بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 18 أغسطس 2013

                                                  جبل الثلج (2)                     
                                               ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
 مفتاح بوعجاج                                                (تم نشرها فى 11/11/2009)
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
     شئنا أم أبينا تظل الحضارة الغربية بكافة إشكالها المؤثر الكبير لكل فروع حياتنا(واعني بالحضارة الغربية هنا هي مجموعة السلوك والثقافات والتشريعات والأسس الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى هذا الكم الهائل من الإنتاج المادي والمعرفي وحتى الانساني) فهي التي أيقظت فينا هذا الشعور بأننا متخلفون فكريا وماديا وحدث هذا عند الصدام الحضاري الذي جاء نتيجة لانفتاح العالم وحدوث هذا الاتصال السريع الذي أربك حسابات من كانوا يعتقدون عندنا أنهم الأفضل والأحسن بل والأقوى حتى  ..ووجدوا أنفسهم في معركة غير متكافئة, سلاح الغرب كان هو ذلك البناء البديع والواقع المتين, وسلاحنا كانت الكلمة والحروف المسكينة التي لم تصمد أمام صمت في يده سلاح ..فأتى هذا السيل من الكتب والتحليلات والمؤتمرات والندوات والتصورات والاختلافات والاتفاقيات  التي غرقنا فيها ومللنا حتى الاستماع إليها  او قراءتها لأنها لم تثمر شيئا وأصبحت واقعا متكررا  لامناص منه ..ولعدم قدرتنا على الفعل تحولت معاركنا الى معارك كلاميه ظهر فيها الإطناب والسجع والمحسنات البديعية والبلاغية ومرورا بتلك الخطب الحماسية الترشيدية والتحذيرية فى الجوامع ومختلف المناسبات ومن على منابر الإذاعات و الفضائيات المختلفة  من فتاوى وفتاوى مضادة بدون أن تسفر حتى عن كيف يوقف هذا الفرد المخاطب سيارته بطريقة يحترم بها الآخرين فى الشارع المملوك من الجميع. وأصبح علم الكلام علما غزيرا عندنا لعله يٍغنينا عن ما عند الغرب او يقربنا الى ما هم فيه على الأقل لدرجه اننى سمعت أن  احدهم قد قام بتحضير الدكتوراه في حرف الهمزة  المسكين الذي لا يعرف ما يفعل إمام حاملة الطائرات الضخمة أو أمام صاروخ موجه او إمام مركبه فضائيه موجهه من الأرض ، واستمر ذلك البحث والتقصي لحرف الهمزة لأكثر من أربع سنوات بالتمام والكمال..كما قامت المعارك الطاحنة مع الأعداء فى الإذاعات  ومؤتمرات التنديد والاستنكار وأناشيد حماسيه وتأييدية يغنيها مطربين يرتدون أخر ما صنع الغرب ويركبون افخر ما صنع من سيارات وتتزين فناناتنا بأفخر المكاييج والألبسة و لازلنا نطرب ونعجب ويثور الدم في عروقنا عندما نسمع (آخى جاوز الظالمون المدى..فحق الجهاد وحق الفدى)لأحمد شوقي يغنيها عبد الوهاب التى  غناها فى عام 1948  ونفرح للوحدة العربية عندما غنى فريد الأطرش اوبريت(بساط الريح)لنكتشف ألان أن انتصاراتنا كانت كلاميه وان الوحدة العربية لم تتحقق حتى في ذلك الاوبريت الجميل اللحن والكلمات.
  بدأ الأوروبييون طريق وحدتهم فى الخمسينات بالاتفاق على إنشاء سوق أوروبيه مشتركة بعد الاتفاق على تأسيس مشروع الحديد والصلب (الجانب المغمور من جبل الثلج) والذي قادهم إلى تنسيق التشريعات والنظم فانتهت الإجراءات ألاقتصاديه الفعلية إلى أوربا الموحدة سياسيا اليوم...بينما كان الأمر عندنا فى العالم العربي والاسلامى بداية عاطفيه من فوق جبل الثلج فانتهت إلى لا شيء بل انتهت إلى عداوات وانقسامات ..كان الاتحاد السوفييتي دولة واحدة والدول الاوروبيه دولا عدة ..وألان الاتحاد السوفييتي دول عدة وأوروبا دولة واحدة ويرجع ذلك فى فرق البدايات فأحدهما بدأ من الجزء الطافي من جبل الثلج والأخر بدأ من الجزء المغمور.
      توقف او أوقف الاجتهاد فى اعتقادي بمجرد إن كمل الكلام وابتدأ العقلانيون فى مرحله  الدخول الى الجانب العقلي والعلمي (من أمثال ابن رشد وابن خلدون) وبدأت تهتز الكثير من القيم الكلامية ولم تستطع الصمود إمام المحك والاختبار العقلي والعلمي او بالأحرى الاقتصادي الطبيعي ..فأثر أهل الكلام السكوت والإسكات والاكتفاء بالسكينة تحت شعار توقف الاجتهاد وتوقف  عندئذ العقل العربي والاسلامى عن الاجتهاد والدخول فى مرحله الفعل حفاظا على تلك المكتسبات الكلامية وبدأ العقل العربي يكرر نفسه كلاميا بل بدأ يأكل فى نفسه كما يقال تحليلا  وتقلبا بطنا وظهرا واضحي التكرار سمة من سمات حياتنا بل وأصبح الكلام والتوجيه والإرشاد لا معنى له حتى في جوامع الله التي بح أأمتها فى الحديث عن الأخلاق والسلوك القويم واحترام الجار والكبير بدون نتائج تذكر على ارض الواقع ..ولا يزال العقل العربي والاسلامى متوقفا عند هذا الحد(يعرٌف بعضهم الحضارة العربية بالحضارة أو الظاهرة الصوتية) وحتى من جاسر وحدد الخلل من المثقفون والكتاب والسياسيون لم يستطع اى منهم تحقيق الوعي المنشود ولم يقدر على مقاومة هذا السيل العارم من النقد الظالم فأثر السكينة او شد الرحال للغرب .تأكيدا لما قاله سيدنا على ابن أبى طالب(والله ما ناقشت جاهلا إلا وغلبني..وما ناقشت عالما إلا وغلبته) ...لا اعتقد ان الحضارة الغربية عند بداية ظهورها فى القرن السادس عشر ميلادي كان لها هذا الحشد من الكلام والخطب والبحوث والأوراق والنقاشات عن الأصول والجذور والأقوال المأثورة  والتاريخ  فلم يكن لديهم أصلا فضائيات او قاعات مؤتمرات او حتى   إذاعات ولا كمبيوترات ثابتة او محمولة  ولا حتى شوارع او مدن كما هي اليوم ..لقد بدأت بعد كفاح ونضال تاريخي على ارض الواقع على الفقر الظلم والطغيان تمثلت فى الثورة الفرنسية التي قادها فلاسفة عصر التنوير التي نادت بالحرية والمساواة  والعدالة و ثورة مارتن لوثر في أوربا والتي  طالبت بفصل الكنيسة عن ألدوله  تحت شعار (ما لله لله وما لقيصر لقيصر)و(والدين لله والوطن للجميع)وبعدها جاء الاقتصاديون الامريكييون والانجليز من أمثال ادم سميث بمبادئ اقتصاديه واضحة وعملية وحافزة تشتمل على حوافز فرديه تؤدى محصلتها فى النهاية إلى مصلحة المجموع, مما أدى إلى حصول الثورة الصناعية والاقتصادية التي رفعت شعار بسيط يقول (دعه يعمل دعه يمر ) فى ظل تشريعات واستراتيجيات تسمح بحرية الاستثمار والعمل واحترام وحفظ الملكية الخاصة وفى نفس الوقت تحافظ على حقوق العامل والمستهلك وتعمل من خلالها ألدوله قاضيا عادلا بين الجميع لتنفيذ ما اتفقوا عليه فى العقد الاجتماعي.. ومرورا ببعض الشعارات اليسارية التي بدأت تذبل مع الزمن وكما قال تشرشل ما معناه(إذا لم تعجب بالشعارات اليسارية وأنت صغير فأنت لا تملك العاطفة ..أما إذا استمر ذلك مع زيادة السن ..فأنت لا تملك عقلا )..وذلك ردا على استفسار بسبب تغيير الايديولوجيه التي كان يعتنقها وهو صغير ).. وهكذا تم بناء البنية التحتية الاساسيه من إنسان حر وقوانين وتشريعات تنظم علاقة افرد المجتمع فيما بينهم وتنظم علاقة الإفراد بالدولة والدولة بهم وتم إرساء دوله العقد الاجتماعي على أساس الحريات ومتطلبات الإنسان الطبيعية الانسانيه  وبوضوح لا لبس فيه.(حوكم Bill Gates  الامريكى صاحب ومؤسس شركة Microsoft للبرمجيات منذ سنتان على تهمة خرقه لقانون منع الاحتكار الذي صدر فى بلاده منذ أكثر من مائتي عام ..مما يدل على وجود تشريعات تحمى المستهلك مع بداية النظام الرأسمالي الليبرالي)..وهذا الأمر هو الذي بدوره أدى إلى بزوغ الحضارة الغربية اى ان بناء الإنسان بطريقه صحيحة هو الأصل وبالتالي فأن هذا الإنسان المتزن والموجود فى دولة العدل والقانون الشرعي الطبيعي هو الذي أسس أركان الحضارة الغربية  التي نتمتع بخيراتها وإنتاجها الادبى والمادي والمعرفي سواء اعترفنا بذلك ام أنكرنا كما هي عادتنا.
هاهم أساطين وخبراء الاقتصاد عندنا لايزالون ينظرون إلى الجزء الطافي فوق المياه من جبل الثلج فبمجرد انفتاح اقتصادنا على اقتصاديات العالم الأخر يقومون  بالندوات والمؤتمرات واللقاءات وتشكيل اللجان تلو اللجان من اجل بناء وافتتاح سوق الأوراق المالية على غرار ( wall street ) وتناسوا ان هذا السوق ومثيلاته جاء فى أمريكا  و الغرب واليابان بعد ان تم تأسيس ألاف الشركات المنتجة للإنتاج الزراعي والصناعي والتقني والمعلوماتى وغيره خلال عشرات السنين وتكدس ذلك الإنتاج ليكون فائضا تجاريا اقتصاديا يربح من ورائه المساهمين اى ان هذه السوق جاءت فى اخر مرحله من  مراحل الإنتاج الفعلي كنتيجة  طبيعيه ولم تكن هدفا فى حد ذاتها ونحن صار عندنا أسواق ماليه ولا انتاج اللهم غير المصارف وشركات التأمين التي تدخل تحت بند الاقتصاد النقدي وبالتالي فاقتصادنا هو فى الطابق العلوي من جبل الثلج ..وهذا يقودنا الى ان الأزمة المالية العالمية جاءت عندهم فى الشق النقدي الورقي وليس فى الجانب الانتاجى فإنتاجهم  من جميع الأنواع مكدس ومتوفر ..اما الاقتصاديات المبنيه على الاقتصاد النقدي فقط فهي التي تتأثر أكثر من غيرها لعدم مقابلتها اى إنتاج فعلى ..وهذا انعكس على تأثير تلك ألازمه على نوعيه الاقتصاد فالأسعار عندهم هبطت وعندنا ارتفعت وخاصة فى سوق العقارات ومواد البناء.
صديق عربي قال انه تم إرساله للخارج إلى إحدى الدول الأوروبية للتدرب على وسائل الدفاع المدني التي تم شراؤها من تلك ألدوله وبعد الشراء والتوريد والتدريب على استعمال  تلك الوسائل اكتشفوا ان من ضمن وظائف تلك الأجهزة هى إعلان إنذار صوتي بحيث يتجه الناس إلى الملاجىء بمجرد سماعهم ذلك الإنذار الا انه قال تم توقيف تلك الأجهزة عن الاستعمال بسبب عدم وجود ملاجئ يتجه إليه الناس فى حالات الإنذار ..وهكذا كان النظر لأعلى جبل الثلج (الأجهزة والوسائل) ونسوأ قاعه( الملاجىء وما في حكمها).
      انا لا أريد ان اجعل من مقالي هذا  ومقالي السابق (جبل الثلج (1))بحثا علميا مليئا بالأرقام والإحصائيات والأسماء فالواقع يٌغنينا عن ذلك كما لااريد   استنساخ ما حصل عندهم لاختلاف الظروف رغم ان دولا شرقيه كثيرة من أمثال اليابان وكوريا استطاعت ان تهضم تلك الحضارة بل وتصبح منافسه لها ولا أريد أن ادخل فى موضوع سلبيات وايجابيات تلك الحضارة فهذا شأن أخر..ما أردت قوله هو إن  نُبصر وان لا نضيع السنين فى الشكليات, فقد مرت السنين ودورة التاريخ ونحن ندور حول تلك الحضارة واضعنا المدخل الحقيقي والعملي إليها بقصد او بدون قصد وما مدخلنا إلى ِِِِِِِِِِِالحضارة إلا ذلك المغمور من جبل الثلج.


ليست هناك تعليقات: