بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 نوفمبر 2024

صدى السنين الحاكي ...من تاريخ إستقلال ليبيا

 

مُعجزة الميلاد وسهولة التفريط ..عظمة الآباء وجحود الأبناء :
 بعد جهاد وتضحيات بشرية ودبلوماسية دامت سنين من قبل المُجاهدين و الآباء المؤسسين ..كانت ليبيا ...أول دولة في تاريخ هيئة الأمم المتحدة ..يصدر بها قرار من هذه الهيئة بمنحها ألاستقلال كدولة عضو ودولة مستقلة ذات سيادة ..صدر هذا القرار بتاريخ 21 نوفمبر 1949 يحمل الرقم 289 والذي على أثره تم إعلان إستقلال ليبيا في خطاب الملك إدريس السنوسي بقصر المنار ببنغازي في 24 ديسمبر 1951 والذي بدأه بتهنئة (الامة الليبية الكريمةِ ) بهذا الإنجاز التاريخي ..وميلاد وطن ...وهذا مقال يبين حالة ليبيا ابان الاستقلال ..مضطر لإعادة نشره لعودة الوعي المفقود خاصة لأجيال واكبت عقود من التجهيل والتزوير ..الممنهج:
ترجمة نص المقالة التي نشرت في صحيفة التايم (TIME) الأمريكية يوم الأثنين الموافق 31 ديسمبر 1951 ، (بعد سبعة ايام من الاستقلال( 24 ديسمبر 1951) بعنوان: LIBYA: Birth of a Nation
ليبيا : مولد أمــــة
______________
  في طرابلس وبنغازي حيث ساد نواب الحكام الفينيقيين والقياصرة والعثمانيين ، وحيث تناثرت اخر بقايا امبراطورية موسوليني هباء تحت شمس افريقيا لمعت راية جديدة تعلن ميلاد المملكة الليبية المتحدة ، اصبح قائد روحي مسلم مسن وحكيم ، أحدث ملك في العالم ، الملك ادريس الأول ملك ليبيا وبذلك توحدت اقاليم ثلاثة ” برقة وطرابلس وفزان " تفصل بينهما صحراء شاسعة ، تحت برلمان ذي طراز أوروبي ، ودستور مستمد من تشريعات اثني عشر بلدا اخر.
انه ميلاد فريد من نوعه لبلاد مكونة من مدن بائسة وواحات مبعثرة في براري رملية وقفار قاحلة مترامية الاطراف تبلغ مساحتها ثلاث مرات مساحة تكساس وهي اول دولة تولد بقرار من الأمم المتحدة في التاريخ .
  ولكن هذا المولود الذي ولد تحت براثن الفقر وسط العالم العربي السقيم موصوما بلعنة الجهل ، ليس أمامه أي فرصة ليبلغ سن الرشد ،وسكان ليبيا البالغ عددهم مليون وخمسين الف ، يعرفون كلمة “الأستقلال” ولا يملكون إلا إرث قليل لتفعيله.
ليس بهذا البلد كليات جامعية ، ولديهم فقط 16 فرد يحملون مؤهلا جامعيا ، وثلاثة محامين . ليس هناك طبيب ليبي واحد أو مهندس او مساح او صيدلي . فقط 250 الف مواطن قادر على كتابة اسمه ، اما الباقين فيستعملون البصمة للتوقيع. أمراض العيون خاصة التراكوما منتشرة جدا لدرجة أن 10% من السكان مصابون بالعمى .
  متوسط الدخل السنوي للفرد 35 دولار تقريبا , وهو اقل من أي قطر عربي آخر ربما باستثناء اليمن . ولم يبقى من آلاف المهاجرين الإيطاليين إلى ليبيا لخلق مستعمرة موسوليني النموذجية سوى 47000 إيطالي متقلدين لبعض الوظائف ويمتلكون المزارع ويديرون الأعمال التجارية كما ان ثمانية أعشار الليبيين هم اما مزارعون او رعاة ماشية وعلاوة على ذلك يذكر مسح غير مشجع للأمم المتحدة أن هذه البلاد “يصعب عليها توفير الطعام لسكانها”.
  باستيرادها لضعف ما تصدره فلا مناص لهذه الدولة من تسجيل عجز في ميزانيتها . ان النقل بالسكة الحديدية في المملكة عبارة عن قاطرة بخارية واحدة وقاطرتا ديزل وقليل من عربات النقل المهترئة تسير على 200 ميل فقط من السكك الحديدية بين طرابلس وفزان . ليس هناك خطوط هاتف او تلغراف او اتصالات راديو عدد السكان : طرابلس(800 الف نسمة) و برقة(300 الف نسمة) وفزان(40 الف نسمة) ولم يتوفر لهذه الولايات ادارة مشتركة باستثناء السنوات الأخيرة من الحكم الإيطالي (من عام 1935 وحتى الحرب العالمية الثانية)..
حتى الامم المتحدة ليست على يقين بأن مثل هذا الطفل المعلول سيظل على قيد الحياة . ولأن القوى العظمى لم تستطع الاتفاق فيما بينها بخصوص مستقبل ليبيا المستعمرة الإيطالية سابقا ، فان دول الامم المتحدة الصغيرة بقيادة الدول العربية العجولة ودول امريكا اللاتينية استطاعت أن تمرر قراراً يمنح ليبيا استقلالها في مدة اقصاها اول يناير 1952م...
  لقد ترك هولندي ممتليء قصير القامة يدعى ادريان بلت ، عمله كمساعد للأمين العام للأمم المتحدة وعُين كمبعوث للأمم المتحدة لدى ليبيا آخذ معه فريقا من الخبراء للعمل هناك ولقد قرر المجلس المؤقت والمكون من 60 عضو ليبي- 20 من كل ولاية والمُجتمِع تحت جناح الامم المتحدة ان يكون البلد ملكية فيدرالية ، وقام بكتابة مسودة الدستور والتخطيط للانتخابات وبدون اي جدال اجتمعت كلمة المجلس على تنصيب السيد محمد ادريس المهدي السنوسي ، أمير برقة ، ملكا على البلاد ويعتبر هذا الأمير زعيما روحيا وسياسيا للطريقة السنوسية ، كما يعتبر في ذاته اقوى شخصية في ليبيا.
لقد قاد الملك إدريس الأول رجال القبائل السنوسية في حربين ضد الإيطاليين ، وهو يقطن الآن ثكنات إيطالية قرب بنغازي حورت كقصر له ، إنه العربي المتناسق الاطراف البالغ من العمر 62 سنة والمتبحّر في العلوم الاسلامية ويرتدي ثياباً زرقاء كتلك التي يرتديها ملوك البدو ويتكلم بصوت رفيع ذي نبرة عالية . إنه يثق في الغرب ويصف في احاديثه الخاصة الجامعة العربية المتكونه من سبع دول بأنها “تحالف الضعفاء” ولكنه يعترف بالعلاقات الروحية التي تربط ليبيا مع بقية العالم الإسلامي وفي نفس الوقت يخطط للانضمام إلى الجامعة العربية . يقول خبير بريطاني في الشأن الليبي “اذا كان هناك شخص قادر على توحيد هذا البلد فهو الملك إدريس، ولأن هؤلاء الناس يؤمنون بالإسلام فإن الرابطة بينهم هي الإسلام . إن اول خطوة في هذا التوحيد هي صدور المرسوم الملكي الذي يقضي بانشاء عاصمتين الرئيسية في طرابلس والثانية في بنغازي .........
  بعد العمل لمدة سنة مع الملك ووزرائه المصابون بـ(داء التفاؤل)، اصبح حتى بعض الاجانب المشككين تحدوهم الآمال “ثمة فرصة لديمقراطية حقيقية هنا” يقول أدريان بيلت “أظن أن الليبيين يستطيعون ان يجربوا حظهم فهم مفعمون بالنشاط وعلى استعداد لخوض التجربة وفي مرحلة استقلالهم هم محتاجون للعون الخارجي اكثر مما احتاجوا إليه عندما كانت بلادهم مستعمرة . وبريطانيا التي تأمل أن تكون الأخ الكبير . وفرت عددا من الكوادر المدنية لتشغيل دولاب العمل الحكومي وخصصت 6 ملايين دولار لدفع الأمور إلى الأمام (مقابل مليون دولار من الولايات المتحدة الأمريكيه) مع استعداد بريطانيا لضمان تغطية العجز في الميزانية السنوية والفرنسيون أعاروا بعض الخبراء لولاية فزان وهم يوفرون لها نصف مليون دولار سنويا.
جاذبية ليبيا لأمريكا وبريطانيا وفرنسا سوف يسمح لهم بالاحتفاظ بالحاميات العسكرية في ليبيا وامريكا بقاعدة “ويلس” قرب طرابلس ولكن قادة ليبيا الجدد أظهروا أنهم لا يريدون ان يكونوا طالبي مساعدات دائما ، وقد علق احد الدبلوماسيين الغربيين بالقول:”حتى الان برهنوا على أنهم يحرزون تقدما مشجعا، لأنهم طلبوا النصيحة الفنية مع المساعدة الماليه”.
عندما اقترب يوم الاستقلال في الأسبوع الماضي نظرت الى الحكومة الليبيه باحترام يصل إلى حد القداسه . فقد كان الوزراء يوزعون أنفسهم بين العاصمتين في طائرة مستعارة من الأمم المتحدة بهدف تنظيم احتفالات ستدوم ثلاثة أيام وقام أحدهم باستدانة مدفع هاورتزر أمريكي لتحية هذه المناسبة باطلاق 101 طلقة وقد وجدوا عجوزا تركيا يعرف كيف يستخدمه . وقام فريق من الفنيين بالجيش الأمريكي بزيارة الملك المعتكف في مكتبه لغرض تسجيل خطابه الذي سيزف إعلان الإستقلال وقد أعاد الملك قراءته أربع مرات وبعد ان تم بث التسجيل اتسعت عيناه دهشة وقهقه ضاحكا.
ان المواطن العادي المتجول في اسواق طرابلس الشعبية أو الذي يعيش في وسط تلال الرمال في فزان لا يبدو واثقا من معرفة ماذا يحدث ولكنه كما يملك دائما كلمة تطالب بالاستقلال فإنه يملك كلمة يعبر بها عن الأشياء غير المفهومه وهي “إن شاء الله”..


الخميس، 14 نوفمبر 2024

تاريخ ومواقف وعبر.....

 حدّثهم يا سالم ...يوسف عبدالهادي

(كتب سالم الكبتي .. فكتبت أنا):
حدثهم يا سالم ..
  كتب الاستاذ الباحث والمؤرخ سالم الكبتي ما يلي:
(فى مثل هذه الايام ايضا منذ خمسين سنه فى مارس 1968 كانت الجامعه الليبية ادارة واساتذة وعاملين تستعد لحدث علمى كبير هو الاول من نوعه على المستوى الوطنى مؤتمر ليبيا عبر العصور تجسيدا لتاريخها وتحسيسا به لاجيالها وتكملة للنقص الملاحظ فى كيان شخصية الوطن والمواطن.
  انفاس تتلاحق وخطوات تتابع كان الاستاذ عبدالمولى دغمان رئيس الجامعه ومعه سكرتير المؤتمر د فوزى فهيم جادالله استاذ التاريخ القديم فى كلية الاداب دعوات لاشهر الاساتذة فى العالم الذين حلوا ببنغازى وشاركوا فى المؤتمر الكبير الذى بدا اعماله فى القاعه الرئيسية بمبنى الادارة العامه البرلمان سابقا اعتبارا من يوم السبت 16 مارس 1968 نقلت الاذاعه المؤتمر ونشرت صحيفة الحقيقة اهم بحوثه ثم اصدرتها الجامعه فى مجلد فخم عنوانه ليبيا فى التاريخ حبات العرق الساخنه تصنع المستحيل وتكتب التاريخ...
   من اين لليبيا الان بمؤتمر مثله يناقش ويدرس تاريخها الراهن..
نحن فى حاجة الى تاريخ ليبيا فى كل العصور). أهـ.
 وردًا على هذا المنشور كتبت أنا:
يا أستاذ سالم, لا تحدثهم عن هذا, فللأسف لم تكن النخبة الليبية آنذاك ترى في ما تُذكِّرنا به أنت الآن شيئًا ذا بال.
  نعم, أرى أن تحدثهم كيف لووا رؤوسهم وأشاحوا النظر عن هذا المؤتمر وعن كل إنجاز مفيد وعظيم قدمه لهم النظام الملكي الأبوي الوديع.
حدثهم كيف ثنوا عِطفهم نحو ناصر والمغربي وجورج حبش وسعدون حمّادي, وكيف لم يعودوا يحترمون سوى أوامر سامي شرف وتوجيهات فتحي الديب، ولا يطربون إلا لسماع هراء هيكل وآكاذيب أحمد سعيد.
   حدثهم كيف صار مؤسس الوطن ورمزه عندهم عميلًا للاستعمار, وكيف أضحى المُزور الهارب الذي أفشى أسرار بلاده للأفاق سامي حكيم, ومن فجر أنابيب البترول لحساب دولة اجنبية أبطالًا قوميين..
  حدث جيل الآن يا سالم الكبتي عن التنظيم السرّي القومي الطليعي ومن أعضاؤه وأين كان رئيسه ليلة انقلاب سبتمبر ؟.
  حدثهم عن ضابط شرطة الجوازات الذي كتب وطبع منشور ابليس ولا إدريس.
حدثهم عن الرائد نائب رئيس الاستخبارات العسكرية الذي حمل المنشور بنفسه وفي سيارته من بنغازي ليُوزع في مدينة البيضاء قبل شهرين من الانقلاب.
   حدثهم كيف كانت تخلو الشوارع من المارة يوم يكون هناك خطاب لعبد الناصر, ثم كيف يصبحون يبصقون على رموز بلادهم بعد كل خطاب من تلك الخطابات, وحدثهم أيضًا كيف تشربوا بكل سعادة لغة الشتم واللعن من تلك الخُطب الجوفاء.
حدثهم كيف أصبح الليبيون يوم انقلاب "السلّال" يتندرون على فشل جيشهم في تحقيق انقلاب على غراره.
   حدثهم كيف لم يعد يهمهم أن يعيشوا حياة دستورية آمنة افتقدتها كل الدول المحيطة بهم, بقدر ما صاروا يشتهون انقلابًا عسكريا على غرار مصر والعراق وسوريا واليمن.
حدثهم كيف منحهم الملك العطوف بيته في بوعطني ببنغازي وأسس لهم فيه الكلية الملكية العسكرية ليلتحقوا بها أفواجا من كل أنحاء الوطن، ومن كل الطبقات، وبلا أية محاباة؛ ثم كيف لم يكن همهم بعد آداء قسم التخرج إلا التدبير للانقلاب عليه.
   حدثهم عن بغضهم للملك العطوف ولنظام حكمه رغم أنهم لم يعرفوا في أيامه مصطلح (زوّار الفجر) ولا المحاكم الاستثنائية ولا المعتقلات السياسية خارج القانون.
حدثهم كيف لم يعد يهمهم التأنق ولبس البدل وربطات العنق والانخراط في عملية بناء الوطن واستمرار التمتع بحياة مضطردة سعيدة آنذاك بقدر ما كان يهمهم احداث أكبر قدر من الصخب والتشدق بلغة وشعارات رنانة جوفاء, وترسيخ الانطباعات المغلوطة والإشاعات التي كشفت عن زيفها محكمة بشير هوّادي.
   حدثهم كيف خرجوا في يناير 1964 وكيف أقاموا الدنيا ولم يقعدوها, ليس من أجل حق من حقوقهم اغتُصب, بل لمجرد الغضب من عاهل البلاد لأنه لم يلبي دعوة عبد الناصر بالحضور شخصيًا لقمة من قمم الجامعة الفاشلة.
  حدثهم كيف خرجوا عشية هزيمة 5 يونيو 1967 يحطمون ويحرقون كل شيء وجدوه في طريقهم من منجزات بلادهم ومن أرزاق الميسورين !! وكيف قتلوا عائلة مواطنة بريئة على مذبح معبودهم بطل القوميّة, رغم أن تلك الهزيمة جرت على ضفاف قناة السويس وليس في بنغازي وطرابلس والزاوية.
  وحدثهم أيضًا يا سالم كيف خرجوا صبيحة يوم فاتح أيلول الأسود يخطون على الحوائط عبارات التأييد للانقلاب ويرسمون لوحات النيل من الملك وعهده حتى قبل أن يعرفوا من الذي قام بهذا الانقلاب.
  حدثهم كيف فرحوا بهستيرية يوم 16 سبتمبر أمام ضريح شيخ الشهداء بالزعيم الغِر وهم لا يدرون أنه كان يرتدي بزة عسكرية مسروقة !!.
نعم, بزة مسروقة..
 أتمنى أن يحدثكم ويحدثكم ويحدثكم الاستاذ (سالم الكبتي ) ( Salem Alkubti.)
الصورة المرفقة:
  يوم 1 سبتمبر 1969 الطلبة الليبيون المبتعثون على حساب دولة المملكة الليبية في إيطاليا يقتحمون السفارة الليبية بروما ويمزقون صور الملك وولي عهدة ويحاولون إجبار السفير "عبدالله سكتة" على إعلان الإعتراف بالإنقلاب الحاصل في بلادهم.