بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 23 سبتمبر 2016

قراءة في المشهد والتاريخ





 قراءة في المشهد والتاريخ ..
  بعد إستقلال وتأسيس الاوطان في المنطقة العربية في العشرينات والثلاثينات والأربعينات وحتى الخمسينات والستينات بعد معارك الاستقلال بأشكالها المختلفة وكذلك ما افرزته نتائج الحرب العالمية الثانية من إتفاقيات وتقسيم نفوذ ..كان للتيارات المدنية بمختلف أشكالها النفوذ الاوسع في تلك الاوطان فكانت  تونس والعراق ومصر وليبيا والسودان ولبنان مثلا جيدًا لما يجب ان تكون عليه بدايات تأسيس نهضة المجتمعات والدولة من تنمية وحرية مدنية وتعليم وإقتصاد وحقوق إنسان وعلاقات دولية وأمن وكل نواحي الحياة المجتمعية والثقافية من ادب ومسرح وفن وكتابة وتنوير وحريات أكتسبت فيها حتى المرأة مكانتها من حيث مشاركتها المجتمعية والثقافية والفنية والادبية فظهرت أسماء كثيرة لمعت في كل المجالات لازلنا نطرب ونقرأ ونعود لأعمالها وكتبها حتى اليوم ...
 بعد قرار  تقسيم فلسطين 1948...ظهرت الحمية القومية العاطفية الهوجاء فكان للجيوش الوليدة فرصة للانقضاض تحت شعارات كثيرة كتحرير فلسطين والوحدة والاشتراكية وغيرها على تلك النهضة الوليدة..فحصل اول إنقلاب عسكري في سوريا (العقيد حسني الزعيم سنة1949) تلاه فيض من الانقلابات في مصر والعراق والسودان واليمن وليبيا ..صاحبتها تأسيس أحزاب قومجية ويسارية  تبنت تلك الشعارات، لم تُحقق شىء من تلك الشعارات ..كل ما حقّقته هو القضاء على الكثير من الانجازات الثقافية والاقتصادية والتعليمية التي كان سابقة لها والتي جلبت الخراب للأفكار والعقول والمنجزات الاقتصادية ..لم تبني منجزات جديدة بل استولت على كل الانجازات قبلها وأممتها واعطتها للطبقة العمالية فقيرة الحال والثقافة التي توّهمت بأنها قد ملكت ما تستحق فكانت اليد التي ضربت بها تلك الحركات الانقلابية كل المؤسسات المدنية الاخرى ونظرا لسوء الثقافة ،لم تشعر تلك الطبقات وهي تمتلك ما أنجزها غيرهم ،انهم بهذا قد خسروا المُعين الاقتصادي الاكبر الذي لو بقى وتطور تدريجيا وثقافيا وتشريعيا وعلميًا لطالت إنجازاته الاقتصادية والمدنية الجميع فيما بعد. ..والحقيقة ان تلك الحركات الانقلابية بهذا التصرّف بدت وكأنها تستدين من جهة ما لُترضي نفسها وأخرين ..ولم تفكّر انه  سياتي  يومًا  تقف فيه عاجزة عن تسديد تلك الديون وعندها تقع في مأزق إقتصادي وإجتماعي وسياسي وثقافي ودولي كبير ..وهذا ما حصل ..فتم الهروب للإمام ودخلت في معارك وهمية لم تكسب فيها معركة واحدة فلجأت للغة العربية لتسمي الاشياء بغير مسمياتها فكانت مثلا الهزيمة نكسة وكان شكسبير هو الشيخ الزبير والجنيه هو الدينار والثقافة هي تمجيد الاستبداد ..وأمتلاء قاموس المفردات والاعلام الموجّه بكلمات مثل الامبريالية ، الاستعمار و العملاء والخونة ،قوى الشعب العاملة ،  الاشتراكية ،الجواسيس ،عصر الجماهير ، المؤامرة ..الخ ...
  تزامنت بدايات تلك النهضة المدنية الاولى مع سقوط دولة الخلافة العثمانية التي ورثت (الخلافات الاسلامية) فكان ظهور دعوات للعودة لتلك الخلافة أيضا..منها ظهور جماعة الاخوان المسلمين والتي ظهرت من عباءتها معظم الحركات المتطرفة فيما بعد والتي ظلت تعمل وتُنظّم نفسها سرًا وأحيانًا علنا   ...بعد فشل تلك الحركات الانقلابية القومجية ...وبداية عودة الوعي (السلبي) بسبب فشل وإنتهاء الايديولوجية القومجية ..حلّت جماعات الاسلام السياسي مكانها بعد تغييرات( الربيع العربي ) لأسباب كثيرة من أهمها دعم العالم الغربي لتلك الجماعات على أساس انها هي الحركة المعتدلة وفشل الحركات المدنية على تقديم مشروع يجذب عامة الناس والذين تغلب عليهم حالة التدّين وكذلك أخذا برأي كثير من مراكز الابحاث الغربية ورموزها  بأن هذه المناطق لا تُحكم إلا من خلال أيديولوجية دينية ولتكن مُعتدلة ..لعله قد يحدث أمران ..إما الاستقرار تحت حكم تلك الحركات، او الوعي بمخاطر هذا النوع من الحكم كما حدث مع الحركات القومجية التي ايدتها الشعوب سابقًا ثم حادت وثارت عليها بعد فترة ..حيث ان الوعي السياسي والمدني لا يحدث بدون المرور على هذه المرحلتان وليس القفز عليهما..
 نحن الان في مرحلة الوعي بخطورة سياسات ونهج وأطماع وجهل مشاريع الاسلام السياسي بمختلف أشكاله (العراق ، سوريا ، ليبيا ، مصر ، اليمن ، تونس ،لبنان)...ولكن هل هذا سيقودنا لحتمية العودة لأسس مشاريع النهضة الحقيقية قبل تلك الانقلابات ومشاريع الاسلام السياسي، والتي اساسها الحكم الرشيد والحكيم و الاقتصاد الصحيح وحقوق المواطنة  والتمدّن...لننقذ أوطاننا من الضياع !.