دولة الخلافة ...الاوروبية 2012/2/3
مفتاح بوعجاج
تشكّلت خارطة الدول الأوروبية وحدودها بعد الحربين العالميتين الاولى
والثانية وظهرت على اثر ذلك دول كثيرة بحدودها المعروفة مثل المانيا وفرنسا
وايطاليا وسويسرا واسبانيا وغيرها..
برزت الولايات المتحدة الامريكية كقوة عسكرية واقتصادية وسياسية وكان
لذلك الاثر الكبير فى التأثير على شكل الاقتصاد فى تلك الدول الاوربية التى وقعت
تحت تأثير السياسات الاقتصادية التى تبلورت فى الولايات المتحدة الامريكية، حيث
ولدت معظم المؤسسات الاقتصادية والسياسية الدولية مثل الامم المتحدة وصندوق النقد
والبنك الدوليين والتى اصبحت مؤثرا وموجها لتلك الدول اقتصاديا مما نتج عنه
متطلبات سياسية ابرزها ضرورة وجود مؤسسات ديموقراطية تخدم الاقتصاد الوليد.
ظهرت الحاجة ايضا فى الدول الاوربية من قطاعها الخاص والتوجيهات الحكومية
الى ضرورة النهوض بالصناعات والثقيلة بشكل خاص والاقتصاد عموما.. والتى امتدت الى
صناعات اخرى والتى تطلبت امكانيات اكبر وموادا خام واسواقا اكبر وانفتاح اكبر مما
جاء بالحاجة الى (سوق اوروبية مشتركة).. تطلبت وجود تلك السوق واجراءاتها انفتاحا
سياسيا وتغييرا جذريا تجاوز بذلك النظرة القومية والوطنية لتلك الدول فولد
(الاتحاد الاوروبى) وتأشيرة (الشنقن) والتى ازالت المعوقات السياسية وسهلت حركة
رأس المال وجعلت من الحدود بين الدول الاوربية مجرد علامات وبوابات بسيطة تكاد لا
تراها العين بل البعض من تلك الحدود (الوهمية) يمر من خلال مزرعة او مطعم او جبل
واحد فى خطوط البعض منها مرسوم رسما بفرشاة رسام قد تراه العين ولكنه لا يعيق حركة
اويمنع متجولا.
ظهر الاتحاد السوفييتى على الضفة الاخرى الشرقية كدولة تحكمها
ايديولوجية شيوعية بعد الحرب العالمية الاولى والثانية ايضا.. والتى سبق وان قامت
به ثورة بلشفية على حكم القياصرة فى عام 1917 ولكن تدريجيا حل الحكم الشيوعى محل
حكم القياصرة تحت اسم (اتحاد الجمهوريات الاشتراكية) سنة 1923 وادعى انه صوت
الجماهير ورفع شعارات إيديولوجية مثل (يا عمال العالم اتحدو) و(دولة الاشتراكية
الواحدة).. واتخذ من الاشتراكية الشيوعية والقطاع العام الشيوعى منهجا وسلوكا..
ولم يكن للقطاع والاقتصاد الخاص اى دور بل اممت الممتلكات والمزارع والاموال
واصبحت ملكية جماعية تدهور فيها الانتاج واختلت فيها العلاقات الاجتماعية مما تطلب
تعزيز القبضة الامنية والتى ادّت الى موت اكثر من 2 مليون فى التعذيب والسجون
والقتل العمد.. وسيطر الاتحاد السوفييتى نتيجة مشاركته الحرب العالمية الثانية مع
الولايات المتحدة ومقاسمته غنيمة الانتصار معها.. على كثير من الدول الاوربية
الشرقية مثل المانيا الشرقية وبولندا ورومانيا والمجر..
النجاح الاقتصادى فى الدول الاوربية الغربية ادّى الى اتحاد سياسى
سمى (الاتحاد الاوروبى ) لم شمل قوميات ولغات وحتى ديانات مختلفة وحدثت المصالح
الاقتصادية التى تم التخطيط لها بعناية ومنهجية علمية.. الفشل الاقتصادى فى
الاتحاد السوفييتى ودوله التى اتبعت ايديولوجيته السياسية والاقتصادية جعل ذلك
الاتحاد يتفكك وينحل عام 1991.. لانه لم تكن تجمعها اقتصاديات صائبة.. بل
دكتاتورية واستبداد زال ذلك الاتحاد بزوالها..
على غرار الاتحاد السوفيتى حاول الكثير من منظرى فكرة القومية
العربية.. بدون اى محتوى اقتصادى الى نشر هذه الفكرة فى الخمسبنات والستينات
والسبعينات والتى ساعدت على حدوث كثير من الانقلابات اولها انقلاب حسنى الزعيم عام
1949 فى سوريا ثم تلاها الكثير من الانقلابات.. مستغلّة قضية مأساة فلسطين.. فى
العراق ومصر والسودان واليمن وليبيا.. وفشلت تلك الانقلابات فى تحقيق اى من شعاراتها
بل دمرت كثيرا من المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التى كانت
قبلها..
عوامل كثيرة من بينها العامل الاقتصادى والظلم والاستفزار والاستبداد
وعوامل تقنية الاتصالات والاعلام والعولمة ادّت الى.. ثورات الربيع العربى
فى تونس ومصر وليبيا واليمن... والتى وصل فيها بطريقة او بأخرى جماعات واحزاب ذات
مرجعية (اسلامية) اكثرها تأثيرا هى (جماعة الاخوان المسلمين) فشلت حتى الان
فى فهم مغزى ومطالب الثورات الحقيقية.. وجعلتها وكأنها ثورات دينية وليست مطالب
اقتصادية واصلاحية وتنموية وحضارية ووطنية مستغلّه بذلك مشاعر بسطاء وعوام الناس
الدينية مما جلب معها كثيرا من الحركات المتطرفة للوصول الى السلطة.... وكثير منها
واروا أهدافهم التى زرعها مؤسسها (حسن البنا) فى الثلاثينات فى تأسيس خلافة
دينية.. والتى فى مضمونها تسعى لدولة زمنية لا تعترف بالدولة الوطنية.. والتى لا يجب
ان لا ننسى الظروف الوطنية والعالمية والاستعمارية التى ظهرت فيها تلك الدعوة
والتى تختلف جذريا عن واقع اليوم.
حقائق التاريخ تقول ان الدولة الوطنية والمصالح الاقتصادية المبنية
على حقوق الملكية وحرية الافراد وحقوق المواطنة بغض النظر عن معتقده او جنسه او ثقافته
هى طريقنا الى اى نوع من الاتحاد او النفوذ او القوة والقدرة.. والبناء.. والا
سيمر الزمن كما مر ونحن فى الاحلام والمهاترات والهزائم.. لكن بعد ان نكون خسرنا
الزمن وبعضا من ثرواتنا وحتى اوطاننا... سمعت مرة اردوغان يقول: (اصغينا فترة
لدعوات الحاكمية والمرشدين ثم اصغينا لدعوات العودة الى الخلافة.. ولكننا الان لا
نرى البقاء الا لدولة الازدهار الاقتصادى..دولة المواطنين).. فخذو من (الخلافة
الاوربية) درسا ان كنتم تعقلون.
مفتاح بوعجاج
فى 3/2/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق