بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 3 يونيو 2017

الضمير

  كنت وأحد الاصدقاء المُدخنين في زيارة عمل ودراسة لألمانيا ،مدينة دوسلدورف، نهاية التسعينات ، نزلنا بعد عشاء متواضع بمطعم الفندق ليشتري صاحبي علبة دخّان مالبورو، وكانت الساعة بعد مُنتصف الليل ،حيث كان احد المحلات التجارية بجانب مبنى الفندق مفتوحا ويديره سيد الماني لوحده، هذه الانواع من المحلات المتواضعة من العادة ان تكون بسيطة ولكن بها كل الاشياء التي من العادة يحتاجها الناس بشكل عاجل في مثل هذه الاوقات ..اشار صاحبنا إلى الركن الذي به (قراطيس ) الدخّان ، فساله صاحب المحلّ بلغة انجليزية ركيكة .."تريد من هذه ام من هذه ! "(الالمان عادة لا يحبون تعلّم لغات اخرى ويفتخرون كثيرًا بلغتهم الالمانية ) ..وكانت إشارته الى نفس النوع من الدخّان ..ولكن واحدة في صف والاخرى في صف اخر..فسأل صاحبنا : وما الفرق ..هو نفس النوع ! . فكان رد صاحب المحل : "(جا) ، نعم ..لكن هذا الصف بتسعيرة قديمة اعلى ،وهذه بتسعيرة جديدة ..ولكن النوعان صالحان للاستعمال البشري ،الفرق بينهما ان هذا النوع قد تم تصنيعه جديدا بتقنيات حديثة وهنا السبب في فرق السعر "..صرت اتسائل بيني وبين نفسي ..لم لم يخلطهما ببعض ويبيع بالسعر الاعلى ،فلا احد يراقبه ولا حد سيحاسبه ،خاصة في هذا الوقت من الليل ومن يشتري جاي من (الجماهيرية) لا يعرف وليس لديه معرفة بحقوق المُستهلك وشعاره ( الموجود رخا)! ...اعتقد جازمًا ان هذه _(التاجر) لم يحضر خُطبة واحدة من شيوخ الدين كما عندنا ولا من يذكّره ليل نهار بالجحيم والويل والثبور ، ولا اعتقد انه كان بجواره شيطان يوسّوس له بعمل الاثام والموبقات ، ولا جلس يشاهد قنوات التلفزيون يلعل له الدعاة ليل نهار فيها بقصص عن الثعابين وروائح المسك وقصص قديمة ضاع فيها كثير من الحق والحقيقة بالنقل المُفبرك حسب حاجة سياسة وسلطة الزمن ولا افتى له مفتيًا بــ(المرابحة ) ولا سأل ...ولا رفع له حزبأ شعار ( مشروعنا هو الحل ) ولا حكمه طاغية رفع شعار (التجارة ظاهرة إستغلالية ) ولا تشكلّت له (لجان تطهير) تدّعي انها تُحارب الاستغلال ...إنما مارس تلك الاخلاق الانسانية من خلال (ضمير) تربى في منظومة تعليمية ثقافية مدنية وطنية إنسانية شاملة .