بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 24 مارس 2018

صدى السنين الحاكي 7



  خطرّها ..الحوارات والمسودات :
  أواخر الستينات ..انعقدت المحكمة بمدينة البيضاء للنظر فى قضية مرفوعة بشأن خصومة ملكية ارض وبئر رومانى قديم يقع وسطها فى منطقة حدودية عرفية بين عائلة عيت بوعريقيب (عوامة ) وعيت (حدّوث) براعصة ، قريبا من منطقة (مسوس) .. حضر الخصوم جميعا ،نظر القاضي الى الاوراق ثم الى الخصوم ثم اصدر حكمه : (هذه قضية حدود عرفية ..لقد قرّرت تأجيل القضية شهرًا اخر لعلكم تصلون فيما بينكم الى حلول عرفية واتفاق مصالحة وما يمليه العرف عليكم من حلف يمين وغيره ليثبت كل منكم كلامه طبقا لقاعدة ..البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ، والا سأضطر لتكليف لجنة خبراء واعيان للفصل في الموضوع ). من حضر من عائلة بوعريقيب من مسوس كانوا ثلاثة ..وكان الوقت ظهرًا ..قرّروا العودة الى اهلهم هناك فى مسوس والتى تبعد حوالى 140 كيلومتر جنوب غرب البيضاء ..ما ان خرجوا من دار المحكمة حتى وجدوا خصمهم الذى كان معهم فى دار المحكمة الذي كان يمثّل الطرف الاخر ..الحاج عبد الرازق بوالصغيّر (عيت حدوّث / براعصة)(رحمه الله )..واقفًا امام دار المحكمة ينتظرهم.. وما إن مرّوا من جانبه ..حتى بادرهم : (وين يا عوامة !..) ..الى اهلنا في مسوس يا حاج ...ردعليهم : (الوقت وقت غداء ..وموضوع المحكمة انتهى ..وغداكم جاهز فى البيت عندى ..) ..ونتيجة لإلحاحه ..اضطّروا الى الذهاب معه ..على وليمة غداء ...ولم يتحدث احد بخصوص القضية او الارض ..بعد الغداء والشاهي استأذن جماعة مسوس للسفر فأذن لهم ..قبل خروجهم تهامسوا على امر ما ..واتفقوا .. رجعوا الى الحاج ..يا حاج ..لقد اخجلتنا بهذا الكرم والجود ..رغم اننا خصومك ..ولذلك نحن متنازلون تماما عن الارض والبئر فهى حلال عليكم ..وهات الاوراق لنوقّع لك عليها ..واتي لنا بالشهود ان اردت ..
نظر اليهم الحاج عبد الرازق ورد بغضب : ( عيب منىّ ان اقبل ذلك ..فأنتم فى داري وضيوفي ..ولا يصحّ هذا..انتم بما قلتم قد اصبحنا اخوة ..لما رأيته من كرمكم بهذا القول ..ولذا فأنني اقسم يمينا امامكم بأنني ..متنازل عن خصومتي معكم ..والأرض من هذه الساعة هى ارضكم والبئر بئركم ..ولا تتحدثوا معي او ترفضوا ، فهو امر قد قررته واخذت فيه استشارة اهلي ..واعتبروا الخصومة منتهية ..وسنوافى دار المحكمة بذلك )...ذهب بعد مدة الحاج عبد الرازق الى تلك المنطقة البعيدة متجولاً ..رأوه جيرانه عيت بوعريقيب ..اصرّو عليه بالحضور الى نجعهم الكريم ..كان الجميع فى استقباله بالود والترحاب والولائم ..رجال ونساء وأطفال ، حيث كانت سمعة الموقف التي رواها الخصوم السابقين الى اهلهم  ،كانت قد سبقته هناك ...وعلى قولت الشاعر (والسمح هو عثر الأجواد فى الأجواد)..وهذا ماحصل ولا يزال يحصل عند ( اهل مكارم الاخلاق )...لو أنهم هم ...المحاورون اليوم على ..الوطن ...
 أمثال هولاء هم تربية عيت ابن السنوسي ...الاجاويد..الذين أصلحوا وصالحوا بين الدين والدنيا وصنعوا وطنًا من كثبان الرمال ...... وليس الاحزاب والايديولوجيات...والشعارات الفاضية ..التي فرّقت بين أخوة الوطن .......
(الحدث رواية الأستاذ راف الله زمّوت موسى   )

(الصورة ...رمزية )

ذاكرة وطن ...




....ذاكرة وطن ...وذكرى وفاة رمز نبيل ...وهوية ليبية اصيلة ..لم يترك وطنه لا في الخير ولا في الشرّ ..
" أنا راحل للشمس اركض مركبي ....قلبي و ضوء النجم المتعالي
ماذا يضير الناس لو رحلوا معي ...مازال في قلبي مكان خالي
انا ما عشقت سوى عيون الناس ان..غضبت لأجل كرامة الأجيال
ولقد حلمت بأن جيلا آخرا......ينمو مع ليل العذاب العالي "
الراحل الشاعر محمد فرحات الشلطامي (1944-2010) رحمه الله ، أديب و شاعر ليبي ، توفي يوم الأربعاء الموافق 24 مارس من سنة 2010 في مدينة بنغازي.
"أُلـقيّ القـبـض علي فى يـوم 11 أبريـل سـنـة 1976.. جـاءني مـخـبر في عملي بدار الكـتـب .. وأخـذني الى مـعـسـكر الشرطـة العـســكـريـة بالـبــركـة .. هـنـاك سـلمـني .. وودعـني قائلا "ربـنـا يكـون في عـونـك ‘‘.وانـتـهـيت الى أحـد كبار ضــبـاط الجـيـش .. حسـن اشــكال.. الذى ما أن رآني حـتى أخـذ يـردد أهـزوجـة . ظـنـنــت أنـه يـمـزح. أخـذ حـقـيـــبـتي .. وكان بـها مـصـحـف، وســجـادة صــلاة وعـلب ســجـائر . كانت الصـلايّة حـمـراء. أخـذ يـعـرضـها على السـجـنـاء والحراس مرددا ‘‘ ألـم نـقــل لـكــم أنـه شــيوعى ! حتى الصـلايـة حـمـراء ..!! ."
’’ والتـفـت إليّ قـائـًلا: ‘‘ الثـورة كانت بيـضــاء .. وسـنـجـعـلـها حـمـراء بـدمــك ..’’. والتـقــط حـبــلا مـعـدنـيـا غـليـظــا .. (كافــو ســيارة) .. وأخـذ يـضـربـــني. أخـذت أتلــو الـقـــرآن ، وأخـذ صــوتــه يـخـفـت عـن ســمـعي. سـقـطـت على الأرض، ورأيـت مـواطئ حـذائــه .. قـفـز في الهـواء هابـطـا بـثـقـلـه على صـدري .. ثـم غـبـت عـن الوعى .. ولم أفـق إلا في الـلـيــل .. كـنـت مـبــللا وكانت أرض الزنـزانـة طـافـحـة بالمـاء .. عــاودوا الكـرّة في اليـوم الثــاني ..بـحـضــور الطلـبـة المـعـتـقـليـن .. وقـد أمـرهـم الضــابـط أن يـهـتـفـوا .. !مـســاكـين. ما مرّ به الآخـرون كان أسـوأ مـمـا حـدث لي ، شــارك فى تـعـذيــبى أيـضا (أحدهم ).. غـفـر الـلــه لـه .. كانت تربـطــني بـه مـعرفـة قـدريـة غـريـبـة .. كنـا مـعا طـلـبـة فى مـدرسـة ســيدي احـسـين .. كـان كل مـنـا فـقــيرا .. حـفــاة .. وغـير مـجـتـهـديـن ! كـنـا فى درج واحــد.. أثـنـاء التـحـقـيـقــات كان يـكـرر ذكــر تلك الـرّفـقـه .. وكان يـبـحـث عـن المـعـلــومـات بـقـدر ما كان يـنـتشي بصـراخ ضـحـاياه. وللأسـف أذكـر أنـه فى المـدرســة .. طـفــلا .. كان دائـمـا يتـطـوع لـلـتـبـلــيـغ عـن أى مـشــاغـبـيـن ‘‘. 
’’ بـعـد أيــام تـغـيـرت المـعـامـلـة .. كانت الإصـابات برأسي عـديــدة .. وبـدأوا عـلاجي. وكان يأتــيـني رئيس التحـقـيـق ويـردد ’’ أنا ما نـعـرفـك .. المـسـألـة مـوش شــخـصيـة .. أنا صـاحـب قـضـيـة "‘ .لم اعرف ماذا كانت تلك القضية حتى الان ’’ ! 
’’ بـعـد ســنـوات .. تـوفي الرجــلان .. كلاهـمـا قُـتـل. وهـكــذا الحـيــاة. كل من يـنـتـهي دوره يـغادر مسرح الحياة .. ‘‘.
(محمد فرحات الشلطامي ..ذاكرة وطن )