ترجمة نص المقالة التي
نشرت في صحيفة التايم الامريكية يوم الأثنين الموافق 31 ديسمبر 1951م
(بعد
سبعة ايام من الاستقلال( 24ديسمبر 1951) بعنوان:
LIBYA: Birth of a
Nation
ليبيا : مولد أمــــة
______________
في طرابلس وبنغازي حيث
ساد نواب الحكام الفينيقيين والقياصرة والعثمانيين ، وحيث تناثرت اخر بقايا
امبراطورية موسوليني هباء تحت شمس افريقيا لمعت راية جديدة تعلن ميلاد المملكة
الليبية المتحدة ، اصبح قائد روحي مسلم مسن وحكيم ، أحدث ملك في العالم ، الملك
ادريس الأول ملك ليبيا وبذلك توحدت اقاليم ثلاثة ” برقة وطرابلس وفزان "
تفصل بينهما صحراء شاسعة ، تحت برلمان ذي طراز أوروبي ، ودستور مستمد من
تشريعات اثني عشر بلدا اخر.
انه ميلاد فريد من نوعه
لبلاد مكونة من مدن بائسة وواحات مبعثرة في براري رملية وقفار قاحلة مترامية
الاطراف تبلغ مساحتها ثلاث مرات مساحة تكساس وهي اول لدولة تولد بقرار من الأمم
المتحدة .
ولكن هذا المولود الذي
ولد تحت براثن الفقر وسط العالم العربي السقيم موصوما بلعنة الجهل ، ليس أمامه اي
فرصة ليبلغ سن الرشد ،وسكان ليبيا البالغ عددهم مليون وخمسين الف ، يعرفون كلمة
“الأستقلال” ولا يملكون إلا إرث قليل لتفعيله.
ليس بهذا البلد كليات
جامعية ، ولديهم فقط 16 فرد يحملون مؤهلا جامعيا ، وثلاثة محامين . ليس هناك طبيب
ليبي واحد أو مهندس او مساح او صيدلي . فقط 250 الف مواطن قادر على كتابة اسمه ،
اما الباقين فيستعملون البصمة للتوقيع. أمراض العيون خاصة التراكوما منتشرة جدا
لدرجة أن 10% من السكان مصابون بالعمى
.
متوسط الدخل السنوي
للفرد 35 دولار تقريبا , وهو اقل من أي قطر عربي آخر ربما باستثناء اليمن . ولم
يبقى من آلاف المهاجرين الإيطاليين إلى ليبيا لخلق مستعمرة موسوليني النموذجية سوى
47000 إيطالي متقلدين لبعض الوظائف ويمتلكون المزارع
ويديرون أفضل الأعمال التجارية كما ان ثمانية أعشار الليبيين هم اما مزارعون او
رعاة ماشية وعلاوة على ذلك يذكر مسح غير مشجع للأمم المتحدة أن هذه البلاد “يصعب
عليها توفير الطعام لسكانها”.
باستيرادها لضعف ما
تصدره فلا مناص لهذه الدولة من تسجيل عجز في ميزانيتها . ان النقل بالسكة الحديدية
في المملكة عبارة عن قاطرة بخارية واحدة وقاطرتا ديزل وقليل من عربات النقل
المهترئة تسير على 200 ميل فقط من السكك الحديدية بين طرابلس وفزان . ليس هناك
خطوط هاتف او تلغراف او اتصالات راديو عدد
السكان : طرابلس(800 الف نسمة) و برقة(300 الف نسمة) وفزان(40 الف نسمة) ولم يتوفر
لهذه الولايات ادارة مشتركة باستثناء السنوات الأخيرة من الحكم الإيطالي (من عام
1935 وحتى الحرب العالمية الثانية)..
حتى الامم المتحدة ليست
على يقين بأن مثل هذا الطفل المعلول سيظل على قيد الحياة . ولأن القوى العظمى لم
تستطع الاتفاق فيما بينها بخصوص مستقبل ليبيا المستعمرة الإيطالية سابقا ، فان دول
الامم المتحدة الصغيرة بقيادة الدول العربية العجولة ودول امريكا اللاتينية
استطاعت أن تمرر قراراً يمنح ليبيا استقلالها في مدة اقصاها اول يناير 1952م...
لقد ترك هولندي ممتليء
قصير القامة يدعى ادريان بلت ، عمله كمساعد للأمين العام للأمم المتحدة وعين
كمبعوث للأمم المتحدة لدى ليبيا آخذا معه فريقا من الخبراء للعمل هناك ولقد قرر
المجلس المؤقت والمكون من 60 عضو ليبي- 20 من كل ولاية- والمجتمع تحت جناح الامم
المتحدة ان يكون البلد ملكية فيدرالية ، وقام بكتابة مسودة الدستور والتخطيط
للانتخابات وبدون اي جدال اجتمعت كلمة المجلس على تنصيب السيد محمد ادريس المهدي
السنوسي ، أمير برقة ، ملكا على البلاد ويعتبر هذا الأمير زعيما روحيا وسياسيا
للطريقة السنوسية ، كما يعتبر في ذاته اقوى شخصية في ليبيا.
لقد قاد الملك إدريس
الأول رجال القبائل السنوسية في حربين ضد
الإيطاليين ، وهو يقطن الآن ثكنات إيطالية قرب بنغازي حورت كقصر له ، إنه العربي
المتناسق الاطراف البالغ من العمر 62 سنة والمتبحر في العلوم الاسلامية ويرتدي
ثياباً زرقاء كتلك التي يرتديها ملوك البدو ويتكلم بصوت رفيع ذي نبرة عالية . إنه
يثق في الغرب ويصف في احاديثه الخاصة الجامعة العربية المتكونه من سبع دول بأنها
“تحالف الضعفاء” ولكنه يعترف بالعلاقات الروحية التي تربط ليبيا مع بقية العالم
الإسلامي وفي نفس الوقت يخطط للانضمام إلى الجامعة العربية . يقول خبير بريطاني في
الشأن الليبي “اذا كان هناك شخص قادر على توحيد هذا البلد فهو الملك إدريس، ولأن
هؤلاء الناس يؤمنون بالإسلام فإن الرابطة بينهم هي الإسلام . إن اول خطوة في هذا
التوحيد هي صدور المرسوم الملكي الذي يقضي بانشاء عاصمتين الرئيسية في طرابلس
والثانية في بنغازي لتسكين مخاوف البرقاويين من سيطرة طرابلس.
بعد العمل لمدة سنة مع
الملك ووزرائه المصابون بـ(داء التفاؤل)، اصبح حتى بعض الاجانب المشككين تحدوهم
الآمال “ثمة فرصة لديمقراطية حقيقية هنا” يقول أدريان بيلت “أظن أن الليبيين
يستطيعون ان يجربوا حظهم فهم مفعمون بالنشاط وعلى استعداد لخوض التجربة وفي مرحلة
استقلالهم هم محتاجون للعون الخارجي اكثر مما احتاجوا إليه عندما كانت بلادهم
مستعمرة . وبريطانيا التي تأمل أن تكون الأخ الكبير . وفرت عددا من الكوادر
المدنية لتشغيل دولاب العمل الحكومي وخصصت 6 ملايين دولار لدفع الأمور إلى الأمام
(مقابل مليون دولار من الولايات المتحدة الأمريكيه) مع استعداد بريطانيا لضمان
تغطية العجز في الميزانية السنوية والفرنسيون أعاروا بعض الخبراء لولاية فزان وهم
يوفرون لها نصف مليون دولار سنويا.
جاذبية ليبيا لأمريكا
وبريطانيا وفرنسا سوف يسمح لهم بالاحتفاظ بالحاميات العسكرية في ليبيا وامريكا
بقاعدة “ويلس” قرب طرابلس ولكن قادة ليبيا الجدد أظهروا أنهم لا يريدون ان يكونوا
طالبي مساعدات دائما ، وقد علق احد الدبلوماسيين الغربيين بالقول:”حتى الان برهنوا
على أنهم يحرزون تقدما مشجعا، لأنهم طلبوا النصيحة الفنية مع المساعدة الماليه”.
عندما اقترب يوم
الاستقلال في الأسبوع الماضي نظرت الى الحكومة الليبيه باحترام يصل إلى حد القداسه
. فقد كان الوزراء يوزعون أنفسهم بين العاصمتين في طائرة مستعارة من الأمم المتحدة
بهدف تنظيم احتفالات ستدوم ثلاثة أيام وقام أحدهم باستدانة مدفع هاورتزر أمريكي
لتحية هذه المناسبة باطلاق 101 طلقة وقد وجدوا عجوزا تركيا يعرف كيف يستخدمه .
وقام فريق من الفنيين بالجيش الأمريكي بزيارة الملك المعتكف في مكتبه لغرض تسجيل
خطابه الذي سيزف إعلان الإستقلال وقد أعاد الملك قراءته أربع مرات وبعد ان تم بث
التسجيل اتسعت عيناه دهشة وقهقه ضاحكا.
ان المواطن العادي المتجول في اسواق طرابلس الشعبية أو الذي يعيش
في وسط تلال الرمال في فزان لا يبدو واثقا من معرفة ماذا يحدث ولكنه كما يملك
دائما كلمة تطالب بالاستقلال فإنه يملك كلمة يعبر بها عن الأشياء غير المفهومه وهي
“إن شاء الله”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق