بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 نوفمبر 2024

صدى السنين الحاكي ...من تاريخ إستقلال ليبيا

 

مُعجزة الميلاد وسهولة التفريط ..عظمة الآباء وجحود الأبناء :
 بعد جهاد وتضحيات بشرية ودبلوماسية دامت سنين من قبل المُجاهدين و الآباء المؤسسين ..كانت ليبيا ...أول دولة في تاريخ هيئة الأمم المتحدة ..يصدر بها قرار من هذه الهيئة بمنحها ألاستقلال كدولة عضو ودولة مستقلة ذات سيادة ..صدر هذا القرار بتاريخ 21 نوفمبر 1949 يحمل الرقم 289 والذي على أثره تم إعلان إستقلال ليبيا في خطاب الملك إدريس السنوسي بقصر المنار ببنغازي في 24 ديسمبر 1951 والذي بدأه بتهنئة (الامة الليبية الكريمةِ ) بهذا الإنجاز التاريخي ..وميلاد وطن ...وهذا مقال يبين حالة ليبيا ابان الاستقلال ..مضطر لإعادة نشره لعودة الوعي المفقود خاصة لأجيال واكبت عقود من التجهيل والتزوير ..الممنهج:
ترجمة نص المقالة التي نشرت في صحيفة التايم (TIME) الأمريكية يوم الأثنين الموافق 31 ديسمبر 1951 ، (بعد سبعة ايام من الاستقلال( 24 ديسمبر 1951) بعنوان: LIBYA: Birth of a Nation
ليبيا : مولد أمــــة
______________
  في طرابلس وبنغازي حيث ساد نواب الحكام الفينيقيين والقياصرة والعثمانيين ، وحيث تناثرت اخر بقايا امبراطورية موسوليني هباء تحت شمس افريقيا لمعت راية جديدة تعلن ميلاد المملكة الليبية المتحدة ، اصبح قائد روحي مسلم مسن وحكيم ، أحدث ملك في العالم ، الملك ادريس الأول ملك ليبيا وبذلك توحدت اقاليم ثلاثة ” برقة وطرابلس وفزان " تفصل بينهما صحراء شاسعة ، تحت برلمان ذي طراز أوروبي ، ودستور مستمد من تشريعات اثني عشر بلدا اخر.
انه ميلاد فريد من نوعه لبلاد مكونة من مدن بائسة وواحات مبعثرة في براري رملية وقفار قاحلة مترامية الاطراف تبلغ مساحتها ثلاث مرات مساحة تكساس وهي اول دولة تولد بقرار من الأمم المتحدة في التاريخ .
  ولكن هذا المولود الذي ولد تحت براثن الفقر وسط العالم العربي السقيم موصوما بلعنة الجهل ، ليس أمامه أي فرصة ليبلغ سن الرشد ،وسكان ليبيا البالغ عددهم مليون وخمسين الف ، يعرفون كلمة “الأستقلال” ولا يملكون إلا إرث قليل لتفعيله.
ليس بهذا البلد كليات جامعية ، ولديهم فقط 16 فرد يحملون مؤهلا جامعيا ، وثلاثة محامين . ليس هناك طبيب ليبي واحد أو مهندس او مساح او صيدلي . فقط 250 الف مواطن قادر على كتابة اسمه ، اما الباقين فيستعملون البصمة للتوقيع. أمراض العيون خاصة التراكوما منتشرة جدا لدرجة أن 10% من السكان مصابون بالعمى .
  متوسط الدخل السنوي للفرد 35 دولار تقريبا , وهو اقل من أي قطر عربي آخر ربما باستثناء اليمن . ولم يبقى من آلاف المهاجرين الإيطاليين إلى ليبيا لخلق مستعمرة موسوليني النموذجية سوى 47000 إيطالي متقلدين لبعض الوظائف ويمتلكون المزارع ويديرون الأعمال التجارية كما ان ثمانية أعشار الليبيين هم اما مزارعون او رعاة ماشية وعلاوة على ذلك يذكر مسح غير مشجع للأمم المتحدة أن هذه البلاد “يصعب عليها توفير الطعام لسكانها”.
  باستيرادها لضعف ما تصدره فلا مناص لهذه الدولة من تسجيل عجز في ميزانيتها . ان النقل بالسكة الحديدية في المملكة عبارة عن قاطرة بخارية واحدة وقاطرتا ديزل وقليل من عربات النقل المهترئة تسير على 200 ميل فقط من السكك الحديدية بين طرابلس وفزان . ليس هناك خطوط هاتف او تلغراف او اتصالات راديو عدد السكان : طرابلس(800 الف نسمة) و برقة(300 الف نسمة) وفزان(40 الف نسمة) ولم يتوفر لهذه الولايات ادارة مشتركة باستثناء السنوات الأخيرة من الحكم الإيطالي (من عام 1935 وحتى الحرب العالمية الثانية)..
حتى الامم المتحدة ليست على يقين بأن مثل هذا الطفل المعلول سيظل على قيد الحياة . ولأن القوى العظمى لم تستطع الاتفاق فيما بينها بخصوص مستقبل ليبيا المستعمرة الإيطالية سابقا ، فان دول الامم المتحدة الصغيرة بقيادة الدول العربية العجولة ودول امريكا اللاتينية استطاعت أن تمرر قراراً يمنح ليبيا استقلالها في مدة اقصاها اول يناير 1952م...
  لقد ترك هولندي ممتليء قصير القامة يدعى ادريان بلت ، عمله كمساعد للأمين العام للأمم المتحدة وعُين كمبعوث للأمم المتحدة لدى ليبيا آخذ معه فريقا من الخبراء للعمل هناك ولقد قرر المجلس المؤقت والمكون من 60 عضو ليبي- 20 من كل ولاية والمُجتمِع تحت جناح الامم المتحدة ان يكون البلد ملكية فيدرالية ، وقام بكتابة مسودة الدستور والتخطيط للانتخابات وبدون اي جدال اجتمعت كلمة المجلس على تنصيب السيد محمد ادريس المهدي السنوسي ، أمير برقة ، ملكا على البلاد ويعتبر هذا الأمير زعيما روحيا وسياسيا للطريقة السنوسية ، كما يعتبر في ذاته اقوى شخصية في ليبيا.
لقد قاد الملك إدريس الأول رجال القبائل السنوسية في حربين ضد الإيطاليين ، وهو يقطن الآن ثكنات إيطالية قرب بنغازي حورت كقصر له ، إنه العربي المتناسق الاطراف البالغ من العمر 62 سنة والمتبحّر في العلوم الاسلامية ويرتدي ثياباً زرقاء كتلك التي يرتديها ملوك البدو ويتكلم بصوت رفيع ذي نبرة عالية . إنه يثق في الغرب ويصف في احاديثه الخاصة الجامعة العربية المتكونه من سبع دول بأنها “تحالف الضعفاء” ولكنه يعترف بالعلاقات الروحية التي تربط ليبيا مع بقية العالم الإسلامي وفي نفس الوقت يخطط للانضمام إلى الجامعة العربية . يقول خبير بريطاني في الشأن الليبي “اذا كان هناك شخص قادر على توحيد هذا البلد فهو الملك إدريس، ولأن هؤلاء الناس يؤمنون بالإسلام فإن الرابطة بينهم هي الإسلام . إن اول خطوة في هذا التوحيد هي صدور المرسوم الملكي الذي يقضي بانشاء عاصمتين الرئيسية في طرابلس والثانية في بنغازي .........
  بعد العمل لمدة سنة مع الملك ووزرائه المصابون بـ(داء التفاؤل)، اصبح حتى بعض الاجانب المشككين تحدوهم الآمال “ثمة فرصة لديمقراطية حقيقية هنا” يقول أدريان بيلت “أظن أن الليبيين يستطيعون ان يجربوا حظهم فهم مفعمون بالنشاط وعلى استعداد لخوض التجربة وفي مرحلة استقلالهم هم محتاجون للعون الخارجي اكثر مما احتاجوا إليه عندما كانت بلادهم مستعمرة . وبريطانيا التي تأمل أن تكون الأخ الكبير . وفرت عددا من الكوادر المدنية لتشغيل دولاب العمل الحكومي وخصصت 6 ملايين دولار لدفع الأمور إلى الأمام (مقابل مليون دولار من الولايات المتحدة الأمريكيه) مع استعداد بريطانيا لضمان تغطية العجز في الميزانية السنوية والفرنسيون أعاروا بعض الخبراء لولاية فزان وهم يوفرون لها نصف مليون دولار سنويا.
جاذبية ليبيا لأمريكا وبريطانيا وفرنسا سوف يسمح لهم بالاحتفاظ بالحاميات العسكرية في ليبيا وامريكا بقاعدة “ويلس” قرب طرابلس ولكن قادة ليبيا الجدد أظهروا أنهم لا يريدون ان يكونوا طالبي مساعدات دائما ، وقد علق احد الدبلوماسيين الغربيين بالقول:”حتى الان برهنوا على أنهم يحرزون تقدما مشجعا، لأنهم طلبوا النصيحة الفنية مع المساعدة الماليه”.
عندما اقترب يوم الاستقلال في الأسبوع الماضي نظرت الى الحكومة الليبيه باحترام يصل إلى حد القداسه . فقد كان الوزراء يوزعون أنفسهم بين العاصمتين في طائرة مستعارة من الأمم المتحدة بهدف تنظيم احتفالات ستدوم ثلاثة أيام وقام أحدهم باستدانة مدفع هاورتزر أمريكي لتحية هذه المناسبة باطلاق 101 طلقة وقد وجدوا عجوزا تركيا يعرف كيف يستخدمه . وقام فريق من الفنيين بالجيش الأمريكي بزيارة الملك المعتكف في مكتبه لغرض تسجيل خطابه الذي سيزف إعلان الإستقلال وقد أعاد الملك قراءته أربع مرات وبعد ان تم بث التسجيل اتسعت عيناه دهشة وقهقه ضاحكا.
ان المواطن العادي المتجول في اسواق طرابلس الشعبية أو الذي يعيش في وسط تلال الرمال في فزان لا يبدو واثقا من معرفة ماذا يحدث ولكنه كما يملك دائما كلمة تطالب بالاستقلال فإنه يملك كلمة يعبر بها عن الأشياء غير المفهومه وهي “إن شاء الله”..


الخميس، 14 نوفمبر 2024

تاريخ ومواقف وعبر.....

 حدّثهم يا سالم ...يوسف عبدالهادي

(كتب سالم الكبتي .. فكتبت أنا):
حدثهم يا سالم ..
  كتب الاستاذ الباحث والمؤرخ سالم الكبتي ما يلي:
(فى مثل هذه الايام ايضا منذ خمسين سنه فى مارس 1968 كانت الجامعه الليبية ادارة واساتذة وعاملين تستعد لحدث علمى كبير هو الاول من نوعه على المستوى الوطنى مؤتمر ليبيا عبر العصور تجسيدا لتاريخها وتحسيسا به لاجيالها وتكملة للنقص الملاحظ فى كيان شخصية الوطن والمواطن.
  انفاس تتلاحق وخطوات تتابع كان الاستاذ عبدالمولى دغمان رئيس الجامعه ومعه سكرتير المؤتمر د فوزى فهيم جادالله استاذ التاريخ القديم فى كلية الاداب دعوات لاشهر الاساتذة فى العالم الذين حلوا ببنغازى وشاركوا فى المؤتمر الكبير الذى بدا اعماله فى القاعه الرئيسية بمبنى الادارة العامه البرلمان سابقا اعتبارا من يوم السبت 16 مارس 1968 نقلت الاذاعه المؤتمر ونشرت صحيفة الحقيقة اهم بحوثه ثم اصدرتها الجامعه فى مجلد فخم عنوانه ليبيا فى التاريخ حبات العرق الساخنه تصنع المستحيل وتكتب التاريخ...
   من اين لليبيا الان بمؤتمر مثله يناقش ويدرس تاريخها الراهن..
نحن فى حاجة الى تاريخ ليبيا فى كل العصور). أهـ.
 وردًا على هذا المنشور كتبت أنا:
يا أستاذ سالم, لا تحدثهم عن هذا, فللأسف لم تكن النخبة الليبية آنذاك ترى في ما تُذكِّرنا به أنت الآن شيئًا ذا بال.
  نعم, أرى أن تحدثهم كيف لووا رؤوسهم وأشاحوا النظر عن هذا المؤتمر وعن كل إنجاز مفيد وعظيم قدمه لهم النظام الملكي الأبوي الوديع.
حدثهم كيف ثنوا عِطفهم نحو ناصر والمغربي وجورج حبش وسعدون حمّادي, وكيف لم يعودوا يحترمون سوى أوامر سامي شرف وتوجيهات فتحي الديب، ولا يطربون إلا لسماع هراء هيكل وآكاذيب أحمد سعيد.
   حدثهم كيف صار مؤسس الوطن ورمزه عندهم عميلًا للاستعمار, وكيف أضحى المُزور الهارب الذي أفشى أسرار بلاده للأفاق سامي حكيم, ومن فجر أنابيب البترول لحساب دولة اجنبية أبطالًا قوميين..
  حدث جيل الآن يا سالم الكبتي عن التنظيم السرّي القومي الطليعي ومن أعضاؤه وأين كان رئيسه ليلة انقلاب سبتمبر ؟.
  حدثهم عن ضابط شرطة الجوازات الذي كتب وطبع منشور ابليس ولا إدريس.
حدثهم عن الرائد نائب رئيس الاستخبارات العسكرية الذي حمل المنشور بنفسه وفي سيارته من بنغازي ليُوزع في مدينة البيضاء قبل شهرين من الانقلاب.
   حدثهم كيف كانت تخلو الشوارع من المارة يوم يكون هناك خطاب لعبد الناصر, ثم كيف يصبحون يبصقون على رموز بلادهم بعد كل خطاب من تلك الخطابات, وحدثهم أيضًا كيف تشربوا بكل سعادة لغة الشتم واللعن من تلك الخُطب الجوفاء.
حدثهم كيف أصبح الليبيون يوم انقلاب "السلّال" يتندرون على فشل جيشهم في تحقيق انقلاب على غراره.
   حدثهم كيف لم يعد يهمهم أن يعيشوا حياة دستورية آمنة افتقدتها كل الدول المحيطة بهم, بقدر ما صاروا يشتهون انقلابًا عسكريا على غرار مصر والعراق وسوريا واليمن.
حدثهم كيف منحهم الملك العطوف بيته في بوعطني ببنغازي وأسس لهم فيه الكلية الملكية العسكرية ليلتحقوا بها أفواجا من كل أنحاء الوطن، ومن كل الطبقات، وبلا أية محاباة؛ ثم كيف لم يكن همهم بعد آداء قسم التخرج إلا التدبير للانقلاب عليه.
   حدثهم عن بغضهم للملك العطوف ولنظام حكمه رغم أنهم لم يعرفوا في أيامه مصطلح (زوّار الفجر) ولا المحاكم الاستثنائية ولا المعتقلات السياسية خارج القانون.
حدثهم كيف لم يعد يهمهم التأنق ولبس البدل وربطات العنق والانخراط في عملية بناء الوطن واستمرار التمتع بحياة مضطردة سعيدة آنذاك بقدر ما كان يهمهم احداث أكبر قدر من الصخب والتشدق بلغة وشعارات رنانة جوفاء, وترسيخ الانطباعات المغلوطة والإشاعات التي كشفت عن زيفها محكمة بشير هوّادي.
   حدثهم كيف خرجوا في يناير 1964 وكيف أقاموا الدنيا ولم يقعدوها, ليس من أجل حق من حقوقهم اغتُصب, بل لمجرد الغضب من عاهل البلاد لأنه لم يلبي دعوة عبد الناصر بالحضور شخصيًا لقمة من قمم الجامعة الفاشلة.
  حدثهم كيف خرجوا عشية هزيمة 5 يونيو 1967 يحطمون ويحرقون كل شيء وجدوه في طريقهم من منجزات بلادهم ومن أرزاق الميسورين !! وكيف قتلوا عائلة مواطنة بريئة على مذبح معبودهم بطل القوميّة, رغم أن تلك الهزيمة جرت على ضفاف قناة السويس وليس في بنغازي وطرابلس والزاوية.
  وحدثهم أيضًا يا سالم كيف خرجوا صبيحة يوم فاتح أيلول الأسود يخطون على الحوائط عبارات التأييد للانقلاب ويرسمون لوحات النيل من الملك وعهده حتى قبل أن يعرفوا من الذي قام بهذا الانقلاب.
  حدثهم كيف فرحوا بهستيرية يوم 16 سبتمبر أمام ضريح شيخ الشهداء بالزعيم الغِر وهم لا يدرون أنه كان يرتدي بزة عسكرية مسروقة !!.
نعم, بزة مسروقة..
 أتمنى أن يحدثكم ويحدثكم ويحدثكم الاستاذ (سالم الكبتي ) ( Salem Alkubti.)
الصورة المرفقة:
  يوم 1 سبتمبر 1969 الطلبة الليبيون المبتعثون على حساب دولة المملكة الليبية في إيطاليا يقتحمون السفارة الليبية بروما ويمزقون صور الملك وولي عهدة ويحاولون إجبار السفير "عبدالله سكتة" على إعلان الإعتراف بالإنقلاب الحاصل في بلادهم.

الاثنين، 3 يونيو 2024

تاريخ ودروس ......

دولة المملكة الليبيّة القربان الذي قُدِّم على مذبح إله القومية..
عن هذا الامر كتب الاستاذ يوسف عبد الهادي على صفحته الشخصية FB بتاريخ 3/6/2024:
   في شهر مايو من صيف 1967 أمر الرئيس جمال عبد الناصر بإغلاق مضائق تيران أمام البواخر الإسرائيلية، وفي نفس الوقت وفي خطاب رسمي طلب سحب قوات الأمم المتحدة المرابطة في سيناء؛ مع أمر علني بنقل حشود الجيش المصري بأعداد كبيرة لتحل محلها!, لقد عززت هذه الأيام بالذات النظرية القائلة بأن ناصر كان زعيمًا ديماغوجيًا منفصلًا عن واقعه لا يدري بما كان عليه تكتيكه من خلل وضعف؛ وقد بلغ به الوهم أن صدّق هو نفسه التعهدات التي كان يقطعها في خطاباته النارية بان زوال إسرائيل صار أمرًا محتوما بفعل صاروخيّ القاهر والظافر!.
   كانت هذه هي الفرصة السانحة التي انتظرها الكيان الصهيوني طويلا وخطط لها جيدا؛ فهجم بسلاحه الجوي عند الساعة 8:45 من صباح الاثنين الخامس من يونيو على جميع المطارات المصرية، وأيضًا على أي شيء شوهِد يتحرك في مطارات الأردن وسوريا، وخلال 6 ساعات فقط من بدء الهجوم دمر الإسرائيليون جميع طائرات سلاح الجو المصري وهي رابضة في مدارجها، ولم يحل مساء اليوم السادس حتى سقطت سيناء وغزة والقدس والضفة الغربية في يد الصهاينة الذين قاموا على الفور بتهجير مئات الألوف من الفلسطينيين من قراهم ومساكنهم.
وفي مساء التاسع من الشهر نفسه أعلن الرئيس عبد الناصر عن تنحيه المزعوم؛ لتعم المظاهرات شوارع مصر وعدة مدن عربية أخرى رافضة هذه الاستقالة ومطالبة بعودته! بدل المطالبة بمحاكمته، وبالطبع نزل عبد الناصر في اليوم التالي عند رغبة الجماهير! وأعلن عودته إلى الحكم، وصرّح مبررًا هذه الهزيمة النكراء بقوله:
"انتظرناهم من الشرق فجاؤونا من الغرب" .
   لم يوضح ناصر في تصريحه المبهم أن الأمر كان في حقيقته التفاف دائري بعيد المدى قامت به الطائرات الاسرائيلية لقصف مناطق غرب القناة!؛ فَاستُقبِل هذا التصريح باعتبار أن هذه الطائرات أغارت على مصر من القواعد الغربية المتمركزة في ليبيا!.
ولم يُبالي عبد الناصر ساعتها بأنه أدخل حكومة جارته المسالمة في أشد أيامها خطرًا، وهو أمر ليس بجديد؛ فقد أقدم عليها من قبل عندما ألقى خطابًا ناريًا في 22 فبراير 1964 بمناسبة ذكرى الوحدة المصرية السورية "المنهارة" وتدَخّل في خطابه بكل جرأة في شؤون ليبيا الداخلية داعيًا الى تصفية القواعد العسكرية الغربيّة!, كانت بلادنا وقتها مازالت تلعق جراحها من حوادث 13 و 14 يناير الأليمة؛ فتسببت تصريحاته في وضع حكومة محمود المنتصر الثانية بين مطرقة الشعب الغاضب وسندان المَلِك المتروي مما أودى بها مبكرًا. إذًا وعلى المستوى الخارجي يمكن القول بدون مواربة أن جمال عبدالناصر كان سببًا رئيسًا في إرباك العهد الملكي الليبي.
وبالفعل ما أن استفاقت الجماهير الليبيّة من أكاذيب أحمد سعيد عن النصر المزعوم وعن الطائرات المصرية التي دكّت تل ابيب! وبانت لها هذه الهزيمة المُنكرة حتى انطلقت في مظاهرات غاضبة محطمةً كل شيء في طريقها؛ وعلى مدى لم يسبق له مثيل، فأشعل المتظاهرون الشوارع واعتدوا على أرزاق الناس من اليهود الليبيين ومن ميسوري الحال، واتخذت تلك التعديات شكلا مروعا حين تم تصفية عائلة يهودية ليبية كاملة بدم بارد على يد ضابط الشرطة الذي التجأت اليه, صاحَبَ ذلك حركات عصيان مؤسفة شهدها الجيش, فقد تمرّد ثلاثة من النقباء وعبَروا بمدرعاتهم الحدود إلى مصر رغمًا عن قياتهم, ورفضت مجموعة أخرى تنفيذ الأوامر بإيقاف المظاهرة الصاخبة المنطلقة من مدينة الزاوية إلى قاعدة الملاحة, وغادر ضابط طيّار بطائرته فجأة من جناح السلاح الجوي الليبي بقاعدة الملاحة إلى مطار طرابلس بدون مبرر أو إذن أو تنسيق مع رئيس الأركان, وفر طياران بطائرتهما الـ(130 C) إلى الجزائر, وتوجه ضابط آخر برتبة رائد في الاستخبارات العسكرية الليبية إلى مصر متطوعًا ليقدم إلى المخابرات المصريّة معلومات عن بلاده وبالمجان, هذا ناهيك عن تأجج الشارع بإشاعات تداولتها الالسن من مقهى الى مقهى ولم تعد تُجدي معها نفعًا تطمينات الحكومة الليبيّة وتأكيداتها عبر الوسائل المتاحة في الراديو المسموع والصحف الرسمية والمنشورات بأن ليبيا قد وقفت الموقف المشرّف الذي يليق بها وبحجم الحدث!.
لقد بدا الأمر وكأن رئيس الحكومة القدير حسين مازق قد تهاون في السيطرة على الموقف، وهذا بلا شك فيه إجحاف شديد للرجل الذي كان يخشى تكرار احداث يناير 64 في حال اتخاذه أي إجراءات صارمة لإيقاف هذا التخريب وردع العصيان، فالشعب المفتون بأوهام ناصر لا زال هو نفسه الذي كان منذ ثلاث سنوات, وبالطبع وفي دولة لم تتخذ العُنف منهجا؛ لن يُغفر لمازق إن حاول أن يرغم هذا الشعب على أن يثوب إلى رشده.
   لقد خيّمت أجواء هذه الهزيمة على بلادنا طيلة السنتين التاليتين, وهيمنت على نفسية كل المتآمرين من عسكريين أو مدنيين وجدوا فيها ذريعة للتسابق على الخيانة؛ متذرعين بمزايدات رخيصة وشعارات خالية من أي مضمون, فاختُزِلت كل أماني الأمة الليبية في اسقاط النظام الملكي الرجعي العميل وبعدها يكون لكل حادث حديث.
إذًا لم يعد أمام مازق إلا الاستقالة، وعلى الملك الذي ارهقه الخذلان أن يجد شخصًا صارمًا ومخلصًا يعيد الأمور إلى نصابها, فوقع اختياره على النائب الوطني المتشدد والوزير المحنك عبدالقادر البدري ليجتاز بالبلاد هذه الأزمة المحزنة.
ويبقى السؤال: ترى لو كان الليبيون أكثر تعقلًا ووعيًا؛ وأنهم عِوضًا عن ذلك حاربوا من أجل أن تبقى شعلة التعليم ومسيرة البناء في بلادهم متأججة وفي جو من الهدوء والصفاء بما يشد من عزم عاهلهم المسن؛ بدلًا من التسابق في كل مَرّة إلى تقديم وطنهم قرباناً على مذبح "بطل القومية"؛ فهل كانوا سيجلبون كل هذا الشقاء لأنفسهم وهم لا يشعرون؟.
واسليمتكم ..

الجمعة، 26 أبريل 2024

يوسف بورحيل المسماري (1866 - 19 ديسمبر 1931)

 عن المُجاهد البطل يوسف بورحيل المسماري كتب الكاتب منصور بوشناف :

  شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدايات انهيار امبراطورية الخلافة العثمانية وتوسع امم اوروبا على حسابها بقضم تلك الامبراطورية ولاية اثر ولاية واقليما اثر اقليم, في تلك الاثناء وفي برقة بليبيا و" بمدور الزيتون " جنوب مدينة المرج وبالتحديد عام 1866م ولد يوسف بورحيل المسماري ليلقبه بعد اربعين عاما من ولادته الشيخ عبدالسلام الكزه بــ(عقل الجهاد) .

    عند ميلاد يوسف بورحيل المسماري عام1866,كانت الحركة السنوسية قد ترسخت في ليبيا وافريقيا كحركة احياء اسلامي سعت لتجديد الفكر الاسلامي من اجل النهضة ونشر الاسلام ومقاومة التنصير والمد الاستعماري في البلدان الاسلامية والعربيةولد يوسف بورحيل المسماري وسط بيئة فقيرة ورغم الفقر والتخلف كانت الحركة السنوسية قد منحتها حلما بالنهوض بعد الانهيار و التجديد بعد التحجر وبدأت فعلا في تحقيق ذلك الحلم بالتعليم . الطفل يوسف بورحيل نشأ وسط احد نجوع بادية برقة كغيره من ابناء تلك الحقبة القاسية, كانت حياة الكفاف الملمح الاساسي لتلك الحياة , فكانت الزراعة الموسمية والرعي ركني الاقتصاد الاساسين .التعليم كان شبه معدوم وسط تلك الظروف الصعبة التي لاتتوفرفيها شروط الاستقرار, ولكن يوسف بورحيل حظي ببعض التعليم على ايد فقهاء النجع, فحفظ اجزاء من القرأن الكريم وتلقى بعض المعارف الدينية على ايدي اولئك الفقهاء . اثناء طفولته تلك, تعرض يوسف بورحيل لحادثة تركت علامة على وجهه, فقد سقط في تنور نار ليعاني الآم الحروق ويتعلم مبكرا ان الحياة قد لاتكون الا مواجهة للنيران وصبرا على الآمها والاهم الانتصار للحياة على تنورها المتقد .

   كبُر حاملا لذلك الوسم على خده الايمن ولقبوه " بوخديده" , كان نحيلا ابيض البشرة., متأنقا في ملبسه ورصينا شديد التعقل منذ سنه الباكرة .انتقل يوسف بورحيل الى زاوية الجغبوب ليلتقي هناك بمن سيكون رفيقه وقائده حتى استشهادهما, التقى بعمر المختار .كانت زاوية الجغبوب السنوسية مدرسة لتربية وتكوين قادة المستقبل في تلك الفترة, تعد طلابها لقيادة مجتمعهم نحو مستقبل افضل, فتربي عقولهم وابدانهم لتحمل مسؤوليات بناء مستقبل افضل, كانت تربيهم عقولا عامرة بالمعرفة وايد عاملة بالزراعة والتجارة و ورجال ادارة ومقاتلين من اجل حماية الدين والارض من غزاة قادمين لامحالة .

  نضج الفتى يوسف وصار رجلا متميزا ليعود من الجغبوب الى الجبل الاخضر ويعمل بزاوية القصورمعلما وكل ذلك كان برفقة عمر المختار الذي كان يتولى ادارة تلك الزاوية ..كان عمر المختار كثير السفر والتنقل مما جعله يوكل مهمة ادارة الزاوية والاشراف على تعليم وتربية طلابها ليوسف بورحيل رفيقه الاقرب والاكثر معرفة ورجاحة عقل  . عام 1923م تشكلت ادوار المقاومة للمرة الثانية وكانت قيادتها قد اوكلت لعمر المختار واظهر يوسف بورحيل قدرة فائقة على التخطيط للمعارك والقدرة على ايقاع الخسائر الكبيرة بالعدو وباقل الامكانيات, مما جعله من اهم قادة ومخططي الجهاد ضد الطليان تحت قيادة عمر المختار .

  اظهرت المعارك تفوقه وقدراته الفائقة على ادارتها والتخطيط لها والخروج منها باقل الخسائر, كان عبقرية عسكرية وعقلا للجهاد كما اسماه الشيخ "عبدالسلام الكزة " .

  كان عمر المختار قد عينه نائبا له في قيادة المجاهدين وقائما على دور " البراغيت" فقد كان عمر المختار قد اصدر قرارا بتعيين قادة لادوار المجاهدين بالجبل الاخضر من الشيوخ الذين رفضوا الاستسلام واصروا على مواصلة المقاومة وشملت تلك التعينات مناصب اخرى مالية وادارية وفقهية دينية وقضائية وكل ذلك لاعادة تنظيم حركة الجهاد ضد المحتلين الطليان ، شارك يوسف بورحيل في غالبية المعارك التي خاضها المجاهدون بقيادة عمر المختار, فقد كان الذراع الايمن لعمر المختار في المعارك وكان ممثله في المفاوضات وحل النزاعات القبلية, كان العقل الراجح وكان كما قال عنه عمر المختار "مافيش عمر المختار بلا يوسف بورحيل" وتولى بعد استشهاد الفضيل بوعمر كتابة وتحرير رسائل عمر المختار واطلق عليه "الجنرال الفاشي جرسياني" القائم باعمال القيادة .

   قاد يوسف بورحيل معركة " جردس العبيد " وكبد فيها الايطاليين خسائر فادحة وغنم فيها المجاهدون غنائم هامة من اسلحة وذخائر ومؤن .

    عام 1931  تلقت المقاومة الليبية ضربة موجعة وقاصمة باستشهاد عمر المختار بعد اسره وشنقه في سلوق, ولكن و رغم تلك الضربة استمرت المقاومة وواصل من تبقى من المجاهدين المقاومة بعد ان اتفق من تبقى من قادة الادوار على تسليم القيادة ليوسف بورحيل واصدر السيد احمد الشريف قرارا بذلك وقد قال احمد الشريف في رسالته الى بورحيل "هذا القرار ليس منا بل بناء على وصية عمر المختار للحفاظ على الجهاد"

  استلم بورحيل قيادة الجهاد في ظروف شديدة الصعوبة, مجاهدون يعانون الجوع ونقص الذخيرة وتفتك بهم الامراض, كان الحصار الذي فرضه الايطاليون قد جردهم من كل شيء ولم يتبق لهم من سلاح ولاغذاء الا الايمان والارادة .

 رغم تلك الظروف واصل بورحيل القتال حتى الرمق الاخير , حيث جمع قادة الادوار الباقين وقال لهم " اننا محاصرون من كل الجهات وقد هاجر احبابنا واهلنا الى مصر وبلدان اخرى والايطاليون يضغطون علينا لنستسلم ولكننا لن نفعل لن نستسلم بل سنواصل حتى الطلقة الاخيرة والشهادة " ..يوم 19 ديسمبر 1931م وقرب زاوية " ام ركبة " شرق طبرق حاصرت كتيبة ايطالية يوسف بورحيل وتلاتة من رفاقه بعد ان لجاوا لكهف وظلوا يقاومون حتى استشهد بورحيل ورفيق اخر وتم أسر المجاهدين الاخرين .

   الايطاليون لم يكتفوا بقتل الشهيدين بل مثلوا بالجثامين الطاهرة ثم قطعوا راس يوسف بورحيل ووضعوه في صفيحة وحملوه الى البردي للتعرف عليه ثم عرضوا الراس على نزلاء المعتقلات من الاهالي ليكون راس يوسف بورحيل المقطوع الاعلان عن نهاية المقاومة .  يوسف بورحيل احد ابرز قادة الجهاد الليبي وذراع عمر المختار وعقل الجهاد الراجح ظل وبكل اسف مغيبا عن كتب التاريخ وسرديات تاريخ الجهاد وكان اخرها فيلم عمر المختار حيث اختفت شخصية نائب عمر المختار وخليفته في قيادة الجهاد بعد استشهاده, من هذا الفيلم, ولم يكن من سبب لهذا التغييب الا وجود المناضل الوطني "احمد بورحيل " نجل يوسف بورحيل في المعتقل السياسي سبعينيات القرن الماضي .

نشر ببوابة الوسط   26-4- 2024


 

الأربعاء، 3 أبريل 2024

إجلاء القواعد الاجنبية من ليبيا

وإن عادوا...نعود :
  إن خروج القواعد الاجنبية ، لم يكن يحتاج إلى (إنقلاب عسكري)، فهو كان سينتهي حتما ً وبطريقة مُحترمة دوليًا عام 1971..
  لا أعتقد ان هناك عاقلا او مطّلع على التاريخ او باحثًاً محايدا سيقول أنه لولا إنقلاب سبتمبر 1969 ما خرجت القواعد الاجنبية من ليبيا !..تلك القواعد التي جاءت إتفاقيتها لاسباب تخص ظروف ليبيا ابان الاستقلال والاستفادة من قيمة إيجارها لصالح الصرف منه على ميزانيات التعليم والصحة وغيرها أيام ليبيا لا نفط لا فزّاعة ..! ...التاريخ سجّل أن الحكومة الليبية وبتوجيه من الملك إدريس رحمه ومطالبات الكثير من الليبيين ذاك الوقت قد رعت مفاوضات جادة بدأها رئيس الحكومة الليبية أنذاك المرحوم السيد محمود المنتصر عام 1964 مع أمريكا وبريطانيا ..توصّل فيها الجميع لأن تنتهي مدة وجود القواعد عام 1971وبشكل تراعى فيه كافة الاطراف القوانين الدولية والاعراف والمصالح الوطنية وليبيا كدولة محترمة وليست غوغائية(طزطزية)..حدث إنقلاب سبتمبر 1969 فأدّعى زورًا أن هذا كان أحد إنجازاته ..وهو الذي دفع تعويضات مليونية عن قيامه بتلك الخطوة الاستعراضية في غير وقتها ..ولم يشر لا من بعيد ولا من قريب عن تلك الاتفاقية والتي كانت ستفعّل بدون ان تدفع ليبيا مليمًا واحدا ..على كل حال ...ترحّموا وأنصفوا صانع الاستقلال والوطن ورفاقه من كل انحاء ليبيا فلولا تلك الإتفاقية الاصل .. لما وجدتم مطارا ..تطيرون منه واليه اليوم ،(مطار قاعد ويلس )(معيتيقة) ، وان وجود قواعد امريكية لليوم في كل من كوريا الجنوبية واليابان والمانيا وغيرها ...لم تمنعها من ان تكون اليوم من اكثر الدول سيادة وتقدّم إقتصادي ..
إن لم تقرأوا التاريخ بإنصاف ...أحترموا على الأقلّ...عقولنا . 



 

الاثنين، 18 مارس 2024

ليبيا الوطن ....

"سلامُ اللهِ على الحيطان العتيقة
على المنازل القديمة
على أزقة الحنين
سلامُ الله على أنقياء الزمن الجميل ...
على الرفاق الطيبين ...
على الجيران ذوي الانس والفزعة .."
....وعلى الطيبين والطيبات ..وعلى عموم ليبيا ...بلد الطيوب ..وشط الحرية ...