خرج من جامع السوق الفوقي (جامع الملك إدريس في البيضاء ) بعد صلاة الظهر ..لفت انتباهه وجود امرأة ليبية بين اعداد السائلين والسائلات عن صدقة أو عطية ..لم تكن تشبههم ..تأمّلها جيدا ..كانت لا تتكلم ولا تصيح ..واقفة تنظر بنظرة فيها بقايا كرامة وعزّة نفس وحزن عميق ..تأمّلها من جديد ..فكّر كثيرا ..بدأ يتذكر ...اتجه نحوها ..:(الستِ انتِ زوجة المرحوم فلان ! )...:(نعم ! ) .. (ولماذا انتِ هنا ؟) ...(المدارس والعيد ومصاريف البيت ..والمرتّب البسيط له ثلاثة اشهر لم ينزل ..والعيال والبنات والحياة لا ترحم ......! )..
لم يفّكّر كثيراً هذه المرّة ..دسّ يده بجيب فرملته القديمة ..تحسّس كومة نقود ملفوفة فى شكارة نايلون صار لها أكثر من شهر يتحسّسها ويحافظ عليها ..جزءً منها من بقايا مكافأة نقابة المعلمين ..جزءً أخر أعطته له ابنته بعد ان باعت خاتما اشتراه لها عندما كانت صغيرة ..والجزء الأخر أعطاه اياه ابنه مشاركة منه ومساعدة لأبيه لقضاء بعض الحوائج ..أخرجها ومدّها لها كاملة ..قائلاً :(خذي هذه وإن احتجتِ لشيء تعالي عندنا في البيت ولا تأتي إلى هنا ابدا )...
ذهب مباشرة الى البيت ..سألته ابنته : (أبي ..متى ميعاد الذهاب الى الحج ؟)..رد: (لقد غيّرت رأيّي يا ابنتي ..لن اذهب هذه السنة.)..كثرت عليه الأسئلة ولكنه لم يجب ..جاءه رِفاقه المسجّلين معه في السفر للحج ..اعتذر منهم على تغيير برنامجه ..حاولوا معه ..لم يجب أيضا ....
ذهب رفاقه إلى الحجّ ..وعادوا..سألوه ..: (لماذا كذبت علينا ..في الطواف وفي رمي الجمرات وفي السعي ..رأيناك من بعيد ..ولم تلتفت لنا ؟)..يبدو انك لم تكن تريد رفقتنا ...وكانت عندك واسطة ...كبيرة..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق