بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 27 أبريل 2018

حديث الجمعة 6 :


..السودان منذ انفصال جنوبه عن شماله يعد درساً بليغاً لأولئك الحالمين اليوم بالمناصب والزعامات من بوابة الانفصال او اصحاب المشاريع العابرة للاوطان والذين يعبثون بوحدتها الوطنية الاجتماعية والجغرافية والتاريخية والتعدّدية والهوية المُثرية لمعنى الوطن والمواطنة والدولة. لاشك ان هناك مشكلات وتحدّيات سياسية وتنموية وإقتصادية وفكرية وامنية ومعاناة في بلادنا اليوم . وكانت هناك أخطاء بل جرائم من جانب من مركزوا السلطة ماضياً وحاضراً ، لكن النضال السياسي والثقافي والفكري من اجل مشروع بناء دولة المواطنة والامن والحريات والكرامة قد يكون كفيلاً بإصلاحها وتحقيق الحلم النبيل .
نتذكر ان مطالب المعارضة الواعية في جنوب السودان المسيحي قبل الانفصال كانت تدعو إلى احترام المواطنة والالتزام بمبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية، ولكن اصحاب الشمال خاصة بعد ان سيطر عليه الاسلام السياسي وشعاراته لم ينصت لذلك ، وتحت شعار ( مُخالفة الشريعة) كمثال وليس الحصر ، جلدوا يوماً سيدة سودانية مسيحية امام الناس بحجة انها ارتدت بنطلونا ، ففّرطّوا بمثل هذه الذرائع في وحدة السودان وتم الإصغاء للقوى الخارجية التي تولّت التحريض على الانفصال وقدمت الكثير من الوعود الكاذبة للطرفين وقتها، وهذه القوى الخارجية اليوم لا تلتفت إلى ما يُعانية شمال السودان ولا جنوبه من اهوال وحروب بين حتى المكونات الجنوبية نفسها ، رغم ما يحوي الجنوب من موارد طبيعية وغيرها ، وهنا الدرس والقول بأن المصلحة الوطنية والمصلحة المباشرة للناس كانت تقتضي الحفاظ على السودان الواحد وعدم الاستجابة للنوازع الانفصالية ، حيث اكتشف الجنوبيين والشماليين متأخرين ان ذاك الانقسام ، قد ولّد مزيد من التفتت وتحويل ذاك (المُجزئًين) اليوم ، إلى بؤر تأكل اليوم بعضها بعضاً، فضلاً عن كونه تبديد للطاقات والثروات البشرية والطبيعية .. .
وما يهمنا من درس السودان وما يعانيه اليوم من كوارث سياسية واجتماعية واقتصادية هو أن نستوعب هذا الدرس جيداً في بلادنا، ونقول للمغامرين والساعين إلى تفتيت الوطن وتدمير وحدته تحت شعارات وممارسات ومشاريع مُختلفة ومنها مشروع (دستور مؤدلج) ، أن لا شيء سينتظرهم من مناصب وزعامات يحلمون بها أو توحي بها لهم قوى من خارج هذا الوطن، ولن ينتظرهم إذا تحقق هذا الامر (لا سمح الله ) إلا الخراب والدمار والاقتتال ، نعرف ان حلم مواطنينا هو دولة المؤسسات والعدل والإنصاف و الأمن والحقوق والمواطنة ويجب ان يكون تحقيق هذا الحلم المشروع هو المدخل الرئيس لكل من يحلم او طامع بالسلطة في بلادنا ..وخاصة ان بلادنا بها ثروات تكفي الجميع ومُحاطة بدول ومجتمعات فقيرة وعابرة تبحث عن الحياة ولو بالهجرة القاتلة ..... حفظ الله الوطن .


صدى السنين الحاكي 11 :


...أجرت إعلامية لبنانية يوماً مقابلة تلفزيونية مع الكاتب والاديب الليبي (الصادق النيهوم)(1937 بنغازي - 1994 جنيف) ، تلك الإعلامية التي كانت على ما يبدو غير مؤمنة بوجود كتّاب ومثقفين ليبيين بذات مستوى الكتّاب والمثقفين في لبنان اوسوريا او مصر وقتها ، فكانت في تلك المقابلة تبدو من خلال أسئلتها وكأنها تريد ان تُظهر هذا الامر وتُبرهن عليه ، فكانت في بداية الحلقة (واخذة العلو عليه) كما يقولون ..ومن خلال الاسئلة والاجوبة أنتهت الحلقة بأن بدت تلك الاعلامية كأنها تلميذة امام النيهوم والذي بدا عملاقاً ثقافة وفكرا وأدبا ، وخاصة وانها في نهاية الحلقة سألته : هل تحب فيروز ! ..نظر اليها الصادق طويلاّ متأملاً بعمق كعادته ، ثم أجاب بنظرة وإبتسامة جادة " سيدتي ، انا لا احب فيروز ، انا احب صوت وأعمال فيروز" ...
(رواية صديقي الاستاذ عبد الرازق عوض )

الاثنين، 23 أبريل 2018

عندما يبكي الرجال على الرجال :


....يا لها من مُفارقات ..مارس الكثيرون بعد فبراير..سياسة العزل للأخرين والتمكين للعشيرة واصدقائها ، سفارات وبنوك ووزارات وإدارات وعسكريات ومليشيات وامنيات وكهربائيات ومجالس وكل ما وقعت عليه ايديهم ، وكان ذلك تقريباً على غرار ما حدث خلال النظام السابق،عندما تولى المتلونون و الحواريون والزمزاكة للنظام ، تقريبا كل شىء..على الضفة الكريمة الاخرى من التاريخ ،مارس الملك أدريس رحمه الله مؤسّس وزعيم الجهاد والاستقلال سياسة وطنية قد تبدو على النقيض تماماً ، فقد اصدر مرسوماً ملكياً عام 1956 يأمر فيه بعدم تولي اي من الاسرة السنوسية ،الكريمة الاصل والثقافة والدين والوطنية والجهاد ، اية وظيفة سيادية في الدولة الليبية ، وكان هذا نابعاً حسب شهود العصر على حرصه على عدم إستغلال اهل قرابته كونه ملكاً دستورياً للبلاد ..ورغم تناقض هذا الامر مع دستور البلاد الذي يقول في إحدى مواده " الليبيون امام القانون سواء .....الخ" ، إلا انه لم يطعن اي من افراد الاسرة السنوسية الكريمة في هذا الامر دستورياً ..فذهب مُعظمهم لقطاع الاعمال والعلم والادب والثقافة بعد ان كانوا اهلاً للحكمة والجهاد والتضحية والتأسيس وجمع الامة على كلمة سواء ونشر مبادىء الدين الاسلامي السمح الكريم ، لذا قارنوا بين من مكنّهم النظام السابق وما تلاه من الحصول على الاموال بدون وجه حق ،فأصبحوا ينظّرون علينا بإستخفاف و غطرسة بل ويشمتون فينا وبأموالنا وهم يرتدون جرود الحرير وتحليقة خنفوسية ، والكثير منهم لم يكن له شأن ، إلا فيما يفرّق الشمل ويبعثر الاموال ويخرّب التعليم والاقتصاد والاخلاق ، وكان قد تجرأ يوماً قائدهم بالتقوّل علينا (أرحلوا يا ليبيين إلى افريقيا ، اما اوروبا فهي صقع عليكم !)..

مثالاً وليس حصراً، توفي الامس المرحوم بإذن الله السيد حسن الزبير حفيد المُجاهد أحمد الشريف السنوسي بعد معاناة استمرت شهورا مع المرض وبعد غربة عن الوطن استمرت لأكثر من اربعة عقود في بلاد (الصقيع) لندن ،عايش فيها مرارة الإغتراب وضيق ذات اليد صابرا محتسبا ، كان المرحوم قد غادر بنغازي في شهر ابريل سنة 1970 موفدا من كلية الطب للدراسات العليا وحين شرع في كتابة أطروحته للدكتوراه كان الموعد مع العصابات ا(الثورية) التي سيطرت على السفارات في الثمانينات ، وكان اسمه من أول القوائم التي أوقفت منحتها الدراسية بحكم إنتماؤه العائلي وبذلك انتهى هذا المشروع مثل غيره من الطلبة الدارسين في الخارج بدعاوى ما انزل الله بها من سلطان ولم يعد إلى الوطن إلا سنة 2013 في زيارتين خاطفتين عاد بعدهما إلى غربته القسرية ، بعد ان فشل في تسوية وضعه مع جامعة بنغازي بحجج قد لا تختلف كثيرا عمن سبقهم وهناك أصيب بالفشل الكلوي إضافة إلى معاناته المزمنة مع مرض السكري مما اوصله في نهاية المطاف الى قدره المحتوم ..رحم الله الفقيد ..وتعازينا الحارة لكل اهله واسرته وال السنوسي المحترمون صيتاً وتاريخاً ومكارم وعلى رأسهم شقيقه الاديب والشاعر الاستاذ راشد الزبير السنوسي....
(المعلومات عن الفقيد من رواية شقيقه الاستاذ راشد الزبير السنوسي )




الخميس، 19 أبريل 2018

الصيت اطول من العمر ...





 ..يوافق اليوم 19 ابريل وفاة رجل الاعمال الليبي الحاج الصابر مجيد الغيثي..سمعت عنه من كثير من مُعاصريه ومعارفه في الوطن ومنهم ابن عمي (سعيد حمد بوعجاج) انه كان من أنجح رجال الاعمال في وطنه قبل (الزحف الزاحف )الذي استولى على ممتلكات وحقوق رجال الاعمال في حملاته الشهيرة على القطاع الخاص النظيف والوطني ، أشتهرت شركات هذا الرجل بُحسن التنفيذ خاصة في مجالات البنى التحتية والطُرق وله بصمة شهيرة من ذلك لا تزل اثارها لليوم ..اضطر مُرغماً للهجرة بعد تأميم ممتلكاته التي كسبها بعرق جبينه وحُسن التنفيذ ، إلى لندن واقام هو واسرته الكريمة بها حيث اشتهر بمساعدة بني وطنه هناك عندما مسّهم الضرر والحاجة بعيدا عن بلادهم.. كما كان مُعارضا وخصما شريفاً ووطنيا للنظام السابق ، لم يكن يتبع اية ايديولوجية او حزب ،غير حب وطنه ومواطنيه الليبيين من كل مكان من ليبيا التي احبّها ..وكان من بين من احتفظوا براية الوطن ولا يحضر لقاءا او مؤتمرا او جلسة إلا بها ...عز على الرجل ان يعيش بعيدا مُطاردا وهو العفيف الصابر ..احلّ به المرض اخر ايامه وتوفيّ في (19 ابريل 2015) بلندن ، ودّفن في غربته بعيدا عن الوطن الذي احبّ ..من نوادره التي سمعت عنها ، بعد ان عم الفساد في التنفيذ والرشوة وغيرها من مظاهر الفساد التي عمّت البلاد والعباد ،إن قام احد اصدقائه بإحضار صورة ملّونة حديثة له لإحدى الطُرق المنّفذة حديثاً بإحدى المناطق الليبية من قبل تشاركيات ( يا مزّوق من برّه ..ايش حالك من جوّه) التي نمت كالفطر يوماً في بلادنا بديلاً عن ذلك الجيل المُحترم من روّاد ورجال الاعمال المُحترمين ، ويظهر من خلال تلك الصورة ان نباتات واعشاب قد اخترقت طبقة الاسفلت المغشوشة بعد نزول الامطار ، ونمت وأخضّرت بكل سهولة في الطريق..قائلاً له : (شوف يا حاج الصابر ، كيف اصبح تنفيذ الطُرق بعدكم ، غش في غش ) .. وبعد ان تمعّن السيد الصابر في الصورة ، رد ضاحكاً : " بالعكس ..هذا يدلّ على ان الارض تحت (الطريق ) ...زراعية وغنية ولا تحتاج سماد ! ".....رحم الله السيد الصابر وغفر له وصبّر احبابه وعوّض الله بلادنا رجالاً امثاله .. وجعل الجنّة مثواه ومنزلة .
(الصورة ..السيد الصابر يميناً والسيد مصطفي البركي رحمهما الله ..في لندن في وقفة معاً يوماً من اجل ..حبّهما الكبير )

الاثنين، 16 أبريل 2018

صدى السنين الحاكي 10 :



سوسة الليبية الجميلة المنسيّة :                                                                                                                    
  المدرّس علي محمد حمد ، مصري الجنسية (الصورة) ، متواضع ومتعلّم ومثقف وذو إحساس مُرهف على عادة مُدرّسو الازمان الرائعة قبل ان يأتي الطوفان ونفقد فيه البوصلة والاتجاه والهوية ...اتى من مصر في حافلة عتيقة ومتهالكة إلى بنغازي عام 1953 ، بعد إستقلال ليبيا ليعمل مُدرّساً للغة العربية بإحدى مدارسها ..ثم انتقل إلى المدرسة الداخلية ببلدة سوسة الليبية بالجبل الاخضر ، تلك المدرسة الداخلية الشهيرة (الصورة ) ، والتي كانت قلعة للعلم والاخلاق والوطنية تجمّع بها اطياف كثيرة من الليبيين لا يزل يذكرها بخير من عاش منهم لليوم ، تجمعهم الذكريات والاصالة ويحكون عن ذكرياتهم الجميلة بها ..والتي بناها العهد الملكي للتعليم الداخلي ، رغم فقره ..خاصة لمن كانوا يسكنون القرى والارياف بعيدا عن المُدن الرئيسية ، فكان بها المسكن والتعليم والمُنحة والغذاء .. وعلى غِرارها كثير مثلها في كل ارجاء الوطن ..في إثناء إحدى جولات الاستاذ على احمد حمد ، وحيدا وقت الغروب في ذلك العام ، بتلك االبلدة "سوسة الليبية" ، ورأى جمال الغروب على بحرها ، داهمته عرائس الشعر لتزرع بخياله رائعته الشهيرة (من وحي سوسة ) .. نُشرت هذه القصيدة االجميلة أول مرة بصحيفة ( البشائر، العدد3) بتاريخ 27 .07 . 1953 ، تسبقها كلمة إهداء رقيقة من شاعر الوطن " أحمد رفيق المهدوي" ... ونظراً لما كانت تتمتع به هذه القصيدة من قيم جمالية رفيعة (أكثر من خمسين بيت من الشعر البديع ، وزرع للهوية الوطنية والادبية لدى الاجيال )، تم إدراجها علي نحو مختصر ضمن النصوص الأدبية في المنهج التعليمي لمدارس المرحلة الإعدادية في عموم ليبيا عهد المملكة الليبية.. تم تعديل المناهج بعد 1969 لتُلغى امثال هذه التربية والاداب، وحل محلها صخب اخر لوّث الضمائر والعقول نتائجه اليوم هو ان هذه الاجيال تكاد لا تعرف ان هناك بلدة جميلة ليبية اسمها سوسة ..لا تزل تُراقب بصمت وجمال وهيبة عودة الاصول ..ووصل ذلك الجهل والتجهيل بأن إحدى مدونات (بوس الواوا) ، نشرت هذه القصيدة على انها وصف لسوسة التونسية الجميلة هي الاخرى وعلى الجانب الاخر من الضفّة ...ولا تعرف ان هناك 
سوسة ليبية اخرى جميلة هادئة ، وبصخب وضجيج اليوم ، لم يعد يذكرها احد ..                                                          
أرأيت سوسة والأصيل يلفّها في حلّة نسجت من الأضواء
** أما أنا فلقد أُخذت بسحرها لما وقفت هناك ذات مساءِ
حدّقت في أرجاءها من شرفتي فعشقت منظر هذه الأرجاءِ
** البحر يبدو من أمامي موغلا في الأفق , والجبل الأشم ورائي
والشمس تسكب في الغروب أشعة حمراء فوق اللجة الزرقاء
** هبطت على سطح المحيط فنصفها يبدو عليه , ونصفها في الماءِ
عزمت عن الكون الرحيل فخضبت آفاقه بدموعها الحمراء
** وهنا على شطآن سوسة يالها من جنة سحرية الإغراءِ
نامت على البحر الجميل كظبية مذعورة هربت من الصحراءِ
** عذراء في يوم الزفاف تهيأت للعرس وانتظرت على استحياء
يسري نسيم الليل طلقا ناعما ينساب بين رياضها الفناءِ
** وعلى التلال أشعة وردية سالت كأقداح من الصهباءِ
وعلى النخيل من الأصيل غلالة فتانة الأصباغ ذات بهاءِ
** تبدو الطبيعة فيه اجمل ماترى في سائر الأرجاء والأنحاءِ
يا بحر ! أغفا أهل سوسة كلهم وتمردت عيني على الإغفاءِ
** لم يبق غيري في الشطآن ساهرا تحت الظلام مفرغ الأحشاءِ
أعرفتني يا بحر أنا صاحب لك منذ عهود طفولتي البيضاء
** كم همت في الإسكندرية شاردا أفضي إليك بحيرتي وشقائي
وهنا بسوسة قد لقيتك ثانيا وكذا الحياء تقارب وتنائي ---
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- مراجع .. مقال فتحي العريبي ليبيا وطننا 15 اكتوبر 2009 / مدونة دنيا الوطن