كثيرون من رفاق معمر بومنيار فى انقلابه المشئوم فى سنة النكبة الليبية سنة1969 ،سمعتهم يتحدثون على ان هذا الرجل والذي عرفوه قبل الانقلاب كان متدينا يحفظ القران الكريم وكان خجولا لا يأكل الا من وراء يديه او منديل خجلا، وحتى لا يسمع له صوت اثناء اكله.. وكان يتحدث اليهم عن ضرورة الصلاة وال سمعتهم يتحدثون على ان هذا الرجل والذي عرفوه قبل الانقلاب كان متدينا يحفظ القران الكريم وكان خجولا لا يأكل الا من وراء يديه او منديل خجلا، وحتى لا يسمع له صوت اثناء اكله.. وكان يتحدث اليهم عن ضرورة الصلاة والتدين ولهذا صاروا يستحون منه ولا يلعبون الورق اثناء تواجده او يتحدثون بأشياء دنيويه اخرى امامه!.. وصاروا يلقبونه.. بالفقيه...
وهكذا تم تسليمه زمام الامر من قبل الانقلابيين واعتباره الزعيم لهم وانقلابهم الكارثى، لأنه رجل (يخاف الله) بالتعبير الليبى العاطفي وفى نفس الوقت يحفظ شعارات عبد الناصر وما يردده صوت العرب فى ذلك الوقت من عدالة واشتراكية وتأميم الممتلكات وتوزيعها وتحرير فلسطين وتوحيد قوى الشعب العامل وتوحيد امة العرب والاسلام ورمى اليهود وما وراء اليهود فى البحر.. والقضاء على (الإمبريالية) والاستعمار وتأسيس منظومة دول عدم الانحياز والتى لو بقيت الى اليوم لكانت انحازت الىى الفقيه وبقية الطغاة ضد شعوبهم.. لان مؤسسيها هم امثالهم .. وهو مستعد للخطابة عن هذه الامور حتى يبح صوته وهى من الخصال كانت مستحبة عندنا وللأسف لا تزل، وقد اكتشف الإنجليز مُبكراً هذا (المرض) قبلنا فعملوا فى جزء من حديقة الهايد بارك اللندنية ركنا اسموه (ركن المتحدثون) (Speaking Corner).. يتحدث فيه هؤلاء المرضى او حتى غيرهم عن ما يشاؤون ساعات حتى لايعطلون الذين يعملون، و يعتبرها بعض المشاهدون نوعا من الترفيه فى اوقات فراغهم تطبيقا لـ (مجنون يحكىي وعاقل يستمع).
عكس الملك ادريس السنوسي رحمه الله، والذي كان يخاف الله قولا وعملا ولكنه كان لا يستمع الى تلك الشعارات المدوية بل حاول ان يبني بلاده بهدوء وتعقل بعيدا عن الضجيج والشعارات والإيديولوجيات التى ثبت بطلانها وزيفها وكان الملك لا يتحدث كثيرا ولكنه يعمل كثيرا.. عكس الفقيه تماما وكل كلماته كانت على الملاء معروفه ويكاد الليبيون فى ذلك الوقت يحفظونها لقلتها ولصدقها ولحكمتها وحاول ان ينأى ببلادنا عن كل تلك المشاكل لانه كما يقول بعض المقربون منه كان دائما يقول ما معناه: ان الشعب الليبى فضلة (بقايا) حروب وفقير وامي ولا يصح الان ادخاله فى حروب او متاهاة اخرى قبل بناء دولة الدستور والمؤسسات وهو الذى كان يؤمن بضرورة تحكيم الدستور فى كل شىء، حتى فى مراسيمه هو والتى اسقط الدستور احداها فى عام 1954 وتقبلها بكل ادب ورحابة صدر.... ورغم ذلك تغلبت المراهقة السياسية والفكرية على صوت العقل والمنطق وتسلل ذلك الفكر المريض والشعاراتي الى ليبيا وحدث الانقلاب الكارثة والذى ستظل ليبيا تدفع ثمنه اجيالا ودماءا ومالا.. لانهم استمعوا يوما ما وبدون عقل وتفكير الى صوت.. (الفقيه)...
ما ان توطدت اركان ذلك الفقيه حتى بدأ يتخلص من رفاقه واحدا تلو الاخر بعد ان بدأوا يكتشفون ان سيدى الفقيه لديه جوانب اخرى كانت خافية عليهم.. وخاصة انه قد تمكن من حكم البلاد والعباد بدون دستور او نواب وحتى بدون من انقلبوا معه.. وتورطوا وتورطنا وهاهو العالم الحر كله تورط معنا فى هذا الفقيه... وخاصة وانه قد انجب فقهاء اخرون يشبهونه فى الافكار والتصرفات وحب تملك البلاد والعباد واسماؤهم اسلامية مثل (سيف الاسلام وسيف العرب والمعتصم) بل منهم من فتح سويسرا وفرنسا فتحا على يديه وهو السيد هانيبال ومنهم ايضا من تبنى السلفية مثل الشيخ (الساعدى) ولهذا صارت الورطة اكبر..
الا ان ما لم يحسبه سيدى الفقيه هو ان هناك يوم من ايام السنه اسمه 17 فبراير.. . يبدو ان سيدى الفقيه لم يعي الدرس او لانه مريض لا يرى الا ما يريد ان يرى، بعد ان انتقل من مرتبة فقيه الى مرتبة اكبر سفاح وطاغية ضد شعبه فى التاريخ واكير كافر بحق الشعوب فى الحرية والديموقراطية وبناء دولة الدستور والمؤسسات والقانون...
ولكن السؤال الاهم والمهم..هل نحن وعينا الدرس التاريخى القاسى فيكيفية اختياراتنا؟.. وهل يكفى انه رجل طيب ويحج ويصوم ويزكي ويصلي التراويح ويحفظ القران لاختياره للعمل العام..؟ طبعا تلك الامور قد تكون مؤشرا ايجابيا على صلاح الفرد ولكنها فى الحقيقة لا تكفى..؟ لم يكن اوباما ولا ساركوزى ولا حتى برلسكونى متدينين عند اختيارهم،، فتلك الشعوب تنظر لهذا الامر على اساس انه امر شخصى لا يهمهم بقدر ما يهمهم عمله بالبرنامج الذى تم اختياره لاجله.. ومدى احترامه للدستور والقانون وادبيات واخلاق المهنة فلا يجوز للرئيس عندهم ان يمارس عملا لا اخلاقيا والا سيحاكم وما حدث لمدير صندوق النقد الدولى دومينيك ستراوس عنا ببعيد حيث تمت محاكمته واقالته من وظيفته على جرم يرتكبه (فقهاؤنا) بكل بساطة ومع من يريدون بدون حسيب او رقيب جهارا ونهارا.
لم تعفي الرئيس الامريكى جيمى كارتر كونه (رجل طيب) ويكاد يكون قسيسا فعلا من اعتبار فترة رئاسته من اضعف سنوات امريكا ولم يعاد انتخابه...
الدولة الليبية يجب ان تكون دولة مؤسسات تحترم فيها الامكانيات والكفاءات بعيدا عن العاطفة والتقييمات الشخصية العاطفية، بناءا على دستور شرعي وطني ديموقراطي به مبدأ التداول على السلطة ونظام فصل السلطات وحرية التعبير واحترام المواطنة.. وهذه احدى مطالب واهداف ثورة فبراير وجزء من متطلبات الثقافة الوطنية الجديدة.
مفتاح بوعجاج 2011/5/8