الكاتب محدِّث صادق ، فإن لم يكن هناك من حديث صحيح مقرون ثابت ، فليس هناك من كاتب .
   
أقول لكم إنّ النظم والنثر عاطفة وفكر ، وما زاد على ذلك فخيوط واهية ، وأسلاك متقطعة . والآن ، وقد طلع الفجر ، أتحسبون أنّني أشكو لغتكم لأبِّرر لغتي ؟
  
لا والذي جعلني ناراً ودخاناً بين عيونكم وأنوفكم . إنّ الحياة لا ولن تحاول تبرئة نفسها أمام الموت ، والحقيقة لا ولن تشرح ذاتها لدى البُطل ، والقوّة لا ولن تقف أمام الضعف. ....لكم لغتكم ولي لغتي        ...

(الصورة ..جبران يلعب مع الاطفال في احد شوارع نيويورك قبل وفاته رحمه الله)
 . 


  

















السبت، 14 ديسمبر 2019

ذكرى تأسيس الجامعة الليبية

أرتقو بالذكريات التي تجمع ....فالقاع صار مزدحمًا بغيرها ...:
        15 ديسمبر 1955 ذكرى صدور المرسوم الملكي بقانون انشاء الجامعة الليبية نواتها كلية الاداب والتربية ويكون مقرها مدينة بنغازى ، 64 سنة تمرّ ، فمن يحتفل بذكرى الجامعة . من يتذكر علامة ممتازة من علامات الوحدة الوطنية .
انطلقت الجامعة من المبنى الذى شهد اعلان الاستقلال من قبل الملك ادريس قبل ذلك باربع سنوات . فى اشارة واضحة للربط بين معانى الحرية والاستقلال والعلم والتحديث والتطور . لكن الوطن الان غافل عن تاريخه واريد له غير ذلك .
   الجامعة الليبية .. هنا كانت الانفاس الطيبة والعطاء والتضحيات .. المؤسسون والعاملون والاساتذة والطلبة . رحلة تواصلت لاْم الجامعات الليبية الى 1973 فانشطرت الى ثنتين ! . في تلك الحديقة ..في ذلك المبنى .. في تلك المدرجات .. في تلك الدروب .. يلوّح محمود البشتى ومحمد حمي وعبدالجواد الفريطيس ومحمد السعداوية ومجيد خدورى وناصر الدين الاسد ومصطفى بعيو وعبدالمولى دغمان والهادى بولقمة ومختار بورو وعمر التومى الشيبانى ومحمود الخوجه . المحاضرات والبحوث والتطلع لبناء ليبيا التى جمعت الجميع فى ذلك المبنى الصغير .. مبنى اعلان الاستقلال . هناك بين الدروب يلوح ايضا ابراهيم الهنقارى وعبدالحميد الطيار ومحمد دغيم ومحمد بالروين وصلاح الدين حسن ومنصور محمد الكيخيا ومحمد الوافي واسعد المسعودي وشعيب المنصوري وعمرو النامي والصادق النيهوم وسالم قنيبر وجبريل الزروالى وفوزية غرور وقدرية بن صويد وسلمى الشيبانى وفتحية مازق ونجمية الطرابلسى .. وغيرهم الكثير . ابناء وبنات ليبيا .ثم طه الحاجرى وعبدالهادى بوريدة وعبدالعزيز طريح شرف وعبدالهادي شعيره ووليام كلايلاند وتوفيق الطويل وعثمان امين وعبدالرحمن بدوي ومصباح عريبي ومحسن الشيشكلي وهاشم حيدر .. وفوزى جادالله وجميل سعيد .. وغيرهم .
    اساتذة وعاملون وطلبة وجامعة تنطلق والاحلام .. والحرية والعلم . وليبيا ..
من يتذكر ليبيا .. والجامعة الليبية بعد 64 سنة ! ....
(الاستاذ الفاضل المؤرخ ...سالم الكبتي...بتصرّف)
(تلك كانت روح ليبيا ...وستظل جامعة وموحّدة إن شاء الله ) ....


الأحد، 8 ديسمبر 2019

من ايام المُختار

     إثناء مكوث البطل عمر المختار شيخ الجهاد في ليبيا، في السجن بعد القبض عليه ، أراد المأمور رينسي ، وهو آنذاك كان المسؤول الإيطالي في برقة ، في أمسية الرابع عشر من سبتمبر 1931 ، اراد أن يُقحم أحد أصدقاء الشيخ البطل السجين في موقف حرج معه ، فأبلغه (كذبًا) بأنَّ المختار طلب مقابلته ، وأنَّ الحكومة الإيطاليَّة لا ترى مانعًا من تلبية طلبه ، ذهب الصديق إلى السجن لمقابلة المختار ، وعندما التقيا خيَّم السكوت الرهيب ولم يتكلم المختار فقال الصديق مثلا شعبيًّا مخاطبًا به المختار : « الحاصلة سقيمة ، والصقر ما يتخبل » ، وما كاد المختار يسمع المثل المذكور حتى رفع رأسه ونظر بحدَّة إلى صديقه وقال له : « الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه » وسكت ، ثم أردف قائلا : « ربِّ هب لنا من لدُنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا ، أنني لم أكن في حاجة إلى وعظ أو تلقين ، أنني أؤمن بالقضاء والقدر ، وأعرف فضائل الصبر والتسليم لإرادة الله ، أنني متعبٌ من الجلوس هنا ، فقل لي ماذا تريد » ! ، وهنا أيقن ذاك الصديق وفهم بأنه قد غُرّر به فزاد تأثره وقال للمختار : « ما وددت أن أراك هكذا ولقد أرغمت نفسي للمجيء بناءً على طلبك . » فقال المختار : « أنا لم أطلبك ولن أطلب أحدًا ولا حاجة لي عند أحد » ، ووقف دون أن ينتظر جوابًا ، وعاد الأخير إلى منزله وهو مهموم حزين وقد صرّح بأنه شعر في ذلك اليوم بشيء ثقيل في نفسه ما شعر به طيلة حياته ، ولما سُئل عن نوع الثياب التي كان يرتديها عمر المختار أهي ثياب السجن أم ثيابه التي وقع بها في الأسر كان جوابه (وهو كان متحدثًا فصيحًا ويفهم الشعر الفصيح) ، بيتين من الشعر :
"عليه ثيابٌ لو تُقاس جميعها بفلسٍ لكان الفلسُ منهن أكثرا**
وفيهنَّ نفسٌ لو تُقاس ببعضها نفوس الورى ، كانت أجلُّ وأكبرا "
___

_____________________________
(مقتطفات من قراءات جمعتها الأستاذة ياسمينة البركي ،(كاتبة وباحثة ليبية مقيمة في فنلندا) من مصادر مختلفة..مع بعض التصرّف منّي..)