بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 أغسطس 2013

                                            الربيع الصامت -3                                         9/12/2010
مفتاح بوعجاج

في الأيام الماضية كنت وبعض الرفاق في زيارة لمنطقة في جهة أمساعد قريبة من حدودنا الشرقية(قريبة من البردي) (منطقة عيت حبون)(وردني تعليق من السيد بوبكر بلال الحبونى بأن اسم المنطقة هو شمّاس)..منطقه اشتهر أهلها بالكرم والطيبة والأصالة والفزعة والجهاد والصبر ...وكم تألمت لحاله تلك البيوت المتناثرة بدون أدنى ترتيب والتي تكاد ان تطمرها الرمال نتيجة الرياح المحملة بالأتربة والرمال والتي تكاثرت على بلادنا فى الفترات الأخيرة وكأنها تريد إعلامنا بشيء ما .. وكم تألمت لاحتياجهم وحاجتهم للمياه وخاصة وان الحلول على مرأى عين منهم.. وكم تألمت لمنظر تلك الأشجار الميتة(معظمها أشجار تين) وهى واقفة بعد ان صارعت البيئة والجفاف سنينا...كنت فى زيارة تعزيه فى حاله وفاة نتيجة حادث على نصف الطريق العام الرابط بين طبرق وامساعد ويمر بتلك المنطقة والذي لا يوجد به أدنى مواصفة لطريق في القرن الواحد والعشرون....تشعر شعورا أكيدا ان بناء البيوت يتم بطريقة عشوائية بدائية كما هو الحال ألان في معظم المناطق خارج ما يسمى بالمخططات وفى عموم ليبيا شرقا وغربا وجنوبا...وعليه تجد خيوط الكهرباء تذهب فى كل اتجاه متتبعه تلك البيوت المتناثرة وكأنها سقطت من السماء .. كما تجد تلك الطرق الصخرية تلتوي فى كل اتجاه متتبعه البيوت أيضا ...(وهذا ماتوصلت اليه حلول الناس فى غياب التخطيط والخدمات الأساسية)..

قد بكون مجموع السكان فى تلك المنطقة لا يتعدون الألف او العشرة ألاف او حتى المائة الف ..ما العيب وما الصعب فى تخطيط مدينة عصريه ذات شوارع فسيحة قابلة للتوسع تلم شمل تلك البيوت المتناثرة ليسهل توصيل الخدمات إليها مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي وعمل محطة تحليه مياه البحر القريبة وزراعة أصناف من الأشجار قادرة على تحمل أجواء المنطقة وكذلك إنشاء مدارس مهنية وتخصصية وغيرها وكل الخدمات التي تحتاجها المنطقة بشكل اقتصادي واجتماعي وامني سليم ..ولو اتبع هذا النهج لتخلصنا من طريقة هذا البناء المتناثر والمزعج والذي انتشر فى عموم بلادنا والذي يعطى انطباعا مغلوطا بأن سكان بلادنا قد يفوتون الستون مليون بدل الستة ملايين نسمة علاوة على ما يتكبده قطاع الخدمات من خسائر وتعب وجهد فى حالة توفر النية لتوصيل الخدمات للناس.

هناك مدن عالمية يصل تعداد سكانها بالملايين (حاضرة لوس انجلوس أربعة عشر مليون نسمة، طوكيو ثلاثة عشر مليون نسمة، هناك مدن بالصين لا يزيد عدد سكانها عن ستة ملايين تكاد لا تراها على خريطة دولة الصين) والأمثلة كثيرة تدلنا على انه بالإمكان جعل كل سكان ليبيا الواسعة يسكنون مدينة واحدة بشرط أتباع النسق الحضاري الحديث فى التخطيط والبناء والحياة والتحضر..وهذا يجعلنا متفائلين في ان الحلول لمشاكلنا متوفرة وبالإمكان الالتجاء لتلك الحلول بشرط توفر النية الصادقة والعزيمة وفوق كل ذلك الشعور الوطني الخلاق والتخطيط السليم. إن طريقة بناءنا المتناثرة ألان هي خاطئة ما فى ذلك شك لما لها من تأثير بيئي خطير(فكل بيت يقوم بصرف مياه الصرف مباشرة فى التربة) علاوة على تشتت الجهود في إيصال الخدمات المعيشية والتنموية ناهيك عن الشكل المعماري الملوث والمبعثر ...والأخطر هو ماتنتجه هذه العشوائيات من مخرجات سيئة بعيدا عن خدمات التعليم والثقافة والأمن والخدمات العامة لو استمر الحال هكذا.

لو اتخذت هذا المثال معيارا لرأينا ذلك واضحا فى مدن امتدت بطريقة عشوائية فى مناطق الجبل الأخضر والمنطقة الوسطى وتاجوراء وصبراتة والزاوية وبنغازي ومعظم مناطق الساحل الليبي ومناطق الجنوب الليبي ،ورغم اننى لا املك إحصائيات علمية عن نسبة العشوائيات فى بلادنا إلا اننى أكاد اجزم ان نسبة العشوائيات فى بلادنا قد تجاوزت نسبة المخططات ...وهذا أمر خطير سينتج عنه الكثير من الانفلات الامنى والاجتماعي والحياتي والبيئي والاقتصادي والتعليمي كما حدث ويحدث في بعض دول العالم التي سبقتنا فى هذا المجال اى مجال العشوائيات وتركت الأمور تجرى على عناتها بدون تخطيط كما يحصل فى عشوائيات مصر والبرازيل ومعظم دول أمريكا الجنوبية والهند وبنغلاديش وغيرها رغم الاختلاف فى ظروف هذه الدول وظروفنا ،فظروفنا ممتازة وعددنا بسيط وإمكانياتنا والحمد لله جيدة وبلادنا واسعة فما السبب يا ترى؟ وليس هناك مبرر على الإطلاق لنرى فئ بلادنا ظهور إنتاج العشوائيات من ظواهر اجتماعيه سيئة وغيرها من ظواهر سلبيه لا يمكن معالجتها بسهولة فيما بعد.

وعندما نتحدث عن البيئة فأنا دائما أقول لنفسي لماذا هذا الإصرار العنيد والمستمر على ان نقوم بإزالة كل الغابات الاراضى الزراعية حتى داخل مخططات المدن ؟؟لماذا لا تبقى تلك الغابات والوديان الاراضى الزراعية حتى داخل محتوى المخططات مع بذل الجهد الهندسي والمعماري في الملائمة الجميلة بين المخططات وتلك البيئة,, بدل إزالتها لكي ترى ذلك الجهد الرائع فى ظهور مخططات خضراء جميلة كما يحدث فى مدن العالم المتحضر مع العلم بأن القاعدة الأساسية فى علوم تخطيط المدن تقول بضرورة وجود ما لا يقل عن 30% مساحات خضراء داخل المخططات.

ان وجود مخططات خضراء وسط المخططات الإسمنتية لها تأثير على نفوس وصحة البشر ويحضرني فى هذا المجال قصة الشاعر الاعرابى( على ابن الجهم ) عندما قدم على المتوكل العباسي من الصحراء حيث كان يعيش فى بيئة صحراوية جافة فقال للمتوكل وهو فى بغداد حاضرة زمانها، أبياتا شعرية يمدحه فيها:

أنت كالكلب فى حفاظك للود *** وكالتيس فى قراع الخطوب
أنت كالدلو لا عدمناك دلو ***من كبار الدلا كثير الذنوب

فتقافز الحراس لضرب وإيقاف الشاعر عن قول هذا الكلام حيث اعتبروه اهانة للخليفة ،،الا ان المتوكل العباسي أمرهم بالتوقف وذكرهم بأن الرجل قد مدحه بأحسن شيء كان فى بيئته وان المعنى مدح وخير الا ان التعبير كان مستهجنا وقبيحا فى حاضرة بغداد وان هذا الرجل لديه موهبة الشعر ولو تحضر لكان له شأن أخر فى الشعر...وفعلا أقام ذلك الرجل فى بغداد المدينة حاضرة زمانها مدة من الزمن فرقّ شعره وحسنت ألفاظه وصارت نفسه جميلة وتعبيره أجمل فقال أجمل قصيدة فى المدح:

عيون المهى بين الرصافة والجسر*** جلبن الهوى من حيث أدرى ولا ادري

الى بقية القصيدة...

ويقال ان المتوكل عندما سمع ذلك قال :لقد خشيت عليه بعد ذلك أن يذوب رقة ولطافة...

كما يحضرني فى هذا الأمر قول زائر عربي عندما حضر معي إحدى الندوات الشكلية التي تقام من اجل البيئة والتي تنتهي عادة بتوصيات متكررة مثل ضرورة الاهتمام ودعم وغيرها من المصطلحات التى مللنا سماعها وتوزيع ملصقات لا يقرأها احد، قال ردا على اقتراح احدهم بتشكيل (جمعية أصدقاء البيئة فى بلادي) وذلك أسوة بما يحدث فى بلاد الفرنجة (كتقليد لما يحدث فوق جبل الثلج). وكان قد شاهد الكثير من بيئة بلادنا.قال: اقترح عليهم ان يكون مسمى الجمعية هو جمعية(أعداء البيئة) فالبيئة فى بلادنا لا يمكن ان يصادقها احد. 

و للحديث بقية... 


 

ليست هناك تعليقات: