بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 25 فبراير 2014


العاصمة    2012/6/10
مفتاح بوعجاج  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعيب على الكثيرين سياسة القفز على الواقع وعلى المراحل..عندما تتحدث عن عيوب النظام السياسي الفيدرالي.. يقولون لك أمريكا وألمانيا وغيرها هي نظم سياسية فيدرالية وناجحة وتناسوا ان ذلك كان عام 1778 وان أمريكا اليوم هي كائن اقتصادي بجدارة وكذلك ألمانيا.. عندما تتحدث عن انتهاكات الأمن يقولون لك حتى أمريكا فيها أجهزة أمنية وتناسوا أن تلك الأجهزة بتلك الدول بها فرامل بيد شعوبها أما نحن فقد استوردنا تلك (الآلة)..بدون فرامل فداست الجميع وستظل، إن لم ننتبه لذلك....عندما تتحدث عن انتهاكات وانقلابات الجيوش العربية على الشرعية وعلى الدساتير مهما كان شكلها..يقولون لك أمريكا وألمانيا وكوريا الجنوبية وحتى إسرائيل بها أيضا جيوش  وتناسوا أن تلك الجيوش عقائدها وطنية لحماية الوطن والدستور وليس عقيدة انقلابية..عندما تتحدث عن ضرورة ضبط وتنظيم الإعلام وأجهزته المختلفة يقولون لك حتى أمريكا وبريطانيا بها إعلام حر...عندما تتحدث عن عيوب أسواق البورصة والأسهم عندنا يقولون لك حتى اليابان بها سوق بورصات،عندما تتحدث وتشير إلى نسبة الحوادث في ليبيا يقولون لك حتى أمريكا وايطاليا وبريطانيا بها حوادث،عندما تتحدث عن نسبة البطالة في ليبيا يقولون لك حتى ارقي دول العالم وأكثرها ازدهارا بها بطالة، عندما تتحدث عن عيوب مركزية عاصمتنا يقولون لك حتى أمريكا واستراليا وألمانيا واليابان لها عواصم.
الجيوش والإعلام والفيدرالية والأجهزة الأمنية والبورصات وغيرها هي نتاج الحضارة الغربية بامتياز وتدرجت في بناء تلك المؤسسات التي ولدت من رحم شرعي اسمه الحاجة وليس رحم التقليد والمباهاة.. بطريقة الطوبة طوبة إلى أن وصلت إلى ما وصلت أليه وكما لكل شيء سلبيات وايجابيات..تزامن تأسيس تلك الأشياء بتشريعات وعقائد وسياسات تضبط وتقلل من سلبياتها وتجعلها تخدم الغرض الاساسى الذي انشات من اجله..كما تواجدت بنية تحتية ثقافية واقتصادية وعلمية وتشريعية لتلك المؤسسات في بلداننا أتيناها من الأخر..قمنا بتأسيس مؤسسات مناظرة لما هو موجود بالغرب  وتناسينا بناها التحتية وأسباب بناؤها هناك.. فأصبحت صدى باهت ورديء بل وخطير وعكسي لما هو موجود عندهم..بل أحيانا تنتج منتجات عكسية على التنمية والتقدم كتخرج طلبة جهلة يصبحون مدرسون على طلبة يصيبونهم بالجهل فتظل عجلة الجهل تدور وتدور لترمى بمنتجاتها علينا وحولنا..أو بناء جيش تقليدا للعالم الأخر..ولكن بدون عقيدة وطنية فيصبح الجيش والعسكر والأمن عموما خطرا على الأمة ومواطنيها ودستورها وشرعيتها فتصاب الأمة بداء الانقلابات التي قهرتنا نحن.. فلا كعب بلغت تلك الجيوش ولا كلابا ..أو بناء اقتصاديات نقدية لا مكان فيها للإنتاج أو الخدمات تقليدا للاقتصاديات الغربية التي تجاوزت مرحلة الإنتاج بهذا الكم الهائل من الإنتاج الزراعي والصناعي والتقني والفكري والخدمات ووصلت إلى مرحلة تحويل قيمة تلك المنتجات إلى قيمة نقدية بتداولها الناس فظن البعض أن اقتصادهم مجرد أوراق نقدية تطبع فى المطابع يتم تداولها..إما نحن فقد قفزنا إلى مرحلة الاقتصاد النقدي بدون المرور بتلك المراحل التي بدأت بالزراعة ومرورا بالثورة الصناعية وانتهاء بالتقنيات الحديثة  فى عالم الاتصال والخدمات.. فأصبح اقتصادنا ورقيا نقديا يعتمد على أسعار النفط والبورصات جاهز للسقوط عند أول هبة ريح لأنه وبكل بساطة اقتصاد ورقى وقد يكون أحيانا قيمته محددة من الخارج وليس من الداخل وبالتالي قرار قيمته وفائدته هو في مكان ما..خارج الوطن..فأصبح اقتصادنا.. بيع نفط.. نقود.. استيراد.. توزيع.. استهلاك.. وأحيانا لا ننجح حتى في هذه المراحل.
عندما حدثت الأزمة المالية العالمية.. لم يعي الكثير من الأكاديميين والبحاث (الورقيين) أن تلك الأزمة قد اختلف تأثيرها بين الدول التي مرّ اقتصادها بالمراحل الطبيعية وبين دول أخرى كدول العالم الثالث التي نحن من بينها وفى أسفل السلّم.. فالدول من النوع الأول تأثر اقتصادها جزئيا في جانب (الاقتصاد الورقي أو النقدي) ولكن الجزء الكمي الانتاجى الزراعي والصناعي والتقني، استمر كما هو بل عجزوا حتى عن تصريف جزء منه لكثرته حتى إثناء الأزمة المالية ولتبيان النتائج العكسية بسبب اختلاف الاقتصاد فى سوق العقارات انخفضت عندهم فى تلك الأزمة ولكنها ارتفعت عندنا وعند أمثالنا وفاقت حدود المعقول...إما النوع الثاني من الدول فقد كان تأثير الأزمة  فيها كبيرا ومدمرا لأنها لا تملك إلا جزئية واحدة من الاقتصاد وهو (الاقتصاد الورقي النقدي).. وتبخرت كثير من المليارات في الهواء..رغم احتياجات البني التحتية والإنتاجية لها في داخل تلك الدول (أتمنى من احد المتخصصين إفادتنا بأرقام متوفرة عن خسارة ليبيا في تلك الأزمة)..فلازلت اذكر أن احد المتخصصون الاقتصاديين الذين كانوا يحتلون (وبعض منهم لازال للأسف) الساحة الاقتصادية القذافية ذكر أن استثماراتنا في الخارج كانت في حدود 100مليار وذكر أخر أنها كانت 500مليار بل ذكراخر بشكل خجول أن استثماراتنا النقدية في الخارج كانت 1000مليار.. وهى مستثمرة في اقتصاديات نقدية.. فما هى خسارتنا إثناء الأزمة..ورغم تلك الأرقام كنت اذكر مدى معاناة فلاحينا فى الداخل فى الحصول على أعلاف لمواشيهم..تناقض غريب عجيب  من إبداعات ذلك المقبور ورفاقه ومنظريه.!!)
نأتي إلى إسقاط هذه الجزئية من القفز على المراحل على عنواننا (العاصمة)..فنجد انه طالما للعالم الأخر عواصم..فلم لا نعمل عاصمة ؟..عملنا عاصمة..وكما كانت واشنطن دى سى عاصمة أمريكا جعلنا نحن أيضا طرابلس عاصمة ليبيا.. ونعم المدينة ونعم الناس أهلها.. إلا إننا ظلمناها وظلمتنا بتفكيرنا التقافزى وثقافتنا وإدارتنا القابعة فوق جبل الثلج.. فجعلنا كل شيء يخص ليبيا فيها..مقار لمعظم الشركات الرئيسية.. المطار الرئيسي فيها.. المقار الرئيسية للمصالح والصناديق والمراكز والمجالس العليا (جمع الأعلى) على غرار المجلس الأعلى للصحافة والمجلس الأعلى للثقافة والمجلس الأعلى للإعلام والإذاعات (تسميات لا حصر لها) ومقار النقابات وصناديق التنمية والادارات العليا لبنوك البلاد وغيرها الكثير لدرجة إننا تعودنا من قبل على مادة مكررة كانت تتكرر في كل قرارات التأسيس الصادرة مما كان يسمى (اللجنة العامة) وألان مجلس الوزراء وهى مادة (على أن يكون مقره الرئيسي طرابلس ويجوز إنشاء فروع له في المدن الأخرى!!).. حتى مقر (صندوق تشجيع الزواج)..الذي ينطبق علي تأسيسه قولنا..قفز على المراحل.. وكأن بتأسيس هذا الصندوق نكون الدولة قد شاركت فى تشجيع الزواج مباشرة وتناسوا أن ظاهرة العنوسة في ليبيا أسبابها هى اكبر من تلك الصناديق وعلى رأسها أزمة السكن وأزمة البطالة وأزمة..الثقافة الاستهلاكية ...وبهذا الزخم وبهذا القفز وبهذه القرارات جعلنا من بيت عروس البحر لا يتسع لضيوفها ولا لزوارها فتضايقت منا ولا ألومها في ذلك..وتضايقنا نحن أيضا من تلك الزحمة..فبدل أن نأتيها زائرين متمتعين محبين..أتينا متضايقين وغادرنا زعلانين..قد نجد لها العذر في ذلك خاصة في الظروف الانتقالية الصعبة.. إلا أن آخرين في قلوبهم مرض..استغلوا هذا الأمر لأغراض أخرى وكأن طرابلس المدينة والأهل هم من أرادوا ذلك متناسين أن السلطة في الماضي والحاضر هي من تفعل ذلك بقرارات حكومية تم فرضها علينا وعليهم بعضها بحسن نية وبعضها سوء إدارة.. وقلّة فهم وإدراك.. وهم بذلك مسئولون عن تغوّل المركزية فتلقفها البعض ليستدلوا بها على أغراضهم..
عواصم الدول الأخرى تفهموا هذا الأمر وجعلوا من عواصم بلدانهم مكانا صغيرا لقضايا ألدوله الرئيسية وليس لمصالح وقضايا الناس فتوزعت مصالح الناس وهمومهم وحلولها وخدماتهم على مدنهم.. فلا تكاد تشعر بأن واشنطن دى سى هي عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية.. ولا تكاد تشعر أو تعرف أن..برن.. هى عاصمة سويسرا ,,ولا تكاد تشعر ان بون كانت عاصمة المانيامن (61-89) وألان برلين عاصمة ألمانيا بعد توحدها.. والغريب انه حتى فى استراليا عجز الكثير من الاستراليين أنفسهم على معرفة أن (كانبيرا) هي عاصمتهم وليس سيدنى!!كما انك لا تشعر بأهمية عاصمة الصين مقابل جمال واقتصاد المدن الأخرى فأحيان تظنها شنغهاي ولكنك تقرأ أنها بكين..
ظاهرة العواصم المزدحمة هي ظاهرة متخلفة تجدها في جل دول العالم الثالث مثل ريو دى جانيرو ومكسيكو سيتي والقاهرة ودمشق وبغدادوالجزائر..بل بعض من تلك الدول التي ذكرت لا تعرّف الا بعواصمها فيقولون عن القاهرة (مصر) وعن دمشق (الشام).. وهى ظاهرة استمدت ثقافتها من..تركز السلطة في العاصمة.. والسلطة فى هذه الدول هى المصدر الرئيسي للثروات.. وبالتالي هى مدن جاذبة...عكس الدول المتقدمة التي أمنت بالقطاع والاقتصاد الخاص والمتحرر من هيمنة الدولة وكذلك أمنت بأن دور السلطة والدولة يقتصر فقط على التخطيط والمتابعة والمراقبة..فنشر القطاع الخاص الوطني الثروة في عديد المدن بطول البلاد وعرضها وأصبح هو الموزع الرئيسي للثروة والعمل والبحث والدراسة.. والخدمات. وهنا يتأكد كلامنا المكرر ان الاقتصاد هو المصلح لما افسدته السياسة والعكس ليس صحيحا.
أتمنى أن لا نشد رحالنا إلى عاصمتنا إلا لنزور اهلناواصدقائنا هناك أو للسياحة.. أما مصالحنا وإجراءاتنا وخدماتنا فلا تكون إلا حيث نحن.. لنخفّف عليها وطئنا وزحمتنا وتخفف هي علينا التعب والترحال.. فلا نكون نحن ضيوف ثقلاء ولا تكون هي... هدفا لنقدنا والسنتنا اللاذعة.. فمن حق اهلهاايضا أن يستمتعوا أيضا بالهدوء والخصوصية.    
مفتاح بوعجاج  2012/6/10

قنابل ...الدخّان 10-11-2012



    ما إن وصلنا إلى مرحلة بناء الدولة في بلدان الربيع العربي..حتى بدأت قنابل الدخان تنفجر هنا وهناك ..معطّلة وعامية بذلك تحقيق أهداف الإنتفاضات في بناء الدولة الدستورية المدنية الديمقراطية العادلة الحديثة ..تلك القنابل التي أراها هى صنع محلي بعضها كان موجودا أيام الأنظمة السابقة وبعضها صنعناه بأيدينا وعقولنا وثقافتنا والتي بعض منها لم يستوعب الحدث بعد وبعض منها..لا يريدنا ان نصل الى مكان غير المكان الذى يراه صالحا لمعيشته وثقافته ومصالحه ورؤيته هو فقط . .
   عراك على الشريعة وعراك على المناصب وعراك على النظام السياسي وعراك حتى على التاريخ ..وعراك على العواصم ...وعراك على من هم الأصدقاء ومن هم الأعداء وعراك على ماذا تلبس المرأة وما لا تلبس وحتى أحيانا عراك على ..الشرارة.. وأين بدأت ...لا استغرب من قوم نسوا وتناسوا تاريخ الإنتفاضة فى ليبيا وشهدائها وإبطالها الشهداء والإحياء ومبادئها وأهدافها وبطولاتها خلال عام من الإحداث المتلاحقة والمصّورة التي أذهلت المتابعين ..لا استغرب منهم ان ينسوا ويتناسوا لماذا قامت الثورة أصلا وماهى الثورة وما هي مقاصدها ..
  مقاصد ثورتنا العظيمة في اعتقادي راسخا هى إرساء دعائم الدولة المدنية العصرية الدستورية ..فالسيادة لله أودعها الله الأمة ..الأمة هى مصدر السلطات..فلا تتوقعوا من امة مسلمة صابرة مجاهدة ان تحيد عن مبادئ الإسلام في العدل والمساواة وحقوق الإنسان ..فلن تحفظ الدين اسطر وكلمات مالم تكن محفوظة في القلوب والصدور ..فكفى لغطا ولهوا ..يكفينا ان (دين الدولة هو الاسلام ) كما فعل أولئك المؤسسون الذين لا يستطيع احد ان يزايد على تدينهم او وطنيتهم .. 
  كثيرمن المسلمين يعيشون محترمون ومصانون في شعائرهم وديانتهم واحوالهم الشخصية اليوم فى دول لا تذكر في دساتيرها كلمة او شعارا عن ..الشريعة كلمة واحدة غير (حرية المعتقد)..بل هرب هؤلاء المسلمون الى تلك البلدان بعد ان تعرّضت كرامتهم وأرواحهم وأموالهم للاهانة والاستغلال والاغتصاب فى دول ترفع كثيرا فى دساتيرها وقوانينها وشعاراتها وإذاعاتها وقنواتها كلمات ونصوص ومواعظ وصراخ عن الدين والشريعة وهم ابعد عن ذلك تطبيقا وممارسة .... فقط اطلقو عقال الأمة..ولا تتذاكو كثيرا ولا تجادلوا ..فأركان الأمة والدولة الحديثة التي يتبارى الكثيرون للدراسة والعيش واللهو والإقامة فيها ..واللبس من لباسها والأكل من خيراتها..والتحدث بلغاتها..وقضاء العطلات والعلاج فيها واستعمال تقنياتها..وصناعاتها..والإنصات والاستمتاع بفنّها وفنونها : هى جيش وامن وطنى ذو عقيدة وطنية دستورية ودستور مدني ديموقراطى يلّم شمل الامة عادلا منصفا لجميع المواطنين الليبيين..وقضاء عادلا نزيها ..ومحكمة دستورية عليا تكون مرجعية لنا..وفوق ذلك كله مجلس تشريعي به نواب وشيوخ تختاره الأمة فى انتخابات حرة ونزيهة..تتساوى فيه كلمة المناطق والغالب هو مصلحة الوطن ومصلحة الجميع ..وحرية ..واقتصاد هويته دعه يعمل دعه يمر ..ومن له في غير هذه الأمور فليصلى معنا ولكن لا يؤمّنا..ومن كان مع النظام السابق عقيدة ودما ومسلكا ..فبيننا وبينه المحاكم العادلة ..
   في وضعنا الحالي تسّّّرب الكثيرون من ذوي الثقافات التي سادت سنينا عجافا..من خلال بوابات كثرت أسماؤها تشكّلت فى مرحلة كانت المجاملة والمصلحة والجهل والتقافز وحتى التساهل عنوانها ...علينا ان نقوم بدعم بوابة واحدة رئيسية باسم (النزاهة والوطنية ) نضع فيها كل مطالبنا واختياراتنا لتكون ممرا امنا إلى ..ليبيا الحديثة .
  ما لم نحدد أهدافنا بكل دقّة وموضوعية ووطنية ..فستظل تلك القنابل الدخانية تعمى أبصارنا وأفئدتنا وقلوبنا ..وبوصلتنا.. وقد نجد أنفسنا وفي الوقت الضائع بعد ان يختفي ذلك الدخّان أننا ..كنّا نصلّّّّّّي فى غير اتجاه القبلة .

مفتاح بوعجاج

الأحد، 16 فبراير 2014

ابن خلدون ..الامريكي

مفتاح بوعجاج : ابن خلدون… الاميركي باع الأخوان فكرة العصبية الدينية إلى الأميركيين. صدقوهم. وها هم يرون النتيجة.


   ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وكذلك سوريا بدأت في مرحلة زمنية واحدة. ظهرت وكأنها ثورات بدون قيادات واضحة وصريحة وانما ثورات وانتفاضات شعبية خالصة. ولو تأملّنا كثيرا في رحم تلك الثورات لوجدنا انها تدعو إلى اعادة تأسيس القطر الوطني على اساس جديد وانظمة عصرية حديثة وهي اساس الدولة الديموقراطية المدنية التي تدعو إلى العدالة الاجتماعية والاقتصادية والحرية والمواطنة وحقوق الانسان.
   نجحت تلك الثورات في الاطاحة بالانظمة السابقة التي تفاوتت في ظلمها واستبدادها وتبديدها للثروات الوطنية البشرية منها والطبيعية. لو تمعنّا كثيرا في المطالبات والشعارات وحتى اناشيد الشباب وهم كانوا قادتها وطرق تعبيرهم المختلفة ومن الجنسين لرأينا انها كانت تحمل حلم ميلاد الدولة الجديدة التي تحاكي تلك الدول التي رآها هؤلاء من خلال نظرتهم إلى الدول المتقدمة ديموقراطيا ومدنيا في دول الغرب واميركا، سواء اعلاميا او بأدوات التواصل الاجتماعية او بالاحتكاك المباشر وطرق المعرفة الحديثة.
   قامت هذه الثورات وتزامنت. اميركا ودول الغرب كانت تحاول ان تجد حلا لما تسميه “الحركات الارهابية” التي شاركت هي نفسها في ولادتها لاسباب كثيرة ليس هنا مقام الحديث عنها. كان جزءا من حلّ هذه المعضلة، حسب رؤيتها، هو انها احتضنت وساعدت على قيام ما تسميه الاسلام السياسي القابل للتعاون معها والتي تراه بديلا عن الحركات المتطرفة دينيا، ولكنه وفي نفس الوقت يحقق نوعا من الاستقرار الاجتماعي والسياسي في المنطقة، رغم ان الغرب واميركا تمنع في دساتيرها قيام احزاب او كيانات سياسية على خلفيات دينية او ايديولوجية متطرفة! لا اعتقد ان دول الغرب خاصة اميركا لديها المانع في قيام دول مدنية ديموقراطية شرط التزامها ببعض المتطلبات التي ترى دول الغرب واميركا خصوصا انها تمثّل جزءا من المصالح وجزءا من متطلبات الامن القومي الخاص بها ومنها:
1- الحفاظ على امن اسرائيل
2- انسياب المصالح الغربية عموما من الثروات الطبيعية كالنفط بدون عوائق
3- محاربة التطرف والارهاب التي ساعدوا على تنشأتها ولكنهم تورطوا فيها فيما بعد.
   التقطت بعض حركات الاسلام السياسي ومنها جماعة الاخوان المسلمين والمتعطشّة والمتلهّفة للسلطة هذه الرغبة وحورّتها لصالحها وقدّمت نفسها على انها اولا ضامنة للاستقرار في المنطقة وبديلا عن “الجماعات المتطرّفة” التي ولد كثير منها من تحت عباءتها. والاهم انها اوهمت الغرب انها هي من تملك التفسير الديني الذي يتماشى مع العصر.
   وهكذا يبدو ان “الخلدونيين” الامريكان (تماشيا مع افكار وقراءات ابن خلدون  ، رأوا في ان المسلمين والعرب خاصة لا يحكمون الا بعصبية قومية او دينية. رضوا بهذا التفسير بل تبّنوا افكار هذه الجماعة وخاصة بعد هذا الصداع وهذه المعارك وهذا الموت وهذا الدمار التي حصل في افغانستان والعراق وباكستان والصومال وغيرها.
   الحقيقة التي لا ينكرها احد ان اميركا ومعها كثير من مراكز البحوث الغربية تفاجئت بثورات الربيع العربي وخاصة انه ولاول مرة تأتي على شكل ثورات شعبية نادرة لم يحدث مثلها في التاريخ الحديث وبهذا الشكل الا في رومانيا. ولهذا تلاحظون تردد اميركا ومعظم دول الغرب في اتخاذ موقف واضح من الثورة وبدايتها في تونس.
   التقى كل هذا الامر مع غياب قيادات فاعلة ديموقراطية واضحة كارزمية لهذه الثورات مما جعل من الجماعة الجاهزة والمتعّطشة للسلطة تقفز إلى صدر الثورات وعلى ظهرها بعد ان سقطت الانظمة. وهذا ما رأيناه يحصل في تونس ومصر وليبيا… ويحاولون ذلك في سوريا التي لم يحسم امرها حتى الان كون الصراع على السلطة بدأ قبل التحرير!
   بدأ شعور واحساس النخبة المدنية وشباب الثورات بهذا الامر بعد فوات الاوان. فها هي شعوب هذه الثورات تدفع الثمن لمحاولة العودة إلى تأسيس اوطان على اساس قيمة المواطنة والدولة المدنية التي كانت اساس مطالب شعوب هذه الثورات وليس على اسس دينية او مذهبية. وها هي ايضا اميركا ودول الغرب تعيد حساباتها وتدفع هي ايضا جزءا من حساباتها الخاطئة واستعجالها بعد ان فرض عليها الواقع ذلك..لتأخذ في الحسبان رضيت ام لم ترضَ بأن هذه الاوطان وهذه الثورات لديها شعوب ذات رؤية جديدة ومطالب ديموقراطية واجتماعية تختلف عن تلك التي قدمتّها جماعات تكونّت في ظروف وزمن وبيئة وظروف غير الظروف الحاضرة.
   ويبدو ايضا ان تلك الجماعات قد دفعت وستدفع ثمنا باهظا للتعلّم من هذا الدرس. والدرس الاهم الذي يجب ان تعيه هذه الجماعات هو مراجعة حساباتها وتنظيراتها وطرق الوصول إلى السلطة ورؤيتها عن ماهية الدولة الوطنية الحديثة وتأجيل احلام الخلافة والاستاذية المراهقة الفكرية إلى ما بعد النضج الفكري والوطني والاقتصادي لهم وللاوطان قبل اي شيء اخر. والا فأن فشل النظرية القومية وشعاراتها في الماضي سيتبعه فشل مدّوي وتاريخي لمفهوم قيام دول على خلفية وشعارات دينية وسيدفع الجميع الثمن ليعرفوا ان الاساس هو دائما للدولة الوطنية المدنية الديموقراطية طال الزمان ام قصر.
مفتاح بوعجاج     2013/9/7

الأحد، 2 فبراير 2014

دولة الخلافة ...الاوروبية





دولة الخلافة ...الاوروبية   2012/2/3
مفتاح بوعجاج

  تشكّلت خارطة الدول الأوروبية وحدودها بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية وظهرت على اثر ذلك دول كثيرة بحدودها المعروفة مثل المانيا وفرنسا وايطاليا وسويسرا واسبانيا وغيرها..
  برزت الولايات المتحدة الامريكية كقوة عسكرية واقتصادية وسياسية وكان لذلك الاثر الكبير فى التأثير على شكل الاقتصاد فى تلك الدول الاوربية التى وقعت تحت تأثير السياسات الاقتصادية التى تبلورت فى الولايات المتحدة الامريكية، حيث ولدت معظم المؤسسات الاقتصادية والسياسية الدولية مثل الامم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين والتى اصبحت مؤثرا وموجها لتلك الدول اقتصاديا مما نتج عنه متطلبات سياسية ابرزها ضرورة وجود مؤسسات ديموقراطية تخدم الاقتصاد الوليد.
  ظهرت الحاجة ايضا فى الدول الاوربية من قطاعها الخاص والتوجيهات الحكومية الى ضرورة النهوض بالصناعات والثقيلة بشكل خاص والاقتصاد عموما.. والتى امتدت الى صناعات اخرى والتى تطلبت امكانيات اكبر وموادا خام واسواقا اكبر وانفتاح اكبر مما جاء بالحاجة الى (سوق اوروبية مشتركة).. تطلبت وجود تلك السوق واجراءاتها انفتاحا سياسيا وتغييرا جذريا تجاوز بذلك النظرة القومية والوطنية لتلك الدول فولد (الاتحاد الاوروبى) وتأشيرة (الشنقن) والتى ازالت المعوقات السياسية وسهلت حركة رأس المال وجعلت من الحدود بين الدول الاوربية مجرد علامات وبوابات بسيطة تكاد لا تراها العين بل البعض من تلك الحدود (الوهمية) يمر من خلال مزرعة او مطعم او جبل واحد فى خطوط البعض منها مرسوم رسما بفرشاة رسام قد تراه العين ولكنه لا يعيق حركة اويمنع متجولا.
   ظهر الاتحاد السوفييتى على الضفة الاخرى الشرقية كدولة تحكمها ايديولوجية شيوعية بعد الحرب العالمية الاولى والثانية ايضا.. والتى سبق وان قامت به ثورة بلشفية على حكم القياصرة فى عام 1917 ولكن تدريجيا حل الحكم الشيوعى محل حكم القياصرة تحت اسم (اتحاد الجمهوريات الاشتراكية) سنة 1923 وادعى انه صوت الجماهير ورفع شعارات إيديولوجية مثل (يا عمال العالم اتحدو) و(دولة الاشتراكية الواحدة).. واتخذ من الاشتراكية الشيوعية والقطاع العام الشيوعى منهجا وسلوكا.. ولم يكن للقطاع والاقتصاد الخاص اى دور بل اممت الممتلكات والمزارع والاموال واصبحت ملكية جماعية تدهور فيها الانتاج واختلت فيها العلاقات الاجتماعية مما تطلب تعزيز القبضة الامنية والتى ادّت الى موت اكثر من 2 مليون فى التعذيب والسجون والقتل العمد.. وسيطر الاتحاد السوفييتى نتيجة مشاركته الحرب العالمية الثانية مع الولايات المتحدة ومقاسمته غنيمة الانتصار معها.. على كثير من الدول الاوربية الشرقية مثل المانيا الشرقية وبولندا ورومانيا والمجر..
النجاح الاقتصادى فى الدول الاوربية الغربية ادّى الى اتحاد سياسى سمى (الاتحاد الاوروبى ) لم شمل قوميات ولغات وحتى ديانات مختلفة وحدثت المصالح الاقتصادية التى تم التخطيط لها بعناية ومنهجية علمية.. الفشل الاقتصادى فى الاتحاد السوفييتى ودوله التى اتبعت ايديولوجيته السياسية والاقتصادية جعل ذلك الاتحاد يتفكك وينحل عام 1991.. لانه لم تكن تجمعها اقتصاديات صائبة.. بل دكتاتورية واستبداد زال ذلك الاتحاد بزوالها..
   على غرار الاتحاد السوفيتى حاول الكثير من منظرى فكرة القومية العربية.. بدون اى محتوى اقتصادى الى نشر هذه الفكرة فى الخمسبنات والستينات والسبعينات والتى ساعدت على حدوث كثير من الانقلابات اولها انقلاب حسنى الزعيم عام 1949 فى سوريا ثم تلاها الكثير من الانقلابات.. مستغلّة قضية مأساة فلسطين.. فى العراق ومصر والسودان واليمن وليبيا.. وفشلت تلك الانقلابات فى تحقيق اى من شعاراتها بل دمرت كثيرا من المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التى كانت قبلها..
عوامل كثيرة من بينها العامل الاقتصادى والظلم والاستفزار والاستبداد وعوامل تقنية الاتصالات والاعلام والعولمة ادّت الى.. ثورات الربيع  العربى فى تونس ومصر وليبيا واليمن... والتى وصل فيها بطريقة او بأخرى جماعات واحزاب ذات مرجعية (اسلامية) اكثرها تأثيرا هى (جماعة الاخوان المسلمين)  فشلت حتى الان فى فهم مغزى ومطالب الثورات الحقيقية.. وجعلتها وكأنها ثورات دينية وليست مطالب اقتصادية واصلاحية وتنموية وحضارية ووطنية مستغلّه بذلك مشاعر بسطاء وعوام الناس الدينية مما جلب معها كثيرا من الحركات المتطرفة للوصول الى السلطة.... وكثير منها واروا أهدافهم التى زرعها مؤسسها (حسن البنا) فى الثلاثينات فى تأسيس خلافة دينية.. والتى فى مضمونها تسعى لدولة زمنية لا تعترف بالدولة الوطنية.. والتى لا يجب ان لا ننسى الظروف الوطنية والعالمية والاستعمارية التى ظهرت فيها تلك الدعوة والتى تختلف جذريا عن واقع اليوم.
حقائق التاريخ تقول ان الدولة الوطنية والمصالح الاقتصادية المبنية على حقوق الملكية وحرية الافراد وحقوق المواطنة بغض النظر عن معتقده او جنسه او ثقافته هى طريقنا الى اى نوع من الاتحاد او النفوذ او القوة والقدرة.. والبناء.. والا سيمر الزمن كما مر ونحن فى الاحلام والمهاترات والهزائم.. لكن بعد ان نكون خسرنا الزمن وبعضا من ثرواتنا وحتى اوطاننا... سمعت مرة اردوغان يقول: (اصغينا فترة لدعوات الحاكمية والمرشدين ثم اصغينا لدعوات العودة الى الخلافة.. ولكننا الان لا نرى البقاء الا لدولة الازدهار الاقتصادى..دولة المواطنين).. فخذو من (الخلافة الاوربية) درسا ان كنتم تعقلون.
مفتاح بوعجاج   فى 3/2/2013