18 ديسمبر هو يوم اللغة العربية لكونه اليوم الذي أصدرت فيه
الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في18 ديسمبر عام 1973، والذي يقر
بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة. بعد اقتراح قدمته بعض
الدول العربية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.
هذا من أجمل ما قرأت وباللغة العربية الفصحى بقلم الاديب والكاتب والرسّام( جبران خليل جبران)(1883-1931) ، يدافع فيه عن نفسه عندما أتهمه ونقده البعض بأنه قد أفسد اللغة العربية كونه قد كتب كثير من قصائده او تخللتها بعض الالفاظ الدارجة والشعبية...
------------------------------------
لكم من اللغة العربيّة ما شئتم ، ولي منها ما يُوافق أفكاري وعواطفي.
لكم منها محجَّة مقرَّرة مقصودة ، ولي منها واسطة متقلِّبة لا أستكفي بها إلا إذا أوصلت ما يختبئ في قلبي إلى القلوب ، وما يجول في ضميري إلى الضمائر .
لكم منها قواعدها الحاتمة ، وقوانينها اليابسة المحدودة ، ولي منها نغمة أحوِّل رنّاتها ونبراتها وقراراتها إلى ما تثبته رنَّةٌ في الفكر ، ونبرةٌ في الميل ، وقرارٌ في الحاسة .
لكم منها القواميس ، والمعجمات ، والمطوَّلات ، ولي منها ما غربلته الأذن ، وحفظته الذاكرة من كلام مألوف مأنوس ، تتداوله ألسنة الناس في افراحهم وأحزانهم .
هذا من أجمل ما قرأت وباللغة العربية الفصحى بقلم الاديب والكاتب والرسّام( جبران خليل جبران)(1883-1931) ، يدافع فيه عن نفسه عندما أتهمه ونقده البعض بأنه قد أفسد اللغة العربية كونه قد كتب كثير من قصائده او تخللتها بعض الالفاظ الدارجة والشعبية...
------------------------------------
لكم من اللغة العربيّة ما شئتم ، ولي منها ما يُوافق أفكاري وعواطفي.
لكم منها محجَّة مقرَّرة مقصودة ، ولي منها واسطة متقلِّبة لا أستكفي بها إلا إذا أوصلت ما يختبئ في قلبي إلى القلوب ، وما يجول في ضميري إلى الضمائر .
لكم منها قواعدها الحاتمة ، وقوانينها اليابسة المحدودة ، ولي منها نغمة أحوِّل رنّاتها ونبراتها وقراراتها إلى ما تثبته رنَّةٌ في الفكر ، ونبرةٌ في الميل ، وقرارٌ في الحاسة .
لكم منها القواميس ، والمعجمات ، والمطوَّلات ، ولي منها ما غربلته الأذن ، وحفظته الذاكرة من كلام مألوف مأنوس ، تتداوله ألسنة الناس في افراحهم وأحزانهم .
لكم منها العَروض ، والتفاعيل ، والقوافي ، وما يُحشَر فيها من جائز ،
وغير جائز ، ولي منها جدول يتسارع مترنِّماً نحو الشاطئ ، فلا يدري ما إذا كان الوزن
في الصخور التي تقف في سبيله ، أمِ القافية في أوراق الخريف التي تسير معه .
لكم منها الشعراء الفحول الفطاحل الخناذيذ ، ومن صدَّرهم ، وشطَّرهم ، وخَمَّسهم ، وذيّلهم ، وشرحهم ، ولي منها ما يتمَشَّى مهيبِّاً خجلاً في قلوب الشعراء الذي لم ينظموا بيتاً ، ولم ينثروا سطراً .
لكم منها الرثاء والمديح والفخر والتهنئة ، ولي منها ما يتكبَّر عن رثاء من مات وهو في الرحم ، ويأبى مديحٍ مَن يستوجب الاستهزاء ، ويأنفُ من تهنئة من يستدعي الشفقة ، ويترفَّع عن هجو من يستطيع الإعراض عنه ، ويستنكف من الفخر إذ ليس في الإنسان ما يُفاخر به سوى الإقرار بضعفه وجهله .
لكم من لغتكم البديع ، والبيان ، والمنطق ، ولي من لغتي نظرة في عين المغلوب ، ودمعة في جفن المشتاق ، وابتسامة على ثغر المؤمِن ، وإشارة في يد السموح الحكيم .
لكم منها ما قاله سيبويه ، والأسود ، وابن عقيل ، ومن جاء قبلهم وبعدهم من المُضجرين المُملِّين ، ولي منها ما تقوله الأمّ لطفلها ، والمحبُّ لرفيقته ، والمتعبدِّ لسكينة ليله .
لكم منها الفصيح دون الرَّكيك والبليغ دون المبتذَل ، ولي منها ما يُتمِتمه المستوحش ، وكلّه فصيح ، وما يغَصّ به المتوجِّع ، وكلّه بليغ ، وما يَلثَغَ به المأخوذ ، وكلّه فصيح وبليغ .
لكم منها البنيان المرصوص ، ولي منها أسراب من الشحارير ، والبلابل ، تتطاير وتنتقل مرفوفة بين حقول الخيال ورياِضه .
لكم منها القلائد الفضِّيّة ، ولي منها قطر النّدى ، ورجع الصدى وتلاعب النسيم بأوراق الحور والصفصاف .
لكم منها الترصيع ، والتنميق ، وكل ما وراء هذه البهلوانيّات من التلفيق ، ولي منها كلام إذا قيل رَفَع السامع إلى ما وراء الكلام ، واذا كُتِب ، بَسَط أمام القارئ فُسحاً في الأثير ، لا يحدّها البيان .
لكم منها ماضيها ، وما كان في ماضيها من الأمجاد والمفاخر ، ولي منها حاضرها ومستقبلها بما في حاضرها من التأهب وما سيكون في مستقبلها من الحريّة والاستقلال .
لكم لغتكم عازفاً يتناولكم عوداً فيَضْرب عليكم أنغاماً تختارُها أصابعُه المتظلِّفة ، ولي من لغتي قيثارة أتناولها ، فأستخرج منها أغنية تحلم بها روحي ، وتذيعها أصابعي .
ولكم أن تسكبوا لغتكم بعضكم في مسامع بعض ليُسَرَّ ، ويُعجب بعضكم ببعض ، ولي أن أستودع لغتي عصفات الريح وأمواج البحر ، فللريح آذان أشدّ غيرة على لغتي من آذانكم ، وللبحر قلب أربأ بها من قلوبنا .
ولكم أن تلتقطوا ما يتناثر خِرقاً من أثواب لغتكم ، ولي أن أمزِّق بيدي كلّ عتيق بالٍ ، وأطرح على جانب الطريق كل ما يعيق مسيري نحو قمّة الجبل .
ولكم أن تُحنِّطوا ما يُبتر من أعضائها المعتَلَّة ، وأنْ تحتفظوا به في متاحف عقولكم ، ولي أن أُحرق بالنار كلّ مَفْصَل مشلول.
لكم لغتكم عجوزاً مُقْعَدَة ، ولي لغتي صبيّة غارقة في بحر من أحلام شبابها . وما عسى أن تصير إليه لغتُكم وما أودعتموه لغتَكم عندما يُرفَع الستار عن عجوزِكم وصبيَّتي ؟
أقول إنّ لغتكم ستصير إلى اللاشيء . أقول إنّ السراج الذي جَفَّ زيته لن يُضيء طويلاً .
أقول إنّ أخشاب النعش لا تُزهر ، ولا تُثمر .
أقول لكم إنّ ما تحسبونه بياناً ليس بأكثر من عُقْم مزركَش ، أقول إنّ القيظ في نفوسكم يُسيِّركم مرغمين إلى مستنقعات الكلم .
أقول لكم إنّه لا ينتهي هذا الجيل إلاّ يقوم لكم من أبنائكم وأحفادكم قضاةً وجلاّدون .
أقول لكم إنّما الشاعر رسولٌ يبلغ الروح الفرد ما أوحاه إليه الروح العام ، فان لم يكن هناك رسالة ، فليس هناك من شاعر.
وأقول إنّما الكاتب محدِّث صادق ، فإن لم يكن هناك من حديث صحيح مقرون ثابت ، فليس هناك من كاتب .
أقول لكم إنّ النظم والنثر عاطفة وفكر ، وما زاد على ذلك فخيوط واهية ، وأسلاك متقطعة . والآن ، وقد طلع الفجر ، أتحسبون أنّني أشكو لغتكم لأبِّرر لغتي ؟
لا والذي جعلني ناراً ودخاناً بين عيونكم وأنوفكم . إنّ الحياة لا ولن تحاول تبرئة نفسها أمام الموت ، والحقيقة لا ولن تشرح ذاتها لدى البُطل ، والقوّة لا ولن تقف أمام الضعف. ....لكم لغتكم ولي لغتي ...
(الصورة ..جبران يلعب مع الاطفال في احد شوارع نيويورك قبل وفاته رحمه الله)
.
لكم منها الشعراء الفحول الفطاحل الخناذيذ ، ومن صدَّرهم ، وشطَّرهم ، وخَمَّسهم ، وذيّلهم ، وشرحهم ، ولي منها ما يتمَشَّى مهيبِّاً خجلاً في قلوب الشعراء الذي لم ينظموا بيتاً ، ولم ينثروا سطراً .
لكم منها الرثاء والمديح والفخر والتهنئة ، ولي منها ما يتكبَّر عن رثاء من مات وهو في الرحم ، ويأبى مديحٍ مَن يستوجب الاستهزاء ، ويأنفُ من تهنئة من يستدعي الشفقة ، ويترفَّع عن هجو من يستطيع الإعراض عنه ، ويستنكف من الفخر إذ ليس في الإنسان ما يُفاخر به سوى الإقرار بضعفه وجهله .
لكم من لغتكم البديع ، والبيان ، والمنطق ، ولي من لغتي نظرة في عين المغلوب ، ودمعة في جفن المشتاق ، وابتسامة على ثغر المؤمِن ، وإشارة في يد السموح الحكيم .
لكم منها ما قاله سيبويه ، والأسود ، وابن عقيل ، ومن جاء قبلهم وبعدهم من المُضجرين المُملِّين ، ولي منها ما تقوله الأمّ لطفلها ، والمحبُّ لرفيقته ، والمتعبدِّ لسكينة ليله .
لكم منها الفصيح دون الرَّكيك والبليغ دون المبتذَل ، ولي منها ما يُتمِتمه المستوحش ، وكلّه فصيح ، وما يغَصّ به المتوجِّع ، وكلّه بليغ ، وما يَلثَغَ به المأخوذ ، وكلّه فصيح وبليغ .
لكم منها البنيان المرصوص ، ولي منها أسراب من الشحارير ، والبلابل ، تتطاير وتنتقل مرفوفة بين حقول الخيال ورياِضه .
لكم منها القلائد الفضِّيّة ، ولي منها قطر النّدى ، ورجع الصدى وتلاعب النسيم بأوراق الحور والصفصاف .
لكم منها الترصيع ، والتنميق ، وكل ما وراء هذه البهلوانيّات من التلفيق ، ولي منها كلام إذا قيل رَفَع السامع إلى ما وراء الكلام ، واذا كُتِب ، بَسَط أمام القارئ فُسحاً في الأثير ، لا يحدّها البيان .
لكم منها ماضيها ، وما كان في ماضيها من الأمجاد والمفاخر ، ولي منها حاضرها ومستقبلها بما في حاضرها من التأهب وما سيكون في مستقبلها من الحريّة والاستقلال .
لكم لغتكم عازفاً يتناولكم عوداً فيَضْرب عليكم أنغاماً تختارُها أصابعُه المتظلِّفة ، ولي من لغتي قيثارة أتناولها ، فأستخرج منها أغنية تحلم بها روحي ، وتذيعها أصابعي .
ولكم أن تسكبوا لغتكم بعضكم في مسامع بعض ليُسَرَّ ، ويُعجب بعضكم ببعض ، ولي أن أستودع لغتي عصفات الريح وأمواج البحر ، فللريح آذان أشدّ غيرة على لغتي من آذانكم ، وللبحر قلب أربأ بها من قلوبنا .
ولكم أن تلتقطوا ما يتناثر خِرقاً من أثواب لغتكم ، ولي أن أمزِّق بيدي كلّ عتيق بالٍ ، وأطرح على جانب الطريق كل ما يعيق مسيري نحو قمّة الجبل .
ولكم أن تُحنِّطوا ما يُبتر من أعضائها المعتَلَّة ، وأنْ تحتفظوا به في متاحف عقولكم ، ولي أن أُحرق بالنار كلّ مَفْصَل مشلول.
لكم لغتكم عجوزاً مُقْعَدَة ، ولي لغتي صبيّة غارقة في بحر من أحلام شبابها . وما عسى أن تصير إليه لغتُكم وما أودعتموه لغتَكم عندما يُرفَع الستار عن عجوزِكم وصبيَّتي ؟
أقول إنّ لغتكم ستصير إلى اللاشيء . أقول إنّ السراج الذي جَفَّ زيته لن يُضيء طويلاً .
أقول إنّ أخشاب النعش لا تُزهر ، ولا تُثمر .
أقول لكم إنّ ما تحسبونه بياناً ليس بأكثر من عُقْم مزركَش ، أقول إنّ القيظ في نفوسكم يُسيِّركم مرغمين إلى مستنقعات الكلم .
أقول لكم إنّه لا ينتهي هذا الجيل إلاّ يقوم لكم من أبنائكم وأحفادكم قضاةً وجلاّدون .
أقول لكم إنّما الشاعر رسولٌ يبلغ الروح الفرد ما أوحاه إليه الروح العام ، فان لم يكن هناك رسالة ، فليس هناك من شاعر.
وأقول إنّما الكاتب محدِّث صادق ، فإن لم يكن هناك من حديث صحيح مقرون ثابت ، فليس هناك من كاتب .
أقول لكم إنّ النظم والنثر عاطفة وفكر ، وما زاد على ذلك فخيوط واهية ، وأسلاك متقطعة . والآن ، وقد طلع الفجر ، أتحسبون أنّني أشكو لغتكم لأبِّرر لغتي ؟
لا والذي جعلني ناراً ودخاناً بين عيونكم وأنوفكم . إنّ الحياة لا ولن تحاول تبرئة نفسها أمام الموت ، والحقيقة لا ولن تشرح ذاتها لدى البُطل ، والقوّة لا ولن تقف أمام الضعف. ....لكم لغتكم ولي لغتي ...
(الصورة ..جبران يلعب مع الاطفال في احد شوارع نيويورك قبل وفاته رحمه الله)
.