بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 24 أغسطس 2015









الاستبداد بكل أشكاله لا يعامل المواطنون كمواطنين أصحاب وطن ...بل يعاملهم كأنهم أشياء يجب ان تُضحي بحقوقها وإنسانيتها و تتنازل عنها وأن تتحمل كل الجور والظلم تحت دعاية أن تلك الانظمة تقاوم المؤامرات والامبريالية والصهيونية والاستعمار وكل الاعداء (الوهميين) ...وأن لا تهتم خلال هذه المعارك الدين كيشوتية بمستويات الخدمة والمعيشة والاقتصاد والصحة والتعليم وغيرها ..تحت شعار ..لا صوت يعلو فوق صوت المعركة(الوهمية) ....هذه كانت مميزات المرحلة الاولى من الاستبداد الذي ضرب بلادنا اكثر من اربعة عقود ...ونتج عنه ما نتج ....
المرحلة الثانية ..أكتشفنا فيها متأخرين كالعادة ان رحيل رموز الاستبداد الاول لا تكفي وأنه ليس الشرط الوحيد والكافي ( كما كان يدعي المتفيقهون الثوريون) لتأسيس العدل والحريات وقيم المواطنة ...فوقعنا في فخ الاستبداد الثاني في ساعات الغفلة والعاطفة ..حيث قفز بنا من مصطلحات الاستبداد الاول وعاد بنا لتراث مجتمعي وثقافي نهل من ثقافة الاستبداد الاول والتاريخ الزمني المليء بالمتناقضات ..فصرنا وطن للمتناقضات ....ومن هنا يجب ان نُدرك اننا امام معركة صعبة وكبيرة ستكون مليئة بالتضحيات والتكاليف الانسانية وأن لا نيأس ...يأس وصل بالبعض عن حسن نية او سوؤها بالتحسّر على فقداننا للإستبداد الاول ...المعركة اليوم بحق هي المعركة التاريخية والوطنية متعددة الجبهات .. والوعي بأنها هي ضد كل انواع الاستبداد .. ..والصبر عليها وعلى تكاليفها وعلى الجاهلين بها .. هي ما ..سيحدد مستقبل الوطن .....

الخميس، 13 أغسطس 2015







خاطرة في الغربة .......

في الايام الاولي للثورة في عام 2011 ...كنت في سويسرا ..خرجت من البيت بسرعة ..حيث كنت رغم الغربة اقوم باشياء كثيرة تعاطفًا ومحبة وتأييدً وفخرًا لابناء ورجال وحرائر بلادي .. حيث كانت وسائل الاعلام هناك تتناقل ما يدور في ليبيا ساعة بساعة .. وكانت العاطفة والحلم والامل تحمل أرواحنا إلى ليبيا الثورة والبطولة والتضحيات بكل غالي ونفيس...أجسادنا هنا ،إنما ارواحنا في ليبيا ..في هذا الجو المشحون بالعاطفة الجياشة ..صعدت القطار ..بعدها دخل موظفو الكونترول المكلفون بالتفتيش على بطاقات الاشتراك والصعود للركّاب ... هنا تذكرّت أنني وفي ظل سرعة خروجي .. قد نسيت أن أخذ معي محفظتي وبطاقة الاشتراك الشهري...سألني أحد رجال الكونترول السويسري ...قلت له ليست معي ...لقد نسيتها ! ..عندها رد ..حيث أنكي لا تحملين بطاقة الصعود ..يجب ان تدفعي الغرامة المحددة لهذه المخالفة..رديت ..حتى محفظتي التي بها النقود ..نسيتها !..أستغرب كثيرًا ..وظهر غضبه ...ثم ..بعد ان عرفني انني غريبة ...سألني ..من أين أنتي ..! ..رديت ..ليبيا ....عندها ردة فعله كانت غريبة ومفاجأة بالنسبة لي ...تراجع خطوات مني ...ثم وضع يديه على صدره ...ثم أنحنى أمامي إحتراما ...شعرت بالفخر ..رغم تقصيري ومخالفتي ....
اليوم ألتقيت نفس الرجل ....وتذكرني جيدا من نظرته ....عندها طلبت من الله ودعوته ...أن لا يسألني ...لأنني لم أعد اعرف بماذا أجيب عن ما يحدث في وطني اليوم !...حفظ الله ليبيا
(خاطرة الاستاذة فاطمة القرقني (ليبية مُقيمة بسويسرا) ....بتصرّف )



خاطرة قديمة ..جديدة




خاطرة قديمة ...جديدة:

..هو من البيضاء ..ذهب فترة التسعينات في مهمة عمل إلى منطقة صبراته والزاوية في غرب ليبيا ..حجزوا له مكانًا فى (مصيف صبراتة)..تعرّف على احد الليبيين هناك...وكانت كالمعتاد ، العزومة الليبية على وجبة غداء ظهيرة احد الايام...أتى مضيفه باكرًا لإصطحابه الى بيته ..وجد كثير من الجيران والاصدقاء وابناء عمومة المُضيف فى إنتظاره بالمربوعة المنفصلة عن باقي البيت بالحوازة..جلس وبدأ يتحدّث معهم ويتعرّف ، بعد دقائق ، فوجىء بشيخ كبير متكىء على عكازه..يقوده احد الشباب ، واقفاً بباب المربوعة صائحاً وبصوت قوي ...وينه الشرقاوي ! ، عرف انه المقصود ..نهض وقدّم نفسه له ..قام المسّن بلف يديه حول صاحبنا مرحبّا به وبقوة ...أحترم صاحبنا ذلك المسّن ..لم يجلس قبله بل انتظره الى ان اخذ راحته في الجلوس ..وجلس بعده ..نظر ذلك المسّن الى الجميع وقال:  " الحمد لله لايزل عندنا من يعرف العرف والاحترام وأدب المعاملة ." ..من وين انت !..سأل المسنّ صاحبنا ...من البيضاء ...اه يا البيضاء واه يا اهل الجبل الاخضر ..فى الخمسينات وفى عز الشباب .. ذهبت من منطقتي هذه وتوجهّت الى الجبل الاخضر حيث كان الخير وفيراً ..سعي وقمح ونعمة وغابات وامطار ..تحصلت على عمل فى منطقة (القبّة) ..احصد الزرع بأحد مناطقها البعيدة عن العمران وسط الغابات بالمشاركة مع اهله ...ذاك النهار غابوا عني ..لم يحضر منهم احد لظرف أصابهم..كنت جائعا ..من بعيد ، رأيت شياها سارحة ..واذ بأمرأة عجوز كانت هي الراعية ..رأيت بعد قليل شابة أتت بشىء فوق رأسها .. ..ذاك الشىء كان هو الأكل ...جلسن مع بعض وبدأن فى الاكل..بعد برهة رأتني تلك العجوز ..نادت ..تعال يا ترّاس ..عملت نفسي لم اسمع ..الحّت بصوتها مرة اخرى ..أقتربت منهنّ ..كنت جائعا ولكن فى نفس الوقت حشوما خجولا ...الا انها وبأصرارها جلست وبدأت فى الاكل معهن بإستحياء و هدوء رغم الجوع ..نأكل من نفس (القصعة )..لا انظر اليهن.. بل التفت بعيدا ...وبعد ان لاحظت العجوز هذا الامر ، قالت لي كلمات لا تزال ترّن فى مسامعي وذاكرتي الى الان :  " كول ..كول ..انت جيعان ...راهو العيبة مش اللي تدخل فى فمك ..العيب هو اللي يطلع من فمك " ..
خاطرة وحكمة حقيقية قيلت منذ اكثر من 70 عاما تذكرتها وانا ارى بعض الاعلام والاعلاميين ...والناس والكتّاب وما يحصل فى مواقع الاتصال الاجتماعى ..العيب فى اللى يطلع من فمك او بقلمك او حتى نقلا بدون تأكيد  ، وكفى بالرجل كذبا ان يتحدث بما سمع ....حفظ الله الوطن .

....رواية الخير



 ..كان السيد محمد سالم مديراً لما كان يسمى (بالأشغال العامة ) فى اواخر الستينات بالبيضاء العاصمة الصيفية..وكان الكثير من الليبيين يسعون لمقابلته للحصول على عمل فهو يدير اكبر مؤسسة تعنى بالأشغال البلدية والمواصلات فى ذلك الوقت تقرب وظيفته من مرتبة (وزير)..ذهب ذات مساء فى جولة بدون هدف محدد على غير عادته في سيارته الخاصة حيث لم يكن ممكناً ايام العهد الملكي إستعمال السيارات الحكومية بدون سائق او اذن حتى في اوقات ما بعد العمل الرسمي .وجد فى طريقه رجلا فى منتصف عمره واقفا يشير بيديه للسيارت (التى كانت نادرة) للوقوف .تجاوز السيد محمد الرجل ثم استدرك لسبب ما ، وعاد بسيارته الى الوراء ، ركب الرجل بجانب السيد محمد متمتماً شكره ودعاؤه ، سأل السيد محمد الرجل إن كان يريد وجهة معينة ..فأجابه(وهو لا يعرف انه يتحدث الى مدير الاشغال العامة) بأنه ذاهب الى البيضاء باحثاً عن عمل بعد ان جاء من المنطقة الجنوبية هو واسرته التي اسكنها مع احد اقربائه حيث واجهته صعوبة الحياة الرعوية بعد ان غابت الامطار ، كما انه اراد ان يقارب المدينة حيث المدارس لإبنائه ..رقّ شعور السيد محمد لحالة الرجل واوصاه ان يذهب في الغد الى (فلان الفلاني) بإدارة الاشغال وسيجد توصية هناك ...ذهب الرجل فى صباح اليوم التالى الى (فلان الفلاني) الذى سجله فى سجل العاملين وانه سينال اجرا يوميا عن عمله كما متبع ذاك الزمن وبعد إستكمال إجراءاته الادارية ..ونظرا لحاجة الرجل للعمل اخلص فيه ممّا جعله يترقىّ الى ان اصبح خلال اشهر هو رئيس العمال ،اصبح بعض العمال يتندّرون على ان هذا الرجل لم يترقىّ إلا لمعرفته الشخصية بالسيد مدير الاشغال وعلاقته العائلية به والواسطة وغيرها ..سمع الرجل هذا الكلام الذى اوجعه وكرامته وطلب من بعض العاملين الحضور الى بيته الذى استأجره اخيرا فى وجبة عشاء لعله يتمكن من شرح الامر كما حصل بالضبط لعلهم يبتعدون عن هذا التجنيّ...سمع السيد محمد بالامر وبعد ان سأل على عنوان بيت الرجل ، طب عليهم فجأة ، أندهش الرجل لحضور السيد محمد ..وبدأ السيد محمد يسأل الرجل امام زملائه..هل اتيت انا قبلا الى بيتك هذا ؟..لا ...هل لدي علاقه اسرية او عائلية بك ؟..لآ ...هل رأيتك منذ حملتك فى السيارة معي ذلك اللقاء العفوي ؟..لا...هل تعرفنى قبل ذلك اللقاء؟...لآ.
ثم بدأ السيد محمد فى سرد قصة ذلك اللقاء والتوصية التى عملها لادارة الاشغال لتشغيل الرجل ..وانه لم يراه منذ ذلك الحين ولم يعد يذكر حتى اسمه ..!ثم التفت السيد محمد الى الرجل وقال باسماً "من عادتي الا اخرج بسيارتي الا قليلا ولكن ذلك اليوم الذى وجدتك فيه كان هناك إلحاح عندي ان اخرج ..فخرجت ووجدتك وحدث ما حدث ..لعله كان بسبب ان الله يحبك لانك تفعل فى الخير وانك انسان طيب فكنت انا وسيلة من الله على تحقيق جزءا من امانيك" !..فرد الرجل ."لا اذكر انني فعلت معروفاً لأحد فأنا انسان بسيط وفقير وليس لديّ ما يزيد عن حاجتي لأساعد الاخرين كما انني لا املك مالا لأتصدّق او احجّ او غيرها ولكنني لم اعمل شرا لاحد ايضا ." ثم استدرك الرجل قائلا "إلا شيئا واحدا لا زلت اذكره ..فقد كنت اعمل نظّّافا منذ سنين قبل الاستقلال لدى احد سجون الطليان بالمرج واذكر انهم ليلاً احضروا طفلاً ليبيًا فقيرا ومريضا ووضعوه السجن بتهمة السرقة والذي ظل يبكي طوال الليل ولم يأتي احد للسؤال عنه ..وعندما سألت الطفل قال لى انه لا اب ولا ام له ولا قريب ..فرقّ قلبي وأخذت مفاتيح الدار والسجن خلسة واطلقت سراحه وقلت له اذهب واضطررت انا ايضا لترك عملي والهروب لأن الطليان سيعاقبونني بعد إكتشافهم للامر "..وهنا سأل السيد محمد الرجل مجددا عن اوصاف ذلك الطفل فأكد اوصافه وقال له انه كان مريضا وصغير الحجم واقرع (اى به مرض جلدى بشعره )..وهنا انتفض السيد محمد وقال : "يا سبحان الله ..يا سبحان الله ، ذلك الطفل كان ..أنا "
(رواية الحاج محمد بن علي ..رحمه الله )