بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 16 فبراير 2014

ابن خلدون ..الامريكي

مفتاح بوعجاج : ابن خلدون… الاميركي باع الأخوان فكرة العصبية الدينية إلى الأميركيين. صدقوهم. وها هم يرون النتيجة.


   ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وكذلك سوريا بدأت في مرحلة زمنية واحدة. ظهرت وكأنها ثورات بدون قيادات واضحة وصريحة وانما ثورات وانتفاضات شعبية خالصة. ولو تأملّنا كثيرا في رحم تلك الثورات لوجدنا انها تدعو إلى اعادة تأسيس القطر الوطني على اساس جديد وانظمة عصرية حديثة وهي اساس الدولة الديموقراطية المدنية التي تدعو إلى العدالة الاجتماعية والاقتصادية والحرية والمواطنة وحقوق الانسان.
   نجحت تلك الثورات في الاطاحة بالانظمة السابقة التي تفاوتت في ظلمها واستبدادها وتبديدها للثروات الوطنية البشرية منها والطبيعية. لو تمعنّا كثيرا في المطالبات والشعارات وحتى اناشيد الشباب وهم كانوا قادتها وطرق تعبيرهم المختلفة ومن الجنسين لرأينا انها كانت تحمل حلم ميلاد الدولة الجديدة التي تحاكي تلك الدول التي رآها هؤلاء من خلال نظرتهم إلى الدول المتقدمة ديموقراطيا ومدنيا في دول الغرب واميركا، سواء اعلاميا او بأدوات التواصل الاجتماعية او بالاحتكاك المباشر وطرق المعرفة الحديثة.
   قامت هذه الثورات وتزامنت. اميركا ودول الغرب كانت تحاول ان تجد حلا لما تسميه “الحركات الارهابية” التي شاركت هي نفسها في ولادتها لاسباب كثيرة ليس هنا مقام الحديث عنها. كان جزءا من حلّ هذه المعضلة، حسب رؤيتها، هو انها احتضنت وساعدت على قيام ما تسميه الاسلام السياسي القابل للتعاون معها والتي تراه بديلا عن الحركات المتطرفة دينيا، ولكنه وفي نفس الوقت يحقق نوعا من الاستقرار الاجتماعي والسياسي في المنطقة، رغم ان الغرب واميركا تمنع في دساتيرها قيام احزاب او كيانات سياسية على خلفيات دينية او ايديولوجية متطرفة! لا اعتقد ان دول الغرب خاصة اميركا لديها المانع في قيام دول مدنية ديموقراطية شرط التزامها ببعض المتطلبات التي ترى دول الغرب واميركا خصوصا انها تمثّل جزءا من المصالح وجزءا من متطلبات الامن القومي الخاص بها ومنها:
1- الحفاظ على امن اسرائيل
2- انسياب المصالح الغربية عموما من الثروات الطبيعية كالنفط بدون عوائق
3- محاربة التطرف والارهاب التي ساعدوا على تنشأتها ولكنهم تورطوا فيها فيما بعد.
   التقطت بعض حركات الاسلام السياسي ومنها جماعة الاخوان المسلمين والمتعطشّة والمتلهّفة للسلطة هذه الرغبة وحورّتها لصالحها وقدّمت نفسها على انها اولا ضامنة للاستقرار في المنطقة وبديلا عن “الجماعات المتطرّفة” التي ولد كثير منها من تحت عباءتها. والاهم انها اوهمت الغرب انها هي من تملك التفسير الديني الذي يتماشى مع العصر.
   وهكذا يبدو ان “الخلدونيين” الامريكان (تماشيا مع افكار وقراءات ابن خلدون  ، رأوا في ان المسلمين والعرب خاصة لا يحكمون الا بعصبية قومية او دينية. رضوا بهذا التفسير بل تبّنوا افكار هذه الجماعة وخاصة بعد هذا الصداع وهذه المعارك وهذا الموت وهذا الدمار التي حصل في افغانستان والعراق وباكستان والصومال وغيرها.
   الحقيقة التي لا ينكرها احد ان اميركا ومعها كثير من مراكز البحوث الغربية تفاجئت بثورات الربيع العربي وخاصة انه ولاول مرة تأتي على شكل ثورات شعبية نادرة لم يحدث مثلها في التاريخ الحديث وبهذا الشكل الا في رومانيا. ولهذا تلاحظون تردد اميركا ومعظم دول الغرب في اتخاذ موقف واضح من الثورة وبدايتها في تونس.
   التقى كل هذا الامر مع غياب قيادات فاعلة ديموقراطية واضحة كارزمية لهذه الثورات مما جعل من الجماعة الجاهزة والمتعّطشة للسلطة تقفز إلى صدر الثورات وعلى ظهرها بعد ان سقطت الانظمة. وهذا ما رأيناه يحصل في تونس ومصر وليبيا… ويحاولون ذلك في سوريا التي لم يحسم امرها حتى الان كون الصراع على السلطة بدأ قبل التحرير!
   بدأ شعور واحساس النخبة المدنية وشباب الثورات بهذا الامر بعد فوات الاوان. فها هي شعوب هذه الثورات تدفع الثمن لمحاولة العودة إلى تأسيس اوطان على اساس قيمة المواطنة والدولة المدنية التي كانت اساس مطالب شعوب هذه الثورات وليس على اسس دينية او مذهبية. وها هي ايضا اميركا ودول الغرب تعيد حساباتها وتدفع هي ايضا جزءا من حساباتها الخاطئة واستعجالها بعد ان فرض عليها الواقع ذلك..لتأخذ في الحسبان رضيت ام لم ترضَ بأن هذه الاوطان وهذه الثورات لديها شعوب ذات رؤية جديدة ومطالب ديموقراطية واجتماعية تختلف عن تلك التي قدمتّها جماعات تكونّت في ظروف وزمن وبيئة وظروف غير الظروف الحاضرة.
   ويبدو ايضا ان تلك الجماعات قد دفعت وستدفع ثمنا باهظا للتعلّم من هذا الدرس. والدرس الاهم الذي يجب ان تعيه هذه الجماعات هو مراجعة حساباتها وتنظيراتها وطرق الوصول إلى السلطة ورؤيتها عن ماهية الدولة الوطنية الحديثة وتأجيل احلام الخلافة والاستاذية المراهقة الفكرية إلى ما بعد النضج الفكري والوطني والاقتصادي لهم وللاوطان قبل اي شيء اخر. والا فأن فشل النظرية القومية وشعاراتها في الماضي سيتبعه فشل مدّوي وتاريخي لمفهوم قيام دول على خلفية وشعارات دينية وسيدفع الجميع الثمن ليعرفوا ان الاساس هو دائما للدولة الوطنية المدنية الديموقراطية طال الزمان ام قصر.
مفتاح بوعجاج     2013/9/7