بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 1 أبريل 2021

صدى السنين ...الباكي

 

صدى السنين الحاكي ...كورونيات زمان
    دخل رجل البوليس الى إحدى المقار الحكومية ، وبيده ورقة قبض على أحد (المتهمّين) ألذى يعمل بذلك المقرّ لضبطه وإحضاره ،سأل عنه زملائه فى العمل "أين فلان " ! ..(فلان سنأتيك به بعد قليل ..هو فى مكان أخر ...رغم أن هذا (الفلان) هو من اطيب الناس سلوكًا وأخلاقا ..ولا نعرف أنه قد ارتكب أو فعل أية جريمة ..هو إنسان طيب جدا ....)..أتى (المتهّم) ، تلا عليه رجل البوليس الإتهام : (أنت أخذت الجرعة الاولى من التحصين الدوائي ضد مرض ألــ..منذ مدة، وقد مضت عشرة ايام على موعد حضورك بنفسك لتناول الجرعة الثانية حسب تعليمات المستوصف(العيادة) الذى أخذت فيه الجرعة الاولى ولدينا الاثبات بأنك على علم بكل هذه التعليمات وكان المفروض أن تأتي بنفسك ، وقد جاءنا بلاغ من المستوصف ، بضرورة ضبطك وإحضارك ،لأخذ الجرعة الثانية ،وأنا هنا لأنفّذ تعليمات الضبط والإحضار إلى ذلك المستوصف حسب القانون ) ..أُُقتيد الرجل الى المستوصف ..حيث تم إرغامه على مدّ ذراعه لأخذ الجرعة الثانية بوجود رجل البوليس ألذى قيّد الحالة ..ووقّع الرجل على إنذار وتعهّد بضرورة إستكمال الجرعة الثالثة فى ميعادها ألمُحدّد مع تعليمات رجل البوليس المشدّدة : " إذا لم تحضر المرة الثالثة وفي الميعاد المحدد لك حسب تعهدّك الان ، سنقودك المرة القادمة ليس الى المستوصف ، بل الى دار(أفتيته) " ( حيث كان يسمى (ألسجن) شعبيًا ذاك الوقت على أسم ...مُديره)...لم تحدث هذه الحادثة الحقيقية بالاسم والمكان والزمان فى أمريكا أو بريطانيا أو ألمانيا أو فنلندا أو حتى الصين !حدثت هذه الحادثة فى منتصف الستينات في ...بنغازى ، خلال العهد الملكي الليبي ....
 -الرواية مصدرها الاستاذة الأكاديمية ألليبية د. (ياسمين البركي) (نقلا عن جدتها ووالدتها).. والتي شاركت بها فى مسابقة بجامعة هلسنكي ، فنلندا ، حيث تُقيم..لنشر قصة حقيقية وقعت خارج فنلندا ..وتحصّلت فيها الاستاذة ياسمين على ألمرتبة الخامسة ..حيث قالت لها رئيسة لجنة التحكيم فيما كانت تُبدي أسفها لانها لم تحصل على المرتبة الاولى كما كانت تتمنّى الاستاذة ياسمين : " قصتكِ رائعة ، لكننا لا نصدق أنها حدثت بالفعل في بلد مثل ليبيا "...فكان رد الاستاذة ياسمين : (لم يكن بوسعي أن أقسم لها بالطلاق ) إنها واقعية ، وبعضٌ من أبطالها لا زالوا على قيد الحياة كما أخبرتني جدتي) ...
- الصورة من تصوير وارشيف الفنّانة الليبية المُبدعة الاستاذة فاطمة القرقني
 
 

الصادق النيهوم ....عند الاخرين وحريات عهد المملكة الليبية

    توفيت والدة الصادق النيهوم ساعة ولادته في حي سوق الحشيش في بنغازي عام 1937. كان والده بحاراً لا يعود إلى المدينة الصغيرة إلا قليلاً، فاحتضنه خاله حتى بلغ الثامنة، فذهب إلى منزله الأبوي. دخل الجامعة الليبية تلميذاً، ثم معيداً. أوائل الستينات، هاجر إلى هلسنكي، وأخذ يكتب مقالات إلى صحيفة «الحقيقة» خطفت لب الشباب. وكان الموعد مع الصادق أجمل مواعيد الأسبوع. وكان يقول «شيئان يربطاني ببنغازي: قلبي وساعي البريد».
  دخل الصادق الكتابة العربية بأسلوب لا مثيل له: روعة البداوة وصدمة الغرب وثقافة الآداب العالمية. كان يمكنك الإصغاء إليه ساعتين وهو يتحدث بشغف وعمق وطلاقوفيت والدة الصادق النيهوم ساعة ولادته في حي سوق الحشيش في بنغازي عام 1937. كان والده بحاراً لا يعود إلى المدينة الصغيرة إلا قليلاً، فاحتضنه خاله حتى بلغ الثامنة، فذهب إلى منزله الأبوي. دخل الجامعة الليبية تلميذاً، ثم معيداً. أوائل الستينات، هاجر إلى هلسنكي، وأخذ يكتب مقالات إلى صحيفة «الحقيقة» خطفت لب الشباب. وكان الموعد مع الصادق أجمل مواعيد الأسبوع. وكان يقول «شيئان يربطاني ببنغازي: قلبي وساعي البريد».
دخل الصادق الكتابة العربية ة عن غوته، وكارل غوستاف يونغ، والدنماركي كيركغارد. وعندما قام القذافي بانقلابه، كان، مثل سائر شباب ليبيا، مسحوراً بالصادق. وفي بداياته نزل إلى الناس وحاورهم، وحاورهم باسمه الأول، معمر. وعندما أصدر «الكتاب الأخضر» قال كثيرون إن الصادق هو الذي وضعه.
لكن لم يكن في الكتاب شيء من ألق الصادق ولمعانه الفكري. وقد تبيّن فيما بعد، أن الذي ساهم في توليفه اثنان من المقيمين السودانيين. ونشأ خلاف بين الصادق وبين الأخ القائد ولجانه الشعبية، فظل النيهوم إلى وفاته عام 1994 في سويسرا، ولم يعد إلى بنغازي إلا رفاتاً.
  ألقي نوع من الحظر على الصادق في الجماهيرية العظمى. ولم يكن للأخ القائد وجود اسم آخر يحتفي به الشباب كل يوم. وكان له قرّاء ومريدون في كل مكان. وحاول الكثيرون تقليد أسلوبه، وسعى البعض الآخر إلى تقليده في هندامه «الهيبّي»، وحذائه المكشوف، وسروال الجينز البسيط.
  لكن في زمن الحظر، بقي للساحر الليبي أصدقاء ومحبون. وتولى الأديب سالم الكبتي، نشر كل كلمة كتبها الصادق، وضمها في كتب خوف الضياع. ولا يمر عام إلا ويحمل سالم إلى كتاباً آخر من الصادق أو عنه. وهو يعرف مدى تلك المودة والصداقة الخالصة والإعجاب الذي كان يربطني بالنيهوم، ولا يزال.
  قبل أيام أرسل لي الكبتي (الكاتب والمؤرخ الليبي ) آخر الإصدارات: «الذي كان يزرع الزجاج: مقالات عن الصادق النيهوم». بينها واحدة بقلم الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي. ظننت أن المقال سيكون مقتضباً؛ لأن البياتي ضنين بالكتابة عن الآخرين – إذا حدث وكتب. واعتقدت أنه سوف يكون خالياً من أي كلمة إعجاب. لكن البياتي، لمرة، تغلب على نفسه، وعلى سمعته، وعلى جميع الذين راهنوا على أنه لن يكتب كلمة طيبة في أحد.
يروي البياتي، دامعاً، قصة ثلاثة رفاق التقوا في المدرسة، ثم الجامعة: الصادق رجب النيهوم، ومحمد حسن القزيري، وأسعد أحمد المسعودي. جميعهم ولدوا عام 1937. وجميعهم تخرجوا في كلية الآداب. وجميعهم ماتوا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، يتقدمهم الصادق..

-  سمير عطا الله ...كاتب وصحفي لبناني ..صحيفة الشرق الاوسط الالكترونية في 01-04-2021

- الصورة ..ارشيف صحيفة (السقيفة الليبية) الالكترونية