بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 7 سبتمبر 2019

لقاء مع غسّان سلامة


    في مقال له تحت عنوان (لقاء مع غسّان سلامة) (الاربعاء 3 يوليو 2019) و على صحيفة الشرق الاوسط الالكترونية ، كتب الاستاذ الصحافي الكاتب اللبناني سمير عطاالله : (قلت للدكتور سلامة إن الذين عاصروا مثلنا النزاعات الخطرة، يشبِّهون الوضع في ليبيا بالوضع في الكونغو غداة الاستقلال: هناك قتال على مناطق المناجم، وهنا على النفط... وفي الحالتين، ما من فريق واحد قادر على الحسم... مما يعني أن التقسيم قائم فعلاً بين سلطتين على الأقل؛ كلتيهما تدَّعي الحكم ( ..الحقيقة هذا الجزء من المقال اثارني كثيراً ، خاصة من كاتب مثقف وشهير ، كتب الكثير من المقالات عن تاريخ ليبيا وكان للحق في مُعظمها مُنصفاً ومُحبّاً مما جعل لديه قاعدة عريضة عند الليبيين تحترمه وتقدّره ولا زالت ..إلا إن إختزاله للصراع المؤلم في ليبيا اليوم في قضية النفط فقط ، فهذا منّا عليه العتب ...الصِراع في ليبيا وبعد إنتصار الإنتفاضة على نظام الاستبداد السابق ، كان ولايزل بين تيارين ...تيار يُريد بناء دولة مدنية تحفظ حقوق الانسان وحقوق المواطنة الليبية كما كانت تحمل مبادىء دستور الاستقلال الليبي (1951) ،والتي توافقت عليه تاريخياً كل اطياف الشعب الليبي بعد صراع ومعارك الاستقلال ..وديباجته كانت تقول : ( السلطة لله ، اودعها الله الأمة ، فالامة هي مصدر السلطات ) وكذلك المادة 11 المحورية في ذلك الدستور : ( الليبيون امام القانون سواء ،وهم متساوون في التمتّع بالحقوق والمدنية السياسية ، وفي تكافؤ الفرص ، وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة ،لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الدين او المذهب او العنصر او اللغة او الثروة او النسب او الاراء السياسية والاجتماعية ) ..هذه المباديء الدستورية التاريخية والتي انقلب عليها نظام (الفاتح) في سبتمبر سنة 1969 وجعل البلاد من غير دستور ولأكثر من اربعة عقود وحكمها بخطاباته ونظرياته ومقولاته وكتابه الاخضر ، فأزال الكثير من المكتسبات الاقتصادية والثقافية والمدنية والحقوقية ، التي رسختها مبادىء ذلك الدستور خلال 18 عاماً (1951-1969 ) من الانجازات المادية والحقوقية والسيادية رغم فقر الدولة ذلك الزمن مقارنة بمليارات الدولارات فاضت بها خزائن الدولة الليبية خلال عهد النظام الاسبق ، لم يبني بها خُمس ما بُني خلال عهد النظام الملكي الليبي ، صرف مُعظمها على مُغامراته وشطحاته ونظرياته الفارغة وهدم الكثير من تلك المُنجزات.....وبين تيار إخواني متأسلم قفز على الانتفاضة عندما شعر بقرب إنتصارها وهو الذي كان قد تصالح مع النظام السابق ، بل وكتب قيادييه عن (مراجعات فقهية) ، تم فيها تعديل كل فقه او فتوى سابقة كانوا قد اصدروها ضد النظام ..وبعد ان تغلغلوا بكل طريقة في مؤسسات ليبيا ما بعد الانتصار والانتفاضة ..وبتأييد من مشروع دولي قديم يُتيح لمشروع الإخوان المُسلمين السيطرة على (الشرق الاوسط الجديد) وكانت قد تبنتّه الادارات الامريكية السابقة وحتى اوباما وكلنتون ، لأسباب كثيرة لا يسعنا المجال هنا لذكرها وشرحها ...هذا التيار يُريد ان يفصّل تأسيس ليبيا الجديدة ما بعد الإنتفاضة على مقاسه ، وإعتبارها (بيت مال المُسلمين) ..وبلا جيش وطني ولا حدود ولا امن ولا حقوق مواطنة ..ربط علاقاته بتركيا وقطر وحتى الدولة (الإسلامية في إيران) ، واستعان بكثير من المنظمات الإرهابية التي ارهقت البلاد والعباد ،حيث قبل إعلان مشروع الكرامة (2014) ، تعرّض الالاف من الكتّاب والإعلاميين و وطلاّب الدولة المدنية وكثير من ضباط الجيش والشرطة والامن للتصفيات والخطف والاغتيال والتفجيرات والإخفاء ..بل وهم من منع عودة مبادىء دستور الاستقلال يوم ما سُميّ بخطاب التحرير (23-10-2011 ) على الاقل كدستور إنتقالي لحين التوافق على دستور للبلاد ، بعد ان اعاد الليبيون راية الإستقلال والنشيد الوطني كرموز لأنتفاضتهم ، وصممّوا هم (الإعلان الدستوري المؤقتّ وخارطة للطريق ) خلال مرحلة إنتقالية كانوا هم مصمّموها.. وبما يتماشى مع مشروعهم لليبيا ...وحتى في مشروع دستورهم المُقترح الحالي ، كانت اهمّ مادة فيه هي المادة رقم 6 التي تقول ( الشريعة هي مصدر التشريع ، ويُلغى كل ما يُخالف ذلك ) ..تلك (الشريعة) التي يريدون ان يفصّلّوها على مقاسهم ومصالحهم وتوجهاتهم ومشروعهم عن طريق مجلس شورى ابتدعوه إبتداعا ....صراع اليوم في ليبيا هو بين تيار مدني يريد دولة مدنية بها مؤسسات الدولة الحديثة به من الليبيين من كل المناطق شرقا وغرباً وجنوباً ..وتيار مؤدلج به ايضا بعض الليبيين من كل المناطق ، يريد ان يصنع دولة للفقيه ...وللاسف ان هذا التيار الاخير هو الان من يُسيطر على مصرف ليبيا المركزي والحوافظ الإستثمارية والسفارات وغيرها من الوظائف السيادية في الداخل والخارج ، ويبذّر الأموال على مشاريعهم ودعمهم للارهب والارهابيين ،جاءوا بعد ان لفظتهم إنتخابات 2014 (إنتخابات مجلس النواب الليبي ) حيث اعلنوا الحرب على نتائج تلك الإنتخابات (فجر ليبيا) ، ثم ارجعتهم ما سميّت إتفاقية (الصخيرات) التي ليس لديها اية شرعية شعبية او دستورية ولكنها تتمتع وبكل سلبياتها وللاسف (بما يسمى بالشرعية الدولية ) والتي بدأت تتداعى تدريجيا بعد ظهور الكثير من الوقائع والحقائق على الارض خاصة بعد معركة تحرير طرابلس ..ولو كان الصراع على النفط فقط لأكتفينا بالقول ان مُعظم منابع وحقول النفط وحتى موانىء التصدير هي اليوم تحت حماية قوات الجيش الليبي ، إلا ان مشروع الكرامة لم ياتي فقط لهذا الغرض ،إنما لأستعادة هوية الوطن ووحدته وإنقاذه من ذلك المشروع الإخواني المتأسلم ..وتصحيح مسار إنتفاضة فبراير الليبية ...
      لبنان ، هذا البلد الجميل وصاحب الجميل علينا باهله وثقافته وتاريخه ومدنيته وفنّه ومدرسته الثقافية المميزة ، يصُارع اليوم هويته وجماله وبقائه وطيب وفاقه السابق ..تحت صِراع الطائفية البغيضة التي جاءت بها فكرة ..تقاسم السلطة بين الطوائف والمذاهب المُختلفة ، وليس بناء لبنان تحت شعار (الدين لله والوطن للجميع ) ...فأذكت الصراعات الطائفية ..بالرغم ان لبنان لا يزل يحتفظ بمصرف مركزي واحد يُديره تكنوقراط ولا سيطرة للمليشيات عليه ، بينما في ليبيا يُسيطر عليه اليوم تيار الإخوان ، مجلس إدارة ، وإدارات وحتى فتاوي مؤدلجة لا علاقة لها بالسياسات الاقتصادية والنقدية الصحيحة المعمول بها في كل مركزيات الدول المتقدّمة ،والذي شابه لكثير من الفساد يشهادة الدكتور غسان سلامة نفسه عندما صرّح يوماً علناً : " لا يوجد فساد في ليبيا ، يوجد نهب ممُنهج " ..كذلك لا يزل لبنان لديه (جيش وطني ) يحمل ويدافع عن رموز بلاده ..بينما هذه الجماعات لم تسمح واعاقت تاسيس جيش ليبي حرفي وموحد ..بينما شجّعت وموّلت تشكيل مليشيات تحمل رايات اخرى من بينها رايات داعش واسمهتم (الثوّار ) ..بديلاً عن الجيش الليبي الحرفي والموحّد ..
     
   التاريخ يقول ان البقاء والتطّور دائماً للأوطان والمجتمعات التي تحترم حق المواطنة ولا تُدخل الدين في الصراعات السياسية ..تلك يحسمها دستور مدني ديموقراطي ..فالدولة كيان دستوري دينها هو تقديم افضل الخدمات والعدل بين مواطنيها بغض النظر عن دينهم او مذهبهم ...إحترامي للأستاذ الكاتب سمير عطالله وإحترام كل الليبيين المُحترمين ....

ليست هناك تعليقات: