كلمات -1 27/8/2010
مفتاح
بوعجاج ـــــ
ذكرتني الكاتبة بدرية البشر فى إحدى مقالاتها
الجميلة بمقالة لعميد الأدب العربي طه حسين رحمه ورحمنا الله بعنوان (كلمات) بها
رواية عن لطفي السيد يذكر فيها ان السيد لطفي السيد قرر أن يترشح للانتخابات عن
دائرته في قريته ،ولكن الخصوم المضادين له والذين لا يريدون له النجاح سبقوه إلى
قريته واجتمعوا بأهل القرية وحذروهم من انتخاب هذا اللطفى لأنه (ديمقراطي ؟؟ ) لا
يصلح ليكون مندوبا لهم ...فسألوهم أهل القرية :(يطلع أيه دا الدمكراتى ده ؟؟)
فأجابوهم بأن هذا هو( اللي بيخللى مراته تمشى مع حد غيره) فغضب أهل القرية واكفهرت
وجوههم وغضبوا على هذا اللطفى الذي أراد أن يخدعهم وهو إنسان (دمكراتى) ليس لديه شرف ولا أخلاق !!...ولكنهم اتفقوا على مواجهته
بهذه الحقيقة الديمقراطية البشعة عند حضوره إليهم ليقطعوا الشك باليقين ..وفعلا
عند حضوره خطب فيهم السيد لطفي السيد شارحا لهم برنامجه الانتخابي لخدمة القرية أو
النجع من فتح مدارس وتوفير الخبز بأسعار مناسبة وتوريد آلات زراعية حديثة وتوفير
المياه وحفر أبار وبناء بيوت حديثة.. ولكن كل هذا لم يكن يهمهم بقدر ما كان يهمهم
الانتهاء من هذا الكلام (الفارغ؟؟) ليسألوه
عن ما كدّرهم وأحزنهم وهم يفكرون في كيف خدعهم هذا الرجل ، وفعلا بمجرد الانتهاء
من كلامه وقف رئيس القوم وسأله :) الا يا لطفي باشا ،أصحيح زى ما يقولوا عنك انك إنسان
دمكراتى؟) وفعلا فرح لطفي السيد وامتلاء حماسا وفرحا وأجاب قائلا (نعم أنا
ديموقراطى وافتخر بأنني ديموقراطى) فما كان من القوم الا ان حملوا كراسيهم التي كانوا
يجلسون عليها وضربوا بها هذا (الديوث في رأيهم).
أيضا أنا بدأت أتذكر هذه القصة فى الفترات الأخيرة
عندما عجزت تماما عن إيصال أية فكرة حضارية لمن أتحدث أليهم ليس لخوض أية انتخابات
اوتصعيد لا سمح الله ..وانما للحديث عن أصول التنمية والحداثة والتطوير والتخطيط بالأساليب
العصرية الحديثة وخاصة فى مجال التنمية البشرية والمكانية والاقتصادية ، ويبدو ان
هناك أقواما آخرين كانت لديهم القدرة على التسلل لهولاء القوم وتعبئتهم ضد هذه الأفكار(
الديمقراطية) الخبيثة!!..
عندما
جاء المستوطنون البيض للاستيطان فى أمريكا الشمالية فى الفترات الأولى من
اكتشاف تلك الاراضى وجدوا أمامهم السكان الأصليين من قبائل الهنود الحمر الذين
قاوموا هؤلاء الغازين بكل قوة والذين كانوا يرغبون فى احتلال أراضيهم ..فما كان من
الغازين الا أن التجئوا إلى حيلة فطلبوا التحادث مع شيخ الهنود وافهموه بأنهم قدموا
بناءا على تعليمات وموافقة من السماء وأشاروا إلى الأعلى ذاكرين أن من أرسلهم قال
لهم بأن من يمانع ويقاوم سيحجب عنه هذا الإله، الشمس، خلال يومان ويجعله يعيش في
الظلام ..والمستوطنون التجئوا الى هذه الخدعة لأنهم كانوا يعلمون بأنه في اليوم التالي
سيكون هناك كسوفا شمسيا بناءا على معلومات علمية تحصلوا عليها من علماء الفلك
الذين كانوا يرافقونهم وهى كانت عادة
علمية متبعه من المستعمرين حيث كانوا في معظم الأوقات يجلبون معهم فرقا علمية
متخصصة فى جميع المجالات ليستعينوا بهذه الدراسات فيما بعد وتساعدهم على تدوين
البيانات العلمية لاستعمالها فيما أتوا من اجله وحدث هذا قبل وعند حضور الطليان
الى ليبيا في بداية القرن العشرون وكذلك مع الحملة الفرنسية إلى مصر والحملات
الانجليزية فى الهند والصين.
وفعلا ما إن حضر اليوم الثاني حتى بدأت الشمس
تغيب فى عز النهار وبدأت الدنيا فى الظلام فما كان من الهنود الا ان حضروا مسرعين
يستجدون هؤلاء الغازين للدخول حتى يرضى عنهم من فى السماء ولا يزيد فى حجب السماء
وضوء الشمس الذى بدأت بعدها فى الرجوع شيئا فشيئا مما جعل الهنود يصدقون ما قاله
لهم هؤلاء الغازين ويطلبون منهم الرضا والعفو فاتحين لهم بلادهم وأرضهم .
قد يقول قائل بأن هذه الأحداث حدثت قبل تقدم
العلم وتقنية الاتصالات والمعلومات وقد لا توجد ألان ..ولكن الأمر المحزن هو أننا
نلمس فى كل يوم غياب وعدم فهم معاني لكثير من المصطلحات الحضارية والتاريخية
والاجتماعية والاقتصادية مثل معاني الليبرالية *العولمة*القطاع الخاص*الدستور*الحريات
الشخصية* احترام الرأي والراى الأخر ...بل وحتى وصل الأمر غالى فلب مفهوم الديمقراطية
والحرية ليكون معنى للاستسلام وضعف الشخصية والانحلال عند البعض وإنها أصبحت فكرة
مستهجنة لا تصلح لنا وما يصلح لنا عندهم هو العكس ، اى العصا الغليظة وما يتبعها...متناسين ان معظم شعوب العالم التي
تتبع هذا النسق هى تلك الشعوب التي انتصرت ووفرت الغذاء والكساء والدواء لها
ولغيرها بل وفاض إنتاجها لتتحول الى مساعدات إنسانية وقت كوارث شعوب وبلدان العصي الغليظة
.بل وحتى استبدال تلك المصطلحات بمصطلحات أخرى تؤكد هزيمة الثقافة الحديثة بمعناها
الحضاري والتقدمي والانسانى عند شعوبنا مما كان له في نظري ونظر الكثيرين انتشار
ثقافة التطرف والكراهية والعنف ومحاولة
العودة بنا إلى ثقافة عهود سلفية لم تعد
تتمشى مع احتياجات العصر الحديث .
27/8/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق