إثناء مكوث البطل عمر المختار شيخ الجهاد في ليبيا، في السجن بعد القبض
عليه ، أراد المأمور رينسي ، وهو آنذاك كان المسؤول الإيطالي في برقة ، في
أمسية الرابع عشر من سبتمبر 1931 ، اراد أن يُقحم أحد أصدقاء الشيخ البطل
السجين في موقف حرج معه ، فأبلغه (كذبًا) بأنَّ المختار طلب مقابلته ،
وأنَّ الحكومة الإيطاليَّة لا ترى مانعًا من تلبية طلبه ، ذهب الصديق إلى
السجن لمقابلة المختار ، وعندما التقيا خيَّم السكوت الرهيب ولم يتكلم
المختار فقال الصديق مثلا شعبيًّا مخاطبًا به
المختار : « الحاصلة سقيمة ، والصقر ما يتخبل » ، وما كاد المختار يسمع
المثل المذكور حتى رفع رأسه ونظر بحدَّة إلى صديقه وقال له : « الحمد لله
الذي لا يُحمد على مكروه سواه » وسكت ، ثم أردف قائلا : « ربِّ هب لنا من
لدُنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا ، أنني لم أكن في حاجة إلى وعظ أو
تلقين ، أنني أؤمن بالقضاء والقدر ، وأعرف فضائل الصبر والتسليم لإرادة
الله ، أنني متعبٌ من الجلوس هنا ، فقل لي ماذا تريد » ! ، وهنا أيقن ذاك
الصديق وفهم بأنه قد غُرّر به فزاد تأثره وقال للمختار : « ما وددت أن أراك
هكذا ولقد أرغمت نفسي للمجيء بناءً على طلبك . » فقال المختار : « أنا لم
أطلبك ولن أطلب أحدًا ولا حاجة لي عند أحد » ، ووقف دون أن ينتظر جوابًا ،
وعاد الأخير إلى منزله وهو مهموم حزين وقد صرّح بأنه شعر في ذلك اليوم بشيء
ثقيل في نفسه ما شعر به طيلة حياته ، ولما سُئل عن نوع الثياب التي كان
يرتديها عمر المختار أهي ثياب السجن أم ثيابه التي وقع بها في الأسر كان
جوابه (وهو كان متحدثًا فصيحًا ويفهم الشعر الفصيح) ، بيتين من الشعر :
"عليه ثيابٌ لو تُقاس جميعها بفلسٍ لكان الفلسُ منهن أكثرا**
وفيهنَّ نفسٌ لو تُقاس ببعضها نفوس الورى ، كانت أجلُّ وأكبرا "
___
"عليه ثيابٌ لو تُقاس جميعها بفلسٍ لكان الفلسُ منهن أكثرا**
وفيهنَّ نفسٌ لو تُقاس ببعضها نفوس الورى ، كانت أجلُّ وأكبرا "
___
_____________________________
(مقتطفات من قراءات جمعتها الأستاذة ياسمينة البركي ،(كاتبة وباحثة ليبية مقيمة في فنلندا) من مصادر مختلفة..مع بعض التصرّف منّي..)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق