بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 أكتوبر 2017

أم السعد ..عبد الحميد البكوش :


  
.."كنت مُناوباً ليلياً عام 1967 في مستشفى البيضاء المركزي (تم بناؤه عام 1964) ..ولا زلت جديدا على العمل ..فإذ بي ارى رجلاً تدل هيئته وملبسه على هيبة ووقار مع كثير من التواضع على غرار رجال الادارة ذلك الزمن ،ورغم انيّ كنت اشعر انني رأيته من قبل ولكني لم اعرف اين ومتى ! ..رأيته يدخل قسم الرجال ..وليس من العادة ان يُسمح بذلك خاصة في هذا الوقت من الليل بدون أذن ومعرفة مني ..لم يتحدّث اليّ إنما أنهمك في محادثة مع احد المرضى المسنّين الذي كان بسريره في قسم الباطنة ..راقبته ولم اتحدّث اليه ..رأيته بعد المحادثة انه قد امسك بيد ذلك المُسّن وأخذ يقوده ببطء وتدرّج حتى حمّام القسم ..ثم وقف ينتظره إلى ان خرج ، ثم قاده راجعاً إلى سريره..اقتربت منه وسألته ..تفضّل انا المُناوب من انت ! ..رد :..انا فقط مسؤول حكومي اردت أطمئن على حالة المستشفي والمرضى في هذا الوقت ..سألته : هل لديك تعريف او تكليف بذلك ! ..لم يرد ..إنما سألني .."هل بإمكاني ان استفسر من مرضى الاقسام مباشرة وبعدها سأعطيك ما تريد" ..لسبب ما ،اقتنعت بما قال ..وتركته يفعل ما يُريد حسب طلبه ..ثم سألني بكل أدب ان يمر على بعض الاقسام الاخرى وفعلنا ..بيني وبين نفسي حمدت الله ان كل الاجابات كانت طيبة والاقسام نظيفة ومُرتبة وطواقم التمريض موجودة وتعمل ..بعدها طلب منيّ ان نجلس في مكتبي وفعلنا ..كان الحديث عن العمل بصفة عامة وبعض الاستفسارات الخصوصية عن طبيعة عملي والتمريض والاطباء والادوية وغيرها من لوازم العمل والادارة ...شكرني وطلب مني ان انقل شكره للإدارة ..سألته بكل ادب ..هل الان بالإمكان معرفة حضرتك ..رد بإبتسامة لطيفة .."انا عبد الحميد البكوّش ..رئيس الحكومة ..والسيد البواب لديه معرفة بذلك بعد ان اقنعته بالأذن لي باالدخول ..لك وله تحياتي وإعتذاري عن مجيئي هذا الوقت بدون علم مسبق ..وشكرا على وقتك وعملك" ..رافقته للخارج مودّعاً ..وحتى سيارته المتواضعة التي كان يقودها بنفسه من غير حرس ولا رفيق .."..تلقيت بعدها رسالة شكر موقعة باسمه ..
(رواية الاستاذ محمد العبِيدي/ احد رموز مستشفى البيضاء والصحة عموماً عملاً وإخلاصاً وإدارة وتاريخاً)
السيد عبد الحميد البكوش (طرابلس 1932-2007) كان وزيرا للعدل ثم عضو مجلس النواب الليبي 1964 ثم اختاره الملك ادريس ليكون رئيساً للحكومة 1967-1968 وتم تعيينه بعد ذلك سفيرا لفرنسا حتى قيام الانقلاب ، وبعد عودته إلى ليبيا تم اعتقاله ثم قدم إلى ما سمي حينئذ بـ(محكمة الشعب)، التي شكلها الانقلابيون لمحاكمة رجال ومسؤولي العهد الملكي ..تمكن بعدها من مغادرة لبيبا بعد سنوات طويلة من السجن والإقامة الجبرية في منزله إلى مصر حيث تتبعته مخابرات القذافي من اجل إغتياله حيث علمت المُخابرات المصرية بذلك وأجريت مسرحية انطلت على النظام السابق بأنه قد تم إغتياله وعمّت الفرحة ونشوة الانتصار على اجهزته الاعلامية للخبر والذي اتضح فيما بعد انه كان مسرحية تم دفع ثمنها مُسبقاً ، فكانت فضيحة بكل المقاييس ..غادر بعدها إلى ابو ظبي حيث بقى هناك حتى وفاته رحمه الله عام 2007 ودُفن بها ..بالاضافة لكونه رجل إدارة وسياسة وقانون ، كان المرحوم شاعرا وأديباً وكاتبا ..من ضمن قصائده الوطنية ما كتبه عندما شعر بأن البعض يتهمه بالمغادرة وترك الوطن والمشهورة بأم السعد:
"لا أبدا يا ولدي لا ما هاجرت..لكني خيّمت بعيدا عن عرس الدم ..أحزنني جدا يا ولدي ان حتى في العرس دم...لكن العيد سيُقبل يا ولدي ..في يوم العيد..وأجيء بلادي مشتاقا في يوم الوعد..سأجيئك يوما يا بلدي خذ هذا العهد ..سأجيئك يوما يا ليبيا يا أم السعد.."


الخميس، 12 أكتوبر 2017

صدى السنين الحاكي 2



 
   عندما كانت دولة العدل والحقوق والتنوير والمواطنة ...رغم فقرها :
"عندما تخرّج الاستاذ مختاظ عبسى بو عاتبه رحمه الله من معهد المُعلميّن في بنغازي ، عام 1964، الذي كان قد أنشأته حكومة المملكة الليبية لتخريج المُعلمين في بعض التخصصات ومنها اللغة الانجليزية ،(تم الغاء اللغة الانجليزية من قبل النظام السابق عام 1981 ) ، واصبح المرحوم مُعلّماً لها ، كان يقضي أجازته عند اهله بمدينة شحات بالجبل الاخضر ، وعلى عادة اهل المنطقة في ذلك الوقت ، ممارسة الزراعة والرعي والانتاج بكل انواعه ،حيث كان الابناء في اجازاتهم يساعدون اهلهم في هذه المهن ،كما كان يفعل مُعظم افراد العائلة ، كلِ يقوم بدوره في هذه العملية ، كان الاستاذ مختاظ في واحدة من تلك الاجازات ، حيث كان قد تم تجميع حصاد القمح بعد حصاده ، على (القاعا) (القاعا ، كما يُطلق عليها وينطقها اهل تلك المهن ،هي مكان حجري صلب يتم تجميع الحصاد عليها لتدكّها فيما بعد سنابك الخيل او اي حيوانات اخرى ، لفرز الحبوب من السنابل وتسمى هذه العملية بالـــدراس) (لم تكن ذلك الوقت ماكينات الحصاد متوفرّة) ، وبينما كان الاستاذ مُختاظ منهمكاً في التذراي (التذراي ..عملية رفع ذلك الخليط بالمذراة إلى الاعلي ،لتقوم الريح بفصل الحبوب عن السنابل بعد ان اصبحت تبناً) ، وكالعادة فيما يحصل للشخص المُزاول لهذه المهنة الصعبة ، كان وجهه وجسمه مُغطّى بالعرق والسنابل والحسك(الحسك .هي رؤوس السنابل ) ..إذ بشخص يصل اليه حاملاً رسالة من وزارة التربية والتعليم بالمملكة الليبية ويسلمّها له ...فتح الرسالة وقرأ : ( السيد المُحترم /مختاظ عيسى ..نُهنئك بتخرّجك وتفوّقك من الاوائل في تخصص اللغة الانجليزية..ولهذه الاسباب وحيث انه قد تقرّر منحكم دورة مُتقدمّة في اللغة الانجليزية بجامعة كمبردج ببريطانيا ، نرجو موافاتنا بإجراءاتكم لاستكمال الايفاد في اقرب وقت ممكن ) ..يقول السيد مُختاظ ( انهيت إجراءاتي وانتقلت من (القاعا) بريف شحات ..إلى مطار لندن الدولي ودخلت جامعة كمبردج ..وكنت اشعر ان بقايا عملي بتلك (القاعا) من حسك وسنابل القمح وغيرها لا تزل عالقة بثيابي ."
(رواية ناصر الفرجاني شعيب ، نقلاّ عن والد الاستاذ رجب الزقزوق)

الاثنين، 9 أكتوبر 2017

صدى السنين ...الحاكي1


شهادات وتاريخ وعظات لمن فاته ..التاريخ :

  (تحصّلت على مستوى خامسة إبتدائي بصعوبة نهاية الخمسينات ،حيث ان المنهج المقرّر كان صعباً ولكنه دسم فهو كان كمستوى ثالثة ثانوي الان ، والظروف كانت صعبة ايضًا حيث كانت البلاد فقيرة وإستقلالها حديث ، ولم يظهر النفط بعد ..وكان الملك رحمه الله وحكومته يحاولون مع كثير من المؤسسات الدولية المُحترمة لتمويل المشاريع التعليمية والصحية والزراعية والاقتصادية في ليبيا،خاصة مؤسسات الامم المتحدة وبعض الدول كأمريكا وبريطانيا، وفي يوم من الايام سمعت ان هناك إعلاناً من حكومة المملكة الليبية عن انها تحتاج مُعلمين ليبيين للمراحل الابتدائية،وحيث انه لم يكن هناك خريجو جامعات ذلك الوقت للظروف التي ذكرت ، مما جعل حكومة المملكة مضطرة لقبول من يملكون مستويات تعليمية اعلى للتعليم على المستويات الادنى ، فرحت وتقدمّت للجان المشكلّة بالخصوص مما يسمى وزارة المعارف ذلك الوقت (وزارة التعليم حالياً)..قابلت اللجنة الاولى وكانت الاسئلة منصبّة على ثقافتي وأسلوبي وحتى مظهري ومعلوماتي العامة ، ونجحت ، ثم قابلت اللجنة الثانية وكانت أسئلتها منصبّة على المنهج والمقرّر والذي سبق لي دراسته ومدى تطابقه مع عملي المتقدّم لأجله ..ونجحت ،،فرحت كثيرا ، فها هو حلمي يتحقق في الحصول على عمل كنت بحاجة شديدة له..عندها فوجئت بأنه لا تزل مرحلة اخيرة وهي مقابلة السيد مسؤول المعارف نفسه اليوم التالي ..لبست افضل ما عندي من ثياب ..وقابلت السيد المسؤول في الوقت المحدد ..دخلت لمكتبه ..قام وسلّم عليّ ،وعلى فكرة هو لم يكن يعرفني ولا اعرفه ..فهو كان من درنة وانا من البيضاء ..وبعد الترحيب قال لي : " مبروك لقد اجتزت إمتحانات اللجان ...وانا كمرحلة اخيرة اريد فقط ان أسالك سؤالاً وارجو الاجابة بصدق وصراحة ..انت تقدمت لمهنة التعليم ، هل هذا بسبب محبتك لهذه المهنة ، أم لانك فقط تبحث عن عمل ! " ..فأجبته بكل صراحة ومصداقية وبراءة ..(في الاساس ، لقد جئتها ابحث عن عمل ) ..تقدّم لي بكل إحترام وقال " يا ابني انت مواطن ليبي مُحترم ومتعلّم بقياس ظروفنا اليوم ..وأجبتني بكل صراحة وصدق ، لكن لمهنة التعليم شرط اساس وهو ان على كل من يمتهنها ان يحبّها حتى يستطيع ان يتحمّل اعبائها الكبيرة ..ولهذا لا استطيع قبولك في التعليم ، ولكن لما لاحظته عليك من جدية وإحترام لن أخيّب املك في الحصول على عمل ، وخاصة وانك تمتلك شهادة تعليمية هي في ظروفنا اليوم تُعتبر نادرة ومطلوبة ..سأحولّك على مسؤول مصلحة المواصلات فهو من خلال لقائنا الامس عرفت انه يبحث عن امثالك وسأتصل به وسأعطيك توصية بقبولك نظراً لأنني اعتقد انك مُناسب لما يطلبون "..وهذا ما حصل ، تحصلت على عمل في مصلحة المواصلات في عمل مُناسب واستطعت مواصلة دراستي حتى وصلت لمنصب مدير معهد البريد بالبيضاء والذي كان يتبع المواصلات وقتها والذي استقلت منه فيما بعد ، بعد ان جاء زحف الزاحف ودخلت عمليات تصعيد الطلبة لمُدرائهم ولمسؤولي التعليم والمواصلات وغيرها ، واتجهت للعمل في القطاع الخاص اوالذي تم تأميمه فيما بعد ..كان كل جهة تنوّر يجي الزحف ويخربّها ..وانا الان قاعد بلا عمل رغم ان البلاد مليانة ثروات ..لكن فيه امل ممكن نعدّي لافريقيا للاستثمار حسب توجيهات القذافي الاخيرة ..تحصلّي واسطة يا فتوحة )...
(مع إبتسامة كبيرة منه)
(حديث من قريبي يونس علي العيّان عام 2003، رحمه الله

الجمعة، 6 أكتوبر 2017

العامل البسيط ..قد يحمل اعظم الاماني

  أحد الزوار يقول " نزلت يومًأ في أحد فنادق  نيويورك / الولايات المتحدة الامريكية، ذو طوابق متعدّدة ، فرأيت إحدى الموظفات تحمل صفة (مسؤولة الانطباع الاول ) فصرت افكّر بأنها يجوز ان تكون مسؤولة كبيرة بالفندق وممكن حتى مديرة الفندق بحكم كلمة (الاول) ، فإذ بها هي موظفة الاستقبال البسيطة ، ورأيت احدهم يحمل على صدره علامة (فني وخبير الشفافية) يمشي متبخترا مُبستمًا ، فخطر علي الاقتصاد وسوق الاسهم الشهير في نيويورك والمضاربات بالملايين فيه ، ولما سألت عنه ،إذ به هو (احد مُنظفيّ النوافذ الزجاجية بالفندق ) ....وعندما زرت احدى المدارس الاساسية للتعرّف على بعض القضايا التعليمية ، رايت إحداهن تحمل صفة (مستشارة التغذية في المدارس) ، سالت عنها فإذ بها (طباخة المدرسة) .. ..فعرفت أنني صرت في عالم اخر حر ويعمل وسط بيئة من السعادة والتمني والاماني رغم كل شىء .... "

مُعلّم نبيل ..في عهد نبيل .



في عيد المعلّم الليبي ..ذكرى وتذكار ووفاء ...
الايام ..لمعلّم ليبي نبيل...في عهد نبيل ..
"فى السنوات الأولى لدراستي فى مدرسة عمر المختار الداخلية ، كان هناك معلّم ليبي ، يأتي للتدريس علينا في المرحلة الابتدائية فى تلك المدرسة بداية الستينات ، عهد المملكة الليبية ، وكان يقوم بواجبه بشكل ليس له مثيل رغم ظروفه الصعبة وكان يأتي راجلاً كل يوم ، من الجهة الجنوبية البعيدة حيث اللقاء بين الصحراء والجبل حيث مقر سكناه البسيط ، كانت لديه بذلة واحدة قديمة يرتديها عند حضوره للمدرسة ، وفى نهاية الفترة الدراسية وبعد تأدية الامتحانات النهائية كنّا ننتظر النتيجة والتي كان من العادة ان يحضرها المعلّم للفصل ، جمعنا هذا االمعلّم النبيل يوم خروج النتيجة ، وجلس أمامنا على كرسيه حزينا ومهموما وبنظر الينا نظرة حزن واستغراب وتعجّب ، أصابتنا بالذهول و حائرين عن الأسباب التي جعلته يظهر علينا بهذا الشكل الحزين ، وبعد دقائق صمت مرّت كأنها ساعات حدثّنا وهو يهز عصا قصيرة بين يديه بشكل عصبي : (مش عيب عليكم ، مش حرام عليكم ...كلكم نجحتم ، لكن بعد تعبي هذا كله معكم ، يطلع الأول من الفصل الأخر! ) "
(الاستاذ محمد عمران بوسريرة ، اطال الله عمره)