بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 24 أغسطس 2013

                         


  البيضاء -3                                            5/8/2010
                           ـــــــــــ

  مفتاح بوعجاج

     لقد تلقيت الكثير من الشكر والنقد والتلميح والاستفسار والتشجيع والإضافات والتعديل مرسلا ومكتوبا وشفاهة من الكثير من سكان المدينة والأصدقاء والكتاب بالإضافة الى تعليقات متنوعة على المقالين (البيضاء-1&البيضاء-2)بأسماء رمزية وحقيقية، وللحقيقة أقول انه قد نالنى السرور وسعدت من كل ذلك و يبدو انه كما قالت إحدى المعلقات اننى لمست وحركت (وترا) كان نائما في نفوس الناس عن تاريخ وذكريات المدينة  ،هذه المدينة التي جمعت كل أطياف ليبيا الحبيبة فى ظلالها بل تجاوزت ذلك إلى أطياف أخرى عربية وإسلامية بدون حدود ..وعموما أنا اشكر كل من مر على مقالاتي تلك ومقالي هذا واسعد بأي تعديل أو تصحيح مع تبادل شكري لمن شكرني بكلمات كانت عونا معنويا وجعلني أقول ان الدنيا لا تزال بخير وان قلوب وشعور وإحساس الكثير من الخيرين لم تمت بعد ولله الحمد! وان كثيرا من القلوب لم تصدأ بعد كما يصدأ الحديد وان المشاعر لا تزال تنبض وان التبلد لم يغمر الجميع!!كما اشكر كل من استكمل فى تعليقه جزءا من تاريخ المدينة لم أعشه أو لم أتطرق إليه بل كان له الفضل في زيادة معرفتي لفترة زمنية لم أعشها.
 اعجبنى تعليق بتعبير شعبي معبر يقول صاحبه أو صاحبته:
    ذكر الدار تعميك **اماقيك ديما اماللي
    يا الباكية من يساهيك**وأنت أبكاك ما شط والي
والذي أرجو وأتمنى من صاحبه او صاحبته استكماله او تزويدنا بالقائل او المصدر.
  وحديثي عن البيضاء لا يعنى تمييزا لها عن اى من مدن بلادي ليبيا العزيزة فلكل واحدة منها مكانة خاصة في قلوبنا وخواطرنا وذكرياتنا ،وحديثنا عن مدينتنا البيضاء هو حديث وسرد نستطيع من خلاله الحديث عن أشياء أخرى تهم الوطن والبشر والأخلاق والسلوك والتاريخ والاقتصاد والتعليم وغيرها من القضايا وهو الأمر الذي عبر عنه احد المعلقين بالسرد العكسي،  وقد فهم الكثير من القراء و المعلقين هذا الأمر بينما  اعتقد بعضهم اننى اسرد متألما متباكيا هدم وإزالة المباني فقط متناسيا ألام البشر والنفوس وتغير القيم والأخلاق ،،وهذا غير صحيح وليس ما قصدته ،، وما يؤلم هو التعليق اوالنقد بدون قراءة النص والأسطر كاملة وما أتمناه هو المرور على كل الأسطر بل أتمنى قراءة حتى مابين السطور ليكتمل المعنى..وجوهر كلامي مقصده انك إن أزلت مبنى تاريخي كان يوما مجمعا للبشر وخاصة مدرسة او كليه او جامعه او جامعا او حجرا او مقاما او حتى شجرة، فأنك بذلك قد أزلت جزءا من نفوس وأرواح  هؤلاء البشر وجزء من ذاكرتهم و تاريخهم  الذى قد يكون من اسعد أيامهم او لهم فيه ذكرى جميلة بوجدانهم. ففي كثير من الدول يعتبرون اى مبنى مرت عليه سنوات معينة او حدثت به حادثة تاريخية يعتبرونه من المباني التاريخية ولا يمكن إزالته او تعديله الا بعد اخذ التوصية المناسبة من لجنة متخصصة تسمى فى أمريكا وبريطانيا مثلا فى كل بلدية (لجنة المباني التاريخية) تتكون من أعيان وقدماء ومتخصصون البلدية وتعرض قراراتها على العامة لإمكانية الطعن فيها او إبداء الاقتراحات بالخصوص.ونحن أولى بهذا الأمر من غيرنا من الشعوب لما عندنا من أهميه وجدانيه وعاطفية لمباني وأطلال الماضي، بل إن من أعظم الأشعار والمعلقات ما قاله شعراؤنا عن الأطلال والماضي :
  فمثلا يقول امرؤ ألقيس:
            قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل  ** بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ويقول طرفه ابن العبد:
            لخوله أطلال ببرقه ثهمد        **  تلوح كباقي الوشم فى ظاهر اليد
ويقول عنترة :
             حييت من طلل تقادم عهده      ** أقوى وأقفر بعد أم الهيثم

وتكاد لا تجد قصيدة أو بيوت شعر عربي إلا بها أثرا من  الحديث عن الأطلال بل كثير من قصائد الماضي لاتبدأ إلا بالحديث عن الأطلال.ومن أروع الأعمال الحديثة قصيدة إبراهيم ناجى (طبيب) وهى قصيدة الأطلال التي تغنت بها أم كلثوم لحنا رائعا من رياض السنباطى ويعتبرها بعض النقاد من أجمل خمس قصائد مغناة في القرن الحديث كلمات ولحن وغناء.
    عن المدينة أقول اننى لا زلت اذكر قيام أهلنا بشكل معتاد أيام الأحد بالذهاب إلى السوق الشعبي بالمدينة حيث كان السوق الشعبي بالمدينة يقام أيام الأحد ولا يزال، رغم نقله من مكان لمكان، وكان لذلك السوق وظيفة اقتصادية حيث انه مكان للبيع ولشراء المنتجات الزراعية والحيوانية المحلية ولتبادل السلع ووظيفة اجتماعية حيث يتم فيه اللقاء بين الناس للتشاور والنقاش والبلاغات   على مواضيعهم الاجتماعية وهو تقليد شعبي أصيل عند الليبيين فتجد لكل مدينة او موقع يوم في الأسبوع يقام فيه ذلك السوق بل هناك أمكنة تم تسميتها بيوم السوق مثل سوق ألجمعه وسوق الثلاث وغيرها ..بل يكاد أن يكون كذلك تقليدا متوارثا في معظم مدن العالم ..وهذا النوع من السوق هو سوق لايدّرس في الجامعات ولا الأكاديميات ولا كليات الاقتصاد ولا تعقد من اجله المؤتمرات ولا الندوات ولا البحوث ولا الدراسات ولا الأوراق والوريقات عندنا ولم اسمع عن احد قام بتحضير رسالة دراسات عليا عنه، بسبب نظرية جبل الثلج التي تفيد بأننا نقوم بتقليد الغرب فيما وصلوا إليه من نتائج نهائية قافزين على المراحل التي مرت بهم حتى وصلوا الى ما وصلوا إليه رغم ان مثل هذه  الأسواق الشعبية موجودة بأكبر مدن العالم كلوس انجلوس ونيويورك وبرلين وروما والقاهرة بل أصبحت هناك أسواقا شعبية متخصصة فى هذه البلدان  كسوق الكتب المستعملة وسوق الأجهزة وسوق الملابس وغيرها( بل حضرت سوقا شعبيا للغلال بإحدى مدن كاليفورنيا الزراعية) ولذلك تجاهل أساتذة و علماء الاقتصاد والتنمية عندنا مثل هذه الأسواق وبنوا أسواقا عامة كبيرة كلفت البلاد المليارات  وراحت واختفت تلك الأسواق التي كلفت المليارات وبقت الأسواق الشعبية كسوق الأحد وسوق ألجمعه  رغم انه لم يصرف عليها شيء بل تمت محاربتها وتجاهلها ونقلها من مكان لمكان ورغم ذلك لا تزال موجودة لأنها تؤدى في وظيفة اجتماعية اقتصادية  لا يمكن للدولة القيام بها ،فأيهما أصلح للقيام ببيع ربطات الكسير و المعدنوس والجرجير والماعز والضأن؟، هل هى الدولة بمنظريها الأكاديميين وخبراء البورصات والاقتصاد الذي لم نفهم حتى ألان لا لونه ولا شكله، ام السوق الشعبي الذي انشأه الجمهور؟
(وغاب عنهم تماما أن سوق البورصات فى العالم الأخر ما هو لا تطور للأسواق الشعبية قديما وما عليك ألا مقارنة حركة المتواجدين  بسوق البورصات وحركة شراؤهم وبيعهم وبين تلك الحركات في  الأسواق الشعبية) ، وإنا متأكد من ان هؤلاء الخبراء لا يشترون أعيادهم وبعض مستلزماتهم الا من هذه الأسواق الشعبية ،وعموما مرت التجربة  و هًًََُُزمت رغم عباقرتها وملياراتها  وراحت معها تلك اللجان المشكلة الذاهبة والآتية لجرد رباطى المعدنوس والخضروات للتسليم والاستلام والتخزين  والإعدام وما تحتاجه من أوراق ومستندات وقرارات واجتماعات من الأمناء والأمينات وآذنات وطباعين وطباعات ومحفوظات وسجلات  ، وبقى المواطن البسيط وسوقه البسيط منتصرا و الذي لا يحتاج من الدولةالا إلى تحديد مواقع مناسبة وتهيئتها و الأشراف والتوجيه والتخطيط والمراقبة بل يمكنها اخذ رسوم عند قيامها بواجباتها الصحيحة والمؤلم هو اخذ الرسوم بدون عمل اى مجهود منها كما رأيت بأم عيني فى سوق ألجمعه بشحات,,حيث يقوم البعض بأخذ الرسوم بدون تقديم اى خدمة بل يكاد يتوارى السوق في المجارى والأوساخ .
  لازلنا نذكر دكان الحاج سالم التونسي أطال الله فى عمره بالسوق الفوقي والذي كان يبيع في كافة أنواع التوابل والزراريع وغيرها من المتطلبات الشعبية فى الأفراح وحتى الأدوية والأعشاب والوصفات الشعبية إلا انه تم قفله فى حمى قفل التجارة (الاستغلالية!) وأقيمت بدله وأمثاله شركات العطور والزينة والصابون ومواد التنظيف وغيرها من المسميات إلا أن مع مرور الوقت انهارت البدائل المليونية وتلك الشركات العملاقة ذات المسميات الكبيرة وعاد دكان التونسي منتصرا شامخا متحديا النظريات الاقتصادية التي دوخونا بها فترة من الزمن  .
   راحت واختفت من مدينتي أيضا وسائل النقل العام التي كان فى الستينات وحتى بداية السبعينات يضرب بها المثل فى النظافة والمواعيد وحلت محلها هذه الباصات والحافلات ذات الأشكال والألوان والأحجام المختلفة والتي لا يوجد لها مواقف ولا مواعيد ولا خرائط محددة (رغم اعترافي بأنها سدت فراغا وحلّت مشكلة تغاضت عنها الدولة) وقد تواجدت هذه الظاهرة أولا نتيجة للحاجة لها وثانيا لكونها أصبحت مورد رزق لكثير من الشباب والكبار أيضا فى ظل البطالة التي ليست بخافية على احد ولكنها بالإضافة إلى هذا الكم الرهيب للاستيراد المفتوح بدون ضوابط لكافه أنواع السيارات ومن كافه البلدان والأنواع والأعداد والأشكال (حيث يفترض وجود دراسة لمعدل عدد السيارات بما يتناسب مع سعه المدينة وشوارعها) قد شكلت أزمة مرورية خانقه لا يمكن حتى لرجال المرور حلها وخاصة وان كافه شوارعنا ومياديننا غير مخططة ولا يوجد حد فاصل لحق المشاة وحق السيارات وحتى الدراجات .وأنا متعاطف مع رجال المرور لكونهم أمام معضلة لم يتم استشارتهم فيها ولكنهم مسئولون عن وضع حل لها وخاصة وان تخطيطنا لا يزال تجزيئيا وغير شمولي فكيف بالله عليك يبنى جامع يتسع لأكثر من ألف مصلى ولا يوجد له مكان لوقوف السيارات ،ولماذا لا تحدد أمكنة مخططة لمرور الطلبة والطالبات ليكون مكانا أمنا من السيارات أمام مدارسهم.وعموما هذا من ضمن الهم العام الذي لم يعد يفكر فيه احد فكل مشغول بهمه الخاص !!!
    عندما تجتاز مبنى السيلس المحاصر من كل اتجاه فى محاولة على ما يبدو للإجهاز عليه، متجها شرقا صوب شارع العروبة وتصل الى مباني البريد القديم مباشرة تجد لنفسك متنفسا فى الميدان الذي لا يزال واسعا وتشم فيه عبق الماضي محاطا بمبنى المصرف الزراعي والسجل المدني وبعض العمارات من الجهة الجنوبية والشرقية وكذلك مدرسة النصر وما جاورها وكلها مثالا لما نقول عنها الأمكنة التاريخية ، وتفرح لكون هذا لمكان وهذه الساحة لم تمسها يد( التطوير التجارية!!) فبقت بروحانيتها ونكهتها التاريخية وتشعر بأنك لا تزال ترى البيضاء القديمة وتشم رائحتها وهو لازال من الأمكنة الجميلة فى المدينة ونتمنى ان يبقى كذلك كما اكرر فى هذا المقام مطلبي وكثير من أبناء المدينة بعدم إزالة مدرسة النصر إحدى معالم المدينة التاريخية مهما كانت الأسباب والمبررات ..
    فى الشمال الشرقي لذلك الميدان تقع مقبرة بنى زرقاء التاريخية والتي اعتقد أنها أقدم مقبرة في البيضاء وكنت أتمنى ان تبقى مساحه فارغة تضاف للمساحة التي تحدثت عنها أنفا لتكون حديقة طبيعية لوسط المدينة أسوة بالمدن المتحضرة ولكن هناك بوادر حصار تجارى أدعو الله ان ينجو منه هذا المكان التاريخي العتيق.
  عندما تستمر شرقا تجد على يسارك (فندق البيضاء )(البيضاء بالاس كما كان يسمى أيام مجده) وتراه اليوم مهشم الفم والأسنان والضلوع وله على هذا الحال أكثر من سنتان دليلا على انه يمر بمرحلة التحول والإصلاح والتطوير التي لا نعرف إلى أين ستؤدى به رغم قناعاتي الفنية انه لم يكن بحاجة إلى هذا (التطوير) بقدر ما كان بحاجه إلى إدارة حديثة والى  صيانة دورية مثله مثل اى مبنى أخر وأخاف ان يظل على هذا الحال مثل أخيه الفندق فى مدخل مدينة درنة الذي له أكثر من خمس وثلاثون عاما على هذا الحال...

   اليوم يصل تعداد سكان المدينة البيضاء إلى حوالي 100000مواطن ومواطنة أما اقليم الجبل الأخضر فيصل  تعداد سكانه إلى أكثر من 350000 مواطن وموطنة ومن يرى هذا الازدحام وهذا الضغط وهذا الاختناق المروري والبشرى وهذا التدافع وهذا التطاحن وهذه الطوابير على المصارف وعلى السوق وعلى محطات البنزين وعلى محطات توزيع الغاز وهذا الزخم (سابقا) على مكتب إصدار البطاقات الشخصية وهذا الزحام والإبكار الفجرى على مكاتب إصدار الرقم القومي وذلك التناحر والزحام على مكاتب إصدار الكتيبات الخضراء وتلك الجموع الهادرة بمكاتب الأملاك والمرافق والإسكان و التسجيل العقاري وتلك الجمع من السيارات والبشر  يتزاحمون ويقفلون الطرق فى سوق الأحد الشعبي وهذه التجمعات الطالعة والنازلة بمجمع المحاكم والنيابيات  والأمانات وهذه الحيرة فى كيفية مرورك بأحد تقاطعات الشارع دون مشاجرة او حتى دون تؤذى سيارتك او سيارة الأخر، كما  انك لن تجد مثيلا في العالم كله لمثل هذه الجموع والكتل من ذكور وإناث  صغار وكبار والتي تدك مبنى مستشفى المدينة كأنه قلعه محاصرة وتم فتحها  إثناء ما يسمى بوقت الزيارة للمستشفى ويكاد ذلك المبنى المسكين يسقط من أثرها وخاصة وان الجزء الرئيسي منه مبنى منذ الستينات! ..كل من يرى ذلك يكاد يشك فى تعداد السكان !!  ولذلك فهي ظواهر تستحق الدراسة والتمعن والبحث عن أسبابها ومعالجتها وخاصة وإنها لا تحتاج لمركز الاستشعار عن بعد ولا لمراكز الدراسات الإستراتيجية لدراستها .
  رغم كل ذلك تبقى للمدينة نكهتها الخاصة ولااهلى بها جميعا ولمبانيها ولشجرها وترابها وعيونها وشتاؤها وصيفها وربيعها ومناسباتها وما جاورها من مدن وقرى أصالة ومحبة وتواصل وروح طيبة لا يشعر بها إلا من ولد بها وعاش  بها ثم غاب عنها .
             بلادي وان جارت على عزيزة ***واهلى وان ضنوا عليّ كرام
             ومن تؤوه دار فيجحد لفضلها *** يكن حيوانا فوقه كل أعجم

             الم ترى ان الطير إن جاء عشه***فأواه في أكنافه يترنم
 


 


ليست هناك تعليقات: