بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 أغسطس 2013


                                                  الربيع الصامت -2                            8/12/2010
مفتاح بوعجاج

كم يحزنني ويحز في نفسي قول احد السياسيين الانجليز المطلع على أحوال العرب والذي كان ما يسمى بالمندوب السامي البريطاني لفترة زمنية ما في وطننا العربي ..قال (أن العرب ليسو أبناء الصحراء ..أنهم أبائها). وبغض النظر عن رأينا في هذا القول ومصدره الا ان الواقع والأرقام والحقائق على الأرض تقول فعلا ان.....الآلاف من أشجار الزيتون والبرتقال والنخيل تم تجريفها...مساحة الأرض الصالحة للزراعة فى ليبيا لا تتعدى 4% من المساحة الكلية و90% من هذه المساحة تقع في الساحل الشمالي ومنطقة الجبل الأخضر..والتي أصبحت تتحول تدريجيا إلى مباني أسمنتية سكنية وحتى خدمية وإدارية..

ذكر لي احد الليبيين الذين عاصروا فترة الاستعمار الايطالي ،أن الطليان اقروا في فترة استعمارهم لبلادنا، أن مباني مدينة البيضاء يجب أن تكون حدودها الغربية لا تتجاوز حدود ضريح الصحابي رويفع الانصارى حيث اعتبروا أن ما يقع غرب تلك الحدود هي من أخصب الاراضى الزراعية في المنطقة ..وفعلا لا زلنا نذكر ونحن صغار جمال هذه المنطقة الممتدة من غرب الضريح وحتى منطقة( ماسة) ومرورا بمناطق شاهر روحه والزاوية وبلغراء وفرشيطه والبلنج ونذكر جمال مزارعها وإنتاجها من الكروم والزيتون والقمح والشعير والحمص والفول والمنتجات البعلية علاوة على ما يتخللها من غابات جميلة تنبت تحتها كافة أنواع النباتات وكان في وسط هذه المنطقة شجرة خروبه مشهورة كانت تسمى (خروبة فرشيطة على اسم المنطقة التي تقع فيها) لكبر حجمها وغزارة إنتاجها وشكلها المهيب وظلها الواسع وتعدد سيقانها وعمرها القديم قدم المنطقة، وتميزها عن باقي الأشجار..وقد تحولت معظم هذه الاراضى اليوم إلى مباني وأزيلت تلك المزارع وتناثرت المباني العشوائية بشكل مزعج وسالت المجارى غربا وجنوبا وتغيرت المعالم الخضراء وكان أول شيء تم إزالته هي خروبة فرشيطة تلك التي كانت معلما وتاريخا بالمنطقة وقد كنت أول المتألمين لإزالة هذا المعلم الطبيعي عند عودتنا من الخارج فترة الدراسة الجامعية...

سهل المرج الزراعي والذي كان يطلق عليه (نطع المرج) لتشبيهه بالنطع الأبيض اى صوف الخرفان عندما ينضج القمح والشعير وتصبح بيضاء تتهادى سنابله الجميلة مع الرياح تراها عن بعد كأنها صوف ابيض نظيف ..بدأت تنمو عليه الأعمدة والمباني الخراسانية..هذا السهل الذي أراده المستوطنين والمستعمرين الطليان مكانا لتغذيه ايطاليا بالحبوب واللحوم..بدأت تغزوه المباني ليتحول إلى بيوت متناثرة بعد أن تم تقزيم أراضيه...معدل سقوط الأمطار كانت تصل في الجبل الأخضر إلى 600ملم وكان المتر المربع من المسطح يعطى عند تجميعه نصف متر مكعب من مياه الأمطار في الموسم الواحد على الأقل، وهذا ما تفطن أليه المستوطنون الايطاليين فعملوا على تجميع ما يسقط على البيوت من الإمطار في أبار بجانب تلك البيوت تسقيهم وتسقى حيواناتهم لطول العام..ونحن اليوم تركنا تلك المياه تذهب سدى وحفرنا الأرض على بعد مئات الأمتار أعماقها تصل اليوم إلى أكثر من 400متر لنرفع المياه من على ذلك البعد والتي أصبحت تتباعد وتغور يوما بعد يوم لنقوم كل فترة بتعميق تلك الآبار مما يدل على أن معدلات الخارج من المياه هي أكثر من معدلات الداخل مما جعل المياه السطحية تبتعد عن معدل التغذية الرطبة للأشجار والنباتات مما جعلها تجف وتعطش ويظهر شكلها بائس وكأن النار قد اشتعلت فيها ومن منكم يمر بالطريق الساحلي فليلتفت إلى أشجار العرعار بين الباكور ودرنة ويرى ما ذكرت ...

للأسف نقولها بكل صراحة ..لقد كان الايطاليون أكثر محافظة ومعرفة ودراسة لهذه الأرض وأكثر محافظة منا ، فقد منعوا بقوانين صارمة تربية الماعز او مرورها في مكان الغابات إلا بأذن ..كما كانت الشرطة الزراعية لديهم او ما يسمى(الفورستارى)من أكثر الجهات صرامة في تطبيق قوانين حماية الاراضى الزراعية والغابات ..وهذا ما شهد به أهلنا الذين عاصروا تلك الفترة...منطقة طرابلس والزاوية وتاجوراء كانت من أخصب الاراضى وأجملها في إنتاج البرتقال والليمون والرمان والهندي والعنب والزيتون والتي تحولت كلها اليوم إلى مباني خراسانية سيئة الشكل وارتفع بدل تلك الأشجار ذات الرائحة الجميلة البلوك الأبيض ..

ذكر لي احد كبار السن في منطقة ال26 غرب طرابلس فى طريق الزاوية ،أن مزرعة ماكان يسمى بمزرعة (الكونتيسة) بالقرب من مصنع المزارع سابقا والتي اختفت أثارها اليوم ..ذكر لي أن هذا المصنع انشىء أساسا لتصنيع وتعبئة البرتقال بالمنطقة وان هذه المزرعة التي تم تقزيمها والبناء عليها كانت تقوم بتوريد كميات البرتقال لمدة شهر كامل لذلك المصنع والذي توقف عن العمل منذ تم تصفية شركة المعمورة للمواد الغذائية والتي كانت من أفضل وأحسن شركات الصناعات الغذائية في ليبيا وأصابها ما أصاب الكثير من شركات القطاع العام الناجحة...عندما تمر على مناطق الخمس ومصرانه ترى جذوع النخل مرمية كما ترى أشجار الزيتون وقد تم إهمالها وقد تيبس الكثير منها لتكون سهلة الاقتلاع ليرتفع مكانها مخزنا أو مبنى أو دكاكين لا يتوفر فيها حتى مقومات المعمار الجميل ..إما عن بنغازي فحدث ولا حرج والتي بدأت بإزالة شجرة ميدان الشجرة ليتحول إلى ميدان اسمنتى بجدارة ...

نحن بهذا لا نستعرض هذا الأمر لنكشف عن السلبيات فقط بل لنعود بالوعي البيئي والزراعي إلى أصوله ،حيث أن كثير من البديهيات بدأت تغيب وبدأ يحل محلها فكر تجارى اسمنتى متخلف بدأ يزحف على عقولنا وأرضنا ليحولها إلى صحراء جرداء لا تسر الناظرين ولا تؤنس السامعين ووصل إلى تدمير حتى ما قامت به المشاريع الزراعية في بلادنا..كما بدأ هذا الخراب البيئي يؤثر على البيئة بشكل عام فالمياه مهددة بالتلوث والأرض الزراعية بالنقص وتحول ما تبقى منها إلى ارض صحراوية ونقص المطر لما للمطر من علاقة عكسية بتوفر الغطاء النباتي وكذلك نقص الإنتاج وزيادة الاعتماد على الخارج..

يساوى لتر الوقود(البنزين) عشرون قرشا ووصل لتر زيت الزيتون اليوم إلى سبعة دينارات وهذا يعطينا مؤشرا على أن نقوم بإزالته لهو أثمن مما نعتمد عليه وخاصة وان كل جزء من بلادنا غربا وشرقا وجنوبا تصلح لزراعة الزيتون والتي تصلح زراعتها في بلدان حوض المتوسط(اسبانيا،ايطاليا، اليونان،تونس) وبإمكان ان تكون ليبيا من انجح الدول فى هذه الزراعة التي بدأ الاحتياج إلى زيتها عالميا يزيد يوما عن يوم لفائدته الصحية والغذائية فهو أعظم زيت نباتي على الإطلاق ويباع في بعض الدول في الصيدليات لندرته وارتفاع سعره...كل هذا الأمر يحتاج إلى سياسات زراعية واقتصادية ووطنية واضحة والاستفادة من التجارب الزراعية السابقة في بلادنا وأهمها هو المحافظة على أرضنا الزراعية والغابات والمياه بشكل يحفظ البيئة ألطبيعيه ( والعبرة دائما بالنتائج وليس بالكلام اى كميات الزيت المنتجة وما هو ترتيبنا في إنتاجه) حتى لا نصل إلى مرحلة الربيع الصامت بل نتجاوزها لا قدر الله إلى مرحلة اللاربيع على الإطلاق ..

وللحديث بقيه بأذن الله.

ليست هناك تعليقات: