بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 16 مارس 2017

العاصمــــــــــــــــــــــــــــــة






   عندما حدثت الأزمة المالية العالمية في منتصف عام 2009 ..لم يعي الكثير من الأكاديميين والبحّاث(الورقيين ) عندنا، أن تلك الأزمة قد اختلف تأثيرها بين الدول التي مرّ اقتصادها بالمراحل الطبيعية وبين دول أخرى كدول العالم الثالث التي نحن من بينها وفى أسفل السلّم..فالدول من النوع الأول تأثر اقتصادها جزئيا في جانب (الاقتصاد الورقي أو النقدي ) ولكن الجزء الكمي الانتاجى الزراعي والصناعي والتقني والخدماتي ، استمر كما هو بل عجزوا حتى عن تصريف جزء منه لكثرته وتنوّعه حتى إثناء تلك الأزمة المالية، ولتبيان النتائج العكسية بسبب اختلاف هوية الاقتصاد فأنه في سوق العقارات انخفضت القيمة عندهم ، أما النوع الثاني من الدول فقد كان تأثير الأزمة فيها كبيرا ومدمرا لأنها لا تملك إلا جزئية واحدة من الاقتصاد وهو (الاقتصاد الورقي النقدي) ..وتبخرت كثير من المليارات في الهواء ..رغم احتياجات البنى التحتية والإنتاجية لها في داخل تلك الدول (أتمنى من احد المتخصصين إفادتنا بأرقام متوفرة عن خسارة ليبيا في تلك الأزمة )..فلازلت اذكر أن احد المتخصصين الاقتصاديين الذين كانوا يحتلون (وبعض منهم لازال للأسف) الساحة الاقتصادية القذافية ذكر أن استثماراتنا في الخارج كانت في حدود 100مليار وذكر أخر أنها كانت 500 مليار بل ذكر اخر بشكل خجول أن استثماراتنا النقدية في الخارج كانت 1000مليار ..وهى مستثمرة في اقتصاديات نقدية ..فما هى خسارتنا إثناء الأزمة ..ورغم تلك الأرقام كنت اذكر مدى معاناة فلاحينا فى الداخل فى الحصول على أعلاف لمواشيهم ومدى حاجة الناس للوحدات السكنية وإنهيار البنية التحتية والتعليمية وعموم الخدمات ..تناقض غريب عجيب من إبداعات ذلك النظام ورفاقه ومنظرّيه .!!)
  نأتي إلى إسقاط هذه الجزئية من القفز على المراحل على عنواننا (العاصمة) ..فنجد انه طالما للعالم الأخر عواصم ..فلم لا نعمل عاصمة ؟ ..عملنا عاصمة ..وكما كانت واشنطن دى سى عاصمة أمريكا جعلنا نحن أيضا طرابلس عاصمة ليبيا ..ونعم المدينة ونعم الناس أهلها ..إلا إننا ظلمناها وظلمتنا بتفكيرنا التقافزى وثقافتنا وإدارتنا القابعة فوق جبل الثلج ..فجعلنا كل شيء يخص ليبيا فيها ..مقار لمعظم الشركات الرئيسية ..المطار الرئيسي فيها ..المقار الرئيسية للمصالح والصناديق والمراكز والمجالس العليا (جمع الأعلى ) على غرار المجلس الأعلى للصحافة والمجلس الأعلى للثقافة والمجلس الأعلى للإعلام والإذاعات(تسميات لا حصر لها ) ومقار النقابات وصناديق التنمية والإدارات العليا لبنوك البلاد وغيرها الكثير لدرجة إننا تعودنا من قبل على مادة مكررة كانت تتكرر في كل قرارات التأسيس الصادرة مما كان يسمى ( اللجنة العامة ) وألان مجلس الوزراء وهى مادة (على أن يكون مقره الرئيسي طرابلس ويجوز إنشاء فروع له في المدن الأخرى !!)..حتى مقر (صندوق تشجيع الزواج) ..الذي ينطبق علي تأسيسه قولنا ..قفز على المراحل ..وكأن بتأسيس هذا الصندوق نكون الدولة قد شاركت فى تشجيع الزواج مباشرة وتناسوا أن ظاهرة العنوسة في ليبيا أسبابها هى اكبر من تلك الصناديق وعلى رأسها أزمة السكن وأزمة البطالة وأزمة ..الثقافة الاستهلاكية والمظاهر ...وبهذا الزخم وبهذا القفز وبهذه القرارات جعلنا من بيت عروس البحر(لقب أُطلق على طرابلس ايام العهد الملكي لنظافتها وأناقتها حينذاك ) لا يتسع لضيوفها ولا لزوارها فتضايقت منّا ولا ألومها في ذلك ..وتضايقنا نحن أيضا من تلك الزحمة ..فبدل أن نأتيها زائرين متمتعين محبين ..أتينا متضايقين وغادرنا زعلانين ..قد نجد لها العذر في ذلك خاصة في الظروف الانتقالية الصعبة ..إلا أن آخرين في قلوبهم مرض ..استغلوا هذا الأمر لأغراض أخرى وكأن طرابلس المدينة والأهل هم من أرادوا ذلك متناسين أن السلطة هي من تفعل ذلك بقرارات حكومية تم فرضها علينا وعليهم بعضها بحسن نية وبعضها سوء إدارة ..وقلّة فهم وإدراك ..وهم بذلك مسئولون عن تغوّل المركزية فتلقفها البعض ليستدلوا بها على أغراضهم.. 
  في الدول الأخرى تفهّموا هذا الأمر وجعلوا من عواصم بلدانهم مكانا صغيرا لقضايا ألدوله الرئيسية وليس لمصالح وقضايا الناس فتوزعت مصالح الناس وهمومهم وحلولها وخدماتهم على مدنهم ومناطقهم ..فلا تكاد تشعر بأن واشنطن دي سي ((Washington D.C. هي عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية ..ولا تكاد تشعر أو تعرف أن (برن )هى عاصمة سويسرا ,,ولا تكاد تشعر ان بون كانت عاصمة المانيا من (61-89) وألان برلين عاصمة ألمانيا بعد توحدّها ..والغريب انه حتى فى استراليا عجز الكثير من الاستراليين أنفسهم على معرفة أن (كانبيرا ) هي عاصمتهم وليس سيدنى!!كما انك لا تشعر بأهمية عاصمة الصين مقابل جمال واقتصاد المدن الأخرى فأحيان تظنها شنغهاي ولكنك تقرأ أنها بكين ..
   ظاهرة العواصم المزدحمة هي ظاهرة متخلفة تجدها في جل دول العالم الثالث مثل ريو دى جانيرو ومكسيكو سيتي والقاهرة ودمشق وبغداد والجزائر وتونس ..بل بعض من تلك الدول التي ذكرت لا تُعرف الا بعواصمها فيقولون عن القاهرة (مصر) وعن دمشق (الشام)..وهي ظاهرة استمدت ثقافتها من تركّز السلطة في العاصمة ..والسلطة فى هذه الدول هى المصدر الرئيسي للثروات ..وبالتالي هى مدن جاذبة ...عكس الدول المتقدمة التي أمنت بالقطاع والاقتصاد الخاص والمتحرر من هيمنة الدولة الريعية وكذلك أمنت بأن دور السلطة والدولة يقتصر فقط على التخطيط والمتابعة والمراقبة والبنى التحتية ..فنشر القطاع الخاص الوطني الثروة في عديد المدن بطول البلاد وعرضها وأصبح هو الموزع الرئيسي للثروة والعمل والبحث والدراسة..والخدمات .وهنا يتأكد كلامنا المكرر ان الاقتصاد هو المصلح لما افسدته السياسة والعكس ليس صحيحا .
  أتمنى أن لا نشد رحالنا إلى طرابلس المزدحمة اليوم والمثقلة بالمعاناة ،إلا لنزور اهلنا وأصدقائنا هناك أو لنرى بلادنا مع اولادنا ..أما مصالحنا وإجراءاتنا وخدماتنا فلا تكون إلا حيث نحن ..لنخفّف عليها وطئنا وزحمتنا وتخفف هي علينا التعب والترحال والمصاريف ..فلا نكون نحن ضيوف ثقلاء ولا تكون هي ...هدفا لنقدنا والسنتنا اللاذعة..فمن حق اهلها ايضا أن يستمتعوا أيضا بالهدوء والخصوصية . 
(جزء من دراسة وبحث لي (في علوم الادارة) تم نشرها في 21 يونيو 2012)
 (الصورة قصر الخلد العامرالملكي طرابلس ،في الستينات ايام وهي(عروس البحر))

السبت، 11 مارس 2017

نطع المرج




    إنها المرج الاعلى (الشليوني)..والتي تطّل على سهل المرج حيث تجمعّت التربة الزراعية الرسوبية الحمراء الغنية منذ الاف السنين . ..والذي قال عنه الايطالي غراسياني منذ اكثر من ثمانين سنة ..سنزرعه قمحا وحبوبا ..وسيكفي عشرة مليون نسمة غذاءًا ..وأسموه اهلنا (نطع المرج) حيث كان يُرى من الافق البعيد وعندما تنضج سنابله بيضاء وعند هبوب الرياح كأنه (نطع) يهتز صوفه طربا ، اليوم ونتيجة للاهمال والفساد وغياب الدولة وسوء السياسات الزراعية والاقتصادية منذ اكثر من اربعة عقود ..وزحف (البلوك) الابيض عليه لم يعد يكفي حتى أهله ومن جاوره ...ما اكثر الجرائم في حق هذا الوطن الجميل ...لم يعد ربيعنا صامت فقط ..بل يكاد ان يرحل عنّا .
 (الصورة ...إدراج فرج عبد السميع)

الأربعاء، 8 مارس 2017

المشروع والاستراتيجية



 ان تقود ليبيا عملية سياسية شرعية واحدة متوافق عليها نحو صناعة الدستور المرتقب  والتنمية والخدمات  وبناء المؤسسات المدنية والأمنية والاقتصادية وعلاقات دولية تتفهم المصالح الوطنية والدولية وتجمع بينهما لمصلحة الوطن وتقوده نحو بناء الدولة الخادمة العادلة لهو شيء من أبجديات حفظ الوطن وصون وحدته وثرواته الطبيعية ومستقبله وأمنه وكان أمنية الامنيات والأحلام ..لا إختلاف ...الخلاف اليوم والذي أنعكس على الواقع فجعله اليوم مُخضّب بدماء الليبيين والليبيات وكثير من الفتنة هو على شكل ولون هذه العملية السياسية وأهدافها و(مشروعها).. البعض يريد فرض دولة الايديولوجيات لدرجة ان تكون دولة المُرشد الواحد على غرار النظام السابق مع إختلاف الرداء ..ذاك كان رداءاً (قومجيًا) خاصة في البداية وهؤلاء رداءاً دينياً على هواهم وتأويلاتهم بعد مرحلة ما بعد (خطاب التحرير)  ..نقول لهولاء لا لمشروع الدولة الدينية ونعم للدولة المدنية التي  دينها حُسن الخدمات والعدل والإنصاف يستطيع فيها الجميع ممارسة معتقداتهم وحريتهم وإبداعاتهم بدون قيود إلا الدستور والقانون والأخلاق الفضيلة كما هي الدول الدستورية المدنية التي يفر اليها المسلمون من بلدانهم (الاسلامية) الامس واليوم بحرًا وجواً وعلى الأقدام وحتى في الأحلام ، دول ومجتمعات  يُحفظ فيها حق المواطنة والإبداع ...وما إلتفافنا اليوم حول الجيش الليبي وأجناده إلا ليعبروا بنا من تلك المستنقعات التي صنعتها سنين المراحل الانتقالية تحت سيطرة تيارات مؤدلجة  إلى تلك الدولة المدنية المأمولة ...وأن تضع قيادات الجيش الليبي هذه الرؤية من ضمن إلاستراتيجة وتعمل بها حتى لا يلتقط المجتمع الدولي رسائل خطأ يُرسلها أعداء هذا المشروع المدني  وصائدي المياه العكرة في الداخل والخارج بكل أطيافهم وأطماعهم وقدراتهم التضليلية .

الجمعة، 3 مارس 2017

حديث الارقام والاقتصاد والسياسية

 ما فهمته من حديث السيد الحبري محافظ مصرف ليبيا المركزي بالبيضاء  هو انه بالرغم من ان ما يرد من إيرادات النفط من العملة الصعبة  لـ(لبنوك (في الشرق والجنوب لا يتعدّى الـ12% ، بينما تتحصّل (بنوك (المنطقة الغربية على الباقي اى 88% وان الاحتياطي النقدي اليوم لدى المركزي هو فقط 46 مليار بعد ان كان 134 مليار دولار من غير الذهب عام 2011   ، وما افهمه انا هو ان حالة المواطن الليبي العادي في  معظم مناطق ليبيا  )الاقتصادية الثلاث))حسب تقسيم السيد الحبري) ،هي حالة مزرية ومتشابهة ..أزمة سيولة وكهرباء ومياه وتهالك البنية التحتية المتهالكة اصًلا وغيرها من الازمات الحياتية والمعيشية  والخدماتية من صحة وتعليم وغيرها ..كما فهمت من بعض المصادر ان ما ورثته حكومات المجلس الانتقالي كانت اكثر من 200 مليار دولار ومقارنة بإحتياطيات النقد الاجنبي اليوم لكل من تونس ومصر هي على التوالي6 و 16 مليار ورغم الفرق في مصادر الايرادات وعدد السكان  بينهما وبيننا فإن حالة الاقتصاد عامة عندهما افضل منّا ..من هنا تبرز الكثير من الاسئلة والاستنتاجات :
1-رغم الفرق في نسب التوزيع لـ(البنوك) (هنا أصرّ على كلمة بنوك وليس المواطنين)  فيبدوا ان تلك الايرادات والاحتياطيات قد ذهبت للبنوك ولم تذهب منها  للمواطن العادي البسيط ولم تنعكس لا خدمة ولا تنمية، إنما يبدو انها قد ذهبت لجهات أخرى  وبعض الـ(مواطنين) الممّيزين !2-العدالة في توزيع هذا الاقتصاد (الريعي) على كل الليبيين والليبيات لا تتم فقط بإجراء تقسيمات جغرافية ، فالفساد في طرق الصرف يتم في كل المناطق لإنتشار ثقافة الغنيمة عند الجميع ، بقدر ما تتم بوجود شفافية كاملة عن طرق الصرف والإيرادات طبقًا لميزانيات واضحة البنود تصدر عن الجهات المختصّة و التنفيذية يطلع عليها كل المختصّين والمواطنين ..3- لا يجب ان يتولى هذه الوظائف السيادية من لديهم ميول ايديولوجية معيّنة بل تكنوقراط ليس لديهم أغراض سياسية أخرى غير خدمة الوطن والمواطن وتحسين الاقتصاد 4- تغيير هوية الاقتصاد الليبي تدريجيا من إقتصاد ريعي إلى إقتصاد خاص إبداعي في ظل منافسة شريفة مقنّنة ومنع الاحتكار الذي هو سبب هذا الفساد الكبير 5- العمل على وجود نظام إداري للمناطق لتفتيت المركزية يعمل على التنمية المكانية وخدمة الناس في مناطقهم ويشارك في إعداد ميزانيات التنمية والخدمات على مستوى الدولة تحت إطار اللامركزية المالية والإدارية لحين صناعة دستور وطني مدني يحفظ حقوق الجميع ..وطالما ان هذا الفساد قد طال الجميع (ما عدى المستفيدين) فليكن الجميع ضد  الفساد والارهاب والمليشيات ومن اواهم ومولّهم ، إينما كانوا في ليبيا الوطن تحت شعار "لن يسودوا ولن نتفرّق .!"  .
(ليبيا ...تعيشي ما عاش الزمان.. والاذان)


,