بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 17 أغسطس 2013

                                 

   جبل الثلج- 4                                                     

مفتاح بوعجاج    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عندما حاولت الانفكاك من هذا الموضوع الذي تم إثارته على صفحات جيل الالكترونية خلال الفترة الماضية تحت عنوان جبل الثلج بحلقاته الثلاث( واعتقد جازما بأن هذه الحلقة هي امتداد لتلك الحلقات لن يستقيم فهم ما ذكرته هنا بدون الرجوع لتلك الحلقات حتى لا اتهم بالتقصير فى القفز على المواضيع في مقالي هذا) ..ما انفك هذا الموضوع يعود إلى خاطري بشكل يومي ومتكرر لكونه أصبح هو الاجابه الوحيدة على تساؤلاتي المتعددة عن ما أراه من مظاهر الحياة أليوميه على مستوى الأفراد أو حتى على مستوى مؤسسات الدولة من انعكاس للعلاقات التي تم بناءها بناءا على تلك الزاوية المغلوطة التي نظرنا  من خلالها إلى  الحضارة الغربية والتي لم يوافقني البعض على تسميتها بالحضارة رغم استمتاعهم واستخدامهم لمنتجات تلك الحضارة ابتداء من البذلة وربطة العنق وانتهاء بالمحمول والموضوع جانب ذلك الشخص على الطاولة أمامه و الذي يتحدث  بصوت عالي ومتهدج عن تخلف الغرب ومحاولات الغرب التدخل في المجتمعات العربية بوسائلهم(الخبيثة !!) لفك اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي المتين الذي يربط المجتمعات العربية والمسلمة  وضرب هذا الإنتاج الوفير والمتكدس للوطن العربي والاسلامى حتى نصبح (لا قدر الله) مستوردين لإنتاجهم وأدواتهم وأدويتهم وسياراتهم ومناهجهم ومصانعهم وحتى أحذيتهم  !! ..  

     لقد أثيرت فى الفترة الأخيرة الكثير من التساؤلات البريئة عن أسباب الانحدار الاخلاقى في ملاعب كرة القدم التي أصبح الليبيون صغارا وكبار يعشقونها(بعد أن غابت عنهم سنينا) بشكل تجاوز محبة الوطن وأصبح ولاء الليبيين مشتتا بين حب هذا الفريق أو ذاك وطالب الكثيرون كتسطيح للمشكلة كما عودنا أنفسنا  ..باقتراح وضع حلول سريعة منها الامنى ومنها القانوني  وتناسينا أننا قفزنا كمحاوله لتقليد الغرب في بناء الفرق والأندية  والملاعب (وهى لا شك اختراع غربي بحت يظهر في الجانب الظاهر من جبل الثلج) وأهملنا بناء المجتمع السوي تربويا وعلميا وأخلاقيا وقانونيا ومدنيا أولا من خلال مؤسسات التعليم والتربية الوطنية(الجانب المغمور من جبل الثلج) ولذلك جاءت النتيجة الطبيعية لما نراه من سلوك إنسان انتقل فجأة من مكان به معارك على الأرض بالأمواس والسواطير والهراوات والعصي بعيدا عن العقل والتعقل والمدنية إلى ملعب معشب على كراسي حديثة فأستعمل نفس الأدوات والأسلوب وزاد عليه من عنده كما رأينا . وهذا ينطبق على  اى ظاهرة مستهجنة فى مجتمعاتنا حيث تسبب الانتقال المفاجئ وحرق المراحل الطبيعية وعدم رؤيتنا لجبل الثلج القابع تحت المياه والذي به أسس الحضارة والتقدم ..تسبب في  إظهار كل هذا السلوك الملتوي والمشين  والذي يراه كل من به بصيرة....

   ان التجزيئيه فى التفكير(والذي نتج عن عدم رؤية جبل الثلج كاملا) وعدم الشمولية  هي التي تجعل من تفكيرنا ينصب  دائما على جزءا من المشكلة وليس المشكلة ككل وبالتالي يأتي الحل دائما مبتورا وناقصا وتكون النتيجة عدم الوصول الى حل جذري كما تأتى حلولنا ..ان أصبنا.. لمعالجة الإعراض وليس المرض الاصلى..كثيرون من المرضى الليبيين الذين غادروا بلادنا الى تونس بحثا عن علاج يأتون مذهولين ومعجبين بذلك الدكتور التونسي الذى أعطاه علاجا ابراه من سقمه بعد ان شخص مرضه تشخيصا دقيقا الامر الذى لم يجده فى بلاده التى يصرف فيها على قطاع الصحة مئات الملايين  ..احدهم قال لى ان والدته المسنة تم تشخيصها فى مستشفيات بلادنا على ان نبض قلبها غير مستقر ومتذبذب وبالتالي تم صرف دواء على اساس هذا التشخيص وهو دواء لتنظيم دقات القلب ..واستمر الحال هكذا الى ان ذهبت الى تونس وبعد التحاليل والمراقبة اتضح ان التشخيص فى ليبيا كان صحيحا  وهى ان نبضات القلب غير منتظمة ولكن السبب لم يكن من القلب مباشرة بل كان السبب  هو نزول صديد من اللوز الملتهبة فى الحلق والتى تؤثر على القلب فتم صرف علاج لهذه الالتهابات فى الحلق واوقف علاج نبضات القلب .وانا هنا لا اقلل من اجتهادات وجهود اطبائنا ويجوز ان يكون التقصير هو من عدم توفر اجهزة التحاليل والمعدات والبيئة المناسبة للوصول الى نتائج افضل مما جعل اجتهاد أطبائنا بشريا يمكن ان بصيب او ممكن ان يخطىء فى هذا القطاع الذى نصب فيه جام غضبنا على  العاملين به عند مرض احبائنا وننسى ان صحة المواطن هى نتاج بيئة متكاملة ومنظومة ثقافيه وطنية تعليمية اجتماعية اكبر حتى من امانة الصحة  وليست قصرا على طبيب يلتجئ اليه المواطن  فى اخر المشوار.

     لقد تم تجاوز تفكيرنا عند إخواننا فى تونس فى المدرسة الطبية, حيث أصبح تفكيرهم وبحثهم منصبا على الأسباب بينما لا زلنا فى مرحلة النتائج  حيث نعالج النتائج بينما الأسباب لا تزال موجودة  التى تستمر فى فرز المزيد من الأعراض وبدون توقف...ويبدو ان الطبيب التونسي يعمل من خلال منظومة صحية قانونية اجتماعية متكاملة تم فيها الاستعانة بما هو موجود بأسفل جبل الثلج.

   كما أننا لا نستغرب هذا الكم الهائل من الحفريات فى شوارع بلادنا طالما تفكيرنا تجزيئيا وليس شموليا ..فالكهرباء تفكر وتخطط لوحدها والبريد كذلك وشركة المياه و سيأتي الغاز لاحقا..  ايضا وأحيانا  تلتقي كل هذه الجهات مع حفر المواطن بحثا عن خط مياه او كهرباء ،تلتقي فى نقطة واحدة فى شارع ما يسألون بعضهم بعد التعارف ويتفقون ميدانيا على تنسيق نقطة التقاطع.. وليس مستغربا ان يأتى بعده طريق للمواصلات يحفر الجميع ,,بينما لو نغوص فى جبل الثلج لنجد انه منذ أكثر من مائتي عام تم حفر خنادق أسمنتية تحت الأرض بطول وعرض مناسب تحت شوارع باريس لاستعمالها لكافه الأغراض والتمديدات لا تزال تستعمل حتى اليوم ومن منكم شاهد فيلم (البؤساء) لرواية  فيكتور هوجو (اعتقد تم أنتاجه فى عام 1947)   سيرى  ان جزءا كبيرا من المطاردات فى ذلك الفلم جرت فى تلك الخنادق تحت الأرض .

   كثير من المفكرين والفلاسفة العرب والمسلمون يتهمون منظومة العقل العربي والبيئة العربية بعدم العلمية والتفكير المنطقي  مما انعكس على عدم قدرته على التواصل والبناء وحتى إدارة وجهات نظر الاختلاف ومجارات الحضارة المادية رغم احتياجه لها مما خلق معادلة غريبة لا توجد الا فى هذا المحيط الا وهى ان المصلحون فى كثير من البلدان  الأخرى كانوا قد دخلوا فى معارك اكثرها سياسيه مع الحكام سواءا كانو سياسيين او رجال دين اما عندنا فأن المصلح يدخل فى معركة حتى مع الجمهور الذى من اجله اريد الإصلاح ولهذا كانت المعارك الفكرية دائما بين الماضي والحاضر والتجديدية والسلفية والغرب والشرق والديمقراطية والدكتاتورية واعلي جبل الثلج واسفله ولهذا لم يكن هناك من تراكم خبرة وعلم وفلسفه التى هى ام الحكمة، واسوأ من ذلك اننا لا نزال ننظر لذلك الجبل الذى نستفيد من إنتاجه المادي والمعنوي ونقلد أعلاه فقط ولم نعرف اننا بحاجه الى تعديل الرؤية لتكون فى الزاوية الصحيحة ولهذا لا تستغربوا مزيدا من الظواهر التى يستغربها من به عقل يقول:يا سبحان الله أليس معكم رجل رشيد؟  ..  


 




   

    

ليست هناك تعليقات: