ترجمة مقالة الصحفية الامريكية (أًن ما رلو)(Ann Marlowe) ..وهي صحفية وخبيرة وباحثة امريكية بعلم الاجتماع بمؤسسة
هدسون للأبحاث ...دخلت ليبيا عن طريق
الحدود المصرية فى 11-4-2011 وقضت اكثر من 4 أشهر متجولة فى ليبيا ..وأخر زيارة
لها لليبيا كانت في 11-9-3012 ..كما انها عملت مستشارة فى إحدى اقسام الحكومة الليبية خلال المرحلة الانتقالية الاولى..وهى
متابعة لما يحدث فى ليبيا حتى الان ...وكتبت هذا المقال في 3-8-2014 بعنوان :
It’s Not
the USA that Made Libya .....the Disaster it is Today
ليست الولايات المتحدة
الامريكية ...ما جعل ليبيا فى كارثتها اليوم !
واعطت له عنوانا
جانبيا يقول :
Decades of rule by Gaddafi left Libyans with a collective case
of PTSD, or...something like it
عقود من حكم حكم
القذافى ..ترك ليبيا فى ما يشبه مرض PTSD اوشىء من هذا القبيل !(مرض اضطراب بعد ألصدمة *).....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما دخلت ليبيا اول مرة
.. 8 ابريل 2011...برًا من مصر ...اعترى تفكيري
شعوران متعاكسان ...الاول الترحيب والتهليل من قبل الثوّار الذين كانوا
يحرسون الحدود ..وأعلام ورايات التحرير التى كانت تملأ المكان ..والتى ذكّرتنى
ببلادي وأحتفالاتها الدورية فى مناسبات 4 يوليو (عيد استقلال أمريكا) ....
وفى الاتجاه الاخر ،ذكرّتنى بأفغانستان ..عندما وصلت لها أول مرة فى
مايو 2002 ..بنية تحتية متهالكة ....الفصل بين الجنسين ...شبه الغياب الكامل
لمظاهر المعرفة والثقافة (كتب ،دور سينما ،الفن والموسيقى ) ....
وعندما وصلنا بنغازى ...كان اول شيء قاله لي رفيقي ،محمد هلال السنوسى
(حفيد الملك ادريس السنوسى ) : (كيف سيجمعون كل هذا السلاح ..المنتشر فى ..الشوارع
!) ..
**زمن ليبيا القذافى .......لم تكن المعرفة و(الثقافة) ...تأتى باية نفوذ......وبالتالي لم تكن لها .....أية قيمة.......** رغم وجود الكثير من الدكاترة والمهندسين الليبيين ..كان من النادر أن اقابل احدا من هؤلاء الليبيون يملكون حبا ثمينا للتعلّم وزيادة الثقافة او زيادة المعرفة لديهم...لا أذكر أنني رايت ابدا ليبية او ليبياً يجلس لقراءة كتاب من أجل زيادة المعرفة او حتى التسلية والمتعة !! .... حتى بين العرب الاخرون ،فأن الليبيين معروفين ..بعدم قدرتهم على خلق أقتصاد ناجح او أبداع فى هذا الجانب ...بل اصبحوا معروفين بالكسل ....وبالثقافة المعلولة ...
اخر ايامي فى ليبيا كان
11-9-2012...وفي مطار طرابلس ...انتظارًا لرحلتي في الصباح إلى لندن ..ولم يكن لدي معرفة بأن هجوما إرهابيا سيحصل
مساء هذا اليوم على مقر القنصلية الامريكية فى بنغازى ....وكان بجانبي في
الطابور ليبى بريطانى يلبس اللباس الاسلامى (تقصد الثوب العربى على ما أعتقد *)
...وكان يأمل السفر على قائمة الانتظار..والذى أخبرني أنه كان معلّم دين وكان قد
زار مقرات تدريب مخيمات تدريب (القاعدة ) بالقرب من درنة ..أملًا أشراك هؤلاء
(المحاربون) فى ..حوار ....
قلت له : (لا يمكن أشراك المتطرّفون الارهابيون فىي عملية ..حوار ..يجب
التخلص منهم ) ...أجابني كما كان يجيبني معظم الليبيين الذين عرفت : (لا ..هؤلاء
ليبيون ايضا ..يجب التحدّث أليهم )......
حملة الجنرال حفتر ضد
المتطرفين ...فى بنغازي ...تراوح مكانها ..نظرا لهذا ..الموقف من كثير من الليبيين
.....فى نفس الوقت ...تم اغلاق السفارة الامريكية في طرابلس وتم ترحيل طاقم
السفارة ...وأعلنت المجموعة التي يعتقد انها كانت وراء الهجوم على القنصلية
الامريكية في بنغازى ..والتى قُتل فيها السفير الامريكى وثلاثة أمريكيين أخرين..اعلنت الخميس بنغازى إمارة
اسلامية ..كما اعلنوا انها في قبضتهم تماما ..!
وعلى غير عادة الليبيين
والذين كان لديهم شعور بالفخر ما بعد
الثورة ...و فى بداية هذه هذه السنة ، بدى كثير من الليبيين الذين تحدثت اليهم ، ولأول
مرة بدأوا يأملون فى مساعدة دولية ..للمساعدة على استقرار البلاد ..وهم الذين
كانوا يوما ما فخورين لدرجة عدم الاستماع لرأى الاجانب (وهى الميزة التي يشترك
فيها الليبيين ايضا مع ..الامريكيين )..
طيّار صديق من مدينة زوارة ..أشار إليّ أنه (فقط 2 أباتشي (مروحية مقاتلة ) ...ستكون فاعلة فى فرض وقف إطلاق النار بين
المليشيات المتحاربة ...وكذلك صديقة..
امرأة أعمال ليبية ..اعترفت لي ..بأنه لو
فرضت الامم المتحدة او الولايات المتحدة وجود مستشار أجنبي فى كل وزارة ليبية ..ممكن كانت ستكون الامور
افضل كثيرا ! ...وقد بدأ الليبيون يغرّدون
(فى التويتر*) كثيرا وباللغة الانجليزية عن ضرورة التدخّل الاجنبي ...ردّى دائما كان : على الليبيين أن يكونوا اكثر
تدبّرا وحذراً عن هذه الامنية ..مساعدة مثل
التي جلبت الاتراك وجعلتهم يحكمون ليبيا لمئات السنين ...أو ..الايطاليين الذين
غزوا ليبيا فى سنة 1911 ووضعوا ثلث الشعب
الليبي في معتقلات جماعية ...او
المقاولين والمحامين وأصحاب البنوك الانجليز والأوربيون ..الذين
سمحوا وساعدوا نظام القذافي ...على
نهب البلاد ..بشكل فاضح .....
هذا لا يعنى أن نضع كل اللوم
على أزمة ليبيا اليوم ...على الاخرين ...على العكس ...فمنذ التخلّص من القذافي عام 2011 ،لم يقم المجتمع
الدولى بقطع المساعدة ..ولكن اللوم اساسا فى هذه الفوضى ، يقع على عاتق الليبيين
...وبالذات ...على الطبقة الحاكمة ...!
هذا ما نقله لي كثير من الامريكيين كتابة ..والمستائون من النظرة التى
تقول أن كل ازمات العالم هى منهم ! ..لم
يكن لدينا كثرة تدخّل فى
ليبيا فى عهد القذافى ..لم نقم بغسيل
اموال لنظامه ولم يكن لدينا تدخّل على الارض أثناء الثورة ..كل ما عملناه هو تزويد
طائرات الناتو التى كانت تدّك كتائب
القذافى ...بالوقود ..
انزلاق ليبيا إلى المعارك
والتطرّف بعد ثورة 2011 والتى قام الناتو بالمساعدة على
إنجاحها ...لا يوجد بها جدال عن التدخّل الامريكى ولا عدم التدخّل فى ذلك
ولا التدخل فى شؤون الدول التي تعاني
كثير من المشاكل ...ولا كونها ساعدت عموما على التطرّف الاسلامي ...رغم انه
من غير المهّم ..أن نعرف ان ليبيا اصلا دولة اسلامية ....
ولذلك صرت اعرف من خلال
تجربتي اثناء عملى كمستشارة فى أحد اقسام
الحكومة الليبية ..أن ضعف وهشاشة الدولة هى
نتيجة مباشرة للثقافة المكتسبة بعد 42 سنة من الدكتاتورية الفوضوية ....
مؤسسات الدولة لم تنضج بعد ..الدولة لم تحصل على استقلالها إلا عام 1951 ..وتأسيسها
كان صعبا ..ليبيا كانت حينئذ من افقر الدول
فى الحد الادنى وشعبها ذاك الزمن
كان شبه أميّ ...حتى الاحصائية الحكومية
التى صدرت من نظام القذافي نفسه عام 2008 تقول ان نسبة 20% من الليبيون أميّون
...!
وأضف إلى ذلك ..قطاع دولة عام متضخّم ..فى عهد
نظام القذافى تقريبا 75% من الليبيين يعملون فى القطاع العام فى دواوين الحكومة ...ونظريات وجنون القذافى وتدخلّه في كل شىء والتى جعلت من
التخطيط السليم شيئا مستحيلا ...كان الناس يؤمرون امرا ماذا يفعلون !..تأتي
التعليمات الفجائية والغير متوقعة للمسئولين فجائيا وبدون تنسيق او علم مسبق
!...ولذلك كان من الافضل لهم أن لا يعملون شيئا ،فما سيعملونه اليوم ..سيأتى امرا ما غدا بإلغائه !...أو امرا بعمل عكس تعليمات
الامس ...الليبيون الذبن عاشوا خلال فترة القذافى أما اصيبوا بمرض إنهيار الاعصاب (PTSD) ..او مرض متكرر ومؤلم بعدم الاهتمام ..مشاكل عدم التخطيط او الاهتمام او تنظيم
اوقاتهم وانفسهم ..مما أوجد عدم الثقة بينهم وبين الاخرين نتيجة لغياب الثقة فيما
يقولونه للناس وتلغيه التعليمات الفجائية
....!
أضف إلى ذلك ..الحالة المجتمعية العامة ..كسل
..عدم المسؤولية ..شعور عارم بالجهل وعدم
الاهتمام..وكما عبّر لي أحد المحامين الاوربييين الذى عمل لحساب الحكومة الليبية
عدة سنوات : (لم أسمع عن مسئول ليبي واحد تم طرده بسبب عدم كفاءته ...حيث تستمر الاموال والمرتبات بانسياب ، بغض النظر عن ماذا يفعل او ارتكب من أخطاء
..ونادرا ما تجد أو تشعر أن الليبيين الذين يعملون بالحكومة ،أنهم قد طوّرو اى فخر
بإنجاز عملهم ..أو شعور بالمسؤولية ...عندما يحدث خطأ ما ...فدائما هو عندهم مسؤولية
وخطأ شخص أخر او جهة ما ..لم أسمع
من ليبي واحد....يقول : (هذا خطأي أنا
..وأتحمّل مسؤوليته ..وسأقوم بتصحيحه ...أبدا لم اسمع !)..
كذلك يوجد الفساد ..وخاصة
عندما لا تستطيع الحصول على حياة كريمة اثناء زمن القذافي ..قليلون استطاعوا ان
يمتلكوا نشاطا اقتصاديا صغيرا مثل متجر صغير او مقهى متواضع ...استطاعوا ان يعيشوا
بالدخل المتدني من الرواتب الحكومية بالإضافة إلى نشاطاتهم الاقتصادية الغير رسمية
(سوق سوداء *) ...او بعض الاموال البسيطة التى ترسل لهم من اقاربهم فى الخارج ..او
في الاخير يضطرون لأخذ ..رشاوى ! ...هذه اصبحت ثقافة رديئة مُكتسبة ..للأسف طالت حتى ممّن انتخبهم
الليبيون للمؤتمر الوطنى (البرلمان) ...على أساس انهم ايضا كانوا ممنوعين من أى
نشاط يدرّ عليهم اموال اضافية ..
كل من مارس نشاطا اقتصاديا بعد عام 2011
...بإمكانه ان يقص عليك قصص مُفجعة :تغيير مستمر ومفاجئ للمسئولين ...استبدال
سيئين بأسوأ ...كسالى ..ولا يملكون المعرفة او القدرة على الرد الموضوعى ...فاسدون
...وفى اعلى مستويات الدولة ..تأخير وتعجيز فى ابسط الامور والوظائف ...كثير من مسئولي
الادارة العليا لا يعرفون استعمال البريد الالكترونى ...تلفوناتهم معظم الاوقات
مقفلة ..كثيرون منهم لا يقرأون بريدهم ومراسلاتهم ..وأن قرؤوا لا يفهمون ..!..لا
تستطيع ان تتصّل بهم ..وان كنت محظوظا سيكون ذلك بعد اكثر من 30 او 40 مكالمة تلفونية !....وأن كنت محظوظا اكثر
للتعامل مع أحد المسئولين القلّة الذين يستعملون البريد الالكترونى ..سيكون الرد
بعد 30-40 بريد الكترونى وباللغة العربية لتحصل على افادة بأن بريد مُرسل واحد قد
....وصل !
كذلك
فأن السلك الدبلوماسى الخارجى عليهم
..الكثير من اللوم فى هذه الامور
..ايضا ..وزير الخارجية قضى معظم وقته فى مالطا ...او مصر ...معظم الدبلوساميين
الليبيين لا يتحدثون الانجليزية او الفرنسية او لغة البلد الذي يعملون فيه ..ومن
ضمنهم كثير من اللصوص والمجرمين ..بالإضافة إلى ان معظمهم غير أكفاء لمهامهم
...ولم يتم اختيارهم للحاجة او للكفاءة ..!على عادة ما يفرزه الفساد ..والواسطة
الوظيفية ......
هذه
الثقافة الفاسدة والمسمومة والمرضية ..أدّت إلى ..وجود فوضى سياسية ..خاصة فى
المدن الحكومية التقليدية ...والتى اختلطت ايضا بفوضى السلاح المنتشر بشكل كبير
وبكميات ونوعيات كبيرة ...وكذلك الدعايات والحملات الاعلامية ذات التوجهات
(الاسلامية ) ..من بعض دول الخليج وخاصة قطر ...أدت إلى فُرص للكسالى ..والمعتوهين
والمرضى نفسيا او متدنييّ الثقافة والعلوم للحصول على وظيفة او حتى
..شهادة...بالقوة وفرض الرغبات ...وكما قال لى رجل اعمال ليبي طالبا عدم ذكر أسمه
: (هناك تزاوج مصالح مشترك حصل بين المليشيات الاسلامية وبين من سرقوا الاموال
العامة أيام القذافى .....يريدون من هذه
الفوضى أن تستمر ..حتى يحافظوا على سلطاتهم وأموالهم....)
ولأن ليبيا دولة مُسلمة ..أى
شاب ..عليل مقهور متدنّي الثقافة ...سيجد
بالقرب منه ،ايديولوجية متطرّفة متوّفرة ...للاتكاء عليها فى التنفيس عن
رغباته...وكما يرغب !
وعلى العموم .. ...يملك الليبيون كاريزما ساحرة ..وروح دعابة ...وروح وبهجة و
طبيعة سكان المتوسط ......يملكون حبا عاليا وحقيقياً للحرية مثلنا تماما نحن الامريكيون ...بما فيها
الحرية الفوضوية....ولهذا فأن الثورة
الليبية فى بدايتها اصابتنا نحن والجميع
بالنشوة ..والفرح الغامر ...ولهذا قام
المجتمع الدولى بمساعدتها و
مراقبتها عن قرب ..عكس الصراع الدائر فى سوريا ....
كان فخرا وحبا وسعادة أن
نكون جزءا منها ...وعلى كل حال ...الانتقال من مرحلة الثورة إلى بناء الدولة
...ليس نزهة او مغامرة ...
الامريكيون (الذين بنوا أمريكا)..جاءوا من خلفيات وطباع مختلفة ...ولكن كان يجمعهم جميعا شىء
واحد ..أخلاق وحب وقيمة ..العمل ...وللأسف لا يملك الليبيون وحتى الان هذه القيمة
....
القليل منهم يملك
القدرة على الجلوس على مكتب لمدة 10 او 12
ساعة للقيام بعمل حكومى مُثمر
او تأسيس شركة ....من الاسهل عندهم ...الانضمام إلى او التسكع مع مليشيا او عصابة من
المُجرمين....او ..مغادرة العمل الساعة 2 بعد الظهر لتمضية بقية النهار يُثرثرون
مع أصدقاء او مشاهدة التلفزيون !
لا استطيع التكهن بما ستكون
عليه ليبيا فى المستقبل ...ولكنني على يقين بأن ما حدث ويحدث فى ليبيا ليس من صُنع
الولايات المتحدة الامريكية ..أو أخطائها ...وأشك بقدرة الولايات المتحدة على عمل
اشياء كثيرة للمساعدة غير قدرتها الانية على التخلّص من بعض الموتورين المتطرّفين بطائرات بدون طيار ...وبعض المساعدة
فى تأمين المحافظة على الحدود الوطنية
..المُنتهكة.......(لماذا هى مُنتهكة ! ....لأنني أعلم أن أحد الضبّاط ذوى السمعة الطيبة والشرف
الرفيع والذى كان مُكلفا ومسئولا عن شِراء طائرات بدون طيار ومعدّات أخرى لتأمين الحدود الليبية قد تم استبداله فى نصف
مرحلة وصفقة الشراء ..بآخر وهو لص وسارق
معروف !....)
بالإمكان ان تكون ليبيا
مثالا رائعا للدول الاسلامية ...والتي تخلصّت من الحكم الاستبدادي ..ليحلّ محله حكما يحكم فيه الناس بأنفسهم عن طريق
اليات الديمقراطية الحديثة ..ليخلقوا مجتمعا حيويا ومبدعا ومنتجا ومنفتحا ..
ولتحقيق ذلك ...لابد لليبيين
أن يخلقوا ثقافة أخرى معاكسة ومختلفة تماما عن ما ...ورثوها ..!
أنتهى ...
(أن
مارلو) ( Ann Marlowe)
ترجمة :د .مفتاح بوعجاج 4/9/2014